الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الجزء الاول

مظهر محمد صالح

2018 / 9 / 15
الادارة و الاقتصاد


ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الجزء الاول
مظهر محمد صالح

لما كانت عائدات المورد الطبيعي (النفط الخام تحديداً)تمثل نسبة لاتقل عن 90% من ايرادات الموازنة العامة وقرابة 50% من مكونات الناتج المحلي الاجمالي السنوي في العراق ،فأن هذه الايرادات امست لصيقة بالصفة الريعية ما يعني ان عوائد النفط تتقلب بسبب الظروف والعوامل الخارجية السعرية الدولية لسوق النفط ولاسيما تأثير العرض والطلب العالمي علية وليس من دور للإنتاجية بالضرورة في تحديد قيمة المُنْتَج الخام وعائدات بيعه في السوق الدولية. وازاء هذا الشكل من الايرادات المرهونة بالطلب الخارجي على الطاقة وعرضها وتقلبات اسعار السوق الدولية للنفط وانعكاساتها على مداخيل البلاد المالية ومستوى النمو في الناتج المحلي الاجمالي السنوي ، فلابد من ان يخضع استقرار مستويات تدفق ايرادات الموازنة ومصروفاتها لنمط محدد من انماط ادارة المخاطر الذي تتطلبه الاستدامة المالية fiscal sustainability . فثمة خيارين سبق وان طرحا امام صناع السياسة المالية العراقية في التصدي لموضوع ادارة الموارد النفطية ويوصفان في الوقت نفسه ضمن طبيعة وعمل ادارة مخاطر الموازنة ويمثلان دوماً شكلاً من اشكال المصدة المالية fiscal buffer او مخففة الصدمة المالية لمواجهة تقلبات عائدات النفط. فالخيار الاول ، هو التعاقد مع مشترين بكميات معرفة من النفط الخام مسبقاً وبأسعار مخصومة من اسعار السوق او اعتماد سعر برميل ثابت تلتزم بها الأطراف المستفيدة من التعاقد مهما كان التقلب في اسعار سوق النفط . و لكن ظل الخيار الثاني ، ذو الطبيعة المستقلة يقوم على آلية وضع اسعار افتراضية مخفضة تحوطياً للنفط لاغراض اعداد الموازنة وبإيرادات اقل اونفقات اعلى عن طريق احداث عجز مخطط (افتراضي) في الموازنة دوماً،اذ يترك تمويل العجز للتقلبات الايجابية الحاصلة في اسعار النفط واحتمالات تحقيق رافعة مالية مصدرها التمويل التلقائي من عائدات النفط المرتفعة نفسها ، وعد ذلك بديل لآلية وعمل صندوق استقرار الموازنة stabilizing fund .وعلى الرغم من ان هذا الخيار تتعاظم فيه درجة المخاطر المؤثرة على مبدأ الاستدامة المالية و يتطلب يقين واستقرار عاليين جداً في تدفق الإيرادات الا انه جرى تفضيله ليكون الخيار الثاني المرغوب من جانب صناع السياسة المالية العراقية ومنذ العام 2004 . وياتي هذا التفضيل لأسباب سياسية اقتصادية صرفة وهي تجنب الرقابة الشعبية عند اعتماد الخيار الاول ولاسيما عند ارتفاع اسعار النفط في أسواق الطاقة الى ما فوق السعر التعاقدي لها وعلى وفق ذلك الخيار الثابت المردود او العائد.
وبسبب الاحادية الشديدة للاقتصاد وانعكاس ذلك على احادية تدفق موارد الموازنة العامة وتعرض الايرادات الى سياسة شديد التحفظ والحذر من جانب الادارة المالية ذلك في اطار سعيها السيطرة على مخاطر الموازنة العامة وتجنب الإخفاقات المالية غير المحسوبة،فقد اخذ موضوع بناء او اعداد الموازنة السنوية اتجاهين مختلفين ولكنهما مقيدين على اداء الموازنة او بلوغ غاياتها نفسها وعلى مدار السنوات المالية المختلفة ،ما أدى الى تحجيم الاستثمار العام وفرص التنمية الحكومية المطلوبة .فالقيد الاول ،ويتمثل بتحويل الفائضات النفطية السنوية المتحققة جراء اعتماد سعر منخفض افتراضي للنفط دون السعر الحقيقي له ((اي اعتماد سعر نفط افتراضي يقل عن معدلات اسعار السوق المتوقع لها لاغراض مواجهة مخاطر الموازنة و توليد فجوة سعرية افتراضية تبتعد عن اسعار السوق والمبيعات الفعلية للنفط العراقي كإجراء تحوطي وقتي)) وعد ذلك الفائض المتجمع فوق العجز الفعلي ايراداً تحويلياً الى موازنة السنة المالية اللاحقة ،وعده رصيداً افتتاحياً لها بسبب التجميع التحوطي للفائضات النقدية خلال السنة المالية .وهكذا ظلت الايرادات التحويلية الفائضة والناجمة عن ارتفاع السعر الفعلي فوق السعر الافتراضي المنخفض للنفط الخام تصب في مصلحة نمو نفقات الموازنة السنوية اللاحقة وتوسيع سقوف الإنفاق فيها .اما القيد الاخر،فيظهر ان النفقات التشغيلية ذات التفضيل الاول و بنسبة مهيمنة تبلغ 75% بالغالب ظلت تستحوذ على النسبة العظمى من فائض السنة المالية السابقة . اي حصول اتجاه استهلاكي او تشغيلي مقلق يعطي اولوية تفضيلية في تغطية المصروفات الواجبة الدفع او التكاليف الثابتة في الموازنة (والتي تمثلها بشكل عام الموازنة التشغيلية كالرواتب والاجور وغيرها )ذلك على حساب تدنية الموازنة الاستثمارية وتعريض الاخيرة الى متغير العجز الافتراضي باستمرار وتقلب سوق النفط وعد نفقات الاستثمار مصروفات (متغيرة ) غير واجبة الدفع بالضرورة ضمن التفضيل الثاني ،ما جعل البرنامج الحكومي للتنمية عرضة للمخاطر والتباطيء ولمصلحة الموازنة التشغيلية وثوابتها التي استغرقت وباستمرار قرابة 75% من اجمالي النفقات السنوية خلال عقد من التنمية الاقتصادية الضائعة .
ففي حال حصول عجز فعلي جراء انخفاض ايرادات النفط ستاخذ النفقات الجارية المصروفة على الرواتب والاجور (التفضيل الاول )على حساب نفقات الاستثمار ومشاريع الخدمات العامة كالطرق والجسور والصحة والتعليم وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي ستاخذ بدورها( التفضيل الثاني )في التخصيص والصرف على الدوام.
وبناءً على اشكالية هذين القيدية اللذين فرضتها الموارد الريعية على حساب حسن اداء المشاريع والنشاطات ذات الاولوية الاقتصادية والاجتماعية في الموازنة لبلوغ اهداف التنمية والاستقرار الاقتصادي ، فقد بدأ جدل واسع حول طبيعة اعداد الموازنة من موازنة بنود سهلة التنفيذ ضعيفة الكفاءة الى موازنة برامج واداء ما يسهل مراقبة كفاءة الموازنة العامة مع توافر بديلين اخرين هما الموازنة الصفرية والموازنة التعاقدية ، وهي انماط مازال يعمل بها في البلدان الغربية عموماً . (يتبع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام