الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم تؤدي وظيفة جمالية فحسب ( إعزيزة ) قفزة جديدة على مستوى التراكيب البنائية والتقنيات المسرحية

رائد شفيق توفيق
ِ Journalist and writer

(Raid Shafeeq Tawfeeq)

2018 / 9 / 13
الادب والفن


لم تؤدي وظيفة جمالية فحسب
( إعزيزة ) قفزة جديدة على مستوى التراكيب البنائية والتقنيات المسرحية
رائد شفيق
المسرح طاقة فنية هائلة معبرة عن حياة متداخلة اختلط فيها الحابل بالنابل والأخضر باليابس وانفجرت إيقاعاتها بحكم زمنيتها المتشظية هائلة السرعة في التطور، لكنه لا يعطي مفاتيحه إلا بيد الفاتح الماهر ، فإذا توفر له الماهر ذو الأدوات المعرفية والخبرة الفنية والوعي بما وراء النص انفتحت على المتلقي دلالاتها ، حتى لو كانت تلك الدلالات جمالية فحسب ، فالجمال قيمة تضمر في داخلها قيما كامنة تنطلق بمقارنة مرجعية اكتشاف تصادفي وانتظار غير مقصود ولحظة خلق ثم تأسيس نظري مدهش وهنا عبقرية خالقة وتعرضية متحرّشة مرهقة ومنهكة محسوبة ومقصودة ماكرة ومسالمة ، والأهم تلقائية نتوصل إليها عبر الرؤى الاخراجية المحسوبة ، وهي على قدر واسع من الموازنة، بين نزعة تؤسس لما هو محسوس ومرئي عبر ابتكارات لها خواصها الاستعراضية الجديدة التي استطاع فيها المخرج تهشيم السطوح التصويرية التي تعطي انطباعا إنها ( تجريدية بحتة ) وبين قدرة لمنظومة معرفية تسعى إلى تبني شكل جديد في المسرح يطلق عليه البعض الحداثوي واخرون يصفونه بما بعد الحداثة ، كما في العرض الذي شاهدناه في (مسرحية إعزيزة) ، هذا العمل الذي قدم آلية جديدة مبتكرة بالنسبة للمسرح العراقي على انها ليست بالغريبة على رواد المسرح . ومسرحية إعزيزة اعتمدت في اخراجها على فريق العمل نفسه لا على مخرج واحد الامر الذي جعل العمل ينطوي على الكثير من المعاني المختلفة والمترابطة في الوقت ذاته في صور متعددة خاصة وان حواراتها ان جاز لنا اطلاق مفردة حوارات اطلقت بشكل مفرد من قبل الممثل في غرف ضيقة على شكل مشاهد متقطعة كل يروي حكاية او حالة خاصة ترك للمتلقي عملية منتجتها وفقا لرؤاه وانعكاسات تلك المشاهد عليه التي كان من اكثرها تاثيرا هو انك كمتلقي تترك لوحدك في احدى الغرف او المشاهد امام مرآة لترى حقيقة نفسك من خلال المشاهد السابقة مصحوبة بعبارة (انظر الى من دمر بلدك ) "هذه الحالة لايمكن لها ان تتوفر في الاداء المسرحي الاعتيادي" لتعيش في لحظات قصيرة اهوال سنين مرت عليك ، على ان مشاهد هذه المسرحية نسجت من واقع ما يعيشه العراق من تداعيات على كافة المستويات لتأتي نهايتها صادمة للجميع اذ ان في المشهد الاخير منها يجتمع كافة عناصر المسرحية الذين يمثلون النسيج الاجتماعي العراقي في حالة هستيرية من الـ(لطم) القاسي كل على وفق رؤاه فهناك من يلطم ايمانا واخر يلطم حرقة واخر يلطم ندما .... الخ لكن الجميع يشتركون في نقطة واحدة هي اللطم على ما حل بنا من رزايا نتيجة الانا التي هي وفقا لما ارى الـ( إعزيزة ) التي حلت ببيتنا العراق هذا المشهد يعود بنا الى بداية المسرحية التي كانت عبارة عن تناحر وعراك بين الاخوة ، هذا بايجاز صورة قد تكون قاصرة للمسرحية التي كان الجمهور احد ركائزها من خلال اشتراكه في العرض بالية رسمت له ضمن مراحل الاخراج .
لن ندرك أهمية التغييرات في هذه المسرحية عن غيرها التي يبدو بعضها بسيطا فعلا إلا إذا سرنا مع تسلسل الاحداث منذ بداية المسرحية حتى نهايتها ، ثم عدنا في مراجعة تشبه عملية ” التداعي الحر” نسبيا حيث نمسك كل مفردة جديدة ونحاول ربطها بالمسار المسرحي السابق وتحولاته وبالأفكار الجديدة التي دخلت إلى ساحة المسرح وبالمناخ النفسي العام ، راجعين إلى الاستهلال المسرحي الذي انطلقت منه المسرحية ، لنرتد من جديد متقدمين هذه المرّة إلى المشهد الختامي لنشكل الصورة الكلّية التي نضعها مع التغيرات التي أصابتها في موقعهما المناسب . فالتصعيد البنائي للعمل يتعذر علينا إيجاد روابطه البنائية الشكلية التقليدية من جهة والأنظمة المعرفية التي يتعامل معها من جهة ثانية فمحورية البطل الواحد الذي يكون محور الاحداث اختفت لتحل محلها مجموعة ابطال لمجموعة قصص في مشاهد مختلفة ، توضح لنا أن مسارا متقدما في تكوينات العمل قد خلطت بين تجانس الشكل والمحتوى فهناك قفزة جديدة على مستوى التراكيب البنائية والتقنيات المسرحية بل هناك تأكيد على أسلوبية تراكمت بخطابها وجماليات يستدل عليها المتلقي منذ الوهلة الأولى وهذا ما يجمع عليه غالبية من شاهد التكوينات التعبيرية والتجريدية لـ( إعزيزة ) ، اذ ان مساحات واسعة من مفاهيم قديمة أسست لإرادة تجعل من فكرة توظيف الادوات والاماكن التراثية واستلهام رموزها وحيواتها قديمة بنيت على إحياء الفكر الرافديني فشكلت بنطاقها التعبيري ( هوية خاصة لإعزيزة ) زينت المعطى الفني الخاص بها .ليبقى التعبير عن المؤثرات الخارجية هو الموقف الأكثر حساسية في رفد وإسهام الصورة الذهنية التي يريدها المخرج من خلال هذا العرض ..إذ تتغيب الرؤية المادية في العمل لصالح فكرة التمرد على الاوضاع بالمحسوسات ويتم ذلك بفعل مهارة الاداء لـ( فريق العمل ان جاز لنا اطلاق هذه التسمية على الممثلين) لتنتزع تحرير المشهد المسرحي من خلال كسر الأبعاد المحيطة للشكل التصويري أولا وخلق تداخل مرئي يتصاعد فيه خطاب الجمال والفكر ثانيا ، لكن ضمن معالجات وممارسات تفرض ذاتها وتستدعي طاقاتها من خلال الإثارة فهي بشكل مباشر تمثل خطا تعريفيا تشكل على أساس أن منطق الفن والجمال يتأسس بناء على قوة الوحدات التعبيرية التي تمتلك شفراته مظهرا خلاقا شريطة الاحتفاظ بالمغزى الوجداني الذي يصاحب العمل، فهي مشاهد تمثل الرغبة بعد أن توضح مسار إمكانيتها في التعبير بحيث يستلزم الأمر أن تكون التفسيرات قد جاءت عن قناعة مسبقة تنتظم حقولها الدلالية بقياس واحد مفاده إن تلك المشاهد تفي بغرضها الجمالي والفكري والفلسفي . مع الاعتراف مسبقا إنها تشترك في كتلة واحدة من المضامين عندما يتمكن من يراها لأول مرة أن يصرح أنها تحتوي على قيمة انفعالية وتنتزع ظاهريتها الكثير من العلاقات الشكلية المتبادلة. فإدراكنا لا يكف عن متابعة مشاهد المسرحية فيمتد إلى أعماق تصويرية تمكنه من معرفة خفايا العمل لان البحث عن قيم وموضوعات هذا العمل تطلعنا على حقائق أخرى أكثر أهمية من الاكتفاء البصري أو الجمالي ذلك اننا يمكننا ان ندرك أنه حقق لنا فسحة من تأمل الذات الإنسانية وقليلة تلك الأعمال التي تفرض هذه الحسية المهمة من خلال مشاهدتها. وبإمكاننا إذا أن نضع الحدود ونعرف كيف يبتكر الاخراج شكلا مختلفا يريد منه أن يهدي المتلقي إلى تفاصيل يومية وموجودات وجودية بل يقتضي ايضا أن ندرك مسعاه سواء جاء الأمر من حيث الإيحاءات أو الرموز الموجودة في منظومة العمل الفني .أن تلك الأعمال تشعرنا ببواعث انتمائنا إلى الوجود ونكاد نستشف منها الكثير عندما تستحوذ على شعورنا فمثل هذه الأعمال لا تؤدي وظيفة جمالية فحسب بل يتعدى التركيز إلى قيم وأغراض متباينة تتحمل يقظة وانتباها ، فثمة اطر بنائية لأشكال مجردة تقدم عملا بأنساق تتناثر في محيط العمل الواحد يمكن أن نصفها بأنها بنية المركز الذي تنطلق منه المسرحية ليتمتع المشاهد الذي يكون جزء من العمل المسرحي بتحولات بنائية حركية مركبة تعتمد معالجتها الإجرائية التي تملي على المتلقي استثمار صيغة الفن والمغايرة فيه من خلال الكتل البشرية والمظاهر الخارجة من متن تضادات اللوحة المسرحية وهذه الوجهة التي تبناها المخرج تحقق غايتها من خلال خصائصها المادية والبصرية أضف إلى ذلك قدرتها الأسلوبية في تحقيق معطى دلالي يملي على المتلقي فهما خاصا لتكوينات هذا المشهد وإذا أردنا أن نستوعب كل تلك الغايات الفنية فلا بد من تعقب عوالم خيال ومجال رؤية المخرج التعبيرية ومن هنا يمكننا القول أن الطريقة المتبعة في هذا العمل ذات طراز بنائي جديد تخضع نفسها للانفتاح على الأساليب الأكثر حساسية في التعامل مع قضايا الساعة وتنفرد بتجريدية غايتها أن تبرر موضع الفكر فيها كل هذه السمات تخضع لرؤى المخرج … ومن هنا علينا أولا أن نتفهم اختياره لكل تلك المداخل التي تبناها في العمل ومنها فرز المشاهد في غرف ، كل مشهد على حدة يروي قصة منفردة ومتصلة اتصالا وثيقا بالمشهد الاخر في الغرفة الاخرى بحيث يبدو للوهلىة الاولى انها قصص متناثرة لا علاقة لها ببعض لكن سرعان ما تتغير الصورة الذهنية لتشكل لوحة من مجموع هذه المشاهد والحكايات هي واقع انكفاءات لما يعانيه المواطن العراقي.
ان اتساع محيط الشكل وتزاوجه لشكل يحمل سمة بصرية وحركية في التوظيف وتمثيل لبنية تستعير قوامها من خليط متجانس في التزويق والإيحاء وطرقه المتواصلة في استقطاب مداخل تعبيرية تتقاطع مع تجارب الحداثة كل ذلك يبعث على الثقة بإيقاع فني بروح التجديد.
ما قدمته مسرحية ( إعزيزة ) يتخذ موقفا واحدا وهو التمييز بين فعلين متلاصقين وهما أن التركيب الخارجي للعمل(شكليا) يخدم غرضه التعبيري وان وظيفته تتضح بعد جلاء الغموض منها بربط تفاصيل الاحداث وسلسلتها بشكل منطقي برغم فوضوية الواقع الذي تصوره ، ولو نظرنا إليها من زوايا العلاقات الفنية لتمثلت لنا شكلا واحدا يعطينا اتجاهه الإيحائي والتعبيري لكن المسألة أكثر أهمية من هذا التوصيف إذ أن الاتجاه الذي يسير عليه فناننا يتمثل بالإدراك الحسي والتفسير والفرق بين الاثنين هو كيف نشعر بالانتماء إلى فكرته هذه أمام الكثير من التقاليد الفنية التي تشكل قيمة جوهرية للإنسان ( الفنان والمتلقي ) التي تكشف عن تغيرات رؤيوية لا يمكن بسهولة أن نخترقها من دون الاهتداء إلى مضامينها وترابطاتها وأحيانا إلى امتثالها التعبيري ، فالكتابة رمز كوني يحمل دلالة وجودية لأن الإنسان وجود لغوي فضلا عن كونه وجودا جماليا وقيميا ، والذات سيرورة لغوية ، لكن ما نلبث أن نواجه المفكرين الذين أكدوا أن الصوت لا يصدر عن فراغ ، بل هو قراءة المدون في فكر المتكلم الذي يعبر بكل ما من شأنه الحرص والحفاظ على الجهد الإنساني ، والكتابة وثيقة المبدع للمستقبل ، هكذا هي اللوحة المسرحية مستقرة بكل تشكيلاتها بينما القراءة متحركة ، فالنص مدونة مستقرة لكن نظريات القراءة له بالمرصاد ، ولا يمكن لقراءتين أن تتطابقا حتى لقارئ واحد للنص الواحد ، والمسرح عالم متكامل ، لكنه قابل للتفكيك والتحليل والتأويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية