الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الحزب بالداخل الفلسطيني(1): صفقة القرن وقانون القوميّة

محمد قعدان

2018 / 9 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تمهيد
"عند نقطة معيّنة في حياتهم التاريخيّة تصبح الطبقات الإجتماعيّة مُنفصلة عن أحزابها السياسيّة. وبتعبير آخر، لم تعد الطبقة التي تنتمي إليها الأحزاب التقليديّة في ذلك الشكل التنظيمي الخاص، برجاله المحدودين الذي يشكلونها، ويمثلونها، ويقودونها، لم تعد تلك الطبقة(أو الشريحة الطبقيّة) تعترف بهم كتعبير عنها."(1)
سنحاول في هذهِ المقالة نقد الحزب بالداخل الفلسطيني، وتحليل العلاقات بين الطبقات الإجتماعيّة والأحزاب السياسيّة. جرامشي في الإقتباس يلفتنا إلى سؤال الحزب من منظور "التعبير الطبقي" ومن هُنا المقالة تطرح السؤال, هل ما زالت الأحزاب السياسيّة في الداخل تُعبّر عن الطبقات الإجتماعيّة ؟ من خلال ثلاثة محاور أساسيّة سأناقش سؤال المقالة، أولا من خلال قراءة الراهن، في راهن القضيّة الفلسطينيّة، تحليل صفقة القرن وقانون القوميّة على أساس العلاقات الإجتماعيّة التي تكوّنت في البُنيةِ الكولنياليّة(إسرائيل) والإمبرياليّة ورصد تطوّرات الطبقات الإجتماعيّة بالداخل الفلسطيني ووضع أسس نظريّة نستطيع منها أن نفهم موقع الحزب في هذهِ البُنية. المحور الثاني، سيكون نقاش في أيديولوجيا الأحزاب، قراءة في التكوّن الفكري للأحزاب الوطنيّة التاريخيّة (الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التجمع الوطني الديمقراطي، أبناء البلد). وثالثاً في المُمارسة السياسيّة، علاقة النضال الميداني والمُشاركة البرلمانيّة في إستحقاقات ومكاسب الفلسطينيين في الداخل.

في الراهن
مُعالجة الراهن وتحديد نظري للعلاقات الإجتماعيّة والصراع الطبقي الذي يجري يحتاج منّا فهمِ السياقات والأحداث الراهنة للداخل الفلسطيني والمنطقة العربية، فهمُنا للواقع يحتاج تحديد البُنيةِ في الإطار الجغرافي الذي نبحث وننظر فيها لكي نميّز بين الميكانيكيّات(mechanisms) الإجتماعيّة التي تحكم كلّ إطار. البُنيةِ الرأسماليّة الإمبرياليّة وصفقةِ القرن في المنطقةِ العربيّة، والبُنيةِ الكولنياليّة الإسرائيليّة وقانون القوميّة في فلسطين.
البُنيةِ الرأسماليّة الإمبرياليّة التي تُهيمن على حياتنا، أفراد وجماعات وشعوب، وبشكلٍ خاصّ علينا كفلسطينيين، تُمكن وتضمن وجود البُنيةِ الكولنياليّة الإسرائيليّة لتؤدي دور في المنطقة، ضمان تحقيق المصالح الإمبرياليّة، من أهم المصالح المُتعلقة في راهن المنطقة، تجارة الأسلحة الأمريكيّة هي الأكثرُ إنتشاراً وربحاً في الشرق الأوسط، سببُ ذلك هو اللاإستقرار، والحروب وتأجيج الصراعات من أجل إستمراريّة الحرب، والكولنياليّة الصهيونيّة(إسرائيل) على مدى قرن من الزمان تؤدي الدور الوظيفي للإمبرياليّة على أكمل وجه.
صفقةِ القرن هي طرق ووظائف جديدة للإمبرياليّة في المنطقةِ العربيّة من أجل ضمان عمليّة تراكم رأس المال الأجنبي، من خلال الشركات الكبيرة، وخاصّة الإسرائيليّة التي ستجتاح بلدان المنطقة العربيّة في حال إتمام صفقةِ القرن. أحد الطُرق التي تقوم بها الرأسماليّة النقديّة في تراكم رأسمالها، هي إتفاقيّة التجارة الحرة(FTA) الدوليّة، إتفاقيّة تضرب سيادة الدولة على مواردها، مواطنيها ومؤسساتها من خلال فرض غرامات على الدولةِ التي تضع عوائق قانونيّة أمام هذهِ الشركات الكبيرة(مثلا، قوانين حمايةِ البيئة والصحة أو التأميم وغير ذلك) وهذهِ أساليب الإمبرياليّة، في نهب الدول وبلدان العالم(2). صفقةِ القرن هي مرحلةٍ جديدة يتم إعدادها للمنطقةِ العربيّة، هذهِ البُنيةِ الإمبرياليّة التي تجري فيها صفقةِ القرن هي مُرتبطة في البُنيةِ الكولنياليّة الإسرائيليّة، فهم قانون القوميّة في هذا السياق البنيوي للواقع في المنطقةِ العربيّة وفلسطين يُصيغ لنا أدوات نظريّة، في دور الحزب بالداخل ومشروعهِ وعلاقتهِ بالمشروع الكولنيالي، بمعنى هل إستطاعت الأحزاب صياغة أدوات نظريّة لفهم قانون القوميّة خارج المنظور الكولنيالي؟ المنظور الكولنيالي هو منظور يرى الهويّة ويرفض الصراع الطبقي، من خلال المقالة سنرى الأزمة الأيديولوجيّة عند الأحزاب السياسيّة في الداخل.

الدولةِ الكولنياليّة في فلسطين وصلت مراحل متطورة تقنيّا، عبر العلاقات مع الإمبرياليّة، ووفقاً لذلك ستؤدي دور مركزي في رسمِ السياسات الجديدة للمنطقةِ العربيّة. السياسات الجديدة كما يُحدثنا الدكتور عادل سمارة بأن هذهِ العلاقات الوظيفيّة(إسرائيل والولايات المُتحدة) تُصاغ لتكون عائق لأي مشروع نهضوي عربي، والمرحلة الجديدة هي الإندماج بالهيمنةِ على المنطقة (Integration through domination)وهكذا تتبلور علاقة (مركز-أطراف) بين إسرائيل والدول العربيّة(3). وفي دراسة أجراها فضل النقيب ومُفيد قسوم، عن الإقتصاد السياسي للتقنيّة العالية في إسرائيل: ”مما لا شكّ فيه أن إسرائيل حققت إنجازات كبيرة على الطريق الذي يؤدي في النهاية إلى أن يتكرس في منطقة الشرق الأوسط، نظام المركز والأطراف الذي تحتل فيه إسرائيل دور المركز.“(4) هذا الواقع الإقتصادي الذي شكلتهُ إسرائيل وتحاول فرضهِ على المنطقة وأن تضمن بأن تحتل موقع المركز في هذهِ المنطقة، من خلال عدة خطوات قامت بها إسرائيل، دمج إقتصادها في الإقتصاد العالمي النيوليبرالي، وأيضاً تحويلها لمركز الشركات الكُبرى والعملاقة في العالم، وصناعات التقنيّة العالية. وجود هذهِ الشركات والتقنية العالية بالقرب من البلدان العربيّة يجعلها أقلّ تكلفة(من وادي السيليكون في كاليفورنيا) في حال دولة عربيّة قررت إقامة علاقة مع شركات صناعة التقنية العالية. الكولنياليّة في فلسطين، كونها دولة صهيونيّة ويهوديّة تاريخيّا، وثقافيّا. تضمن مشروعيّة هيمنة الطبقات المُسيطرة الأشكنازيّة واليهوديّة، وإستقرار النظام الذي يضمن إستمراريّة تراكم رأس المال ومشاريع الإمبرياليّة في المنطقة. في هذا السياق يأتي قانون القوميّة كضمان ثقافي، قانوني، أيديولوجي والأهم سياسي لوجود الكولونياليّة في فلسطين.

ضمان السيطرةِ السياسيّة الكولنياليّة في فلسطين، يقوم على تحديد درجات القهر. في شروحات أنطونيو جرامشي حول الدولة والسيطرة السياسيّة، نجد هذهِ ألاداة التحليليّة، التي تُمكننا من فهم وتحديد درجات قهر الفلسطينيين، تميّز درجات القهر ينبع من توازنات نظام الإنتاج الكولنيالي وديناميكيّات السيطرة على الفلسطينيين، وتقف هذهِ التوازنات عند حدّ المصلحةِ الإقتصاديّة(5). درجات القهر مُتفاوتة، النفي والطرد والتهجير والقتل والإغتصاب والسجن والإعتقالات إلى الحُكم العسكري أو الحصار. درجة القهر الأدنى تُمارس على الفلسطيني بالداخل مُقارنة مع الفلسطيني اللاجئ والفلسطيني المُحاصر في غزة والفلسطيني تحت الحكم العسكري، الفلسطيني بالداخل الذي يعيش تحت المِظلة المدنيّة الإسرائيليّة بالإضافة إلى حقوق في التعليم والصحة. المصلحةِ الإقتصاديّة لنظام الإنتاج الكولنيالي غير قابلة للمُساومة كونها الأساس المادّي الذي تقوم عليه الكولنياليّة. لذلك نجد سرقة الأراضي والإستيطان بالداخل الفلسطيني وباقي فلسطين، تحطيم الطبقة العُماليّة الفلسطينيّة.

الفعل الثوري في الداخل يقوم على هدم البُنيةِ الكولنياليّة في فلسطين، يتطلب ذلك فهم مُمارسات الكولنياليّة ضدنا(الإقتصاديّة). في البدايةِ عام 1948، قامت بتفكيك الطبقةِ العاملة الفلسطينيّة لوأد كل فعل ثوري فلسطيني. الدكتور مطانس شحادة يجد أن المُمارسة الإقتصاديّة للكولنياليّة تتجه لخلق حالةٍ فلسطينيّة في الداخل مُشرزمة ومُشتتة، وتفكيك الطبقات المسحوقة العاملة، من خلال صياغة واقع لا يسمح بالتنمية الإقتصاديّة في الداخل. والطرق والأدوات لضمان إستمراريّة هذهِ الحالة من خلال: ”تهميش العرب وتغذية المكونات التخلفيّة فيهم وبينهم. وهذا يعني أن ما حكم الأمور لم يكن الإقتصاد الحرّ، بل القرار السياسي والأيديولوجي الإستيطاني للدولةِ الرأسماليّة ذاتِ الإقتصاد الحرّ. أقصد تحديداً ملكيّة الدولة الأرض والإقتصاد(قطاع عام) وحصر المُساعدات الأجنبيّة لصالح اليهود، باعتبارها تعويضات من النازيّة، والأمر نفسه عن المُساعدات الأمريكيّة.“(6)
الديناميكيّة الرأسماليّة تبتكر دائماً طرق جديدة في إستغلال العُمال، في التسعينيّات نظام الإنتاج الكولنيالي كان بحاجة لقوى عمل رخيصة في سوق العمل المركزي اليهودي لحلّ إشكاليّة ديمغرافيّة، أو من خلال نقل مصانع يهوديّة إلى المنطقة العربيّة إستطاع أن يحل الإشكاليّة، طمعاً في قوّةِ العمل الرخيصة، لكي يزيد مقدار نهب فائض القيمة العامل الفلسطيني(7). الكولنياليّة الصهيونيّة تسعى للحفاظ على نسبةٍ عالية من القوة العاملة الرخيصة بالداخل، نسبةِ الفلسطينيين في المهن والحِرف اليدويّة تستمر في النموّ، منذُ 2007 ارتفعت من 50.4% إلى 60% عام 2017(الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية). مما يُبرهن كون الفلسطيني هو دائماً طرف للإستغلال في جميع المُعادلات.

يصف الدكتور عادل سمارة هذهِ الحالة: ”إن الشدّ والإرتخاء في تشغيل العُمال العرب هو نفسه قانون الإنسحاب والغزو الرأسمالي عند ماركس. فحين الحاجة نقل الرأسمالي اليهودي مصانع النسيج إلى المناطق العربيّة، ومن أجل سلام مع العرب لإستثناء الفلسطينيين نقلها إلى الأردن، كي يغرف الرأسمالي اليهودي من المخزون العربي، وحين الإنكماش يُعيد العامل العربي إلى المخزن، هؤلاء العُمال قطع غيار مؤقتة. ما الفارق بين نقل هذهِ الصناعات من النقب أو الجليل إلى إربد في الأردن، وبين نقل نفس الصناعات الفرنسيّة من تونس إلى مصر أو الهند؟“(8) الداخل الفلسطيني يعيش واقع قهر وإستغلال مادّي، في ظلّ قانون القوميّة الذي يطمح لكي يجعل الكولنياليّة الصهيونيّة هي مركز العلاقات الإقتصاديّة في كلّ المنطقةِ العربيّة وبذلك ضمان الهيمنة والسيطرة السياسيّة.

الأحزاب السياسيّة بالداخل الفلسطيني، لم تستطيع صياغة مرحلة نضاليّة ضد قانون القوميّة وصفقة القرن بشكل حقيقي، شعبي. ما هو العائق أمام التعبير الطبقي، لماذا الداخل الفلسطيني، الطبقات الإجتماعيّة مُنفصلة عن الأحزاب السياسيّة. أيديولوجيا لا تُعبر عن حقيقةِ الأزمات الإجتماعيّة الراهنة للفلسطينيين في الداخل، من خلال عرض وتحليل أيديولوجيا الأحزاب السياسيّة(الحزب الشيوعي، التجمع، أبناء البلد) ونرصد الإنفصال عن الطبقات الإجتماعيّة وجمود النظريّة السياسيّة، وبذلك فقدان نظريّة سياسيّة للنضال بالداخل الفلسطيني.

****
الهوامش
1-دفاتر السجن. انطونيو جرامشي. ص210
2-مُقابلات مع نعوم تشومسكي: optimism over despair. noam chmosky. pg64
3-الإقتصاد السياسي للصهيونيّة- المُعجزة والوظيفة. عادل سمارة. ص114
4-الإقتصاد السياسي لصناعةِ التقنيّة العالية في إسرائيل. فضل النقيب ومُفيد قسوم. ص17
5-مداخل إلى جرامشي. آن شوستاك ساسون. ص70
6-الإقتصاد السياسي للصهيونيّة- المُعجزة والوظيفة. عادل سمارة. ص307
7-إعاقة التنمية: السياسات الإقتصادية الإسرائيلية تجاه الأقلية القومية العربية. مطانس شحادة. ص27
8-الإقتصاد السياسي للصهيونيّة- المُعجزة والوظيفة. عادل سمارة. ص311
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا