الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الثالث 1

دلور ميقري

2018 / 9 / 11
الادب والفن


وقعُ أقدامها على أرضية الرصيف، الموحي بما تتمتع به من أنفة وثقة بالنفس، كان من الصعب على أذنَيّ " سيامند " أن تلتقطانه وهوَ في مكتبه، ينتظر حضورها المُصاقب للساعة الخامسة مساءً. كان يقفُ خلف الواجهة الزجاجية النظيفة، المشرفة من الدور الثاني على جانبٍ من شارع " فاطمة الزهراء " الأكثر ازدحاماً بالمتسوقين عادةً. ولكنها ساعة الأصيل من مبتدأ صيفٍ ساخن، جعلَته مقفراً تقريباً هذا الشارع، المتصل بين ساحة الكتبية وباب دُكالة. من خلال الشارع الآخر الموازي، ذي الاسم الملكيّ، كان المفترض بالفتاة القدومَ بعدما تنعطف إلى اليسار ناشدةً ظلال أشجار الزيتون والليمون، المُشكّلة عَرَصَة خالدة الخضرة تضجّ بتغريد الطيور. ولا بدّ أنها رشقت هنالك بنظرتها العابسة بناءَ الإقامة الفندقية، المستولي على معظم الجهة المقابلة للعرصة.
لقد تم صرفها مؤخراً من الخدمة في الفندق، وكانت تعمل موظفة بقسم الاستقبال. ذلك جرى، على أثر قيامها بإرشاد سائح خليجيّ يبتغي الإقامة في أحد الأجنحة الفخمة. في أثناء الجولة، الممتدة بين طابقيّ الجناح عبرَ الممرات المزيّنة بأصص النخيل القصيرة القامة، شعرت بشكلٍ دائب بأنفاسه المبهورة تخفق مع حفيف الجلابية البيضاء، الناصعة مثل خنجرٍ فضيّ. على حين فجأة، وبينما كانت تسير في المقدمة، ضمّها الرجلُ الخمسينيّ من الخلف وطرحها على ديوان مدبج، موضوع في خدمة الخارجين من حمّام الساونا في الدور الأرضيّ. لم يكفِ " زين " تملّصها من براثن الوحش البدويّ، وتمزيقها كوفيته، إلا وثنّت على رأسه الأصلع ضرباً بصندلها الخفيف حتى فتحت فيه جرحاً دامياً ـ كما قشرة رمانة ملساء، شطبتها سكين مثلومة الحدّ.
إلا أنه " آلان "، مَن تعيّن عليه الحضور أولاً، وكان آتٍ من الجهة المعاكسة لسَير شقيقته. لقد ضحّى الشابُ بساعتيّ القيلولة، اللتين تفصلان عمله اليوميّ المزدوج، لِقاء موعدٍ في المقهى مع حبيبته. كانَ قادماً إلى المكتب من جهة ساحة جامع الفنا، منساباً في درب متعرّج، نازلٍ نحوَ الساحة الأخرى؛ الكتبية. وقد دبّت الحيوية رويداً بالمحلات التجارية، الملتفة مع انحناءات الدرب، مع ما يبديه عمالها من نشاط في انتظار مغادرة معلميهم لأسرّتهم، متمتمين بأذكار متواشجة مع صلاة العصر آن تكون الشمسُ بين قرنَيّ الشيطان. بدَوره، ما لبث الشابُ أن صارَ تحت أنظار معلّمه، المتسمّر وراء الواجهة الزجاجية. تبادلا ابتسامةً مجاملة، أعتادا عليها مذ أن تخلى أحدهما للآخر عن الحبيبة. إلا أنها، في المقابل، لم تكن بحال ابتسامة تمساح.

***
كان " آلان " يقضي النهارَ في عمله بمطعمٍ راقٍ في غيليز، كمحاسب وراء الصندوق. إنه شقيقه الكبير، " لاوند "، من توسّط له بهذا العمل، وذلك بعدما طرد من وظيفته في مكتب " سوسن خانم ". لقد توسط له الشقيقُ على مضض، مغيظاً لرفضه الشغل معه في محل صناعة وبيع الأثاث الشرقيّ. ليست طبيعة العمل في المحل، لم تكن ملائمة له، وإنما طبيعة شخصية شقيقه المتّسمة عموماً بالعسر والعصبية. على أنّ هذا الإشكال، من ناحية أخرى، فتحت شهية " سيامند " لمزيد من الاستثمار؛ وهذه المرة في مجال تجارة الأثاث. فاقترحَ على ذلك الشقيق ( بوساطة آلان بالطبع )، التعاون في مجال الاستيراد مباشرةً من دمشق عن طريق النقل البحريّ. كان ثمة هدف آخر للاقتراح، يُحال للقلب لا المال: " زين "؛ وكان أراد التقرب من أسرتها كي تتوثق صلتهما أكثر. الحال أنّ غيرة الفتاة من علاقات " سيامند " النسائية، كادت مراراً تعصفَ بعلاقتهما.
يقع محل " لاوند " في غيليز، بمنتصف دربٍ مفتوح على ساحة عبد المؤمن. اختياره للمكان، بعيداً عن السوق المتخصص بالحرفة، يعود لكونه سابقاً مستودعاً لأعمال الأب الراحل. وكانت هذه الصنعة متناقلة بين أفراد العائلة، جيلاً وراء الآخر، منذ أن قدم مؤسسها من دمشق في منتصف القرن التاسع عشر. وثمة قصة متداولة كالأسطورة في العائلة، عن كون الجدّ الأول وكيلاً لأحد الباشاوات الأكراد وأنه شاركه المنفى في جزيرة يونانية بأمر من السلطان العثمانيّ وذلك قبل هروبه إلى المغرب.
وكان على تلك الأسطورة أن تذكّر " سيامند " بما يُشبهها في أسرته، وفي التالي، أن يعزز من خلالها صلته بأسرة حبيبته. ولم يتم له ذلك على سبيل المصادفة، في خلال حديثه مع شقيقها الكبير أثناء زيارته له في محله. فإنّ " لاوند " كانَ سبقَ وسمعَ بأمر الشقيقين الدمشقيين، اللذين شغلا قبل بضع سنوات سهرات مجتمع مدينة مراكش الراقي. وما لم يكن يعلمه، وسيُدهش له الآنّ، هوَ أنّ " سيامند " أخوهما من أمهما.

> مستهل الجزء الثاني/ الفصل الثالث، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة