الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مصلحة من يثارة موضوع -التدريج- ؟؟

حميد طولست

2018 / 9 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي


حاولت دون جدوى ، الابتعاد عن حمى النقاش المسعور، الذي أحاط بكلمة "بغرير" التي قابل بعض كسالى مواقع التواصل الاجتماعي ، انزلاقها إلى الكتب المدرسية الخاصة بالسنتين الأولتين من التعليم الابتدائي، بحملة شرسة من الانتقاد الانفعالي والسخرية المجانية ، التي سقط فيها وقادها من خلف الحواسب وتحت الأغطية متثائبو الفيسبوك ، الذين اعتبروا أن في ذلك دمج للهجة العامية في المقررات الدراسية ، وأن الموضوع يخصهم هم بالدرجة الأولى و يمس هويتهم وربما كرامتهم ، ما جعل القضية تجتاح الشارع والمقهى والمجالس والاجتماعات لأسرية واالسياسية والاجتماعية وتتصدر عناوين الصحف الورقية ، وتملأ شبكات التواصل الاجتماعي ، وكأنها رأي عام زاد من بلّة طينه أنه أصبح في متناول الجميع ، العارف والجاهل ، ما خلق ضجة عارمة ،جعلتني أنخرط في معمعتها من حيث لا أشعر لادلو بدلوي في الموضوع دون تشنج وبلا انفعال ، وبعيدا كل البعد عما عجت به وسائط التواصل الاجتماعي من فيض الشتائم وهتك الأعراض والتشهير بالمحرمات وانتهاك الخصوصيات والتطاول على الرموز والقامات ، والذي يعكس أعلى درجات الكراهية والحقد والغضب والانفجار، الذي تضمره الفئة الشاذة المولعة بمخالفة كل ما نشأ عليه مجتمعنا ، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها لإفشال تجربة تعليمية لا يجد فيها كل من له عقل يفكر به مشكل حقيقي بالحجم الذي سوقت له لغاية خبيثة في نفس الكثير من اليعاقبة –ج يعقوب- من ذوي التوجه "الفصحوي" -إن صحت هذه التسمية- الذين يعرفون حق المعرفة أن الكثير من الدول المصنفة الأولى تعليميا تعتمد لغة الأم في التعليم الأولي ، لتمكينه المتعلم من اكتساب أدوات التعلم عبر ما هو مألوف لديه ، ويسهل عليه استيعاب اللغات الأجنبية في السنوات اللاحقة من تعليمه ، وذلك لأن اللغة الأم هي العنصر الأساسي المستخدم في التعبير عن ثقافة الإنسان، ووعيه وأفكاره ومنهجه في الحياة، وأنها تعبر صادق عما يجول في خاطره ، وخاطر المجتمع الذي يعيش فيه، و مهما بلغ المتنور والواعي في مجتمعه، لا بد أن تجد في حديثه بعضا مما يدل على بيئته التي نبت فيها.
ومن هذا المنطلق ، ودون الدخول في تفاصيل اللغتين الدارجة والفصحى، يمكن أن نستنتج وبنظرة بسيطة وخاطفة بعيدة عن الحسابات الأيديولوجية والاستحقاقات الانتخابوية ، بأن القضية "البغرير"فيها "إنّ" مضخمة ، وأن الحملة القائمة حولها المفتعلة مخطط لها مسبقاً، وبدراسة متقنة، من حيث اختيار زمن الإطلاق، وتحديد الأهداف والغايات الخفية ، غير تلك ادعاءات المعلنة ، كالدفاع عن اللغة العربية لغة القرآن ، أو مسألة إدماجا الدارجة في كتب التعليم الأولي ، أو قضية تسطيح الوعي والفهم والثقافة التلاميذية ، وغيرها من الغايات التي يروج لها ..
فهل هناك حقا في كلمة "بغرير" وباقي العبارات المضافة لكتب التعليم الأولي ما يدعو لكل هذا الجدل ؟ أم أنها مجرد مطية للقفز عبرها إلى قضايا أكبر ،وإشكالات أعقد من "البغرير" الذي ليس في ذكره "تدريج" للغة العربية ، ولا تسطيح لوعي التلاميذ، بقدر ما فيه من تسهيل لعملية اكتشاف الحرف واستذكار رسمه وكتابته بسلاسة..
لاشك أن هذا الوضع الملتبس يفرضنا علينا وبحدة أسئلة محيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن لمن يعترض على إدماج لفظة "بغرير" الأكلة الشعبية المغربية ، في كتاب اللغة العربية ، ويعتبره "تدريجا" للفصحى ، ألا يعترض على إدماج الكثير من المصطلحات الإنجليزية والفرنسية في اللغة الفصحى من قبيل :"بروباغاندا، ديماغوجيا، براغماتية" وغيرها كثيرة من المصطلحات التي أصبحت لديهم معيارا لقياس مدى ثقافة وخبرة واضطلاع الإنسان ، رغم ما فيها من إدماج سافر للغات الأجنبية في الفصحى؟؟ وكيف يستكثرون على دارجتنا - التي َنعتز بها ونعتبرها جٌزءً من هويتنا التي نشأنا عليها خلال السنوات التي قضيناها في كنف الأسرة وفِي الشارع ونحن نلعب مع أقراننا - إضافة كلمة أو عبارة من ثقافتنا المحلية ، ليس لها مرادف في الفصحى ، مع أنها تبقى على حالها ، و يمكن أن تخضع لقواعد الاشتقاق في اللغة المعيار ؟ ولا يعترضون على كلمي "المضيرة والفالوذج" ،غير العربيتين، المذكورتين في "المقامة المضيرية لبديع الزمان الهمداني، والأدهى من ذلك إنهم يقبلون كلمات "الكنافة أو بايلا أو بيتزا" المدرجة في الكثير من الكتب المدرسية لبلدان تعتبر نفسها عربية قحة. وقبل الختم لا بأس من تذكير المدافعين عن اللغة العربية و المفخمين لدورها ، على الأصح ، والمقزمين للدارجة المغربية بأن قضية التعليم ليست قضية فصحى أو عامية ، بقدر ما هي قضية وطنية ، ولا تعالج بالمزايدات الأيديولوجية غير التربوية، والحسابات السياسوية والاستحقاقات الانتخابية، ويكمن علاجها في محاسبة من كان وراء تدهوره ، وبتقييم كل التجارب السابقة التي أهدرت عليها ملايير الدراهم لإنتاج ما نعيشه من تعليم فاشل ، كما أطلب من المنتقدين ، بل واستحلفهم بالله أن يقيموا نتائج 30 سنة من التعريب، لعرفوا ماذا حققته ذلك التعريب لمن عاش تجربته من الأجيال التي لم تجد بعدها موقعا لها في ميدان الشغل المتطور، لأنهم ،مع الأسف الشديد، كانوا ضحايا صراعات أيديولوجية بين القوميين والإسلاميين والفرنكفونيين ..
ولا بأس كذلك من التذكير ، بأن التعليم المغربي لم يعد قادرا على تحمل كل هذا التدهور ولا تلك النكسات ، وأنه في ليس في حاجة لتكتيل الجهود لإسقاط كلمة "بغرير" من كتب اللغة للتعليم الأولي ، بقدر ما هو في حاجة إلى التكتل لإسقاط طبقية التعليم وضرب مجانيته ، التي يستعد للمصادقة عليها المدافعون عن العربية ، ليس لأن لعربية مكانة عظيمة في قلوبهم ليس لأنها كلغة للقرآن ، لكن بهدف المتاجرة بذلك أمام العوام...
نحن إذن بحاجة لاستراتيجية شاملة لاجتثاث ظوهر النرفزة والتوتر في منتقشة أمورنا الحيوية ، وإرادة صلبة وحديدية لتخطى أساليب "الفزعة" وقصر النظر في التبحث عن حلول فورية لأزماتنا، المصاحبة وقبل هذا وذاك، نحن بحاجة لأن نزع بالسلطان ما لا يوزع بالقران.
ملاحظة أخيرة: إن ما كتبت هنا ليس دفاعا عن تلك الكتب، ولا عن الوزارة، وإنما لمعرفة من له المصلحة في إثارة موضوع الدارجة في هذه المرحلة، وجر رواد العالم الأزرق إليه وهو كما كانت تقول والدتي رحمة الله عليها "عجوزة وقبطات سارق"
حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ