الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الثالث 3

دلور ميقري

2018 / 9 / 13
الادب والفن


" الصّهد "، مفردة فريدة في المحكية الدارجة، تعبّر عن الشعور بالحر الشديد. أوان هذا الشعور، وهما شهرا تموز وآب ( يوليوز وغشت باللفظ الدارج نفسه )، كان رجلُ الأعمال السوريّ قد واجهه في قليل من العناء، قياساً بمتطلبات مكتبه الجديد. ولو أنّ من كانوا أصدقاء " سيامند " في الوطن، وجلّهم من العلق المتطفل، سمعوا بلقبه وطبيعة أعماله، لجهروا بسخريتهم وتفكّهم.
كذلك فعل حقاً أولئك الأصدقاء السابقين، هناك في دمشق، حينَ أعلمهم يوماً عزمه على افتتاح مكتب محاماة في مركز المدينة. لقد اعتبروه نوعاً من التنفّج، وأنه يبغي التعالي عليهم بشهادته الجامعية. هذا على الرغم من كرَم صديقهم الغامر، المقارب حدَّ الحماقة.
كانوا مدعوين دوماً على مائدته السخية، إن كان في المنزل أو المطعم. وأحيى بمعيتهم سهرات ماجنة، تآلفت فيها زجاجات الفودكا مع مواطناتها الروسيات، اللواتي غزينَ المشرق مع بداية ذوبان الجدار الفولاذيّ بفعل نار الانتفاضات الجماهيرية في دول أوروبة الشرقية. بل إنّ " سيامند " لم يجدها تصرفاً لائقاً، زيارة موسكو، دون اصطحاب أقرب أولئك الرفاق. وصلوا عاصمة البلاشفة السابقة، وكل منهم يحمل حقيبة سفر كبيرة، مليئة بزجاجات عطر مزيّفة بمهارة فائقة لتبدو أنها من فخر الصناعة الباريسية. على أنّ مصير تلك الزجاجات كان مشابهاً لشقيقاتها، المعبأة بالفودكا؛ المهرقة على موائد القصف والمجون بين أفخاذٍ ذات لحم رعبل وناصع!
بلى، على الرغم من ذلك الكرم، كان أصدقاء " سيامند " لا يكفون عن وصفه بالمُحْدِث النعمة، ويعدّونه تفضلاً منهم التعامل معه نداً لند. سيرة والدته، كانت مبرراً لهم للنزوع للتكبّر قدامه مع ما حُبيَ به من ذكاء ووسامة ومال. إنها سيرة مشنوعة لامرأة غريبة، لم تألُ على كونها مبعث شُبهة من لدنُ محيط أسرتها، ثمة في الحارة؛ هيَ مَن هربت بطفليها عبرَ الحدود التركية إلى مدينة على الساحل، لتجد مأوىً في كنف سيّدة من سلالة أمراء كرد في مقابل الخدمة لديها. ولقد بقيَ لقب الأم، " الولاتية "ـ أي القادمة من ريف الشمال، متداولاً بين الجيران وأقارب رجلها الجديد. هذا الأخير، لم يسلم من لمزهم أيضاً بسبب خصلة الحرص والبخل. وما فتأ لقبه، " الآغا "، يثير الضحك بعدما انتقل على أثر وفاته إلى ابنه الأصغر.
في واقع الحال، أنّ " سيامند " عاشَ يتيماً مثل أخوته الكبار، وكان لا يتذكر قط شعوره مرةً أن لديه أباً. مشاركته لأخويه من أمه موهبة الرسم والكتابة، كأنما كانت من ورادات تلك المعاناة. ولكن موهبته لم تتطور، كونها يعوزها التشجيع سواءً من الأقربين أو المدرسة، ولقد عوّضها في الاهتمام بدروسه وكان متفوقاً فيها. إلى أن توفيَ الأبُ، وكان " سيامند " مراهقاً بعدُ، عاجزاً تقريباً عن فهم أقاويل الخلق عن مقدار ما كان يملكه من عقارات. آنَ بلوغه السنّ القانونية، بلغَ من احتكاكه بالمحامي أنه قررَ دخول كلية الحقوق. الميراث العظيم، بلبله بقوة وقلبَ كيانه رأساً على عقب ـ كما فعلته مراكش تماماً، وقتما استقرَ فيها بحجّة الطفلة اليتيمة.

***
مقر أعمال " سيامند "، علمنا أنه كائنٌ في قلب الدائرة التجارية في المدينة الحمراء، الواقعة عند أقدام ساحة السحر والأعاجيب. الحال، أنّ هذه الساحة هيَ من منحت مراكشَ أحد ألقابها الشهيرة؛ " مدينة البهجة ". مجاورة التجارة للبهجة، كان لا بد أن تروقَ جداً للشاب؛ بحَسَب ما علمناه أيضاً من سيرته بعيد وفاة الأب. أساساً، كان مكانُ المكتب قد شُغل لسنوات كمطعم شعبيّ. ولعل أخويه مرّا مراراً حَذاء المكان، لما كانت تفوح من مخارجه روائح الأطعمة المحلية الحريفة، وبالطبع دونما أن يتوقعا أنّ يوماً سيأتي ويتحول إلى مقر رجل الأعمال السوريّ؛ " سيامند "!
هذا المقر، المتكوّنَ من دورَيْن، تم الاحتفاظ بواجهته الزجاجية مثلما كانت قبلاً. فيما غيّروا دهان الجدران، ثم أضافوا فوقه ورقاً ملوناً لمحاولة محو أثر العطن، المتخلف عن روائح الأطعمة. وقد شاءَ " سيامند " أن يتخذَ مكتبه في الدور العلويّ، وكان عبارة عن طاولة من العرعر النحيت، عريضة ضخمة. هنالك، كان يتواجد لنحو أربع ساعات نهاراً ومثلها مساءً. تراه جالساً تارةً خلف طاولة المكتب، يتأمل ما رقد تحت سطحها البلوريّ من صور فوتوغرافية تخص بعض أفراد العائلة الأحياء منهم والأموات؛ أو تراه واقفاً تارة أخرى وراء الواجهة الزجاجية، يتابع حركة الخلق خارجاً. اهتماماته الفنية، بالوسع ملاحظتها من خلال قطع منحوتات وأنتيك، موزعة على سطح الطاولة وجوانب الحجرة. علاوة على لوحات مثبتة على الجدران، غالبيتها تخص رسامين محليين ممن يعرضون أعمالهم في أسواق المدينة.
على أن مسلكه ما لبثَ أن تغيّر، بعد مرور حوالي شهرين على افتتاح مقر أعماله. أضحى أكثر انتباهاً لمصالحه، مستفيداً من كل ملاحظة يبديها معاونه " آلان "، الذي حازَ على ثقته بما تمتع به من كفاءة وخبرة وإخلاص. كما أنّ علاقته الحميمة بشقيقة الشاب ( المعتبرة خطيبته أمام الآخرين )، بقيت على شيء من التحفظ خلال أوقات العمل. وكانت " زين " قد استعادت وظيفة مسئولة العلاقات العامة، التي سبقَ لها وشغلتها مؤخراً في ذلك الفندق وقبلها عند السيّدة السورية، " سوسن خانم ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما