الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادية الماركسية والشيوعية الثورية المثالية

أنس نادر
(Anas Nader)

2018 / 9 / 8
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لطالما أُعتبر الفكر والنظام الاشتراكي والشيوعي هوي أعظم ما ستؤول اليه المجتمعات والأنظمة السياسية لخدمة البشر, وحتى ولو كانت الكثير من الأنظمة والدول ترفضه كنظام بديل مباشر وغير مفرز من تطور نسيج النظام الرأسمالي, ولكن رغم رأسمالية هذه الدول فقد اقتربت كثيرا من ما يصبو اليه النظام الاشتراكي من حيث المساواة والعدالة الاجتماعية التي تقدمه لشعوبها على الرغم من بقاء رأسمالية وسائل الانتاج, وهذا ما قاله ماركس بأن الاشتراكية هي المرحلة التي تلي النظام الرأسمالي بعد تطوره وهو أمر حتمي ولا يمكن تجاوز حقيقته, ولكنه بالتأكيد لم يكن يريد التطور التدريجي للنظام الرأسمالي حتى يصل للاشتراكي والشيوعي, فإن بيان الحزب الشيوعي ومادية ماركس التاريخية تطرح النظام الاشتراكي والشيوعي كنظام ثوري بديل عن النظام الرأسمالي بطريقة مادية كيفية أو كطفرة فكرية ثورية جديدة وليس ضمن منظور كمي وتراكمي للتجربة الرأسمالية, فهو يقول ان الثورة تأتي نتيجة الظروف المادية التاريخية حين تصل لمرحلة الاكتمال والنضوج للتغيير الكيفي, ولا يمكن أن تكون الثورة اصلاحية او تشاركية مع النظام السابق, كما يجب على السياسي أن يكون ثوري ولا يقبل بالحلول الاصلاحية, وهذا يبدو واضحا فالثورة الشعبية تنفجر نتيجة محرضات مادية وتاريخية تراكمية تؤدي الى طفرة كيفية تحمل بوادر التغيير الجذري, وذلك لأن الهيجان الجمعي للشعوب في هذه الحالة لا يكون منظما ولا يحمل مشاريع سياسية وفكرية, بل إنه سخط عظيم على واقع مرير حانت لحظة انهيار دعائمه, كما أنه يأتي معبرا عن ضرورة اقتصادية ومرحلة تطور لنظام اجتماعي واقتصادي معين تحرض المستضعفين على استرجاع حقوقهم من المستغلين, وهذا مشابها لما حصل مؤخرا في تونس احدى دول الربيع العربي وامتد الحراك الشعبي الى دول أخرى كانت الظروف المادية فيها غير مكتملة ولكن أدت المحرضات الثورية وادراك ضرورة وحاجة التغيير لانتقاله إلى تلك الدول وأدى إلى تداعيات سياسية واجتماعية هائلة وعميقة ودمار كبير نتيجة عدم نضوج المحرضات والظروف المادية التاريخية لتلك الدول بسبب شدة فساد واستبداد أنظمة تلك البلدان وأزماتها التاريخية والسياسية التي حالت دون اكتمال الظرف المادي للثورة. إن النظرة الفلسفية في المادية التاريخية لنشوء الثورات غاية في الدقة والحقيقة والواقعية, ولكن هل ينطبق ذلك على النظام الاشتراكي والشيوعي كمادة ومحرض جمعي لثورة شعبية تجسد الفكر والنظام السياسي؟. فالثورة الروسية في 23 فبراير (شباط) 1917 تعد ثورة شعبية غير منظمة ودون قيادات سياسية والتي أدت إلى اسقاط روسيا القيصرية واستلام الحكومة المؤقتة للسلطة, أما ثورة البلاشفة الشيوعية في أكتوبر من نفس العام فكانت حراك منظم ومسلح أدت إلى الاستيلاء على السلطة وحرب أهلية واسعة وتدخلات دولية عظمى, بالاضافة إلى أن الفكر الاشتراكي فكر نخبوي وثقافي وسياسي ولا يمكن أن يكون على مستوى عالي من الانتشار الشعبي بين الطبقات العمالية والفلاحية, وهذا ما يفسر القبضة الحديدية في فرض نظامهم الجديد بعد الحروب الاهلية الدامية التي راح ضحيتها الملايين, وحتى لو اعتبر بعض الباحثين أن الثورة البلشفية كانت نتيجة من المخاضات الثورية التي عمت البلاد في تلك الفترة, فلا نستطيع اعتبارها بأنها لحظة الطفرة الكيفية للانقلاب على النظام الرأسمالي, فعملية ارساء دعائم هذا النظام تم بإستخدام أقسى وسائل القمع والتسلط والعنف والاستبداد, واستطاع أن يحافظ على قوامه لعدة عقود بالمثابرة على نفس النهج, فالنظام السياسي الاشتراكي لم يستطع أن يقدم ثقافة اقتصادية وانسانية حقيقية بأعظم الدول المؤسسة له وكان مبطنا بالواقع بأسوأ ما يمكن أن ينتجه النظام الرأسمالي, من فقر وجوع وحرمان واستبداد طبقي وسيطرة النخبة وقمع الحريات, أما بالدول الإشتراكية الأخرى فكان عبارة عن رأسمالية انتهازية وارثية للطبقة الحاكمة مغلفة بشعارات اشتراكية للحزب الحاكم, فوسائل الانتاج مع الطبقة العاملة المشغلة لها تعود لمؤسسات الدولة العامة التي من المفترض أن تكون ملكا للشعب كما تطرحه مثالية النظرية ولكن بالواقع العملي تعود الدولة كلها من وسائل انتاج ومشغلين للنظام الحاكم, أي للطبقة السياسية المستبدة, ولا يمكن فصل ما هو اقتصادي عن ما هو سياسي في هذا الشأن لأن الشريحة السياسية نفسها هي مفرز منطقي من تاريخ البلد وصراع طبقاته وأزماته الطويلة الأمد, والانظمة الاشتراكية بالوطن العربي وبعض دول شرق اوروبا وآسيا مثال واضح على مثالية النطرية الثورية وفساد تطبيقها ما يحدو بالمجتمع بأن يعيش في ظل نظام اشتراكي فاسد ومتخلف أقرب إلى الواقع الاقطاعي منه إلى أي نظامي برجوازي ورأس مالي جاد. إن الفكر الاقتصادي الإشتراكي كبير ومتشعب ومتفرع الى الكثير من المذاهب التطبيقية والنظرية فمنه الديمقراطي والاصلاحي والمحافظ والبرجوازي أيضا وغيرهم الكثير, لكن ثقافة الاحتكار السياسي لموروثه بتحزبات مثالية وشعائرية لاستغلال طبقة العمال تحت عباءة الممتلكات العامة للدولة ومن ثم السيطرة على نظام الدولة من قبل حزب مدجج بالشعارات وفارغ بالمضمون يفرغ المجتمع من العدالة الاشتراكية وأيضا من التقدم الطموح للرأسمالية, كما أنه بالتزامن مع تلك الفترة كان النظام الرأسمالي في الغرب الأوروبي يمارس اسوأ اشكال الاحتكار, حتى بعد تطور نظرياته الاقتصادية في دول العالم المتقدم لا شك أن النظام الرأسمالي العالمي مازال يعاني من مشاكل عقيمة ويعلي شأن المصالح المادية على اي قيم ومُثل انسانية اخرى ويخلق صراعات وحروب كمصير لا مفر منه جراء الصراع لتجديد وسائل الانتاج وهذا يجعل النموذج الاخلاقي للحضارة مازال متخلفا رغم ما توصلت اليه الانظمة من لامركزية وفصل السلطة في المؤسسات, الا أن مازال الصراع على المصلحة السياسية للمال والاقتصاد تعلو على جميع القيم, وهذا ما يجعل الحضارة تجتر ماضيها الدموي دون الخلوص الى نظام يتجاوز فوقية القوة واستثمار مصالح القوة العظمة في دماء وحياة الشعوب الاخرى. ولكن ما نود قوله أن التطور الطبقي في التاريخ كان تدريجيا وكميا ولم يكن كيفيا والثورات الجمعية تخضع لنفس المفهوم أيضا كونها تخفي صراعا طبقيا في مضمونها, فمن المشاع الى العبودية والاقطاعية والرأسمالية جميعها كانت تحولات كمية بما فيها الحركات الثورية, ولا يمكن أن يكون الانتقال الى الاشتراكية إلا بنفس النهج التدريجي والكمي, وكما يُلاحظ في أيامنا هذه أن الدول الرأسمالية المتقدمة أخذت تقترب كثيرا من أفضل ما يصبو النظام الاشتراكي اليه على المستوى الاجتماعي والحقوقي للانسان, وبالتالي نرى أن النظام الاشتراكي والشيوعي السياسي في تطويعه لوسائل الانتاج هو عبارة عن مثالية سياسية مطلقة وغير قابلة للتطبيق الكيفي الثوري أو أن يكون نظاما بديلا ونقلة جذرية وانقلابا على النظام الرأسمالي, وأن تجربة وتاريخ الشعوب تبرهن هذا من خلال فساد تطبيقه لانه غير قابل للتطبيق الواقعي كما أتت به النظرية السياسية بمفهومه الثوري, وبالتالي يجب التفرقة بين الفلسفة الماركسية كفكر وارث انساني عميق ونموذج فلسفي ونهج مادي وتاريخي وفلسفي عظيم للنقد والتفكير وبين اخفاق الاشتراكية والشيوعية السياسية والثورية التي أملت بأن تكون النقلة النوعية التي تمثل هذا الفكر وتنتقل بالمجتمع البشري ثوريا الى تاريخ غير طبقي جديد, فبالقدر المادي الذي هو عليه المنتج الفكري والفلسفي الماركسي في ماديته الديالكتيكة والتاريخية والفلسفية هي بالقدر ذاته من المثالية في النظرية الاشتراكية والشيوعية السياسية الثورية من الناحية التطبيقية والعملية, اي انه كيف من الممكن ان ينتج هذا القدر من المادية كل هذه المثالية السياسية والفكرية, فالاشتراكية الشيوعية فكراقتصادي وسياسي مثالي لم ينجح بالتطبيق في التجربة السياسية الجمعية وأدى فشله إلى اهمال أعظم الفلسفات الفكرية التي ارتطبت به, وبالتالي كان من أهم أسباب فشل واخفاق النظام الشيوعي اقتصاديا وسياسيا هو عدم واقعية المثالية الشيوعية الثورية للانتقال من مجتمع برجوازي إلى اشتراكي بسبب تجاوز العوامل المادية التاريخية للمجتمع التي تنضح اصطفائيا وبشكل طبيعي الحالة السياسية للمجتمع كما طرحه الفكر الماركسي نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الفاضل أنس نادر
فؤاد النمري ( 2018 / 9 / 8 - 20:36 )
يؤسفني يا عزيزي ان هناك خلطاً كثيراً في مقالتك التنظرية

التطور الكمي الرأسمالي يزيد من حجم قوى الإنتاج فلا تعود علاقات الإنتاج قادرة على احتوائها فيثور العمال وليس الشعوب لتحطيم علاقات الإنتاج الرأسمالية
في الربيع العربي انتفضت الشعوب بجميع طبقاتها ضد العصابات العسكرية التي اختطفت السلطة
الثورة تقوم بها طبقة اجتماعية ضد طبقة أخرى وليس الشعب
البروليتاريا تقيم دولتها الدكتاتورية لتلغي كل الحقوق لسائر الأفراد والبروليتاريا منهم
إذاً الإشتراكية ليست نظاما ولا تقيم العدالة ولا المساوه
الإشتراكية هي محو الحقوق ومحو الطبقات وليس فيها حقوق ثابتة ومعروفة
هي كذلك من أجل الدخول إلى الشيوعية حيث تكتمل إنسانية الإنسان، الإنسان المثالي الذي تنفيه حضرتك

تحياتي لشخصك الكريم

اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را