الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابة التاريخ وإلى أية درجة الالتزام بالموضوعية (1)

طلعت رضوان

2018 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتابة التاريخ وإلى أية درجة الالتزام بالموضوعية (1)
طلعت رضوان
لفت نظرى ما كتبه الدكتورياسرشحاته فى كتابه (إعادة قراءة التاريخ- ج2- هيئة الكتاب المصرية- عام2018) حيث ذكرفى التمهيد أنه سيواصل البحث انطلاقــًـا ((من منهج (البحث العلمى) مُـتخلين عن قناعاتنا الخاصة، ليكون البحث أقرب ما يكون إلى العلمية والموضوعية، ومتوجهـًـا إلى الجميع على اختلاف معتقداتهم))
وأعتقد أنه طبـّـق ما التزم به فى معظم فصول الكتاب، وتخلى عن هذا الالتزام فى بعض الفصول، بسبب قناعاته الدينية التى أنزلتْ على عينيه الكثيرمن الضباب، الذى تسبب فى انتصارالشخصى على الموضوعى. مع اعترافى بأنه بالرغم من هذا كان موضوعيـًـا جدًا، حتى فى الموضوعات التى لها علاقة بالدين الإسلامى، بشكل مباشرأوغيرمباشر.
أولا: الالتزام بالموضوعية:
عن الفرق بين مصروالعراق كتب ((رغم أنّ الحضارة العراقية بدأتْ فى زمن مُـقارب للحضارة المصرية، إلاّ أنها أكثرتعقيدُا بكثيرفى دراستها قياسـًـا بنظيرتها المصرية)) أما عن السبب: ((فالحضارة العراقية لم تنصهرأبدًا فى بوتقة حضارية واحدة، كما هوالحال فى مصر، بل ظلّ (العراق) يتقلب بين مجموعة من الشعوب المتحاربة، وبين ثقافات ولغات مختلفة، مع ظاهرة التناوب فى الحكم. أما فى مصرفإنّ وحدة (نعرمر/ مينا) وحـّـدتْ المصريين كلهم فى بوتقة واحدة وانتماء واحد...وهوما يجعل الوحدة المصرية مثالية وفريدة من نوعها فى التاريخ، بينما العراق اختلطتْ فيه الثقافات وتنوع الحكام ((فنرى آشوروعيلام وسومروأكاد، بخلاف بابل وكوش وميتان وآخرين الذين حكموا العراق (ص9،10)
وبالرغم من أنّ القرآن أطلق على زوج المرأة العربية (بعل) فإنّ الباحث لم يتحرّج من ذكرأنّ (بعل) كان إله مدينة (صيدون) السورية فى الزمن القديم بجانب الإله (إيل) وأنّ (هبل) يعتبرامتدادًا للإله (بعل) الآشورى (ص21، 24، 120)
وبالرغم من أنّ الباحث شديد الإيمان بالدين الإسلامى، فإنه كان شديد الموضوعية عندما ذكرفى الفصل السابع بعنوان الإسلام، أنّ تعبيرالحياة الآخرة فى الديانات السماوية جذوره مصرية، ثم أضاف ((ومع ذلك فالأديان السماوية لاتعترف بأنّ لها جذرًا مصريـًـا، بل هى تــُـعادى الديانة المصرية. أما التاريخ فقد أظهرأنّ معتقد البعث بعد الموت والمحاكمة والجنة والناربدأ فى مصرقبل أنْ يظهرفى الديانات السماوية)) (ص102)
وبالرغم من العلاقة الوطيدة بين العرب والإسلام وأنهما وجهان لشىء واحد، فإنّ الباحث لم يتحرّج من ذكرخصائص العرب وصفاتهم فكتب أنّ كلمة (الوبر) كانت تــُـطلق على العرب داخل الجزيرة العربية، وهى تعنى الخيمة حيث كانوا يعيشون. وأنّ الخيمة يسهل حلها والانتقال بها من مكان لمكان عبرالصحراء. وهوالأمرالذى فرضه عليهم الترحال الرعوى الدائم، وبالتالى لم يعرفوا (نظام البيوت الدائمة أوالاستقرارالذى يعتبرالشرط الأول للتراكم الثقافى والفنى وتنمية الحضارة بمرورالوقت (ص109،110)
وعن تصنيف البشرداخل الجزيرة العربية كان هناك (الموالى) وهم العبيد الذين تم اعتقالهم وظلوا فى القبيلة تحت حمايتها وحماية أسيادها..ومن بين التصنيفات (وفق اللغة العربية) مصطلح (العجم) أى جميع البشرعلى كوكب الأرض. وذكرالباحث ((وعندما دخل (العجم) فى القبائل العربية سموا أيضـًـا بالموالى وكان العرب ينظرون إلى غيرالعرب نظرة استعلائية عنصرية، ويعتبرونهم مواطنين أقل درجة حتى ولوكانوا من الفرس أوالروم..والعربى يشعرأنه أعلى نسبـًـا وقيمة من غيره من العجم (ص116)
وبالرغم من أهمية كلام الباحث، الذى كان ترجمة أمينة ودقيقة لما جاء فى أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى..وكذلك قواميس اللغة العربية حول تعريف كلمة (عجم) فإنّ الباحث لم يـُـقدم لقارئه (من جيل الشباب) الخدمة المُـفترضة لتعريف معنى كلمة أعاجم فهى: أعجمى ضد العرب..وكل من لايتكلم العربية أعجمى..والعجماء البهيمه- والمرأة (العربية) عجماء (مختارالصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام1911- ص440) حتى المرأة العربية بهيمة فى نظراللغة العربية.
وكان الباحث موضوعيـًـا عندما ذكرالنقش الذى تم العثورعليه فى حفائراليمن ومكتوب عليه (ذوى سموى) أى إله السماء..وكان يـُـسمى أيضًـا (الرحمن) وأنّ عددًا لابأس به من العرب كانوا على المعتقد نفسه..ومن بينهم الشاعرزهيربن أبى سلمى..وعبدالمطلب جد الرسول..وكثيرون غيرهم كانوا يتفقون على رفض عبادة الأوثان، ومع فكرة عبادة الأله الواحد..والصلاة عدة مرات فى اليوم..والاستحمام عند الجنابة وتحريم الخمر..والحج إلى الكعبة التى كان حولها أكثرمن360 صنمًـا..وكان الباحث موضوعيـًـا عندما ذكرفى تعليقه أنّ ((هذه الأصنام لم تكن تــُـمثل عبادة محددة ذات نظرية أخلاقية..كما رأينا فى ديانات اليونان ومصر أونظرية واضحة تفسرالخيروالشرعلى الطريقة المصرية (كما جاء فى الأسطورة الأوزيرية)
وأضاف: بينما الأصنام التى كانت حول الكعبة كان لكل منها ((قصة مُـبهمة غيرواضحة الملامح..مثل أساف ونائلة اللذيْن قيل أنهما مارسا الرذيلة فى البيت الحرام فتحجرا جزاء على فعلتهما..كما أنّ (هـُـبل) امتداد للإله (بعل) الأشورى (ص199، 120)
وهنا أيضـًـا لم يهتم الباحث بتقديم الخدمة المُـفترضة لقارئه وهى علاقة الإله (بعل) بالتراث العربى/ الإسلامى..حيث أنّ (بعل) فى اللغة العربية هوزوج المرأة وهوما أقرّبه القرآن فى آية ((وإنْ امرأة خافتْ من بعلها نشوزًا)) (النساء/128) وآية ((قالت ياويلتى ألد وأنا عجوزوهذا بعلى شيخـًـا)) (هود/72) وبالرغم من ذلك أقرّالقرآن أنّ (بعل) هوأحد الآلهة السابقة على الإسلام وهوما جاء فى سياق التنديد بالقرشيين الذين رفضوا دعوة محمد وتمسّـكوا بالإله بعل وصوّرتها آية ((أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)) (الصافات/125)
ولكن أخطرالأخطاء العلمية ما وقع فيه الباحث عندما نقل عن غيره أنّ (هـُـبل) امتداد لهابيل ابن آدم و(العزة) امتداد لإيزيس المصرية..وأنّ الثلاثى (اللات والعزة ومناة) هوما أطلق العرب عليه (الغرانيق العلى) وهوثلاثى يتكوّن فى الأصل من ذكريْن هما اللات ومناة (الله ومن) وأنثى هى العزة، مما يعنى أنه فى الغالب أمتداد للثلاثى المصرى (إيزيس وأوزيروحورس) وأنّ اسم مكة مأخوذ من اسم مصرى فى اللغة المصرية القديمة (مقة) إلخ (ص120) الخطأ العلمى الذى وقع فيه الباحث هومحاولة ربط الحضارة المصرية بالتراث العربى (دون تقديم دليل واحد) ناهيك عن الاختلافات الجذرية بين مجتمع الزراع ومجتمع الرعاة..وبين مجتمع أبدع فى علوم الفلك والرياضيات والطب والهندسة..إلخ ومجتمع تفرغ للغزو.
وهذا الغزوبدأه الرسول بقطع الطريق على قافلة قريش، للحصول على بضائعها وأموالها..وتسبب فى غزوة بدر..وهوالأمرالذى كان سائدًا قبل الإسلام..وكان الباحث موضوعيـًـا عندما ذكرأنّ الحضارات القديمة كانت تــُـحرم السطوعلى الآخرين داخل حدود شعوبها..وتعتبره جريمة..ولكن يكون السطوعلى شعوب أخرى..فكان هذا يعتبربطولة..وفى الجزيرة العربية..وبسبب النظام القبلى كان السطوعلى القبائل الأخرى يعتبربطولة. أما السطوعلى أفراد القبيلة الواحدة فكان جريمة..وقام النبى محمد بعدد من الغزوات تقدربحوالى28غزوة..واستطاع فرض سيطرته على نصف أراضى الجزيرة العربية..وأنشأ أول دولة عربية إسلامية، تمتد من حدود الشام شمالاحتى اليمن جنوبا..ومن البحرالأحمرغربـًـا حتى حدود الحيرة غربـًـا، وحدود حضرموت شرقا..وبذلك ارتبط الإسلام اريتباطـًـا وثيقــًـا بالفتوحات، التى أصبحتْ جزءًا من بناء الدولة الإسلامية (ص132، 133)
هذه الفقرة المُـهمة (والخطيرة) كتبها الباحث بلغة جمعتْ بين الحيادية (من خلال تقديم المعلومة مثل28غزوة..ومن خلال التوسع فى الغزوات خارج الجزيرة العربية) ولكنه لم يذكركلمة واحدة عن الشعوب التى تـمّ غزوها واحتلال أراضيها ونهب مواردها، مرة تحت اسم الجزية وأخرى تحت اسم الخراج..فكما أنّ الذى رفض دخول الإسلام (كافر) عليه أداء الجزية..كذلك بقيتْ أرضه (كافرة) عليه أنْ يدفع (خراجها) ولعلّ سكوت الباحث عن التعرض لمآسى الشعوب التى تعرّضتْ للغزوالعربى، جعله يستخدم مصطلح (فتوحات) وليس (غزوات) والدليل على ذلك كثرة كتب التراث العربى/ الإسلامى المعنونة ب (غزوات الرسول) وهوالأمرالذى اعترف به الباحث حيث ذكر((حاول أبوسفيان التحرش بيثرب..ولكنه هرب عندما اقترب منه جيش محمد ملقيــًـا بحمولته من السويق..والتى غنمها المسلمون..فسُـميتْ الواقعة بغزوة السويق..كما ذكرابن سيد الناس فى كتابه (عيون الأثر- ج1 ص304- وفى كتاب د. ياسرشحاتة ص135)
وعن غزوة أحد ذكرالباحث أنّ نساء قريش كنّ يكشفنَ أجسادهنّ أثناء الانسحاب..وترتب على ذلك أنّ فريق الرماة (من المسلمين) طمع فيهنّ وتركوا أماكنهم بهدف الحصول على نصيبهم من الغنائم والسبايا..وكانت النتيجة أنْ انتهز فرسان خالد بن الوليد (قبل إسلامه) وعكرمة بن أبى الحكم الفرصة وأطبقوا على جيش المسلمين من الجانبين (ص137) وبعد هذه الفقرة بدأ المباحث فى سرد غزوات الرسول التالية مثل (غزوة الخندق) إلخ.
وكان الباحث موضوعــًيا عندما ذكر أنّ الخلاف بين اليهود والمسلمين فى (بنى قينقاع) انتهى بطرد اليهود من قبيلتهم..وأنّ هذا العقاب الذى فرضه الرسول على اليهود ((كان قاسيـًا فطرد قبيلة كاملة بدون سلاح أوأموال لمجرد جريمة قتل يـُـعتبرعقابـًا جماعيـًا قاسيـًا..وكان يمكن المطالبة بتسليم القاتل فقط أودفع الدية)) وذكرأنّ قصة (بنى النضير) فهى أكثرغرابة..فقد ذهب إليهم الرسول فى العام الرابع الهجرى..وناقشهم فى دية قتل يهودى من مسلم فأجابوه..ولكن الرسول سمع من أحدهم أنه يتمنى لويلقى شخص ما حجرًا على الرسول فيقتله..ولكن الله تدخل فأوحى للرسول بأنّ اليهود يـُـخططون لقتله..فعاد إلى أصحابه يحثهم على قتال اليهود عقابـًا على نواياهم التى أوعزالله له بها (ص141)
ذكرالباحث تلك الواقعة التى وردتْ فى معظم كتب التراث العربى/ الإسلامى دون تعقيب يشرح ملابسات تلك القصة التى اكتفى الباحث بأنْ وصفها بأنها (أكثرغرابة من غيرها فى طرد اليهود) فهل ( مقولة تدخل الوحى) حقيقة؟ أم من أصل ميتافيزيقى؟ تشبثتْ به الديانة العبرية بفروعها الثلاثة؟ وما الذى منع الباحث من مناقشة ملابسات تلك الرواية؟ وألايؤكد امتناعه أنّ السبب هوموقف أيديولوجى/ إيمانى سـدّ أمامه طريق الكتابة الموضوعية، التى حاول أنْ يلتزم بها كما قال فى مقدمة كتابه؟
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة