الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصطدام بالشخصيات المقدسة (6)

طلعت رضوان

2018 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الاصطدام بالشخصيات المقدسة (6)
طلعت رضوان
من بين مقالاتى التى عجزتُ عن نشرها، مقالى عن د. حسن حنفى..وذلك بالرغم من إدراكى أنه حصل على (جائزة القداسة) ولكن يبدوأنّ العناد الطفولى (فى تركيبتى النفسية والعقلية) جعلنى أكتب دون مراعاة لمصيرالنشر..وللأمانة كتبتُ مقالابعدد كلمات قليلة..وأرسلته لصحيفة القاهرة، عندما كان الراحل الجليل صلاح عيسى رئيس تحريرالجريدة..وبعد أسبوعيْن وجدتُ المقال منشورًا..وبعد شهريْن كان صديقى د.وسيم السيسى فى الإسكندرية..وجاءتْ جلسته مع د. حسن حنفى..وفى سياق المناقشة تكلم د. السيسى عن (حزب مصرالأم) تحت التأسيس، برئاسة الراحل الجليل محسن لطفى السيد (عاشق الحضارة المصرية ويـُـجيد اللغة المصرية القديمة) سأل د. حنفى عن الأعضاء المؤسسين، فلما ذكرد.وسيم اسمى، قال له د. حنفى ((أرجوك قل لطلعت رضوان يبعد عنى)) هذا ما حكاه لى د.وسيم السيسى وهويضحك وطلب منى أنْ (أخف شويه عن د. حسن حنفى) تذكرتُ ذلك وأنا أكتب فصول سيرتى الذاتية..وتذكرتُ مقالى المُـطوّل عن عن د. حنفى الذى كان ضمن مقالاتى الممنوعة من النشر.
000
ذاع اسم د. حسن حنفى فى مصرخاصة بعد صدوركتابه (مقدمة فى علم الاستغراب) عام 1991. وكنتُ كلما دخلتُ أتيليه القاهرة فى ندوة يوم الثلاثاء من كل أسبوع ، أقابل من يُبادرنى بذاك السؤال ((قريت كتاب د. حسن حنفى مقدمة فى علم الاستغراب؟) ولما تكرّرالسؤال من كثيرين محسوبين على الثقافة المصرية السائدة، اضطررتُ لشراء الكتاب حتى أعرف أهميته وبالتالى لا أبدو(متخلفــًـا) عن الآخرين..ولما قرأته ندمتُ على (الفلوس) المدفوعة فيه وعلى الوقت المُهدرالذى قضيته فى القراءة، لأنه (الكتاب) لم يُضف إلى معلوماتى أى شىء جديد، كما لم يثرعقلى بفكرمختلف، لأنه تكرارلما قاله الشيوخ قبله عن (الغرب الأوروبى) بل إنّ د. حنفى زايد على الشيوخ، فهويزعم أنّ مشروعه (الحضارى) فى كتابه (مقدمة فى علم الاستغراب) يستهدف العودة إلى (المركزالحضارى) أى الإسلام، حتى نتطهرمن شرورالغرب وأفكاره. ووفق نص كلماته فإنّ ((العودة إلى المركز الحضارى تـُعطى قوة إلى الرفض الحضارى)) وبغض النظرعن التلاعب بالألفاظ (على طريقة د. جمال حمدان والصحفى محمد حسنين هيكل) فإنّ (الأنا) عند د. حنفى هى ((الأنا المسلم)) أما الآخرفهو(الغرب) ولذا (وفق نص كلامه) فإنّ مادة علم الاستغراب هى ((من جهد الأنا وإبداعه وليستْ من إفرازالآخر وقيئه)) (ص 22) وفى الهامش كان صريحًا عندما ذكرمَنْ هم الذين قصدهم ب (القيىء) فكتب ((وذلك فى كتابات إشبلنجر وهوسرل وبرجسون وتوينبى وجارودى وغيرهم من الفلاسفة المعاصرين)) أى أنّ كتابات هؤلاء (قيىء) علينا أنْ نتجنــّـبه..والنتيجة الانعزال التام عن كل الإبداعات الإنسانية، سواء فى العلوم الطبيعية أوفى الفلسفة. فهل تطمع و(تطمح) الرأسمالية العالمية فى أكثرمن ذلك ؟ وهل هناك فرق بين هذا الكلام وكلام سيد قطب وكل الأصوليين الإسلاميين الذين كفــّـروا المُبدعين الأوروبيين وحرّموا مجمل الإبداع الأوروبى؟
تتفاقم الكارثة عندما نعلم أنّ د. حنفى سبق له أنْ شغل وظيفة أستاذ الفلسفة ثم رئيس قسم الفلسفة- كلية الآداب- جامعة القاهرة. أى أنه يلتقى مع مئات الطلاب يوميًا ويضخ فى رؤوسهم معتقداته الأصولية عن (الأنا المسلم) وعن (الآخر) الذى لايخرج من (إفرازه) إلاّ (القيىء) ثم تتعاظم الكارثة عندما نعلم أنّ سيادته حاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون، وشغل منصب نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، وسكرتيرعام الجمعية الفلسفية المصرية. ثم يرتفع صرح الكوارث عندما كتب عنه كثيرون من اليساريين المصريين أنه ((المفكرالإسلامى المُستنير)) وأحد أهم ((رموزاليسارالإسلامى)) فعلوا ذلك رغم علمهم (أوالمفترض بهم العلم) أنه أصدركتابيْن فى بداية الثمانينيات تمجيدًا فى الخومينية التى قتلتْ الحلفاء من الشيوعيين الإيرانيين، خصوصًا أعضاء حزب (توده) الشيوعى، الذين كانوا الوقود الحقيقى والمُحرّك للثورة ضد حكم الشاه.
وإذا كان مشروع د. حنفى قام على مقولة أساسية هى (الأنا المسلم) وإذا كان شعبنا المصرى مُتعدّد الأديان والمذاهب، فإنّ (الأنا المسلم) ينفى (الآخر) غيرالمسلم، وتبعًا لذلك لايعترف بحقوق المواطنة لغيرالمسلمين، وإنما تـُـطبّـق عليهم أحكام (أهل الذمة) فيكون عليهم أداء (الجزية) والمنع من دخول الجيش والمنع من تولى بعض الوظائف فى الوزارات السيادية. وبالطبع فوق كل ذلك ممنوع عليهم تولى رئاسة الدولة أوحتى رئاسة الحكومة..وإذا دافع د. حنفى عن مشروعه وقال إنه لم يقصد أنّ (الأنا المسلم) سينفى الآخر(غيرالمسلم) ويحرمه من حقوق المواطنة، فيكون السؤال هو: إذا كان الأمركذلك، فلماذا لايكون (الأنا) هو(الأنا المصرى) الذى يجمع (كل) المصريين ويُوحدهم؟ طبعًا هذا سؤال إنْ خطرعلى العقل الحر، فهويستحيل أنْ يرد على ذهن أى أصولى إسلامى كما فعل د. حنفى.
من بين المفكرين المصريين الذين عملوا فى صمت وتركوا تراثــًا غاية فى الأهميه د. عبد الهادى عبد الرحمن الذى كتب عن كتاب د. حنفى (مقدمة فى علم الاستغراب) إنّ ((كتابًا ك (مقدمة) فى علم الاستغراب تأليف د. حسن حنفى يُعتبرأنموذجًا مثاليًا لخطاب التمركزالثقافى المعكوس فى كل صفحة من صفحاته التسعمائة تقريبًا. بل فى صياغة جمله وكلماته..وتضخم الإحساس ب (الأنا) إزاء (الآخر) والأنا المطروحة ليست فى النهاية- برغم الكلمات الفضفاضة- سوى أنا تراثية (إسلامية) تنطلق من الماضى لامن الحاضرلبعث المستقبل)) (د. عبدالهادى عبدالرحمن- فى كتابه " الفوضى والتاريخ"– التحولات والتمركزات الثقافية- الناشرالعصور الحديثة- عام 2000- ص 90، 91)
000
ولأنّ جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفغانى هوزارع الأصولية الدينة فى مصر، لذا وجدتُ (كل) الأصوليين الإسلاميين شديدى الإعجاب به..ومن بينهم د. حنفى الذى كتب ((جمال الدين الأفغانى هورائد الحركة الإصلاحية..وباعث النهضة الإسلامية..وأول من صاغ المشروع الإسلامى الحديث، الإسلام فى مواجهة الاستعمارفى الخارج والقهرفى الداخل)) (حسن حنفى فى كتابه جمال الدين الأفغانى- مكتبة الأسرة- عام 99- ص 11)
فهل د. حنفى لم يقرأ ما كتبه (الأفغانى) فى مجلة العروة الوثقى، أم قرأ وتغافل وتجاهل خطورة ما كان (الأفغانى) يُنادى به؟ والآن فلنخضع كلمات د. حنفى للتحليل والتى قال فيها إنّ الإسلام الذى صاغه (الأفغانى) كان ((فى مواجهة الاستعمار)) بينما كانت كتابات (الأفغانى) تـُكرّس للاستعمارطالما أنّ المحتل من ذات ديانة الشعب الذى احتلّ أرضه فكان يُطالب المسلمين بأنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى وقامت لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى- 24/8/1884)
فالأفغانى فى هذا المقال لا يُبرّرالاحتلال على أساس الدين فقط، وإنما التركيزعلى أنّ (الدين) هوالذى يجمع الشعوب وليست (الأرض) التى وُلدوا فيها وعاشوا على خيراتها وعملوا فى حقولها ومصانعها إلخ..وهى ذات الدعوة التى روّج لها بعد ذلك رشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب، أى أنّ الانتماء و(الهوية) يكون للدين وليس للوطن. لذا كرّر(الأفغانى) حديثه عن نفى الانتماء للوطن فكتب ((لاجنسية للمسلمين إلاّفى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) وكرّر ذات المعنى فكتب ((علمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لايعرفون لهم جنسية إلاّفى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى- 14/8/1884)
أما أخطرما روّج له فهومحاولة اقناع الشعوب بالاحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الاستعمار تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) التى ألحّ كثيرًا فى الترويج لها والدفاع عنها فكتب ((...هذا ما أرشدنا إليه سيرالمسلمين.. لايتقـيّـدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين. لهذا نرى المغربى لاينفرمن سلطة التركى..والفارسى يقبل سيادة العربى..والهندى يذعن لرياسة الأفغانى، لا اشمئزازعند أحد منهم ولا انقباض..وأنّ المسلم فى تبدل حكوماته لا يأنف ولايستنكرما يُـفرض عليه من أشكالها ما دام صاحب الحكم حافظــًا لشأن الشريعة ذاهبًا مذاهبها)) (العروة الوثقى 28/8/1884)
رغم هذه الكتابة الصريحة الهادمة للانتماء الوطنى، والمُروّجة للاحتلال الأجنبى طالما أنّ الحاكم (حافظ لشأن الشريعة) رغم هذا يكتب د. حنفى ((ظهرتْ محاولات لتشويه صورة الأفغانى فى جيلنا من أجل قطع جذورنضالنا الوطنى والقضاء على الإسلام الثورى....وحتى يبقى الباحث وحده مثالا للوطنية ورافعًا شعار((مصرللمصريين)) بمضمونه العلمانى وليس الإسلامى الوطنى وربما بمضمونه القبطى ودرءًا لمخاطرالثورة الإسلامية فى إيران التى أصبحتْ محط جذب للشعوب العربية الإسلامية)) (حسن حنفى- المصدرالسابق- ص 15) هكذا يكشف د. حنفى أوراقه وينزع كل أوراق التوت التى تصوّرأنها ستـُخفى أصوليته الإسلامية وتضعه فى خندق واحد مع عتاة الأصوليين الكارهين لشعارجدودنا ثوارثورة برمهات/ مارس 1919، خاصة وأنه ركــّزعلى ((المضمون العلمانى)) لشعار(مصرللمصريين) وهوذات الموقف العدائى الذى يتميّـزبه كل الأصوليين الكارهين والمُعادين لمصرلحضارة والتعددية.
كما يتضح موقفه الأصولى عندما دافع عن الرسالة التى كتبها (الأفغانى) المُعنونة (الرد على الدهريين) فكان من رأى د. حنفى أنه كتبها ((دفاعًا عن الإيمان ضد الملحدين الداعين لنبذ الأديان وحل عقود الإيمان)) (حسن حنفى- المصدر السابق- ص 43)
فهل هذا الكلام يختلف عن كلام أى أصولى إسلامى من (الأفغانى) إلى الشيخ كشك والشيخ الشعراوى، وهنا تذوب الفوارق بين الشيوخ وبين أستاذ الفلسفة. أما العقل الحرفكان عليه أنْ يرجع إلى رسالة (الرد على الدهريين) ليعرف ماذا كتب (الأفغانى) فيها. فقد كتب عن المذهب الطبيعى: ((النيتشراسم للطبيعة..وطريقة النيتشرهى تلك الطريقة الدهرية التى ظهرتْ ببلاد اليونان فى القرن الرابع والثالث قبل ميلاد المسيح..ومقصد أرباب هذه الطريقة محوالأديان ووضع أسس الإباحة والإشراك فى الأموال والإبضاع بين الناس عامة)) وفى الهامش: البـُـضع بضم الباء. النكاح..والمباضعة والإبضاع بكسرالهمز: المُجامعة بين الرجل والمرأة. ثم أضاف (الأفغانى) ((النيتشرية جرثومة الفساد وأرومة الإداد (مكتوبة هكذا) وخراب البلاد وبها هلاك العباد)) (كتاب: الثائرجمال الدين الأفغانى- ورسالة الرد على الدهريين- تأليف الشيخ محمد عبده- كتاب الهلال- أكتوبر73)
إذن المذهب الطبيعى فيه خراب البلاد وهلاك العباد، ليس ذلك فقط وإنما سوف يسود نظام (المشاعية) ليس فى الأموال فحسب وإنما (مشاعية) الرجال بالنساء إلى آخرتلك الأكاذيب المفضوحة التى روّج لها الأصوليون فى كل دين، لمجرد أنهم ضد دولة الحداثة والعصرنة. فجاء (الأفغانى) وأكد على هذا الزعم الكاذب ليصرف الجماهيرالشعبية عن الأخذ بالعلوم الطبيعية لتظل أسيرة الغيبيات، وكل ذلك فى جديلة واحدة مع الترحيب بالاحتلال الأجنبى طالما أنّ الحاكم يُطبق أحكام الشريعة الإسلامية.
مسيرة د. حنفى دراماتيكية تبحث عن سيناريست يجلس مع عالم فى الطب النفسى على مستوى فرويد فتكون لدينا شخصية اجتمعتْ فيها كل عناصرالدراما: فالمعلومات المُتاحة عنه أنه انضم لتنظيم الإخوان المسلمين فى مرحلة الثانوية العامة والجامعة..وكان زميلا لأحد (المرشدين) للإخوان (مهدى عاكف) فى شعبة باب الشعرية. ثم تمرالسنوات ويشتغل بالفلسفة ويكتب عدة مجلدات أشهرها (التراث والتجديد) الذى دافع فيه عن التراث العربى/ الإسلامى كما فعل من سبقه من الأصوليين، رغم لغته المُخاتلة. ثم حاول أنْ ينحتْ لنفسه مصطلحًا به الكثير من التضليل فقال أنه يدعوإلى ما يُسمى ((اليسارالإسلامى)) ضمن الفريق المثالى الذى يُدافع أصحابه عن شىء طوباوى اسمه ((تجديد الخطاب الدينى)) وهى طوباوية مريضة لأنّ (الدين) فى أصوله (القرآن والسنة) يتسع ويتعدد بتعدد المؤمنين به..وفى هذه الحالة يبرزالسؤال: أى خطاب دينى (تجديدى) يصلح للعصرالحديث عندما يتعارض مع القرآن؟ مثل تمييزالرجل على المرأة فى الميراث وفى الشهادة، والموقف من غيرالمسلمين وقتالهم حتى ((يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) (التوبة/ 29) إلى آخرالأمثلة الواردة فى نصوص القرآن.
فهل اليسارالإسلامى سيأخذ ببعض الآيات والسورويتجاهل بعضها؟ كما أنّ د. حنفى رغم زعمه بانتمائه لليسارالإسلامى لايزال يُردّد كلام الأصوليين عن التراث الذى هو((إعادة قراءته كما فعل القرآن الكريم مع التراث العربى السابق عليه...كما قرأ الإسلام اليهودية والمسيحية مُعيدًا بناءهما ومُصحـّحًا مسارهما بعد أنْ وقع التحريف والتبديل والتغييرفى التوراة والإنجيل)) (مجلة فصول- العددان 83، 84) ألم يقل الشيخ كشك والشيخ الشعراوى وكل الشيوخ نفس الكلام؟ ورغم ذلك فإنّ د. حنفى يمتلك خاصية نفسية وعقلية تجعله لايتردّد فى أنْ يقول عن نفسه ((أنا شيوعى إخوانى..وإخوانى شيوعى)) (صحيفة اليوم السابع- 3/2/2010)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 7- Al-Baqarah


.. #shorts -10- Al-Baqrah




.. #shorts -12- Al-Baqarah


.. #shorts-1- Al-Fatihah




.. #shorts -2-Al-Fatihah