الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغلب على التوتور (1)

جواد الديوان

2018 / 9 / 11
الطب , والعلوم



تتكرر نصيحة الاطباء بالاسترخاء عند تفاقم ضغوط الحياة على الانسان (المنافسة والعمل تحقيق النجاحات وتحقيق الاهداف ومثالها المطالبة بالحقوق والتعرض لضغوط السلطة من قتل واعتقال وغيرها). تحديات واجهها الانسان في مجر التاريخ بشكل بدائي عند خطواته الاولى في صباح يومه خارج الكهف، ليسمع اصوات غريبة في الغابة، عندها تتوتر عضلاته، ويتسارع نبضه وتنفسه! وتصطدم عيناه بنمر. يهرب ويتناول حجر، وبعد مغادرة النمر ترتخي عضلاته ويعود النبض والتنفس لحالته الطبيعية. استجابة للخطر (الحافز) باحتمالين القتال او الهروب Fight´-or-flight.
وفي العصر الحديث، يغادر الانسان منزله صباحا للعمل او انجاز واجبات اخرى، ويعاني من الازدحام ليصل متاخرا، وعليه ايجاد التبرير المناسب. وقد يحصل على عقوبات (الرسوب في الامتحان مثلا او عدم انجاز معاملة). وربما يضطر ليتناول وصفات مضاد الحموضة لاشكاليات المعدة.
والغابة في العصر الحالي اخطر منها في بدايات التاريخ. والتوتر ينبع من التزام بالتوقيتات النهائية وهي في ذيل قائمة الوحوش في العصر الحديث (انجاز مهمة او تقديم تقرير او اجتياز امتحان او مسايرة سائق متهور في الشارع او التعامل مع عربات غريبة في الشارع الستوتة والتك تك مثالا لذلك وغيرها). والوحوش في مقدمة القائمة في غابة المدنية هي قاعات الاجتماعات (تقديم خطة ومناقشة خطة او مناقشة تقييم او مسيرة العمل) وقاعات الامتحانات وغيرها. ومن قائمة الوحوش كذلك الحروب والحروب الاهلية والنزوح داخل البلد، واللجوء والخطف ومواجهة مليشيات ودفع اتاوات والهجرة. وهناك الكثير من الوحوش بعدها البطالة وتاخر الرواتب. وعندها لا يمكن الاستجابة للتوتر في العصر الحديث مثلها في مهد التاريخ مثلا اي افراز الادرنالين والنتيجة في احتمالين الهروب او القتال، وانما بشكل اخر.
ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي تحسس الاطباء حجم التوتر الذي يتعرض له الانسان في الدول المتقدمة، واشارت التقارير بان ثلثين من زيارات المرضى للطبيب لاسباب تتعلق بالتوتر. وتحسس قادة الصناعة الكلفة الهائلة للتوتر تتضح في نفقات الاستشارة الطبية، وضياع الانتاجية وغيرها. وتم حساب الكلفة في ثمانينات القرن الماضي 750 دولار لكل امريكي قبل 3 عقود.
ومن المعروف عن التوتر بانه المشارك الاساسي بشكل مباشر او غير مباشر بامراض القلب والرئة والسرطان وتليف الكبد والحوادث والانتحار وغيرها، كما يلعب التوتر دورا في تفاقم عدة حالات منها التصلب المتعدد وداء السكر والاصابة بالفيروسات وغيرها. وللاسف الادوية الاكثر مبيعا في الدول المتقدمة هي لمعالجة القرحة او معادلة حموضة المعدة ومعالجة ارتفاع ضغط الدم والمهدئات. ومن الصحيح القول ان طريقة الحياة نفسها تتحد لتنتج الامراض.
ومن الممكن تحديد وباء التوتر في العالم، وقد تشكل بسرعة، ويشار له رد الفعل في الهروب او القتال الجماعي Mass fight´-or-flight reaction وظهر حقل جديد في العلم طب السلوك Behavioral Medicine يهدف الى منازلة الامراض المتعلقة بالتوتر. وكذلك علم المناعة العصبي النفسي Psychoneuroimmunology يتناول الاشكاليات النفسية والعصبية والمناعية من اجل سبر اغوار الحالات العاطفية التي تؤثر على مناعة الجسم.
عملت الشركات الكبيرة على وضع برامج مفصلة عن معالجة او التعامل مع التوتر، لمساعدة من تضرر به للتغلب على التوتر. وربما كل شخص يرسل مسجات او يرول او يستخدم الحمامات الحارة تخفف عنه التوتر المتراكم لديه.
ولا يمكن الجزم ان التوتر هذه الايام هي اكثر منها في السابق، ولكن يمكن الجزم هو انتشار واسع للتوتر. يعيش الانسان اليوم في عالم من الغموض، وكل شيء قابل للحدوث من الافتراضات على سبيل المثال هجوم مجاميع ارهابية او التعرض للخطف وطلب الفدية او التعرض لعبوة ناسفة وغيرها، او اضطراب سوق العمل (هبوط اسعار النفط وعدم وجود موازنة في سنوات سابقة) وارتباط الادوية بالسموم او الاصابة بامراض خطيرة او الاتهام بالخيانة حين المطالبة بابسط الحقوق وغيرها. والاعلام الواسع وعدم الخبرة يهدد السلامة الشخصية ولا يمكن الدفاع عن النفس عند التعرض للاعلام. وهذا يعرض الانسان لتوتر كبير.
الانقلابات في القيم الاساسية للمجتمع تضيف الكثير للمستوى العام للقلق ومنها على سبيل المثال الرشوة سائدة في المجتمع ومقبولة، في حين كانت ممقوتة ومرفوضة قبل عقود من السنين، وكذلك الاثراء من المنصب سمة سائدة (لا زال الناس تتذكر ايام نوري السعيد وقاسم وطاهر يحيى حول الاستقامة وتجنب الاثراء من المنصب) وغيرها.
ضغوط الحياة المتعددة تدفع باتجاه البحث عن المتعة والسرور على الرغم من الضرر الذي يلحق بهم. ويفضلون الاثارة على راحة البال منها امثلة العاب الخطورة مثل اللعب على الدراجات بشكل ملفت للنظر في الشارع، وباختصار تقبل تحمل مخاطرة عالية في اللعبة من اجل الاستعراض وانتقلت الرغبة للشارع وتظهر في قيادة السيارة. ومن ظواهر المدنية كذلك الوصول في الدقيقة الاخيرة للموعد (سفر او غيرها)، وتاجيل انجاز الفروض الدراسية وهكذا, واصبحت الناس مدمنة على افراز الادرنالين لديهم.
ومع كل الفوضى المذكورة حول التوتر، فانه كمصطلح طبي تم استخدامه في النصف الثاني من القرن الماضي، واعتبره وقتها الكثير من الاطباء كلمة غير طبية. والسبب عدم وجود تعريف علمي وافي لمفهوم التوتر. واخيرا ظهر المفهوم باعتباره نوع من التمزق والاهتراء wear and tear








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب الفضاء لم تعد خيالا.. حرب خفية أميركية روسية صينية تهدد


.. سقط بلا أضرار.. العثور على بقايا صاروخ باليستي إيراني في صحر




.. متسلقون يعثرون على بقايا صاروخ إيراني في صحراء جنوب إسرائيل


.. سماء أثينا تتحول للون البرتقالي بسبب الغبار القادم من الصحرا




.. -الحب الجوال- ألبوم جديد للموسيقي والطبيب عبدلله المصارع