الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الثالث 4

دلور ميقري

2018 / 9 / 14
الادب والفن


لقد غدا بالفعل أحد رجال الأعمال الأجانب، ممن يستثمرون أموالهم في مراكش. ولكن وضعه بقيَ غيرَ واضح بين أغنياء المدينة، اللذين توزعوا على فئتين أساسيتين، الطبقة التجارية والطبقة النبيلة. لحُسن حظه، أن الظروف لم تجعله في موضع أخويه الراحلين، حينَ تحتّم على كلّ من الطبقتين أن تجذبهما إليها، مثل حال برادة حديد بين قطبَيّ مغناطيس. آنذاك، كان هناك أيضاً رمزان استقطبا حولهما حاشية خاصّة؛ وهما الأميرة، " للّا عفيفة "، والمليونير الفرنسيّ، " مسيو غوستاف ": هذا الأخير، كان له الفضل ( لو صحَّ التعبيرُ ) في تقديم الشقيقين إلى ممثلة المجتمع الراقي، الأميرة، بصفتهما سليلين ـ كذا ـ لأسرة حاكمة كردية، عريقة ومندثرة. إلا أنّ " شيرين "، على أيّ حال، كانت أكثر شبهاً برجلها هذا لناحية ثقافتها وموهبتها الأدبية.. وكذلك مصيرها. كان " سيامند " يفكّر بأخويه الراحلين، وهوَ في مكانه وراء طاولة المكتب، المنعكس على بلورها صورته بكامل أناقتها ـ كأنه بمواجهة عدسة فوتوغرافية.
استعادَ عندئذٍ كلمات السيّدة السويدية، صديقة أخيه الراحل، فيما كانت تتأمله يدخن سيجاره الهافاني: " قلما تفكّر هنا بقضيتك القومية، مع أنك لم تكن كذلك في الوطن في خلال الفترة الأخيرة؟ ". كانا في الصالة وقد أنهيا جدلاً سياسياً، أعقبَ جدل الجسدين على سرير حجرة النوم. وأثارت أعصابه، حينَ مضت تقول " تذكّرني بمواطنيك الكرد، اللاجئين في السويد، المنقلبين من الانشغال بهمّ النضال في سبيل القضية إلى همّ جمع المال ". إلا أنه فضّل مناكفتها بابتسامة عريضة، قبل أن يجيب: " وأنتِ أيضاً، صرتِ شبيهة بنا بحُكم المعاشرة! ". نبرت لمقاطعته، إلا أنه تابعَ القول " تأخذين عليّ الابتعاد عن السياسة، مع أنك لا تكفين عن نقد الاتجاه الإيديولوجي، الذي أعتنقه منذ عامين على الأقل؟ ". بدَورها، اغتصبت ابتسامة على الرغم مما لاحَ في ملامحها من ضيق. ردّها تحدد في جملته الأولى، المسببة إزعاجها: " أدركُ معنى قولك، بشأن التشبه والمعاشرة. أنتَ تعتقد أنني أنشغل بمعاشرتك عن قضية الطفلة، وبذلك أرتكب خيانة مزدوجة بحق ذكرى والدها الراحل. أليسَ هذا معنى قولك؟ ". لم يرغب في مواصلة النقاش، طالما أنه تناهى إلى موضوعٍ كان يجاهد في الهروب من التفكير فيه مذ أن شارك " تينا " فراشها لأول مرة. بيدَ أنّ سحنة أخيه الراحل، بقسماتها الحزينة الشاحبة، كانت إذاك تقتحم تفكيره عنوةً ـ كما خيوط الفجر البيض، المبددة رويداً عتمة الليلة فوق المدينة الحمراء.

***
صورة أخرى، لا تقل براءة وشفافية، أطلت على ذهنه وكان بالكاد قد تخلص من الذكرى، المثيرة مشاعر القنوط والإحباط. إنها صورة الطفلة " خجي "، وكان لم يرَها إلا لماماً في هذا الصيف، المؤذن على الانقضاء بموجة حرارته غير المحتملة. عنّت له فكرة زيارة الفيللا مساءً، ولو أمكن من بعد، الخروج مع أفراد الأسرة المُحسنة إلى الساحة، الأثيرة على قلب الطفلة مثلما هوَ حالُ معظم أقرانها. على أنّ حائلاً أعترضَ الفكرة، وتمثل في عدم رغبته اصطحاب " زين " إلى الفيللا. كان ولا شك يفكّر بصغرى بنتيّ الأسرة، وما دأبت عليه من نكد في خلال هكذا زيارات صُحبة فتاته.
خرجَ مع سماعه أذان المغرب إلى حجرة الاستقبال المجاورة، المفصولة عن حجرة مكتبه بحائط مصطنع من الخشب الرقيق ( بلاكيت )، المغطى بورق ذي ألوان محلية. كانت " زين "، بوصفها مسئولة الاستقبال، متصدرة المكان وراء طاولتها الأنيقة، المحتل جل مساحتها جهاز كمبيوتر. وقد جلسَ على أحد كرسيين جلديين بمقابلها، شخصٌ متقدم قليلاً بالسنّ، أسمر أجعد الشعر، جديرة هيئته البدينة بمهنته كسمسار في مجال استيراد قضبان الحديد، الخاص بإنشاء العمارات الحديثة. كان يرشف قهوته ببطء أقرب للكسل، حتى أنه استقبل الداخل بعينين باردتين لا مباليتين. بدت السكرتيرة تهمّ في تذكير معلّمها بهذا الضيف، الهامد فوق كرسيه كما جثة في نعش. غير أنّ " سيامند " بادرَ لمخاطبتها بعدما حيى الرجل، متكلّفاً حركة مستعجلة: " تابعا عملكما، فإنني خارج الآنَ. سأمر في طريقي على الفيللا، كي أرى صغيرتنا خجي. وداعاً! ".

***
كان يشك منذ زمن، أنّ " خدوج " تسلك معه مسلكاً أقل ما يقال عنه أنه طائشٌ، ناهيك عن خطورته. ولم يكن يخشى على نفسه، بل على آخرين متصلين بذلك السلوك سواءً عن علم أو خلافه. ولكي يتأكد من جديد، وأنه لا يظلم الفتاة، تعمّد عند سؤالها عن احتمال مجيء " زين "، بالرد في اقتضاب: " نعم..! ". مضى نحو ساعتين، وكان هوَ في الأثناء يلاعب ابنة أخيه اللعبة الأثيرة لديها: رفعها عن الأرض ومن ثم قذفها في الهواء وتلقفها مجدداً بين ذراعيه.
وكانت " خدوج " تلوح قلقة طوال الوقت، متململة في جلستها بالصالة أو متحركة في أرجاء المكان لا تستقر على حال. وفيما كان " سيامند " يراقبها بانتباه، رنّ جرسُ الباب الخارجيّ. هتفت الفتاة لوالدتها كمن ينتظرُ شخصاً معيناً، قبل اندفاعها إلى تلك الناحية: " لقد تأخروا ". ظهرَ أنه شقيقها وزوجته، فما لبثا أن أقبلا على الشاب يحيونه بود. وقد نوهنا أكثر من مرة فيما مضى، أن أفراد الأسرة كانوا يعتبرون " سيامند " قريباً أكثر منه ضيفاً.
بينما كان يتكلم مع " حمو " حول شؤون شركته الجديدة، إذا بشقيقته تطل على الصالة: " قررنا تقديم التبولة على العشاء، ونطلب معونتك لو سمحت "، خاطبت الشاب وعيناها المائلتان تتحركان بحركة ماكرة. فلما انتبهت إلى نظرات والدتها المتمعنة، فإنها عمدت حالاً لإسبال عينيها مثل طفل ضُبِط متلبساً بفعلةٍ ما.
هناك في المطبخ، قدّم ما يعلمه عن طريقة تحضير سلطة بلاد الشام تلك. سألته مرة أخرى عن " زين "، مستغربة عدمَ حضورها. " غزلان " كانت ثمة، منهمكة بإعداد أطباق العشاء، الباردة منها والساخنة. كان الجو ما ينفكّ صيفاً، مما جعلها تعيد الشكوى من شدة الحرارة برفع طرف ثوبها القصير حتى منبت فخذيها، قائلة وهيَ ترنو إلى الشاب عن قرب: " أوه، الصّهد.. الصهد..! ". هذه الحركة الخرقاء، لاقتها ابنة حميها بقهقهة طويلة وعالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى