الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصطدام بالشخصيات المقدسة (4)

طلعت رضوان

2018 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الاصطدام بالشخصيات المقدسة (4)
طلعت رضوان
من بين المُـثقفين المصريين الذين حصلوا على (وسام القداسة) من الثقافة المصرية السائدة د.عبدالوهاب المسيرى..والسبب ببساطة أنه (بالرغم من ثقافته الموسوعية) والتى برزتْ بشكل خاص فى (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) وبالرغم من ذلك فإنه أسلم عقله للثقافة السائدة..وصـدّق كلام أستاذه (جمال حمدان) عن (عروبة مصر) وفق مشيئة البكباشى عبدالناصر..والأخطرأنه استسلم للأيديولوجيا (بمعنى التقيد بمعتقد سياسى/ فكرى/ دينى) وتكون النتيجة الوصول لمرحلة ال Dogma أى (الإيمان) بما اعتقده بشكل جازم/ مطلق/ نهائى.
وبالرغم من إدراكى بأنّ (وسام القداسة) الذى حصل عليه من الثقافة المصرية (والعربية) السائدة سيقف عقبة أمامى لوعرضتُ ما كتبته عنه على بعض المجلات..وبالتالى سيكون الرفض أول الاحتمالات..وهذا ماحدث ولكننى لم أندم على الوقت الذى خصصته لتجميع كتبه وقراءتها، ثـمّ الكتابة عنه..ورأيتُ أنْ أتجاوزعن كتبه التى دافع فيها عن الإسلام، كى أكثف تركيزى على بدعته الشهيرة (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)
نال د.عبد الوهاب المسيرى (1938- 2008) شهرة واسعة واهتمامًا بالغـًا من الثقافة المصرية السائدة، فصنـّـفته تلك الثقافة على أنه ((أحد رموزاليسارالمصرى)) و((المفكر الليبرالى)) بل وزايد كثيرون فاعتبروه ((أحد العلمانيين الكبار)) وكنتُ حينما أقرأ تلك الكتابات بصياغاتها الإنشائية، لأنها تخلومن أى دليل من كتابات د. المسيرى على مصداقية الوصف، حينذاك كان عقلى الطفولى بسذاجته الفطرية يسأل سؤال الأطفال البريىء: هل قرأ من منحوه تلك الصفات أعماله، أم اكتفوا بقاعدتيْن: الأولى أطلق عليها شعبنا فى أهازيجه البديعة ((الصيت ولا الغنى)) والقاعدة الثانية ((الثقافة السمعية)) التى تكره القراءة وتعشق الكتابة والكلا، أوحسب وصف عميد الثقافة المصرية (طه حسين) الذى كان يـُـحذّرمن الذين ((يكتبون ولايقرأون)) ثم يأتى قبل هاتيْن القاعدتيْن الميل الأيديولوجى، ويُطق عليه (المُخدّرالساحر) وبينما معظم الماركسيين (مجـّـدوه) وضموه لليسار..فإنّ التيارالإسلامى وصفه (بالكاتب الإسلامى) من واقع كتبه ودراساته.
وعلى سبيل المثال فإنّ د. المسيرى أصدركتابه الشهير(العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة) من جزأيْن عن دارالشروق عام 2002..وذاك التقسيم للعالمانية (بالألف نسبة إلى العالم الذى يضع البشرقوانينه) بين (جزئى وشامل) يصب فى مصلحة الأصولية الإسلامية التى ترفض تأسيس المجتمع العالمانى (بحق وحقيق) وليس مجتمع الشعارات الجوفاء، لأنّ العالمانية الشاملة هى السبيل الوحيد لتحقيق مبدأ (المواطنة) وقد كشف د. المسيرى عن وجهه الأصولى وخلع كل الأقنعة عندما قال ((إنّ المرجعية الإسلامية هى المجال أوالطريق الوحيد لحل مشاكل هذا المجتمع، لأنّ أى مجتمع لابد أنْ يكون له مرجعية نهائية واحدة..ومن لم يكن عنده مرجعية نابعة من تراثه فسيستوردها من الآخر)) وإذا كان من المؤكد أنّ من يقرأون الصحف أكثرممن يقرأون الكتب، فإنّ خطورة النص السابق أنّ د. المسيرى صرّح به فى حديث لصحيفة القاهرة (عدد302) ومن كلامه يتأكــّـد للعقل الحرحقيقة توجهه الأيديولوجى من زاويتيْن:
الأولى: أنّ سيادته مع الأحادية بتأكيده على ((الطريق الوحيد)) و((مرجعية نهائية واحدة)) وبالتالى فهوضد التعددية..والأحادية إذا كانت تعنى الانغلاق، فإنّ الانغلاق يؤدى إلى تجمد الوعى الإنسانى، الذى يؤدى إلى إجهاض أى تطورمعرفى، ووأد أى تنمية اجتماعية أوثقافية أو اقتصادية. أما أخطرما يؤدى إليه الفكرالأحادى فهوالتعصب وكراهية الآخرالمُختلف دينيًا ومذهبيًا وفلسفيًا..والتعصب هوالذى يـُـفرزالعنف والعنف المضاد.
الثانية: فإنّ سيادته يشطب وقائع التاريخ التى تؤكد على أنّ تطورالمجتمعات البشرية المختلفة دينيًا وجغرافيًا..ولم يتم إلاّمن خلال قاعدة التأثيروالتأثر، أى تبال الخبرات البشرية فى شتى المجالات، وأنّ أغلب شعوب العالم لم تقف عند مرجعية واحدة ثابتة نابعة من تراثها، لأنّ ذلك يعنى الجمود الذى يُـكرّس التخلف..ويمنع التلقيح الثقافى بين الشعوب..وهوالمعنى الذى عبّرعنه العالم الكبير(اليوت سميث) الذى قال إنّ ((مصرليستْ مصدرالحضارة الأوروبية وحدها، بل مصدرالحضارة فى العلم بأسره)) ونفس المعنى أكده العالِم والفيلسوف جوردانو برونوالذى أحرقه القساوسة (الأتقياء) حيًا فى مطلع عام 1600والذى قال إنّ ((مصرمُبدعة الكتابة والآداب وأساس كل شرائعنا)) (أثينة السوداء– تأليف مارتن برنال– مجموعة مترجمين- المشروع القومى للترجمة- المجلس الأعلى للثقافة- العدد 16- عام 97- ص 286)
يزعم د. المسيرى أنّ العالمانية الشاملة هى ((فصلٌ لكل القيم عن مُجمل حياة الإنسان، وتنكرإنسانية الإنسان، وأنّ فصل الدين عن الدولة يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى إلخ)) فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة وإذا كانت مبادىء العالمانية هى التى تسود فى أوروبا واليابان والهند إلخ فكيف تـمّ الارتقاء بالبُعد الروحى لدى شعوب تلك الدول؟ لقد أشارسيادته إلى أحزاب الخضرفى أوروبا..ولكنه لم يُوضّح للقارىء أنّ تلك الأحزاب، ليس لها وجود إلاّفى الأنظمة المؤمنة بالعالمانية. بل إنّ أعضاءها يتحدون حكوماتهم ضد أى تلوث للبيئة..وهوما يعنى الإصرارعلى صحة الإنسان من أضرار التلوث، كما أنّ المتطوعين العاملين فى تلك الأحزاب يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية..ويُقدّمون المساعدات لضحايا الطبيعة والظلم الاجتماعى..ويُخاطرون بحياتهم..فهؤلاء المتطوعون أبناء ثقافة العالمانية..ومنظمات حقوق الإنسان لم تنشأ إلاّفى ظل العالمانية..وإدانة الحروب (فيتنام وغيرها) ومحاكمة المسئولين عنها قام بها فلاسفة آمنوا بالعالمانية (رسل وسارتروغيرهما) والمظاهرات القوية والمُـنظمة ضد الرأسمالية المتوحشة قامت بها شعوب آمنتْ بمبادىء العالمانية..والعلوم الإنسانية- التى تـُهذب النفوس وتــُـعلى من القيم الروحية- أبدعها مفكرون عالمانيون.
وقد حكى لى صديقى الراحل الأديب والمفكرلويس بقطر، الذى عاش فى السويد أكثرمن عشرين عامًا، أنّ جارته السويدية كانت أمًا لثلاثة أطفال..ومع ذلك ذهبتْ إلى الصومال وتبنـّتْ طفليْن وقال ((كنتُ أراها وهى تضعهما على المُرجيحة وتــُـداعبهما وتــُـطعمهما بيدها كما لو كانا قد خرجا من رحمها)) فهل هناك قيمة روحية أكثرمما فعلته تلك الإنسانة التى نشأتْ فى ظل نظام عالمانى؟ وماذا عن الحضارة المصرية التى خرج منها أقوى وأهم القوانين (الضمير) لذلك وضع جدودنا عقوبة فى الحياة الآخرة لمن يتسبّب فى عذاب الزرع والطيروالحيوان بحرمانهم من الماء..والمصرى القديم نظرًا لتقديره لقيمة العدالة أبدع خياله إلهة للعدل (ماعت) وذلك قبل الأديان بآلاف السنين وقبل ظهورمصطلح العالمانية. أما بوذا الذى لم يدّع النبوة فقال ((إذا زرعتَ شجرة فلا تقطف كل ثمارها، اترك بعضها للإنسان العابروللطير المُهاجر))
وإذا كانت الأنظمة العالمانية فيها فساد أخلاقى (كما يقول الأصوليون الذين دافع د. المسيرى عنهم) فهل خلتْ الأنظمة التى طبّقتْ الشريعة الإسلامية من الفساد الأخلاقى والظلم الاجتماعى (حكم طالبان فى أفغانستان وحكم النميرى ثم البشيرفى السودان وكافة الدول الإسلامية)
وقال د. المسيرى أنّ ((فصل الدين عن الدولة هوالعلمانية الجزئية)) أى العلمانية التى يُدافع عنها. ثم تراجع وهاجم ما دافع عنه إذْ قال أنّ شعارفصل الدين عن الدولة ((يتجاهل البُعد الإنسانى والروحى فى الإنسان)) وهذا التناقض يؤكد عداء سيادته للعالمانية حتى التى دافع عنها وأنّ تقسيم العالمانية إلى جزئية وشاملة مجرد مدخل للدفاع عن الاتجاه الأصولى الذى يرفض أنْ يُـقنـّن البشرتشريعاتهم التى تــُـنظم العلاقة فيما بينهم وبين سلطة الحكم..وتضع الأسس العامة للنشاط الاقتصادى ولآليات إدارة المجتمع سياسيًا..وهذا الاتجاه الأصولى أكــّـده سيادته فى صراحة ووضوح عندما قال ((أنا كمفكرإسلامى لا أرى غضاضة فى قبول ما أسميه العلمانية الجزئية، إنْ كان يعنى (بعض) الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات (الطابع الفنى) والتى لاتمس من قريب أومن بعيد المرجعية النهائية)) وتلك المرجعية هى كما قال ((المرجعية الإسلامية)) وكذا إصراره على كلمة (بعض) بالنسبة للسياسة والاقتصاد وكلمات ((ذات الطابع الفنى))
بعد ذلك كان سيادته أكثرصراحة عندما أكد على توجهه الأصولى عندما دافع عن شعار (الإسلام هوالحل) وكان تبريره أنّ ذاك الشعار((يُجسّد رؤية بعض المفكرين الذين يقودون تيارًا سياسيًا مهمًا يؤمن بأنّ المرجعية الإسلامية هى الطريق الوحيد إلخ)) أى أنّ سيادته مع التيارالذى ينفى حق المواطنة عن غيرالمسلمين، لأنّ المرجعية الدينية- فى أى حكم دينى- هى ألغام فى حقول الوطن، ألغام تنفجرعند أى احتكاك دينى لأى سبب ولأتفه سبب، كما أخبرتنا تجربة واقعنا المصرى البائس، فالإسلاميون يُصرون على تكفيرالمسيحيين تطبيقــًا لنص الآية رقم 17من سورة المائدة..وعلى عدم تولى الحكم لمن أطلق عليهم القرآن (أهل الكتاب) بالآية رقم 51 من ذات السورة..وعلى دفع الجزية بالتطبيق لنص الآية رقم 29 من سورة التوبة. كما أنّ المرجعية الدينية فى الحكم لاتضر غيرالمسلمين فقط..وإنما تضرالمسلمين الذين ينقسمون إلى سنة وشيعة وبهائيين إلخ..وتــُـطيح بحق المرأة (المسلمة) لأنها مجرد موضوع للفراش وتحت سيدها (بعلها، زوجها) والبعل هوأحد الآلهة قبل الإسلام وهوما اعترف به القرآن فقال يُعاتب من رفضوا دعوته (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) (الصافات/ 125) ناهيك عن حق الإبداع فى العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية..وناهيك عن اليوم الذى يحكمنا فيه طالبانيون (مصريون) ويُصرون على تطبيق الحدود الإسلامية فى الميادين العامة.
وإذا كان المفكرون الأحراريسعون إلى استقرارمجتمعاتهم، الاستقرارالذى يتأسّس على قيم الجمال والحب والتسامح الفلسفى الذى يعنى قبول الآخرالمُختلف، أى القبول المُـتبادل رغم اختلاف المُعتقد أوالمذهب، فهل هذا الاستقرارتــُحققه العالمانية ذات المرجعية الإسلامية؟ فى مجتمع مــُـتعدّد الأديان والمذاهب..وبالتالى هل يتحقق مبدأ المساواة وعدم التمييزعلى أساس دينى؟ وهل تلك العلمانية الجزئية تسمح بالتشريع الوضعى المُعبّروالمُترجم الحقيقى لقانون تطورالمجتمعات البشرية؟ إنّ أول حرف فى العالمانية التى حققتْ الاستقرارالاجتماعى هوفصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية..وليس فصل الدين عن المجتمع كما يزعم الأصوليون فى تشويههم المُـتعمّد للعالمانية.
إنّ شعار(الإسلام هوالحل) الذى نادى به د. المسيرى يعنى التطبيق الحرفى لنصوص القرآن فى شئون الحكم..وهوشعاريتجاهل أصحابه الاختلافات العميقة والجذرية بين الفقهاء منذ 14قرنـًا..وتجاهلهم لقانون التغير..وأنهم مع المُطلق ضد النسبى..ولن أستشهد بمفكرى عصر التنويرأمثال هوبز، لوك، روسووفولتيرإلخ الذين حملوا لواء الارتقاء بالإنسان من خلال دفاعهم عن مبادىء العالمانية المؤمنة بالنسبية..وإنما أستشهد بالعلامة الفارسى الشهرستانى (1086- 1153) المُحقق فى الفقه والكلام والأديان ومؤلف العديد من الكتب أشهرها الملل والنحل الذى قال ((إنّ الحوادث والوقائع والتصرفات يصعب حصرها..ونعلم قطعًا أنه لم يرد لكل حادثة نص..ولايُـتصوّرذلك أيضًا..والنصوص إذا كانت مُـتناهية، فالوقائع غيرمُـتناهية..وما لايتناهى لايضبطه ما يتناهى))
000
وبينما دافع د. المسيرى عن الأصولية الإسلامية وبالتالى عن رموزتلك الأصولية منذ جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفغانى، فإنه اعترف بانضمام بعضهم إلى الماسونية فكتب ((لم تكن الماسونية البريطانية هى الوحيدة التى انتشرتْ فى المستعمرات، إذْ أنّ الصراع الامبريالى على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية. فكان كل محفل ماسونى يخدم مصلحة بلده ويمثله..ويبدوأنّ بعض الشخصيات المهمة فى العالم العربى أرادتْ أنْ تستفيد من هذا الصراع، خصوصًا أنّ أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوى الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم، فكان الدعاة المحليون ينخرطون فى هذه المحافل بغية توظيفها فى خدمة أهدافهم..وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم..وكان من بين هؤلاء الأفغانى والشيخ محمد عبده والأميرعبد القادرالجزائرى)) (د. المسيرى فى كتابه الجمعيات السرية فى العالم– كتاب الهلال– نوفمبر93- من ص 99- 103)
000
كتب د. المسيرى عن الصهيونية والقضية الفلسطينية..ولذلك حصل على (وسام القداسة) الإعجاب من الإسلاميين والعروبيين (ناصريين وماركسيين) لأنهم هنا أيضًا اكتفوا بقاعدة (الصيت ولا الغنى) وقاعدة (الثقافة السمعية) وقبل ذلك التوجه الأيديولوجى..فرغم قائمة الكتب التى أصدرها د. المسيرى مثل: موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية (رؤية نقدية)، العنصرية الصهيونية، اليهودية والصهيونية وإسرائيل، الأيديولوجية الصهيونية، الاستعمار الصهيونى وتطبيع الشخصية اليهودية، موسوعة تاريخ الصهيونية (ثلاثة أجزاء) وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية..فرغم هذا السيل من الكتب والموسوعات..ورغم قراءته للديانتة العبرية التى انحازفيها الإله العبرى لأتباع موسى..ووزّع عليهم أراضى الشعوب بالجملة، فإنّ د. المسيرى غالط ضميره العلمى، عندما مشى وراء أستاذه د.جمال حمدان الذى ادّعى أنّ يهود الأمس غيريهود اليوم أنثروبولوجيًا فى كتابه (اليهود أنثروبولوجيًا) الصادرعن دارالهلال- فبراير96) وفى تقديمه لهذا الكتاب كتب د. المسيرى ((العودة اليهودية إلى فلسطين ليست عودة توراتية أوتلمودية أودينية إنما هى عودة بالاغتصاب)) (ص29)
فهل أضاف المسيرى جديدًا عندما ذكرأنّ العودة كانت بالاغتصاب؟ وهذا الكلام إعادة صياغة لما كتبه د. حمدان الذى قال ((إنّ الصلة الجنسية والجينية بين يهود اليوم ويهود التوراة منبتة وفاقدة تمامًا من الناحية العملية)) (ص180) ورغم نفى د. المسيرى وجود صلة بين يهود التراث العبرى ويهود اليوم..وصف دولة إسرائيل على الطريقة الناصرية/ العربية فكتب عنها ((من المؤكد أنّ العالم لايعرف دولة قزمية بهذه الدرجة الصارخة المُـنحرفة..ولكنها ببساطة حثالة مدن العالم انصبّتْ واستقطبتْ فى دولة)) (ص35) ولأنه يتعمّد عدم الإشارة إلى نصوص الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) التى نصّتْ على توريث أراضى الشعوب لبنى إسرائيل، فإنه ذكرتأثره بأستاذه د. حمدان فكتب ((ومن أهم ما تعلمته منه هوالخروج بالظواهر اليهودية والصهيونية من دائرة التوراة والتلمود والدراسات اليهودية وإدخالها فى نطاق العلم الإنسانى العام)) (ص41)
اعتمد الثنائى (د.حمدان ود. المسيرى) على تكئة غاية فى السذاجة وهى التفرقة بين يهود عصرموسى والعصرالحديث أنثروبولوجيا..ورغم أنّ د. حمدان أدان تصريح الملك فيصل بن الحسين الهاشمى الذى قال فيه ((إنّ العرب واليهود أبناء عمومة من الناحية العنصرية)) (45) فإنّ د. حمدان نفى أى قرابة دم بين العرب واليهود، ثم تناقض مع نفسه فكتب فى ذات الصفحة ((قد يكون يهود التوراة والعرب أبناء عمومة، وإنما تاريخيًا فحسب. وقد يكون من الصحيح أنّ إسماعيل أبا العرب وإسحق أبا اليهود أخوة غيرأشقاء وكلاهما ابنا إبراهيم)) ولكى يتملص من هذا التراث أضاف ((ولكن فى البداية فقط أما بعد ذلك فقد ذاب نسل أحدهما فى دماء غريبة حتى أصبحنا إزاء قوم غرباء لاعلاقة لهم بإسحق فضلا عن إسماعيل)) ثم يُـقرّرأنّ يهود التوراة اختفوا فى أوروبا كشبح (183) ولأنّ الثنائى (د.حمدان ود. المسيرى) من مدرسة الناصرية لذا فإنّ إسرائيل ليستْ دولة بل هى ((دولة مزعومة)) (ص60) ورغم مئات الصفحات التى كتبها د. المسيرى عن الصهيونية فإنه يُقرّربثبات أنّ ((أرض الميعاد والعودة ليستْ أرضًا للميعاد أوالعودة رغم كل الادعاءات الصهيونية)) (ص 250ضمن تعقيباته)
إنّ العقل الحرلايملك إلاّطرح الأسئلة لشكف النقاب عن: ما الذى دعا د. المسيرى ود. حمدان إلى تلك التفرقة الساذجة بين يهود التوراة ويهود اليوم بحجة الأنثروبولوجيا؟ ولصالح من تلك التفرقة؟ وهل اليهود الذين احتلوا فلسطين فى القرن العشرين بعد ميلاد المسيح لم يكونوا مُسلحين بنصوص كتابهم المقدس؟ وهل يمكن فصل مزاعم الصهيونية فى العصر الحديث عن نصوص العهد القديم الذى جاء به ((إنى أنا الرب ساكن فى وسط بنى إسرائيل)) (سِفرعدد 35) وكذا ((الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل)) (سِفر يشوع 10) و((فقال الرب لداود اصعد لإنى دفعًا أدفع الفلسطينيين ليدك)) (صموئيل الثانى 5) و((رنموا للرب الساكن فى صهيون)) (المزمور التاسع لداود) وعن توزيع الأراضى على أتباع موسى قال النص العبرى المقدس ((لك ولنسلك أعطى جميع هذه البلاد وأفى بالقسم الذى أقسمتُ لإبراهيم أبيك)) (تكوين 26) وقال ليوشع ((موسى عبدى قد مات. فالآن قم اعبرالأردن أنتَ وكل هذا الشعب إلى الأرض التى أنا مُعطيها لبنى إسرائيل. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيه كما كلمتُ موسى. من البرية ولبنان هذا إلى النهرالكبيرنهرالفرات)) (يشوع 1) وقال ((ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التى حلف لآبائك إبراهيم واسحق ويعقوب أنْ يُعطيك إلى مدن عظيمة جيدة لم تبنها وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها وآبارمحفورة لم تحفرها وكروم وزيتون لم تغرسها وأكلتَ وشبعتَ. فاحترزلئلآ تنسى الرب الذى أخرجك من أرض مصر. الرب إلهك تتقى وإياه تعبد وباسمه تحلف)) (تثنية 6)
فلماذا تجاهل الدكتوران حمدان والمسيرى تلك النصوص؟ ولماذا تجاهلا ما قاله الحاخام صموئيل حاييم لانداوالذى قال ((إنّ القبس الإلهى لايؤثرفى الشعب اليهودى إلاّوهوفى أرضه. وعليه لايمكن اعتبارإسرائيل أمة حية وهى تعيش فى المنفى)) وهذا الحاخام رفع شعار (التوراة والعمل) (نقلاعن د. رشاد الشامى فى كتابه القوى الدينية فى إسرائيل- عالم المعرفة الكويتى- يونيو94)
وبينما حمدان والمسيرى يُصران على أنّ يهود اليوم ليس لهم علاقة بيهود التوراة، فإنّ د. الشامى لم يُخالف ضميره العلمى فكتب أنّ الصهيونية الدينية استغلتْ مقولتيْن أساسيتيْن يؤمن بهما عامة اليهود وهما الشعب المختاروأرض الميعاد. وأنّ الحاخام موشيه بن نحمان اعتبرأنّ أورشليم هى مركز(أرض إسرائيل) وأنّ فكرة العهد بين الله الذى منح الشعب بمقتضاه (أرض فلسطين المقدسة) كانت بمثابة الأسطورة الشعبية ل (بن جوريون) ومع ذلك قال إنّ ((خلود إسرائيل يتميزبإثنتين: دولة إسرائيل والتوراة)) وقال أيضًا ((إنّ الجيش الإسرائيلى خيرتفسير للتوراة)) وعند إعلان مسودة دولة إسرائيل عام 1948 أصرّالحاخامات على أنْ يتضمن النص اسم الرب والتأكيد على أنّ ((أرض إسرائيل خاصة بالشعب اليهودى بمقتضى الدين اليهودى ووعد الرب لإبراهيم أبينا)) وعن تأثيرالمرجعية العبرية فإنّ حزب (مفدال) الدينى عارض فى برنامجه الانتخابى أى نص ((يتضمن تنازلاعن أجزاء من أرض إسرائيل التاريخية، أرض جدودنا)) (المصدرالسابق– أكثرمن صفحة)
وفى كتاب آخرللدكتورالشامى (الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية- عالم المعرفة الكويتى يونيو86) كتب ((إنّ التوراة تطبع العقيدة الإسرائيلية برباط وثيق بين (حرب إسرائيل) و(رب إسرائيل) حيث يُصبح هذا الرب هو(رب الجنود) الذى يُمهـّـد لبنى إسرائيل السبيل لتحقيق مآربهم فى الغزووالاحتلال وطرد الشعوب)) (ص168، 169) والكتابان اللذان كتبهما د. الشامى مليئان بالأمثلة من كتابات وتصريحات الحاخامات على أنّ احتلال فلسطين هوأمرمتعلق بمشيئة الرب كما ورد فى كتابهم الذى يٌـقدسونه، فلماذا تجاهل حمدان وتلميذه المسيرى تلك الحقيقة؟ وهل الفصل بين يهود اليوم الذين احتلوا فلسطين ويهود التوراة، يخدم القضية الفلسطينية؟ أم يزيدها تعقيدًا؟ وهل هذا الفصل بين يهود ويهود لصالح الفلسطينيين أم لصالح من احتلوا فلسطين؟ وكما أنّ المسيرى مع تجزيىء العالمانية فهوأيضًا مع تجزيىء اليهود، وفى نفس الوقت هووأستاذه د. حمدان مع العروبة والإسلام ضد القومية المصرية، وهو ما عبّرعنه حمدان الذى كتب ((فالتعريب والإسلام هما أعظم حقيقة تاريخية فى تاريخ مصر)) (شخصية مصر- ص 208) وردّد كلام عبد الناصرفأشارإلى (الوطنية المُغلقة) وبالتالى التحذير من ((تضخيم البعد الفرعونى فى تاريخنا فيُبعدنا عن عروبتنا ويطمس معالمها)) (ص 209) ولأنّ د.حمدان تلميذ نجيب فى المدرسة الناصرية/ العروبية، ولأنّ تلميذه (د. المسيرى) من نفس المدرسة لذا كتب أنّ ((د. جمال حمدان هوبلا منازع واحد من أهم فلاسفة (ثورة) 23 يوليو، فقد بلور رؤيتها..إلخ)) (ص 20من تقديمه لكتاب حمدان- مصدر سابق)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو