الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خربشات -فيدرالية-..

فاضل الخطيب

2018 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الطائفية لا تشبه الإدمان على التدخين، بقرار شخصي حازم وتنتهي، بل تحتاج إعادة تربية من جديد، إعادة تأهيل قد تستغرق جيلاً كاملاً/طبعاً مش كل الناس بتدخن، لكن الكثيرين يستنشقون دخان الآخرين!.
أريد التأكيد أولاً حسب اعتقادي، أن كل القرارات اللاحقة المتعلقة بسورية، لن يكون لأي جماعة سورية أيّ دور في مناقشتها أو تقديم بدائل عنها، لكنه من المفيد أن نكون جاهزين على الأقل نفسياً، كي لا نتفاجأ مع تلك القرارات، مع تلك التغييرات، علّنا نستطيع لاحقاً تصحيح أو تطوير ما يجب منها. قد تكون فرصة تاريخية، ترجمة فعلية لمقياس الوطنية، وقد تكون إمكانية أو فرصة للانعتاق من "عقدة" حيط الحيط تبع التجامل القسري والنفاق المتبادل.
لا أعتقد أنه يحتاج أيّ مواطن من أهل الجبل لإقناعه بالدور الخبيث الذي قامت به عائلة الأسد ضد الدروز ومنذ نصف قرن، منذ أيام سليم حاطوم. لا أعتقد أنه يحتاج أيّ درزي في الجبل لإقناعه بأنه "خائن بالولادة" حسب شريحة ليست صغيرة من السوريين العنصريين الطائفيين التكفيريين. جرّبَ كثير من الدروز التحالف والعمل مع الحكم الأسدي، وكلنا يعرف درجة التفكك الاجتماعي التي أنتجتها سياسة الأسد، سواء في انتشار المخدرات، أو في الفساد والقوادة، حتى صار البعض يرفع تقارير للأمن ضد أخيه أو رفيق حارته وجاره، ويعرف الجميع أن نصف شباب الجبل على الأقل مهاجر من أجل لقمة خبز كريمة، ويعرف كل درزي إن وقف أمام ضميره ما فعله نظام الأسد من تدجين لرجالات الجبل وغياب رموزه الوطنية المستقلة وعدم السماح بظهور بدائل جديدة.
جرّبَ كثير من الدروز التجامل بلا حدود مع الإسلاميين/وكان لي تجربة شخصية معهم قبل حوالي 12 عاماً واستمرت لمدة سنة "طويلة"، اكتشفت خلالها غياب المصداقية المتبادلة، ولم أستطع ممارسة النفاق المتبادل، واصطدمت معهم بعد بضعة شهور، وهناك تجارب وأمثلة حزينة جداً لتلك العلاقة مع الكثيرين، سواء على مستوى أفراد أو كمجموعة، وصار واضحاً أنها لا تعكس إلا شيئاً من التجامل والنفاق المتبادل، ويكفي أن تدير ظهرك لترجع ”زنديقاً“، وحتى بعض تلك العلاقات ما زال قائماً، ومهما حاولت التعايش مع البعض، وحتى الذوبان فيه، ستبقى درزياً كافراً يُشك في كل شيء تفعله، وعندما ترتفع جرعة التجامل والنفاق على جرعة الصراحة والمصداقية، فإنه لابد أن يحدث استعصاء، وحلّ هذا الاستعصاء قد يكلف لاحقاً أكثر من "القيمة" الإيجابية الناتجة عن ذلك التجامل. وأنا هنا في هذه الصراحة المتطرفة العارية، لا أدعو للخندقة مع أحداً نهائياً، لكنني أدعو ألا نختبئ خلف أصبعنا، وأن تكون علاقاتنا مبنية على الصراحة والصدق، وأن الاختلاف لا يعني الخلاف والعداء. يُحدد موقفي من الدين/أيّ دين، موقفه مني كفرد وكمجتمع أو جماعة. يحدد حجم تدخلي في الأمور والشؤون الدينية، بقدر تدخلها في أموري وشؤوني الشخصية والاجتماعية. لا يهمني إن كان المتي حلال أو العرق والويسكي حرام طالما شاربه أو رافضه لا يرفع سوطه مع أو ضد ذلك، لا يهمني إن كان لشيخ الدين قصوراً في الجنة، لكنه يهمني جداً أن يكون بيته في هذه الدنيا مليء بالمحبة والتعايش مع الآخر ومع الطبيعة أيضاً. لا يهمني حجم "فجعه" الجنسي خلف باب غرفة نومه، لكنه يهمني شذوذه عندما يخرج من غرفة نومه للعالم. لا يهمني إن كان يؤمن بالله الذي في السماء السابعة أو السادسة، لكنه يهمني أن يتركني وشأني في إيماني أو عدمه على سطح الأرض هنا، يهمني خطابه التجهيلي الاستعلائي التكفيري المتحالف مع حكام الاستبداد على مر العصور./كما تراني يا جميل أراك!.
كان يُظهر القرداحي الدرزي ولاءه للأسد أكثر من القرداحي العلوي بكثير، كي لا يترك مجالا للشك بولائه/ وهذا حال غالبية القرداحيين غير العلويين. كان، ومازال يُظهر بعض "إسلاميي الدروز " ولاءهم للإسلام السياسي أكثر من بعض الأخونجية، كي لا يتركوا مجالا للشك بتحالفهم "الولائي"/ وهذا حال بعض"إسلاميي الأقليات" غير الإسلامية السنية. التراث القرداحي للتحالفات متجذر، ويحتاج للتشريح والتشميس بدون رحمة حتى يمكن تجاوزه وليس توريثه.
أعتقد أن الفيدرالية قادمة، وهي لا تعني الانفصال عن سورية، بل تعني تقليل قبضة المركز، يعني لن يستطع أي "أسد أو ضبع" جديد، تعيين محافظ البلد وقائد الشرطة واللجنة الأمنية وغيرهم حسب مصلحته، بل سيكون ذلك عبر اقتراع محلي، يعني أبناء المنطقة هم الذي "يحكمون" منطقتهم ويديرون شؤونها، يعني ما راح نشوف محافظ بالسويداء من الرقة، ولا محافظ إدلب من السويداء. أعتقد أن ذلك هو الطريقة المتبعة غالباً في الدول الديمقراطية الناجحة، وغالبية دول أوربا تعتمد على الفيدرالية بشكل عام. ما يحتاجه الجبل، هو التخفيف من محفوظات الثقافة البعثية، والإكثار من الاهتمام بشؤون الجبل، التخفيف من التجامل النفاقي المتبادل والذي لم ولن يخلق ثقة متبادلة، والإكثار من الواقعية وتغذية ثقافة التعايش مع الاختلاف والتعددية، التخفيف من الشعارات السياسية، والإكثار من المبادرات النوعية في حل مشاكل المجتمع، والاهتمام أكثر بمنظمات أو حركات المجتمع المدني. الفيدرالية قادمة، ويا ريت لو نتعرف أكثر على أسسها والدول التي تعتمدها كطريقة حكم، مثل ألمانيا والنمسا وبعض دول اسكندنافية وأستراليا وغيرها، الفيدرالية تعني تفعيل القوى المحلية وتسخيرها في نهضة منطقتها، لأنها تعرفها جيداً، ولأنها معنية بأي نجاح أو فشل يصيبها. مازالت سائدة شجاعة التمسك بالخوف، خوفاً من ترك الخوف، وعلينا تجاوزها رأفة بمستقبل حياة أبنائنا وأحفادنا.
يرى الكثيرون منهم (الأوربيون وأميركا) ومنا أيضاً، أنه لا يمكن ممارسة الحكم في سورية كما كان سابقاً من خلال مركزية قوية، وربما يكون البديل بشيء من اللامركزية أو الفيدرالية، وصار من غير الممكن لذلك الشكل التوتاليتاري من الحكم الاستمرار بعد ما جرى من حروب حتى الآن، وأعتقد أن الأوربيين والأمريكان لا يؤمنون بالمفهوم التقليدي للدولة المركزية، وأعتقد أن أفضل حلّ للكارثة السورية متعددة الجوانب، هو الوصاية الدولية على سورية، لأنها تعتبر أفضل "لحمة وطنية"، وضمانة بقاء كيان سورية موحدة، وجسر يعبر عليه كل السوريين باتجاه "الضفة الأخرى/الشمالية للمتوسط"، تبقى الوصاية الدولية فرصة وضمانة للخلاص من الاستبداد والقروسطية وثقافتهما، ورغم سلبياتها، لكنها تحمل فرصة لتأمين العدالة الانتقالية وقيام محكمة دولية للتحقيق في جرائم الحرب ومحاسبة المسؤولين عنها، وهي الأفضل بين الخيارات غير الموجودة أمام السوريين. تبقى الوصاية الدولية ضمانة لصياغة وتنفيذ عقد اجتماعي يستند على مبادئ حقوق الإنسان. وهذا يتطلب البحث عن "طريق ثالث" مستقل.
يمكن القول عن الفيدرالية أنها "دولة مقاطعات، وليست إتحاد دول". لا يوجد عملة خاصة بالمقاطعات، ويكون جيش واحد وسياسة خارجية واحدة، يعني يمكن القول أنها أكثر من الإدارة المحلية الحالية في المحافظات، بأن لها برلمان وحكومة خاصة بها تملك الصلاحيات الفعلية التنفيذية، رغم تأثير المركز على تلك المؤسسات، لكنه لا يجوز لها أن تصدر قرارات تتناقض مع السياسة العامة لقرارات الحكومة المركزية، إلا في الشؤون المحلية فقط، وللمنطقة أو المقاطعة أو ”الإقليم“ مؤسسة قانونية ومحاكم مستقلة عن المركز وهيئات للشرطة والحكم المحلي.
هناك الكثير من المتخصصين في هذه القضايا يعتبرون كل من: روسيا، الولايات المتحدة، كندا، المانيا، النمسا، بلجيكا، بوسنيا، الدانمارك، هولاندا، استراليا، ماليزيا، أسبانيا، سويسرا، فنزويلا، البرازيل،المكسيك، الهند، باكستان، العراق، الإمارات العربية المتحدة، دولاً فيدرالية. ونرى بين تلك الدول الفيدرالية، دولاً متطورة ومستقرة وناجحة جداً، وهناك العكس، أي أن الفيدرالية، هي فرصة وليست ضمانة لنهضة البلد وتقدمه وسعادة مواطنيه.
فكرة أخيرة، بل ربما كانت تصلح مقدمة ومدخل لهذا الموضوع حول ملامسة فكرة ومعنى الفيدرالية: لماذا البعض لا يريد الاقتناع أن "درزية" الإنسان تعطي قيمة إضافية لسوريته؟ وهل اعتراف الدرزي بجذوره ينتقص من انتمائه الوطني؟ ولنكن صريحين ونترك لحظة اللحمسة الوطنية ومحفوظات التربية الوطنية البعثية، ونعرف جميعاً، أنه خلال نصف قرن بعثي كان الحديث عن الطائفة جريمة أخلاقية لأنها تفتت الوحدة السورية الأسدية، وهل كان هذا صحيحاً؟ لماذا نضع حواجز بين تعبير الجزء والكل؟ لماذا نسعى قسرياً لخلط الكوردي بالعربي والسرياني بالإيزيدي والدرزي بالسني ليخرج معنا سورية فوق الجميع؟ هل فعلاً هكذا تكون سورية الملونة الجميلة؟ أيهما أجمل، إن خلطنا عشرة ألوان مع بعضهم وعملنا منهم لوحة من لون ذلك الخليط، أم عملنا لوحة فيها عشرة ألوان؟ ولماذا نفترض أن وجود تلك المكونات هو إضعاف للوطن؟ هل لباسنا الموحد ولهجتنا الموحدة ومفرداتنا الموحدة وأكلتنا الموحدة تعني وحدة الوطن، وهل تساعد في نهضة الوطن بشكل أفضل؟ كان شيء يشبه تلك ”الوحدة“ أيام الثورة الثقافية الصينية. الاندماج الاجتماعي القسري، لا يخلق مجتمع منسجم، بل كما تشكلت الطوائف والقوميات بدون قرار سياسي إجتماعي، فإن ذوبانها في بوتقة واحدة لا يحدث بقرار ذاتي أو فوقي قسري. هل الاعتراف بدرزيتنا فيها ما يدعو للخجل؟ هل فعلاً يُضعف سوريتنا وسورية؟ وهل كانت سورية أقوى يوم امتنع الجميع عن تناول مفردة الطائفة أو الاعتراف بها؟ هل تنكرنا لذلك يعكس حقيقة واقع موضوعي، أو هو محاولة قسرية لممارسة التربية العسكرية في علاقاتنا الاجتماعية السورية؟ وبصراحة: هل يتنكر الدرزي أو المسيحي لدرزيته أو مسيحيته أو سنيته ويقولها علانية بين الدروز والمسيحيين والسنة وفي قريته وبين أهله؟ وهل يصدق الآخرين في سورية ذلك؟ بل هل يتعامل معه الآخرين بتجرد عن ذلك؟ أنا أحاول أن أكون طبيعياً في تناول تلك المفردات الطبيعية الموجودة في الواقع الاجتماعي بدون تجميل زائد أو انتقاص من جمال الآخرين. السويداء بحاجة لمثقفيها وعقلائها، كما هي بحاجة للشجاعة والإرداة الحرة، بحاجة لعساكرها وضباطها أن يكونوا في الجبل، كما هي بحاجة لانفضاض غالبية شبيحتها عن النظام.
كلمة أخيرة عن الفيدرالية، وهي أنها تحمل عموماً شيئاً من "المفارقة"، فهي من جهة جزء من الدولة "الاتحادية"، ومن ناحية أخرى تحمل بعض ميزات الدولة.
"أستطيع حب بلدي أكثر بكثير من كرهي لأعدائي"/فرنس دياك، قائد مجري، وأنا أضيف أيضاً، أن هناك وطني الأول، حيث يكتبون في أُذُني إسمي بلهجة أمي...
فاضل الخطيب، شيكاغو، 10 سبتمبر 2018.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس