الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول للزمان

اوليفيا سيد

2018 / 9 / 10
الادب والفن


كنت أتابع ما يستجد من منشورات الأصدقاء والصفحات على الفيسبوك، وتنقلت بين العديد من المنشورات المتنوعة، بين مقولة عن الحب يليها مقولة عن الفن، يلحقها بوست سياسى، كوميكس ساخر، صور الأصدقاء، أغنيات، مقاطع فيديو، نقاشات حول ماتش أو قضية أو حدث ما، وبين تلك السياقات المختلفة الغير مترابطة، توقفت عند بوست ساخر – هكذا بدا- وان كنت توقفت عند أبعاده الفكرية التى كان البوست نتاجا لها، كان بوستا يتناقله الأصدقاء، محتواه جملة صغيرة جدا " لا يا روح أمك، احنا مش أصدقاء.. أنا بحبك"!
ربما عبر صاحبه عن طريقته باسلوبه - ولا عجب- فطريقة التعبير عن الحب ليست طريقة محددة كتلك الموجودة بكتالوج تشغيل مبرد المياه أو ماكينة إعداد الطعام، وغسيل الأطباق، هكذا تضغط على الزر وهكذا تدار، ليست كمقود السيارة ولا عملية حسابية تحسب بالورقة والقلم، وليست قانونا يطبق وفقا للمشرع، ليست طريقة للصلاة لا يصح الزيادة فيها أوالنقصان، فلكل منا طريقته فى التعبيرعن حبه وفقا لطبيعته وإسلوبه ووفقا لتقبل الطرف الآخر له بما يناسبه، أعى كل ذلك.

ان طريقة التعبير عن حب (شكوكو) فى الأفلام تعجبنا ولا ننفر منها، بل بالعكس تغتصب الإبتسامة من فوق شفاهنا عنوة رغم ضغوط الحياة، صبى الكواء الذى يقع فى غرام مدبرة المنزل (ثريا حلمى)، أو (لبلب) صاحب المطعم الذى يقع فى غرام جارته (لوزة) فيفوز بها بعد تلقين غريمه عنتر سبعة أقلام ، وكم أعجبنا بحب محمد رضا (جلجل أبو شفتورة) ومغازلته لسهير البارونى فى 30يوم فى السجن، (قالوا القمر فى السما وايش دلدله على السطح)، أو كما داعبها قائلا:
-إنتى هاتقلعى الفستان ده امتى؟
-اشمعنى!
-علشان تغسليه.
- وبعد ما أغسله؟
-تنشريه.
-وبعد ما أنشره؟
-أقص أنا الحبل.
ربما كانت طريقة تعبيره مناسبة لنعيمة ومناسبة له كحرامى غسيل خفيف الظل يعبرعن حبه وفقا لقاموسه الخاص، لذا تقبلهما المشاهد وراق له مناسبتهما لبعضهما البعض، كما أعجبنا وأطربنا تعبير الحب وطريقته بين إسماعيل ياسين (جميز) وسعاد مكاوى (سكرة)، حينما كانت تستعطفه ليبقى معها قائلة: هتروح فين وتسيبنى لوحدى أغسل حلل البيت بدموعى وأطبخ على نار شوقى ووجدى والقهوة أعملها على ضلوعى، ثم تزيد فى إستعطافه وتصف له حالها فى حبه.. (اه من حبك كبدى عليا .. سمكة بنار الهوى مشوية).. وتبدأ فى مرحلة الإغراء فتخبره (ده أنا عاملالك حلة محشى).
ورغم ذلك يتدلل عليها فيرد على إغرائها متمنعا: (ما أكلشى المحشى)، فتحاول إسترضائه ومحايلته بطريقة أخرى (أجيبلك طرشى).. فربما أصلح الطرشى ما لم يقو عليه المحشى، وهكذا حتى يعودا لنقطة البداية فى دلال (عايز أروح.. ماتروحشى).
إن ما أدهشنى ليست طريقة الإعتراف بالحب فى البوست الذى أشرت إليه فى البداية، فلست بحاكم على طريقة تعبير الأشخاص عن مشاعرهم وفقا لخلفيتهم الشخصية والثقافية والحياتية، لكن ما أدهشنى حقا وتوقفت عنده عدد الإعجابات التى أحزرتها تلك الصيغة، أكثر من ثلاث آلاف إعجاب، أكثر من ثلاث آلاف شخصا أعجبهم هذا المحتوى بين اناث وصبية، بل كان من بين التعليقات لأناث رشيدات ولسن فتيات مراهقات إستحسانا كثيرا بهذه الجرأة والثبات (بحبك يا روح أمك).
كانت (حميدة) فاتن حمامة، شريك حياة أكثر مناسب لإبن خالتها (رجب) أكثر من أخيه الغير شقيق (أحمد رمزى)، لذا كانت نهاية الفيلم عادلة ومنطقية كما كانت نهاية فيلم (تمر حنة) أيضا كذلك.
لكن ما هو ليس بمنطق أن تعجب أكثر الفتيات بهذا الإسلوب وتعتبره جسارة فى الحب وإقدام، ألم يشاهدن رقصة همفرى بوغارت وأودرى هيبورن فى فيلم (سابرينا) ويعرفن كيف تصبح الرقصة حديثا!
ألم يشاهدن كارى جراند كيف يبدو فى حلته، أحمد مظهر حين غلفت عينيه الدموع ذلك الفارس النبيل الذى هزمه الحب فى (غرام الأسياد).
لكن كيف لى أنكر عليهن هذا وهن ضحيات، قطعا هن ضحيات لكل ما طرأ علينا من قبح مجتمعى حتى توغل القبح بداخلنا فصرنا جزءا منه.

فى بداية التسعينات غنى محمد منير للبنت أم المريلة الكحلى، وغازل بأغنيته كل فتاة فى المدرسة ترتدى الزى المدرسى وتشد الخصر بحزامها وتأخذ الكتب بالحضن، بعد ثمانية وعشرين عاما لم تعد الفتاة ترتدى الزى المدرسى الذى كان فى مخيلة صلاح ﭽاهين حينما وضع كلمات الأغنية، فلم تعد ترتدى لا المريلة ولا اﻟﭽيب الكحلى بكسرات ولا القميص الأبيض والشراب القصير المزين بشريط ستان أو دانتيل صغير، صارت ترتدى ﭽيب طويل بدون كسرات حتى لا يزيد من حجم الأرداف الممتلئة، لم تصبح كالشمس الطلة من الكولة لأن الكولة تغطيها الطرحة، صارت لا ترتدى القميص والكراﭬات واستبدلته فى المدارس الحكومية بالبلوزة البيضاء الأقرب لبلوزة خروج بعيدة عن الزى المدرسى وإختفت الكراﭬات لظروف غامضة لا تتناسب مع حجم أثداء بعضهن ولا شخصيات وسمات وملامح الأخريات، تبدلت شنطة المدرسة والأكلسير الجلد بشنطة الخروج المعلقة على الذراع لتجدن فتيات المدارس الحكومية أشبه بالسيدات وموظفات المصالح الحكومية شكلا وموضوعا وكأنهن عائدات للتو من سوق الخضار– ليس تقليلا من شأن الموظفات باﻟھﻴﺌﺂت الحكومية- لكن منظر التلميذة طبيعى أن يكن أقل سنا وأكثر عذوبة من سيدة تزوجت وأنجبت ثلاثا تدور بين شقى الرحى وتحمل أعباء الحياة فوق كتفيها.
وفى مدارس اللغات صار البنطلون بديلا عن اﻟﭽيب والسوت شيرت الملون بديلا عن القميص والغير محجبة منهن صار شعرها منسدلا (كيرلى أو ليس) غير معقوصا لا يختلف مظهرها عما تكون عليه بعد الخروج من النادى.
باتت أغنية البنت أم المريلة الكحلى صرحا من خيال الشاعر والمؤلف فهوى.. ولم يختلف نموذج الفتاة عن الفتى اذ صار الطالب لا يحمل كتبا ولا أوراقا وقد لا تستطيع تمييز هيئته كطالب ولا حتى اسلوبه الذى بات أقرب لإسلوب الغوغاء. ولست ألومه وحده فهو أيضا ضحية ونتاج لمتغيرات زمنية عنيفة حولت المدرس من مربى فاضل وصاحب رسالة إلى موظف يحاول تحسين وضعه المعيشى بالقاء الدروس الخصوصية والمراكز، وبين عقول فراغة لجيل بأكمله وبين أب مدرس يلهث لتوفير متطلبات الحياة لأبنائه وإدارة تعليمية بيروقراطية وخطة تعليم فاشلة ومناهج بالية وإعلام فاسد وبيئة مجتمعية ملوثة بكل ما هو قبيح ضاعت جملة (قف للمعلم وفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا)، وربما شعرت وأنت تقرأها اﻵن بأنك كهلا تضع فوق رأسك طربوشا أحمر بزر وترتدى حلة تعلوها الأتربة.
لكنهم أيضا معذورون، هم ضحايا لنماذج الأناقة والشاب الروش متمثلا فى مطربهم او فنانهم المفضل بمظهره وكلماته وافيهاته التى أصبحت تعبر عن وجدانهم، والفنان معذور فهو آداه فى يد المنتج والمنتج يبحث عما يجلب له المال ويعلل بأن الجمهور عايز كده!.. انها حلقة مفرغة لا نهاية لها، العلم أم الأخلاق أم البيئة هم من أفسد الذوق العام؟!..

هل نحن نفس الشعب الذى كان وزير المعارف فيه الدكتور طه حسين؟ كم أشعر بثقل يجثم فوق صدرى وأتنهد حسرة على العلم والمبادىء حينما أشاهد جزءا من مسلسل ضمير أبلة حكمت، وأجدنى فى صراع بين نقيضين، أود متابعة المسلسل لأرى أخلاقيات المدرسين والتلميذات والمبادىء والصراعات حول مفهوم القيم، لأرى مديرة المدرسة الشيك الهانم دون أن يتسائل الموظفون (هى أبلة حكمت مسلمة ولا مسيحية)؟ ودون أن تسخر الطالبات (هى مش هاتتحجب بقى لحسن تخش النار)!، ثم أعزف عن متابعته فلا يضيق صدرى بما لا ليس موجودا فى عالمنا.
كنت أعجب من رجاء الجداوى (ابنة المأمور) فى فيلم دعاء الكروان، فقد كانت تأخد دروسا فى الفرنساوى والبيانو فى بيئة ريفية ومدرس الفرنساوى فرنسى الجنسية، وكان لزاما على الفتيات قديما دراسة اللغات وشغل الإبرة والطهى، حتى وان لم يكن خريجات جامعيات لكنهن كن راقيات ربما أكثر من كثيرات اﻵن يحسبن على خريجى الجامعات، وربما كن أيضا ضحيات، فالجامعة لم تعد محرابا للعلم بل أصبحت مكانا لاستثمار تأجير كاﭬﮃتريا الجامعة، وبيزنس تصوير الملازم، ولم يعد حلم الطالب الحصول على الشهادة بفخر، فقد ظهر مفهوم آخر (الجنيه غلب الكارنيه)!

وبغض النظر عن إتفاقى أو عدمه مع أحداث فيلم (رد قلبى)، إلا أن الحوار كان راقيا وكادرات التصوير كانت أشبه بلوحة فنية بديعة المنظر، وتأتى موسيقى فؤاد الظاهرى لتلعب على أوتار المشاعر وتدغدغها فى دعة وعذوبة.. إن على ابن الريس عبد الواحد الجناينى صاحب البنطلون اللى فيه (رقعة) لم يجرؤ أن يقول لاﻨﭽﯥ (بحبك يا روح أمك)، كيف تحول حب الأميرات اللواتى كن يرهفن السمع لكلمات الأمراء إلى حب شكوكو ومحمد رضا واسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصرى؟ متى تبدلت ذائقتهن وأصبحن يفضلن (أموت أنا) عن (اشهدى ان حبى لها خالدا كخلودك أنت)، ربما بعدما تبدلت الفساتين بالعبايات ام ترتر، والحذاء ذو الكعب العال بالشبشب، والسيارة الكاديلاك والمرسيدس بينز والرولز رويس بالتكتوك والميكروباص والسيارات رديئة التصنيع التى لا تتحمل اصطدامها بدراجة فتصاب بأكبر الخسائر.
فرق كبير، فجوة زمنية أكلت الأخضر واليابس وسحقتنا معها، هو نفس الفرق بين لقاء مع الضيف أحمد-الضلع الثالث لمثلث ثلاثى أضواء المسرح- وكان حوارا شيقا فقد كان معروفا بثقافته الواسعة وهو نفس الشخص الذى قام باستعراض (كوتوموتو يا حلوة يا بطة).
وهو نفس الفرق الذى يدهشك حين تتابع لقاءا فى برنامج تليفزيونى يجمع بين تحية كاريوكا وسامية جمال، فتجلس لتتابع حوارا راقيا لراقصتين يتحدثن بأدب جم، لاحظ إبتسامة خجل سامية جمال أثناء حديثها وجدية ووقار تحية كاريوكا، ثم لاحظ ملابسهما فى البرنامج، ليست ملابس فاضحة وليس الحديث مبتذلا، لن تشعر بإمتهان وأنت تتابع بوقار رقى لقاء مع فنانتين للرقص الشرقى.
واليوم تتابع لقاء بفنانة ليست راقصة فتستاء من مكياجها الصارخ وشعرها المستعار وشفاهها المحقونة وإبرازها لنهديها فى إفتعال مقزز، وحركة يديها الكثيرة أثناء الحديث وكم الجهل الفادح والخواء الفكرى، فتستحضر مشاهد من لقاء قديم لفاتن حمامة تتحدث فيه بالفرنسية، وكأنك تحاول أن تبتلع قطعة سكر سريعا لتطغى على طعم المر الذى تجرعته.
هو نفس الفرق بين مشهد لقاء جنسى يبعث على القرف ويثير رغبتك فى القىء لما فيه من ابتذال، وبين مشهد هند رستم (طعمة) وهى تقف أمام زينات صدقى لتقيس لها الفستان التى أتت به من عند الخياطة، واسماعيل ياسين (حسونة الفطاطرى) يختبىء فى الدولاب وعامل نفسه (كلب الجيران).
هو نفس الفرق الذى أنسانا كلمات الحب والاشتياق المقتبسة من رواية ليوسف السباعى (أيتها الشمس لاتغربي قبل أن تشهدي أن حبي لها خالد كخلودك، بل إنك تغربين وهو لايغرب أبدا)، فأصبح الغزل والمناغشة من الحبيب لحبيبته، افيه من فيلم كوميدى (البوس البوس، الحضن الحضن، الشوق الشوق).
بل إن أغنية (حب ايه) لأم كلثوم -كلمات عبد الوهاب محمد- تحولت لكوميديا سوداء ساخرة ، فبعد أن كانت (انت ما بينك وبين الحب دنيا)، صارت (هش هش يا ديك الفرخة دى مش ليك)، مع الإحتفاظ بالكوبليه الأول وتغير اللحن والتوزيع.
هو نفس الفرق الذى كان فيه يوما صالح سليم رئيسا للنادى الأهلى، وعبد اللطيف أبو رجيلة رئيسا لنادى الزمالك، واللواء أحمد رشدى وزيرا للداخلية.
وهو نفس الفرق الذى نسينا فيه أصوات الشيوخ المصريين أمثال محمد صديق المنشاوى، محمد رفعت، أبو العينين شعيشع، محمود على البنا، مصطفى اسماعيل،الحصرى، عبد الباسط عبد الصمد،الطبلاوى، كامل يوسف البهتيمى، أحمد نعينع، واستبدلناهم بشيوخ الحجاز (السعودية) مثل الشيخ مشارى راشد العفاسى وغيره.
وربما هم أيضا معذورون غير ملومين اذ تناسوا هويتهم الثقافية واستبدلوها بهوية أخرى دخيلة علينا، بعد تغطية النساء لشعورهن بما يسمى (البونيه) ثم استبداله لاحقا بالطرحة التى يعلوها طوقا مضفرا (موضة بداية انتشار الحجاب)، مرورا بهوجة شرائط الكاسيت الإسلامى وظاهرة الرجل الذى يجوب شوارع وسط البلد حاملا ايصالات تبرعات بناء مسجد ونظيره الذى فاقه حماس فاستخدم ميكروفونا ينادى (تبرعوا لبناء مسجد)، هذا إلى جانب كشوف البركة والفوائد الإسلامية، ثم المانيكير الاسلامى والمايوه الشرعى.
ألم أقل لكم انها حلقة مفرغة لا نهاية لها، فلكل أمر أسبابه وتداعياته ونتائجه.. تلك الأسباب والنتائج التى كانت ثمارها أن القبح لم يعد يثير فينا الامتعاض والاستياء، صرنا نألف القبح رويدا رويدا حتى بتنا جزءا منه.
صار اعتراف عبد الحليم حافظ (ابراهيم فريد) لشادية (سهير) مثارا للسخرية حين تغنى (هاقول أحبك هاقول أحبك.. وأعيش أحبك أعيش أحبك.. أحبك يا حياة قلبى)، وبات ما يعجب الفتيات الشاب الجسور الذى يقتحمها ويقبلها عنوة (بوسة مشبك) ثم ينظر مليا فى عينيها قائلا (أنا بحبك يا روح أمك).
لم يعد أى شىء كما كان زمان، أيام ما كان الزمان إنسان والدنيا يا متهنى يا فرحان.. طيب يا صبر طيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا