الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخرطوم والعزلة

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2018 / 9 / 8
السياسة والعلاقات الدولية



وقفت الخرطوم معزولة وحائرة تتخبط هنا وهناك حيال التغيرات الجارية في المحيط الإقليمي، ولم تستطيع تحريك ساكن في تثبيت علاقاتها بدول الجوار او إيجاد بدائل تعوض ما تفقده، وهذه الوضعية تعبر عن فشل دبلماسي كبير لا يمكن أن تخفيه الحكومة بمحاولاتها لصرف أنظار السودانيين عن مواقع الفشل بالترويج لإنجازات وهمية وقفذات التضليل في الإعلام التابع للسلطة، فالحقيقة بائنة لا تحتاج لبحث، والمعلومات كلها باتت مكشوفه لا ستار عليها، والجميع يعلم بتخبط النظام في علاقاته الدولية، كما يعلم الجميع أن الفشل الإنقاذي لا يكمن أن يعالج بسياسة إنقاذية، فمن صنعوا مسببات الفشل لا يملكون الحلول في الوقت الراهن، ويمكننا تتبع سلسلة الفشل الإنقاذوي بالنظر إلي واقع تحالفاته ومؤامراته تجاه السودانيين ودول الجوار.

شارك النظام في تحالف (عاصفة الحزم) ولكن المملكة السعودية تخلت عنه في أزمته الإقتصادية الطاحنة، اما الإمارات العربية المتحدة فقد فتحت خطوطها مع أثيوبيا وارتريا وتخلت عن السودان وجيبوتي، ومهد ذلك للقاء جديد جمع السادة أبي آحمد وأسياس أفورقي ومحمد فورماجو ليتشكل حلف أثيوبي ارتري صومالي أدى لتوقيع إتفاق تبادل المصالح السياسية والإقتصادية والأمنية، بينما الحكومة الإنقاذية متخندقة في فشلها، فقد فقدت علاقتها مع ارتريا وتراجع تواصلها مع اثيوبيا خاصة في ظل صراع أديس أبابا والقاهرة حول مسألة سد النهضة وموقف السودان المعروف بالضبابية، والخرطوم سعت لإبرام صفقة مع القاهرة هدفها الغير معلن إيقاف دعم النظام السوداني لجماعة الأخوان المسلمين خاصة مع شبهة صلتها بالتفجيرات الإرهابية المتلاحقة في مصر، ومقابل ذلك تقوم القاهرة بفرض طوق أمني علي المعارضين السودانيين المتواجدين علي أرض مصر، وقد ظهر ذلك في منع السيد الصادق المهدي رئيس قوى نداء السودان ورئيس حزب الأمة القومي من دخول القاهرة بعد مشاركته في لقاء برلين، كما ظهرت ذات المشكلة في إستدعاء وإستجواب الأستاذ ضحية سرير توتو وتحذيره من إنتقاد الحكومة السودانية بعد سلسلة مقالاته التي إنتقد من خلالها فساد الإنقاذيين في جهاز المغتربين.

علاقة السودان بمصر لم تقوم علي أهداف إستراتيجية بعيدة المدى في سياسة المؤتمر الوطني بل تقوم علي إجراء مؤقت يهدف لتسكين النزاعات القائمة إلي حين، ومصلحة البلدين تكمن في تمتين العلاقة التاريخية الأصيلة بين الشعبين وتفعيل التعاون السياسي والإقتصادي، لكن المؤتمر الوطني عندما أدرك أن تحالف (عاصفة الحزم) لم يجلب فائدة، وأن الفساد قد ضرب الإقتصاد، والمملكة السعودية متحالفة مع مصر ضمن دول عديدة لمحاربة خطر قطر والإرهاب الإخوانجي، صارع النظام الإسلاموإنقاذي لترقيع جل علاقاته بالمحيط الخارجي، وأنظارنا تتجه نحو ليبيا التي عانت كثيرا من التدخلات الإنقاذية التخريبية لنهب المال والبترول والإتجار بالبشر، أما العلاقة مع تشاد فهي أمنية في الدرجة الأولى ومصابة بما يشبه (الشلل النصفي) وهي قابلة للإنهيار في أي وقت، ولم يتبقى سوى الإتجاه نحو دولة جنوب السودان لإصلاح إقتصاد السودان بضرائب البترول، وكيما تتم صفقة البترول بين الخرطوم وجوبا كان لا بد من توفير الأمن والإستقرار في دولة جنوب السودان، وهذا ما جعل حكومة البشير تصر علي إجراء مفاوضات سريعة بين الرئيس سلفاكير ميار ديت والدكتور رياك مشار، وحتى هذا الإتفاق إن تم وإستمر فانه لن يصلح الإقتصاد السوداني الذي يعاني من وباء الفساد، وبالطبع نحن نرحب وندعم السلام في دولة جنوب السودان وباقي دول الجوار، ولكن نرفض الإستغلال الذي تقوم به الحكومة السودانية لنقاط ضعف الأشقاء الجنوبيين لتتخطى بذلك قيم الأخلاق الإنسانية وتخاطب الدول والشعوب بلغة (الأمن مقابل البترول)، لذا ليس من المنطق أن نعتمد علي سياسة كهذه في خطط المستقبل، والعلاقة مع دولة جنوب السودان علاقة إجتماعية وثقافية وإقتصادية ذات جزور تاريخية عميقة لا يمكن إنكارها او إختزالها في سياسة (فرق تسد) التي تمارس اليوم من قبل السلطة الإسلاموية الفاسدة والمستبدة.

بعض الإنقاذيين فرحين بالعلاقات مع تركيا وقطر والتقرب من روسيا، ولهذه العلاقات محاورها التي تدور حولها من بينها أن سلطات قطر وتركيا تدعمان جماعة الأخوان المسلمين في مصر وجماعات إسلاموية آخرى في ليبيا وتونس وعدد من دول افريقيا بما في ذلك المؤتمر الوطني سليل الحركة الإسلامية وكل الدعم يأتي ويصدر عبر هذه الحكومة، ورسيا كدولة عظمى تصارع الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا وإقتصاديا سعت الحكومة للإستنجاد بها بطلب الحماية من أمريكا، ولكن إذا نظرنا لحجم إستثماراتهم قطر وتركيا وروسيا في الدول الآخرى وقارناها بالسودان ستكون أقل حجما مما في خارج السودان، ويرجع ذلك لفشل الحكومة السودانية في تحالفاتها الدولية حتى وفق (سياسة المحور او سياسة طلب الحماية) وسياسة المحور قائمة علي التشابه الإيدلوجي، وكل هذه التغيرات لا تخفى علي المعارضة السودانية داخل وخارج السودان، ويجب أن تحلل كل ما جرى بمنظار جديد يجعلها تستفيد من المناخ الإقليمي والدولي المتغير بين الفينة والآخرى، وعلي المعارضة أن تتبى خطاب يعيد شرح ملف السودان في المحافل الدولية، ونعلم أن المعارضة الوطنية مؤهلة للعب أدوار كبيرة في هذا الصدد، كما نعلم أن الحكومة بسياستها الحالية ستفقد الكثير، والكثير جدا.


سعد محمد عبدالله
8 سبتمبر - 2018م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في