الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تُعرض الشهادة الأكاديمية على بازار السياسة

صالح بوزان

2018 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


القسم الأول
ما يشبه مدخل
في طريقينا إلى بلدية آمد من الفندق لحضور افتتاح مؤتمر ثقافة شعوب الشرق في تركيا عام 2003 (أعتقد هكذا سمي) جلس إلى جانبي في الباص سياسي كردي من تركيا، وهو طبيب . تحدثنا في الطريق عن دور المثقفين الكرد في الحركة الوطنية الكردية على الصعيد السياسي والثقافي. قال لي: أقوم بزيارات متكررة لأوروبا وألتقي بالجاليات الكردية في المهجر. وما لفت انتباهي أن العديد من كرد سوريا يحملون شهادة الدكتوراه. لكن عندما تتحدث معهم تصاب بخيبة أمل لمعارفهم السطحية. لا أدري كيف حصل هؤلاء على شهادة الدكتوراه؟
تذكرت هذا الحوار الذي مضى عليه خمسة عشر سنة عندما قرأت مقال الدكتور عبد الباسط سيدا " داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي: تكامل وظيفي وتناقض ظاهري" المنشورة في جريدة العرب بتاريخ 14/09/2018.
في هذه المقالة لا أرد على الدكتور سيدا ولا أدافع عن حزب الاتحاد الديمقراطي، وإنما أناقش الأفكار.
*
بني الدكتور عبد الباسط سيدا مقاله على فكرة أن ما قام به كل من داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي لعبة مخابراتية، وتحديداً أن بعض القوى داخل الصراع السوري لا تملك أفكاراً أو أيدولوجيات خاصة بها، وإنما هي مجرد توابع لأجندة من أسسها من وراء الستار ورسم لها طريق السير. ويقصد داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي، اضاف جبهة النصرة لكي يتخلى عن تأييد السابق للأخيرة. هو يعتبر أن هناك عقلية أسست هذه المنظمات وأدخلتها إلى سوريا. بمعنى آخر، كلهم غرباء عن المجتمع السوري.
يقول سيدا أن المشروع الداعشي "في أصله حصيلة التعاون الاستخباراتي بين النظامين الإيراني والسوري". وسرعان ما يناقض نفسه عندما يؤكد أن داعش اختار نهجه " فداعش قد تبنى الإسلاموية السياسية بأكثر أشكالها تطرفا وعنفا". يعترف سيدا في هذا الكلام أن داعش هو الذي اختار أيدولوجيته. لا شك أن القارئ يفهم لماذا استخدم سيدا مصطلح "الاسلاموية" وليس الاسلامي. لأنه يريد أن يقول بأن داعش لا يحمل الأيدولوجية الاسلامية الحقيقية، وإنما أيدولوجية اختلقها بعيداً عن الاسلام.
ليس من المعقول أن نتصور أن مثقفاً أكاديمياً مثل سيدا لم يقرأ كيف أسس محمد الرسول دولته الاسلامية. وأنه لم يعتمد على التبشير والحوار في نشر دينه وتأسيس دولته منذ انتقل إلى المدينة. بل تصرف مثل أي قائد عسكري. وقد سار جميع الخلفاء على نهجه حتى نهاية الدولة العثمانية. وداعش ليس إلا نسخة مطابقة لما قام به الرسول في غزواته من النهب والقتل والسبي والتوسع. وقد ظهرت فيديوهات في هذه السنوات الأخيرة يتحدث فيها كبار علماء المسلمين، ويؤكدون أن داعش لم يخرج عن سلوك النبي محمد.
استخدم سيدا مصطلح "الاسلاموية" لخداع الشبيبة الكردية وإخفاء السبب الحقيقي لتحالفه مع إخوان المسلمين، وتأييده للكتائب الإسلامية الجهادية في سوريا بما فيها جبهة النصرة عندما احتلت ادلب. يبدو أن سيدا لم يسأل نفسه لماذا شيخ الأزهر وقرداوي لم يكفّرا داعش؟ لأن هذين الشخصين يعلمان علم اليقين أن ما قام به داعش من جرائم، قام بها رسول سيدا في البداية وكل الخلفاء من بعده. وبالتالي فمحاولة ربط داعش بالمخابرات السورية والايرانية يشبه ما يقوم به حكام العرب من القول المتكرر أن وراء كل النكسات العربية مع الأعداء وعلى الصعيد الداخلي تقف الإمبريالية والصهيونية العالمية. هكذا يتهرب حكام العرب من مواجهة الحقيقة، وهكذا يتهرب سيدا من مواجهة حقيقته الفكرية والسياسية التي يخفيها عن الشباب الكرد.
سيتساءل العديد ممن سيقرؤون مقاله: لو أن الجيش السوري انتصر على الجيش الحر بشكل نهائي قبل أن تقضي قوات سوريا الديمقراطية على داعش، أ كان داعش سيحل نفسه بأمر من أسياده السوريين والايرانيين نتيجة انتهاء وظيفته؟ وأتساءل بدوري أيضاً: لماذا تركيا، حبيبة سيدا، دعمت داعش بالمال والعتاد والطبابة، وسمحت بتمرير كل من يريد أن ينضم إليه من خارج سوريا عبر حدودها؟ هل كانت تركيا تساعد منظمة أسسها النظام السوري والايراني لاحتياجاتهما؟ ألم تكن تركيا التي طالما مدح سيدا أردوغانها ووزير خارجيتها السابق في عداء شرس مع النظام السوري حينها؟ ألم يقرأ سيدا تقرير ديرشبيكل الألمانية عن التعاون الوثيق بين تركيا وداعش وتجارة البترول بينهما؟ ألم يشاهد الفيديو الذي يصور قصف الطائرات الروسية لقوافل صهاريج البترول الداعشية الذاهبة من مناطق سيطرته إلى تركيا؟
هل يجهل سيدا هذه الحقائق أم يتجاهلها لإخفاء خلفياته السياسية ونواياه عن الشعب العربي والكردي السوريين؟ لماذا لم يتجرأ سيدا حينها القول بأن وراء الدولة الاسلامية تركيا؟ هل هناك مجنون من عصفورية حلب سيصدق أقوال سيدا بعد هذه الأسئلة؟
يقول سيدا أن داعش استند أولاً إلى المظلومية السنية في سوريا. بمعنى أن داعش يتبنى فكر طائفي. وأنا أؤيده في هذا التشخيص. لكن لماذا يتغافل أن الاخوان المسلمين هم أيضاً استندوا إلى هذه المظلومية منذ أحداث عام 1980. هل الطائفية الاخوانية مقبولة من سيدا؟ أم أن المظلومية السنية لها مكانة في عقل سيدا الباطني أيضاً؟
لا توجد ضغوطات على سيدا حتى يكون باطنياً ويخفي بعض آرائه من السلطات الاستبدادية، كما كنا نفعل جميعاً قبل الخروج من سوريا. فهو يعيش في أكثر بلدان أوربا تصون حرية الرأي والمعتقد. فلماذا لا يجرأ على أن يكون واضحاً أمام قرائه ولا يتخفى وراء مصطلحات لها تفسيرات عدة حسب الاستخدام؟ عندما نكتب بالرمز أو الغموض أو نصيغ كلامنا لتحمل عدة احتمالات، فنحن نفعل ذلك عن دراية في ظل نظام استبدادي. ووراء ذلك الخوف من السجن والتعذيب. أما عندما نفعل ذلك في بلد ديمقراطي، فبماذا نفسر الحالة؟ هل هناك ما يخجل منه سيدا لو انكشف أمام الرأي العام الكردي؟ بمعنى آخر، ليقل لنا سيدا هل هو علماني أم هو الآخر يدعي لوناً اسلامياً يتقاطع مع اسلام الاخوان. وفي هذه الحالة سينطبق عليه مصطلحه "الإسلاموي" أكثر مما ينطبق على داعش.
يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح