الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرجعية الدينية وحق التصرف بمال المسلمين

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما يتنطع ويتفاخر ويتباهى (ممثل المرجعية)) في حديثه التلفيزيوني عن ما أنفقته المرجعية من مالها الخاص لمعالجة جزء من أزمة الماء في البصرة، يثبت لي أن هذه المؤسسة (البدعة) قلعة من قلاع حماية الواقع المشين كما هو، حتى لا تنفلت من يدها أزمة السيطرة على العقل الشعبي المفتون بالقداسة والطاعة، فأموال المرجعية ليست أموال خاصة بها تتفضل به كصدقة على الشعب وإنما هي أموال (الله ورسوله والناس) مؤتمنين عليها وليسوا بملاك ولا أصحاب سلطان، فمن باب أولى أن تعتذر أولا أنها تأخرت في البذل من هذا المال حسب الموازين الشرعية الموضوعة له أصلا، وأن تعتذر أيضا أنها حرصت على ما لا يحرص أصلا أن ينفق في سبيل الله، بعد أن أستحكموا عليه وكنزوه لهم ولأذيالهم وكأن المرجعية هي أمين الصندوق الذي لا يمكنه الإنفاق والصرف إلا بخطاب إلهي مباشر أو بوحي من السماء لها، من العار أن يعيرنا هذا الممثل بأنه فعل هذا حتى يتفاخر منتشيا بغزوة أخرى للعقل المستحمر، ولم يستحي أصلا أن يطلقها علينا بلسان عربي مبين حتى نفهم أنهم السادة المنقذون، إن كان هذا المال ليس مما جمته الفرائض خمس وزكاة وأستثمارات باسم المذهب والدين فحريا بنا كعراقيين أن نعيد لهم هذه الصدقة فالأحرار لا تحل عليهم الصدقات وفضل فاضل متفضل.
المؤسسة الدينية في كل المجتمعات الإسلامية تأخذ دورها من حقيقة وجودها ومن الرؤية التي تعتمدها في كيفية فهمها للدين، فهي أما شمولية وتنظر للدين أنه صاحب مفاتيح الأسرار الصغرى والكبرى، وهنا تعمل على تنفيذ هذه الرؤيا من خلال طرح نفسها قائد وموجه ومرشد كما في ولاية الفقيه في إيران أو دور هيئة العلماء في السعودية، فالسياسي في كلا المدرستين رهين وحبيس الرؤية تلك ورضاالمرجعية، أو أنها تتخذ دور المرشد الموجه الذي يكتفي ببيان ما هو الضروري وتنبيه الناس لمواقع الخلل، على أن يتحمل المجتمع نتائج خياراته (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، هذا الدور مورس في الكثير من المجتمعات الإسلامية وأوضح صورة له هو دور الأزهر وقيادته للواقع المصري، الغريب في المرجعية الدينية الشيعية في العراق أنها تقول ليس من صلب تفكيرها أن تكون صاحبة رؤية ولاية الفقيه ولاتنحاز لها، ولكنها تمارس دورا محوريا في السياسة والأقتصاد والتحكم بالمزاج الشعبي حتى أننا لا نبالغ إن قلنا أن السياسي العراقي حتى من خارج المذهب هو أسير قرار المرجعية ولا يمكنه الخروج من دائرة تأثيرها المباشر، إنها حكومة الظل القوية التي لا يرغب أحد أن يخرج من دائرة نفوذها فيخسر كل المواقع حتى لو كان العراق الشعبي الحر خلفه.

من يظن اليوم ونظرا لتعقيد الواقع العراقي أن مرجعية الدين لا تؤمن حقيقية بولاية الفقية ولا تعمل بها فهو واهم جدا وغير قادر على قراءة المشهد وملاحظة المحركات الفعلية في داخله، المرجعية الدينية وخاصة في النجف منغمسة كليا في مشروع أدلجة المجتمع العراقي بكاملة وتقسيمه بين موالي مطيع حد العبودية لها، وبين معارض منبوذ محارب من قبل كل أذرعها السياسية والاقتصادية والأجتماعية ولكن دون أن تسمي الأشياء بأسمائها، من قبل كانت مرجعية الخوئي أمبراطورية مالية وظقت وجودها الديني لمصلحة النظام القمعي الشمولي بحجة التقية والخوف من بطش النظام فمنحته بالمجان وخلافا للواجب الشرعي التكليفي لها أن تمارس دور المنقذ والقائد والمصحح، فنال الشعب العراقي الظلم أضعافا مضاعفة بسبيل الحفاظ على رأس هذه المؤسسة ولكن الثمن كان ضياع العراق بالصورة التي حدثت بالعام 2003 وما بعدها.
الأدعاء المتكرر دوما بأن المرجعية الدينية لا تتدخل في العملية السياسية لا في رسمها ولا في تسجيل الملاحظات عليها لأنها تتعارض مع وظيفتها الأصلية مجرد كلام يطرق بعض العقول الخاملة التي يتم خداعها بسهولة، فمنذ أن ظهرت هذه المرجعية كمؤسسة ما رست شتى أنواع العمل السياسي، من أعلان فتوتها بأن الشيوعية كفر وألحاد ومرورا بكل الأحداث التي مرت على العراق وشعبه وهي أما راضية بالظلم وساكته عنه أو قامعة للفعل الشعبي المناضل، إنما تمارس دورا سياسيا لا يقل خطورة عن دور السلطة الغاشمة في تنكيل الشعب وأخضاعه لسيف العبودية وإن أختلفت الأعذار والمبررات، كانت القيادة الأمريكية التي غزت أرض العراق تعرف جيدا ميول هذه المؤسسة وتوجهاتها وقد أجتمعت برأس هرمها كما أجتمعت بوكلائها وهي تدرك أن مرامها مفتوح أمامه كل الأبواب ليمر، ولو كانت موقنة أنها ستواجه الصدام معها لما تجرأت على الدخول أصلا وهي تعلم أن وجود المرجعية لغم قاتل لها لو أنها تحركت بالضد من مشاريعها وغاياتها، كذلك أستعان الذين نفذوا إرادة المحتل بشعاراتها ودعمها وهي ساكتة سكوت الراضي والقابل لتحيل العراق إلى مرتع للجريمة والفساد المنظم والمؤسس على قواعد دائمة، فكيف يكون وصف الحيادية هنا إذا أردنا أن نحسن الظن بقولها، العراق بلد إسلامي وأرض لها خصوصية دينية وحضارية لا يمكن أن ينتهك لا من أمريكا ولا من غيرها ولا حتى من حكامها ما لم تجد التأييد الضمني سياسيا على الاقل متوفر بالقدر الذي لا يقلقها أصلا.
في العودة لمفتاح هذه المقالة والذي قد يثير الكثير من البسطاء الذين يظنون أن المرجعية ووكلائها هم من الطبقة المعصومة المحظور علينا نقدهم أو حتى الإشارة لهم، أقول أن حقوق الناس وواجب النخب الدينية يتعارضان أصلا مع هذا الطرح والإيمان به، فليس هناك حد عاصم للبشرمن أن يخطأ إلا إذا عصمه الله وبنص موثوق أ واقع ينبئ عنه، أما العواطف والأنحياز للأنا المتضايقة التي لا ترى إلا حدود ما يهمها أو تهتم به فليس بمعيار حق ولا هي دعوة أنصاف، الواقع الديني الحقيقي قد رتب للناس حقوقا منها أن لا يقبلوا بالظلم وأوجب كأمر مولوي غير قابل للتهميش أو التعطيل أن يقام العدل قولا وفعلا( إن الله يأمر بالعدل والإحسان....) ولكنه أيضا لم يجب على الناس الأستكانة والخضوع الأعمى لمن زعم أو تزعم عليهم تحت شعار ديني أو هدف مذهبي، ما جرى في العراق اليوم وخاصة في البصرة جريمة إنسانية بحق، شاركت فيها أطراف فاعلة وراضية ومؤيدة وصامته، كلها تتبع الباطل لتخذل الحق دون أكتراث بالواجب والمسؤولية الأخلاقية والدينية، المهم لديها حسابات الربح والخسارة، أما خسارة الله ودينهفهذا أمر ليس له جدوى في حساباتهم ولا في أولوياتهم، إننا الآن نعيش عصر الكهنة بأسوأ صورة ومن يكذبني فليقرأ ويرى ما هو دائر في عقلنا الجمعي من مسلمات وأطروحات لا تتماهى لا مع العقل المؤمن ولا مع منطق الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س