الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرصافي و(كتاب الشخصية المحمدية)(4)

داود السلمان

2018 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل محمد صادق فيما أخبر به وادعاه؟
هكذا يطرح الرصافي هذا التساؤل، ثم يوغل في الشرح والايضاح لمعنى الصدق ونقيضه الكذب، ويعقد مقارنة بين المفهومين الاخلاقيين، لأنه (الصدق) و (الكذب) عادة ما يشار لهما ويتعرض لهما في كتب الاخلاق والفلسفة. الا أن الرصافي في طرحهما هنا أراد أن يوصل لنا رسالة عن مغزى هدف النبي بطرح نفسه لحمل الرسالة المكلف بها بأنه رسول من الله، وهذا المكلف يجب أن يكون صادقاً، صادقاً مع نفسه ومع الناس، فأي حامل رسالة يجب أن تكون من اولوياته "الصدق" المصحوب بالأمانة، حتى بالتالي أن لا تكذبه الناس، بل يصدقون بكل ما تفوه به، ويتبعونه الى الأخير.
ويؤكد الرصافي أن الصدق أحياناً يكون مكروه في مواقف كثيرة، بل ومستهجن، فالكذب هنا يكون أفضل منه، خصوصاً إذا أراد المرؤ أن يصلح ما بين فئتين متنازعتين، فيكذب عليهم بهدف الاصلاح وإعادة روابط الاخوة، كذلك يستحسن الكذب في المعارك وفي اصلاح ما بين زوج وزوجته لغرض اعادة مياه المحبة والمودة بينهما واستئناف العلاقة الزوجية.
ويضرب لنا الرصافي عدة أمثلة حول الكذب الذي فيه مصلحة عامة ويراد من وراءه الخير، ومن ذلك حينما كذب نبي الله ابراهيم حينما قال عن زوجته انها اخته!، ويذكر الشاعر الفارسي سعدي وقوله:" أن الكذب الموافق للمصلحة العامة خير من الصدق المثير للفتنة".
ويشير المتنبي الى نفس المضمون بقوله:
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ**** إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
ويحدثنا الرصافي بأن الامر من هذه الناحية، وما يخص دعوة محمد بأنه نبي مرسل هي دعوة صادقة، لأنه بهذا القول كان يهدف الى اصلاح مجتمع بأكمله، وهو مجتمع الجزيرة العربية آنذاك حيث اراد ان ينقذها من ادران عُلق في اذيال واقعها ذاك، وقد نجح.
" اذا كام محمد يدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يريد بذلك جمع كلمة القوم لينهض بهم نهضة عالمية انسانية كبرى تكون عاقبتها للناس اجمعين، وهو مع ذلك لا يسأل الناس على هذه الدعوة أجراً ولا يطلب لنفسه من ورائها نفعاً، فكيف لا يكون صادقاً في اقواله التي لم تأت الا بما تقتضيه المصلحة العامة فيما يريد احداث من ذلك الامر العظيم". (راجع ص 44).
ومعنى كلام الرصافي هذا: إنّ النبي كان صادقاً في قوله بدعواه للنبوة، لأن هدفه من القول: إنني رسول من الله اليكم، هو ليس بكاذب، لأن المصلحة العامة للناس هي التي اقتضت أن يقول ذلك لهم، وهو هدف سام، لأن محمد مثلاً: إذا قال مباشرة للناس: عزمت على اصلاحكم بما انتم به من رواسب جاهلية لا تليق بكم وانا بين ظهرانكم، مثلاً، فأنّ الناس ستستصغره، وستقلل من شأنه ولا تطيع أمره ولا تنصاع لما يريده.
فرأى أنّ الطريقة الافضل هي أن يقول لهم أنني رسول من الله وقد أرسلني لغرض هدايتكم حتى اصل بكم الى طريق لاحب سوي، طريق سمو ورفعة ونبذ كل ما هو مستحقر ومستهجن.
يقول الرصافي: "وإن كنا قد عجبنا من قول: (إن رسول الله) فذلك لأننا لا نفهم معنى الرسول الا بالطريقة المألوفة عندنا وهي أن يعمد الرجل منا الى آخر فيقول له مباشرة أو بالواسطة اذهب الى فلان وقل له كذا وكذا، فيكون الذاهب عندنا رسولاً، مع أنه في الحقيقة لا ينحصر كونه رسولاً في هذه الطريقة، بل أن الرجل اذا ألقى الله في روعه الاصلاح، والهمه القيام بالدعوة الى الاصلاح وأتاه من العزم والصبر والحكمة ما هو كاف لنجاح الدعوة كان بالضروري رسول الله أي رسول الوجود المطلق الكلي اللامتناهي، فكل من كان رسول الله، وكل من قام بالدعوة على هذا الوجه من المصلحين فهو رسول الله". (راجع ص45 ).
ويسترسل الرصافي بإتيان شواهد تاريخية كثيرة من حوادث جرى فيها الكذب، وكان يراد فيها الاصلاح وطلب منفعة عامة للناس لا الغرض من الكذب، الكذب بعينه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..


.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام




.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-


.. #shorts - 14-Al-Baqarah




.. #shorts -15- AL-Baqarah