الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاديات ثروة المياه فى الوطن العربي ... د/ محمود رجب فتح الله

محمود رجب فتح الله

2018 / 9 / 17
الادارة و الاقتصاد


اقتصاديات ثروة المياه فى الوطن العربي
د/ محمود رجب فتح الله
دكتور القانون العام

مقدمــة

يعد الماء أحد أهم الموارد الطبيعية المتجددة على كوكب الأرض والتى لا غنى عنها للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، وأهم ما يميزه ثباته، فالكميات الموجودة منه على ظهر الأرض هى نفسها منذ مئات السنين، وإن تغيرت بين العذب والمالح والسطحية والجوفية، فالماء هو سر الحياة، فبوجوده تستقر الحياة وتستقر الأمم وتأمن من خوف وجوع وعطش وبدونه يكون الدمار و الهلاك وليس أشرف للماء من أن جعل الله تعالى عرشه عليه قال تعالى: [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ] سورة هود: الآية 7، وقد ورد فى تفسير هذه الآية الكريمة أن أول الأشياء وجوداً فى الكون هما العرش والماء.
وحسبنا أن نشير هنا، إلى أنه في كل عام، تقوم عملية التبخير التي تسيرها الطاقة الشمسية، برفع حوالي 500 ألف كيلو متر مكعب من الرطوبة إلى الجو، 86٪ منها من المحيطات، أي المياه المالحة، و14٪ من على اليابسة، فتسقط كمية متساوية ثابتة على الأرض في صورة أمطار متجددة أو ثلوج، لكن هذه الكمية توزع على الأرض بنسب مختلفة، ففي حين تفقد القارات ما يقرب من 70٪ ألف كيلو متر مكعب بفعل التبخير، فإنها تستعيد 110 آلاف كيلو متر مكعب على صورة أمطار.
والماء أساس الحياة وجوهرها حيث تعتمد عليه الكائنات الحية بأنواعها المختلفة قال تعالى [وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ] سورة الأنبياء: الآية 30 وتمثل المياه نسبة 75% من وزن جسم الإنسان، 80% من وزن معظم النباتات وفى نفس الوقت فإن الماء هو من مسببات 80% من الأمراض فى العالم، كذلك فإن كل الحضارات القديمة قامت وإزدهرت على ضفاف الأنهار ومنها الحضارة المصرية القديمة، وتقدر كميات المياه العذبة بحوالى 3% من جملة مياه العالم، منها 77,6% موجودة على هيئة جليد على القطبين، 21,8% فى المياه الجوفية والباقى وقدره 0,6% (حوالى 9000 كيلو متر مكعب) يغطى نشاط سكان الكرة الأرضية.
ومن الآثار الإقتصادية الخطيرة التى يمكن أن تحدث نتيجة تغير طبيعة المياه أو المساس بالحصص التى إعتادت كل دولة أن تحصل عليها حدوث خلل إقتصادى بالدولة المتأثرة مما يترتب عليه اختلالات فى نمط الحياة الاجتماعية، فالغاية الاقتصادية تعظيم الإستفادة المادية إلى أقصى حد ممكن من المياه وإستعمالها كأداة من أدوات النمو الإقتصادى والتكامل الإقليمى والدولى.
ومع بروز الأهمية الإقتصادية للأنهار الدولية فى غير شئون الملاحة، ومع التقدم العلمى وظهور وسائل وأساليب وتقنيات تساعد على إقامة السدود والقناطر والخزانات العملاقة وتوليد الطاقة الكهربائية كان لابد من ظهور قواعد للقانون الدولى تنظم إستخدامات هذه المياه، كما أنه فى إطار السعى للحصول على القوة الإقتصادية كسمة مميزة للنظام الدولى الحالى فإن عنصر المياه يعتبر عنصراً اساسياً فى الاستراتيجيات المقبلة للدول، مما يعنى أن للماء دوراً كبيراً فى إعادة توزيع خريطة القوى السياسية فى منطقة حوض النهر، بحيث تصبح الدول ذات المصادر المائية المتوافرة هى القوى الإقليمية الجديدة.
ومن المعلوم أن هناك تباين فى التوزيع الجغرافى للمياه العذبة فى العالم، حيث نجد مناطق تحتوى على نسبة كبيرة من هذه المياه ككندا مثلا التى يوجد بها ما يزيد عن خمس المياه العذبة، بينما هناك مناطق تكاد تكون شبه خالية من مصادر المياه العذبة كالجزيرة العربية، وهذا التباين فى التوزيع أدى إلى ظهور مشكلة فقر المياه تعانى منها العديد من الدول فى أماكن متفرقة من العالم.
وبناءاً عليه أصبحت المشكلة الأكثر إلحاحاً للعديد من سياسات الدول ومنها مصر وهى دولة فقيرة فى المياه تتمثل فى كيفية تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها من عوامل الهدر والتلوث، وكذلك الإهتمام بتدبير موارد مائية إضافية فى ضوء ندرة المياه كمورد إقتصادى بصفة عامة، والتى تعتبر محدداً لمشروعات التنمية فى مصر بصفة خاصة حيث أن حصة مصر المائية والتى تقدر بـ55,5مليار متر مكعب ثابتة منذ عام 1959.

تتمثل أزمة المياه التى يواجهها العالم اليوم فى أسلوب إدارة المياه، أى أن أزمة المياه هى أزمة حوكمة، فجميع موارد المياه فى أشد الحاجة إلى الإدارة الفعالة والمستدامة ومع تزايد ندرة المياه، يجب أن تضمن الحوكمة حصول جميع القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية – وجميع المستخدمين على حصص مائية عادلة وكافية ومستدامة، وأن تؤمن الإستخدام الكفء للمياه.
ومن هنا كان مشروع حوكمة وتنمية قطاع المياه بدول البحر المتوسط يهدف إلى تقديم مجموعة من التحليلات القطرية وخطة عمل إقليمية لتحسين الإدارة العامة وجذب الإستثمارات لقطاع المياه فى منطقة البحر الأبيض المتوسط، وكذلك يهدف إلى تعزيز المعرفة بالإدارة المتكاملة للموارد المائية من خلال تبادل الخبرات والحوار وبناء القدرات وقد إنضمت مصر إلى هذا المشروع بهدف تشجيع وجذب القطاع الخاص المحلى والإقليمى والدولى وتبادل الخبرات حول كيفية الإدارة الرشيدة ومواجهة التحديات التى تواجه الأمن المائى المصرى.
ونظراً لأن الباحث لا يستطيع دراسة حوكمة المياه فى كل دول البحر المتوسط، لذا ستقتصر الدراسة على تطبيق الحوكمة المائية فى مصر.
وعلى هذا الهدى نقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول كالآتى:
الفصل الأول: الحوكمة والإدارة المتكاملة للموارد المائية فى مصر.
الفصل الثانى: دور الحوكمة المائية فى تحقيق التنمية المستدامة.
الفصل الثالث: حوكمة المياه والأمن المائى فى مصر.


الفصل الأول
الحوكمة والإدارة المتكاملة للموارد المائية فى مصر
¬تمهيد وتقسيم:
فى ضوء التطورات المتسارعة فى العالم والتقدم العلمى والتكنولوجى، وما نشاهده الآن من سرعة الأفكار الجديدة نتيجة عمليات العولمة للإنتاج العالمى وأسواق المال والسلع بالإضافة إلى ما حدث من تغيرات مناخية وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول فأصبح من الضرورى أن يتغير مفهوم ومحتوى طريقة التعامل مع التحديات المائية فى عالم اليوم، بحيث تشتمل على محتوى إجتماعى وإقتصادى وسياسى وبيئى، وأن يكون قطاع المياه أكثر حساسية وتأثيراً بنتيجة هذا التغير، وإعتمدت منتديات المياه العالمية منذ عام 1992 على مفهوم جديد للتعامل وظهر ذلك فى بروز مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية الذى يطالب بضرورة معالجة مشاكل قطاع المياه فى الإطار الكلى المتداخل مع كل قطاعات الاقتصاد القومى (الزراعة، الصناعة، والخدمات) وأصبح هناك تبنٍّ عالمى لهذا المفهوم من جانب الحكومات عند وضع خططها القومية( )، حيث توفر الإدارة المتكاملة للموارد المائية مجموعة من المفاهيم للتفكير بقضايا حوكمة المياه( )، وقد تبنت مصر منهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية كما ورد فى الخطة القومية للموارد المائية "مواجهة التحدى" وخطة "مياه المستقبل"، التى تم تبنيها فى عام 2005م، الأمر الذى يدعونا فى هذا الفصل إلى دراسة الحوكمة والإدارة المتكاملة للموارد المائية فى مصر وذلك على نحو التالى:
المبحث الأول: أساليب ووسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
المبحث الثانى: متطلبات تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
المبحث الثالث: التشريعات والتطوير المؤسسى لإدارة المياه فى مصر.


المبحث الأول
أساليب ووسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية
تمهيد وتقسيم:
تعد عملية إدارة مخصصات المياه للاستخدام المباشر لتلبية الاحتياجات البشرية وحماية البيئة من أكبر المهام التى يجب التعامل معها( )، لذا فقد تم استنباط مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية الذى طرح فى عام 1977 فى مؤتمر ماردى بلاتا، وارتكز على مبدأ التخطيط المركزى، ولصعوبة تنفيذ خطة مركزية عملاقة، فقد طرأ تحول وتغير على مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية مع مطلع التسعينات إذ انتقل من الشمولية إلى الترابط المنطقى أى تحول الاتجاه في مجالى التخطيط والإدارة من العمليات المعقدة إلى العمليات الأكثر تبسيطاً وفعالية( )، ولكى تتمكن الإدارة المتكاملة من تحقيق أهدافها وحل المشاكل المائية فقد اتبعت العديد من الأساليب والوسائل وهو ما سوف نتناوله فى هذا المبحث على النحو التالى:
المطلب الأول: أساليب الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
المطلب الثانى: وسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية.

المطلب الأول
أساليب الإدارة المتكاملة للموارد المائية
يعد "بيان دبلن" الذى صدر عن الاجتماع التحضيرى لمؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية (UNCED) لمؤتمر قمة الأرض والذى تم إقراره فى العام ذاته 1992 بمدينة ريودى چانيرو البرازيلية بمثابة الخطوة الأولى فيما يسمى الفكر المائى الجديد للبنك الدولى( )، حيث أكدت الدول على مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية بوصفها جزء من النظام البيئى الشامل، وفى نفس السياق، تم التأكيد على توزيع المياه من خلال "إدارة الطلب" و"آليات التسعير" و"التدابير التنظيمية" وتبنى إستراتيچيات قومية للمياه تكون إنعكاساً للأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للدولة( ).
وتعرف الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) "بأنها العملية التى تعزز التنمية المستدامة للمياه والأرض والموارد المرتبطة بهما من أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية بعدالة دون المساس بإستدامة النظم الأيكولوجية الحيوية"( ).
بمعنى أن هذا المفهوم للإدارة المتكاملة للموارد المائية يعنى بصفة عامة، تخصيص وتوزيع الموارد المتاحة حالياً ومستقبلاً، تقليدية، وغير تقليدية بما يوفر لكل نشاط تنموى المياه التى يتطلبها بالكمية المناسبة والنوعية المرغوبة زمانياً ومكانياً لتحقيق أعلى عائد اقتصادى، وأعظم مردود اجتماعى مع الربط بين الأبعاد الطبيعية والبيئية والأبعاد الثقافية – المجتمعية( ).
وتتضمن الإدارة المتكاملة للموارد المائية العديد من المبادئ العامة، وتعتبر المبادئ ا لمنبثقة من مؤتمر دبلن من أكثر المبادئ قبولاً فى العالم، ويمكن إيجاز هذه المبادئ على النحو التالى:
1- إن المياه العذبة مورد محدد وقابل للنفاذ وهى أساسية للمحافظة على الحياة والتنمية والبيئة، ويجب التعامل معها بطريقة متكاملة تأخذ فى الإعتبار الكم والنوع للمياه السطحية والجوفية معاً.
2- المياه لها قيمة إقتصادية فى جميع الإستخدامات.
3 – التأكيد على مبدأ المشاركة بين جميع المستخدمين وواضعى السياسات على كل المستويات.
4 – أهمية دور المرأة فى إدارة المياه( ).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من المبادئ الأساسية للسياسات المائية بشكل خاص، وللسياسات التنموية بشكل عام (مبدأ الإستدامة، مبدأ العدالة فى التخصيص والتوزيع، ومبدأ سلامة البيئة) ونوردها فيما يلى( ):
أ- مبدأ الإستدامة Sustainability:
يقصد بهذا المبدأ سعى الدول والشعوب إلى تحقيق التنمية المستدامة ضماناً لحقوق الأجيال القادمة وإستمرار الحياة على الكوكب الأرضى، وبخاصة أن مورد المياه لا بديل عنه، هذا ويتطلب تطبيق هذا المبدأ، فى حالة ندرة المياه دراسة البديل فنياً وإقتصادياً وإجتماعياً ومعرفة مدى قدرة الدولة على تحمل نفقاته حالياً ومستقبلاً.
ب- مبدأ العدالة فى التخصيص والتوزيع Equity:
يقصد به فى هذا المجال، تحقيق العدالة فى مجال توفير المياه وتخصيصها على مستوى الأفراد والشرائح الإجتماعية والقطاعات، وألا يقتصر على إمدادات مياه الشرب، وإنما أن يتم تحقيقه أيضاً فى مشروعات الرى، وكذلك الحال بالنسبة للمياه الجوفية فإن السياسة المائية يجب أن تنظم بشكل ما ملكية هذه المياه بحيث تطبق هذا المبدأ بشكل سليم.
ج- مبدأ سلامة البيئة:
إن إستثمار الموارد المائية الجوفية المتجددة أو غير المتجددة يحقق عادة منافع إقتصادية إجتماعية، ولكن عندما تكون الموارد المائية الجوفية غير متجددة تنجم عن عملية الإستثمار آثار سلبية تسبب ضرراً فادحاً بسبب التملح والتلوث، لذا يجب تجنب هذه الآثار.
وفى سبيل تحقيق هذه المبادئ، ولكى تتمكن الإدارة المتكاملة من تحقيق أهدافها إقترح العاملون فى الإدارة المتكاملة عدداً من المناهج (الأساليب) تختلف بإختلاف الدول ومجتمعاتها، والتى نتناول البعض منها( ):
1- المنهج الشمولى:
ويقوم هذا المنهج على تقييم وتنمية وإدارة الموارد المائية السنوية، ووضع السياسات المائية القطاعية فى إطار السياسة الوطنية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة نظراً لمحدودية الموارد المائية وحساسية الأوساط المائية.
ويؤكد مؤيد إتباع المنهج التكاملى الشمولى فى إدارة الموارد المائية على ضرورة مراعاة الاعتبارات الرئيسية التالية( ):
أ- المياه مورد متكامل يتطلب تخطيطاً منتظماً كى يعكس قيمتها الكاملة، مع ضرورة التفكير فى نوعية المياه بنفس قدر الإهتمام بكمتيها.
ب- دمج سياسات حماية البيئة الطبيعية للمياه مع المبادئ والإجراءات التنظيمية لتحديد حصص المياه مع أهمية جمع البيانات المتعلقة بالمياه ومعالجتها ونشرها.
ج – ينبغى أن يشارك أصحاب المصلحة على كل مستوى فى تحديد الأهداف والأولويات مع منح إدارة الطلب دوراً رئيسياً بحيث يشمل الآليات المباشرة وغير المباشرة على حد سواء.
ء – تشجيع نقل خدمات المرافق إلى القطاع الخاص مع إعطاء أولوية عليا لبناء القدرات والإصلاح المؤسسة.
هـ – ينبغى أن توفر الإتفاقات الموقعة بين البلدان النهرية أساساً لتحديد حصص المياه وأنشطة الاستثمار فيما يتعلق بالمياه السطحية الدولية، والمياه الجوفية ونوعية المياه.
ومما هو جدير بالذكر هنا أنه على الرغم من تولد الإقتناع لدى المسئولين عن القطاعات التنموية بضرورة تطبيق هذا المنهج، إلا أن إدارة هذه القطاعات وتخصيص المياه (للرى والشرب والصناعة) لديها، غالباً ما يتم بصورة مستقلة مما أدى إلى تدنى كفاءة إستثمار الموارد المتاحة وإلى تدهور الوضع المائى وبخاصة فى الأحواض المائية الجوفية.

2- المنهج التشاركى:
يقوم هذا المنهج على إشراك المستفيدين من المشروعات المائية فى كل من عمليات تخطيط وتنفيذ هذه المشروعات( )، وهذا لا يتم عادة إلا بتطوير الوضع المؤسسى والتشريعى من جهة، وبتنظيم المستفيدين أنفسهم فى جمعيات أو اتحادات تعبر عن مصالحهم ورغباتهم من جهة أخرى.
3- المنهج الاقتصادى:
ينادى الكثيرون من العاملين فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالتعامل مع الماء على أنه سلعة اقتصادية، وبالتالى يجب استخدام المبادئ الاقتصادية لحل المشكلات المائية كونها تسهم بشكل فعال فى رفع كفاءة استخدامات المياه وتقليل الهدر، وعلى الرغم من صعوبة تحديد قيمة المياه، إلا أنه من الضرورى أيضاً معاملته الآن كالنفط عديم القيمة وهو فى باطن الأرض وذى القيمة الكبيرة فوقها، أى يترتب على إنتاج الماء وتحويله من مورد إلى إمدادات محلية وعالمية مستقبلاً تكلفة فى التخزين والتوزيع والمعالجة والصيانة والتشغيل( ).
ومما سبق يتضح أنه مع تعدد هذه المناهج تواجه إدارة الموارد المائية مشكلات ومعوقات مائية رئيسية أثناء تنفيذ سياسات التنمية المائية الخاصة بها، وتمثلت هذه المشكلات فى فئتين: الفئة الأولى هى فئة الآثار الناجمة عن استثمار واستخدام الموارد المائية المتمثلة فى استخدام الأسمدة وكذلك ما تعززه التنمية الصناعية من آثار، والفئة الثانية التى تتمثل فى النزاع على موارد المياه واستخدامها سواء كان هذا النزاع داخلى بين القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية أم نزاع دولى الذى يحدث بين دول المنبع ودول المصب.
وتقترح الدراسات لحل المشاكل المائية عدداً من الوسائل التقنية والاقتصادية والمؤسسية والتشريعية وهو ما سوف نعرض له فى المطلب التالى.

المطلب الثانى
وسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية
أما عن وسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية فهى كالتالى( ):
أولاً: الوسائل التقنية:
ويقصد بها مجموعة التفنيات والنماذج الرياضية والأدوات العلمية المستخدمة فى مراحل التخطيط والتنفيذ المائية، والأمثلة التالية توضح باختصار مضمون هذه التقنيات:
1- نظام المحاكاة (Simulation Model) لمحاكاة النظام المائى الجوفى الطبيعى وتحسين المعرفة بحركة المياه الجوفية والتنبؤ عن إستجابة الخزان المائى والجوفى لخيارات مختلفة من استثمار المياه الجوفية، وكذلك استخدام أسلوب المحاكاة للتعرف على نمط فيضان الأنهر والتنبؤ بها.
2- النظم الرياضية لتنظيم استثمار الموارد المائية الجوفية غير المتجددة وفقاً لخبرات الدول فى هذا المجال.
3- نماذج الإدارة المستخدمة فى عمليات مقارنة وترتيب واختيار الحلول وفقاً لملاءمتها لأهداف التخطيط.
4- استخدام تقنيات لحماية نوعية المياه مسبقاً، ولتحديد مدى قابلية الطبقات المائية للتلوث، وكذلك استخدام وسائل لإدارة الطلب وإدارة موارد مياه الأمطار.
ثانياً: الوسائل الاقتصادية:
إن الوسائل التقنية السابق الإشارة إليها، لن تعطى أية نتائج مرجوة إذا لم تتخذ الضوابط الاقتصادية وبخاصة السياسات السعرية المائية دوراً فاعلاً فى مجالات ترشيد استخدامات المياه وذلك على وجه الخصوص بالنسبة للدول النامية، ودول حوض النيل، وكما ذكر آنفاً لابد من تحديد هيكل تعريفة المياه القائم على معرفة تكاليف إنتاج وتوزيع المياه من جهة، والظروف الاقتصادية والاجتماعية لمستهلكى المياه من جهة ثانية، وفى مجال الاستخدام الصناعى لابد من تطبيق "مبدأ الملوث يدفع" المعمول به فى الدول المتطورة وفى حالة إستحالة تطبيق هذا المبدأ، يفضل تركيز النشاطات الصناعية فى مناطق صناعية لسهولة معالجة مخلفات هذه الصناعات وتطوير ما يعرف بأسواق إعادة التدوير للمياه.
ثالثاً: الوسائل المؤسسية:
تباينت الآراء حول تحقيق أهداف الإدارة المتكاملة للموارد المائية، فبعضها تؤكد على وجود جهة مركزية تخضع لها جميع أو معظم نشاطات قطاع المياه فى الدول كون هذه الجهة تحقق درجة عالية من التكامل، فى حين تقترح آراء أخرى بإحداث سلطة تنسيقية فعالة ذات صلاحيات واسعة، كما أن هناك آراء ثالثة تقترح وجود الإدارات المائية على مستوى الأحواض على شرط التنسيق مع الإدارة المركزية التى تغطى نشاطاتها كل الأحواض فى البلد الواحد مع مراعاة تطبيق المنهج التشاركى( ).
ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على أهمية تحسين الجهاز المؤسساتى وتطويره لأنه بات من الضرورى حتى يبقى فاعلاً أن يأخذ بالاعتبار الأوضاع الخاصة لكل بلد والمحيط التكنولوجى وكذلك الأوضاع الاقتصادية والمالية.
رابعاً: الوسائل التشريعية( ):
يمكن القول بأن التشريع المائى: هو مجموعة من النصوص التى تمت صياغتها لتنظيم العلاقة بين المتعاملين فى مجال المياه، وهى المادة التى تكون مكملة أو منظمة للأعراف والتقاليد والتشريعات القبلية والدينية، وعادة ما تكون هذه التشريعات مستوحاة من طبيعة الموارد المائية وموقفها فى الدول المعنية ومدى الاعتماد عليها فى حياة البشر.
وتعد التشريعات المائية من أهم الوسائل التى تستخدمها الإدارة المتكاملة للموارد المائية، كونها تقود إلى حماية الموارد المائية لأنها أملاك عامة وما يتمتع به الأفراد من حقوق بشأنها هو حق الإنتفاع بالمياه، وذلك فى ضوء الرخص التى تمنحها الدولة، ونظراً لهذه الأهمية فقد أكد البيان الصادر عن المؤتمر الدولى للمياه والبيئة المنعقد فى دبلن 1992 على إدارة الموارد المائية كوسيلة فعالة لمواجهة الأوضاع المائية المتدهورة، وصولاً للاستخدام الأمثل وحسن الاستغلال.

المبحث الثانى
متطلبات تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية
تمهيد وتقسيم:
إن تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد المائية يتطلب توفر التشريعات المائية الملائمة حيث يعد التشريع فى كافة المجالات من أهم مكونات بيئة العمل الملائمة، لأنه يرسخ بنية وإطار العمل والتنسيق الفعال بين مختلف الجهات وتوفير أسس الشفافية، وتمثل القوانين المائية عنصراً مهماً فى تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية حيث تدخل تشريعات المياه ضمن العناصر الضرورية لتفعيل سياسات المياه واستراتيجياتها، لأنها توفر الإطار القانونى لحوكمة المياه والإصلاح المؤسسى والمعايير التنظيمية ونظم الإدارة وتطبيق اللوائح، ولقد أقرت الدول بأهمية التشريعات المائية ولوائحها لتعزيز كفاءة المياه، كما أن التشريعات تشجع الحوكمة اللامركزية والتشاركية على المستوى الوطنى لإشراك أصحاب المصلحة جميعاً فى عملية صنع القرار.
وتأسيساً على ما سبق يقسم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: توفر التشريعات المائية.
المطلب الثانى: مشاركة أصحاب المصلحة فى إدارة المياه.

المطلب الأول
توفر التشريعات المائية
تتطلب حوكمة المياه الفعالة ممارسات تشريعية وتنظيمية وإدارية، بما فى ذلك ممارسات الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتطبق عدة بلدان – إستجابة منها للتحديات المتصاعدة خطط الإدارة المتكاملة للموارد المائية وإستراتيجياتها بمنهجيات مختلفة وبدرجات متفاوتة( ).
وتؤدى التشريعات المائية دوراً مهماً فى صياغة السياسات والإستراتيجيات المائية، وتوفر الإطار القانونى لحوكمة المياه، والإصلاح السياسى، والمعايير التنظيمية ونظم الإدارة وتطبيق اللوائح.
وتجدر الإشارة إلى أن القضايا والموضوعات ذات الصلة بتشريعات المياه وإدارتها تعتبر من الموضوعات التى تتعامل معها وكالات الأمم المتحدة بإهتمام متزايد، وذلك لتحقيق المنفعة للدول الأعضاء، وقد كانت منظمة الأغذية والزراعة FAO أول من أطلق مبادرة للقيام بدراسات حول قانون المياه فى عام 1951، كما تقوم حالياً اللجان الإقتصادية التابعة للأمم المتحدة المختصة بمناطق آسيا والشرق الأقصى وأوروبا وأمريكا اللاتينية بدراسات وأنشطة فى نفس المضمار، أيضاً يتم توفير المساعدة الفنية للدول الطموحة الراغبة فى تحديث تشريعاتها وإدارتها للمياه، وبناء سياسة مائية وطنية( ).
وقد أقرت معظم الدول بأهمية التشريعات المائية، لذلك قامت بإصلاح القوانين القائمة وتحديثها أو إدخال تشريعات جديدة، وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، اتخذت مصر، لبنان وفلسطين وبعض الدول الأخرى خطوات إصلاحية لنظمها القانونية المائية( ).
كما بذلت معظم هذه الدول جهوداً لتنمية الإطار المؤسسى والتشريعى الخاص بحوكمة المياه الرشيدة، وعلى الرغم من أنها تبنت نموذج الإدارة المتكاملة للموارد المائية فإنها لا تزال تفتقر إلى الآليات التشريعية الداعمة لتطبيقه.
ومما هو جدير بالذكر أن بعض الدول تعانى من ضعف الإلتزام بلوائح قطاع المياه، حيث أدى التساهل فى التنفيذ إلى نشر "ثقافة أو قيمة اجتماعية" تتغاضى عن عدم الإلتزام، وترى إمكانية تجنب تكلفة الإلتزام، ويجب أن تتعاون الأجهزة الحكومية ذات الصلة على تطبيق قانون المياه ولوائحه وأحكامه القضائية، لا سيما ما يتعلق بتنظيم استخراج المياه الجوفية، وحظر حفر الآبار بطرق غير قانونية.
وتعد إدارة المياه القائمة على المجتمعات المحلية عنصر مهم فى الإدارة العامة للموارد المائية وتطبيق القوانين واللوائح، وينبغى لذلك أن تكون روابط مستخدمى المياه (كمجالس الرى) جزءاً لا يتجزأ من إدارة الموارد المائية، وعملية صنع القرار، فضلاً عن تمكينها من توليد الدخل من العضوية أو الخدمات الأخرى لدعم أداء وظائفهم، وللمساعدة على إنفاذ القوانين، وتطبيق خطط إدارة شئون المياه.
ولابد من اتخاذ عدة إجراءات لدعم قيمة الإلتزام بالتشريعات المائية وإنفاذها ويضم ذلك الآتى: نشر المعلومات، والمساعدة الفنية والمحفزات الاقتصادية، ومشاركة المنظمات غير الحكومية، والدعم العام وعقد الشراكات، ونشر قصص النجاح، وتعليم جميع أصحاب المصلحة وتوعيتهم. كما لا مفر من عدة إجراءات أخرى لتحسين بناء قدرات مستخدمى المياه، ومن الممكن أن تشمل هذه الإجراءات النهوض بقدرات عملية الرصد والمراقبة وتأسيس نظم ذاتية الرصد والتوثيق والإبلاغ من أجل تعزيز قدرات مجال الرصد، وحث المواطنين على رفع الشكاوى، وتنمية المعايير لضمان قابلية الاستجابات للتنبؤ ضد الإنتهاكات وتنمية القدرات من أجل مصداقية أدلة الإتهام عند إنتهاك قانون المياه( ).
ويقترح تقرير برنامج حوكمة المياه فى الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2011 ثلاث مناهج واقعية لإدخال تشريعات المياه فى المنطقة حيز التنفيذ: منهج القيادة والتحكم، منهج السوق/ المحفزات الاقتصادية ومنهج المخاطرة والمشاركة، ويدعم منهج القيادة والتحكم (المنظمين) بصفتهم سلطة مركزية خاصة بسلسلة قرارات تخصيص المياه وإستخدامها، أما منهج السوق/ المحفزات الاقتصادية فيعتمد على قوى السوق الضابطة لسلوك المنتجين والمستهلكين، ومنهج المشاركة – أخيراً – يشرك أصحاب المصلحة فى الإدارة ويهدف إلى اعطائهم فرصة تبادل الآراء والرؤى حول المشكلات، وقد تتباين هذه المناهج بين البلدان، ولذلك من المهم أن تراعى الحوكمة الرشيدة الإطارات الاقتصادية، والبيئية والاجتماعية، ويرى عدة خبراء أن تعزيز الإلتزام وتنفيذ التشريعات من الإستراتيجيات الأكثر فعالية لتحقيق التقاسم العادل والمستدام للموارد المائية( ).

المطلب الثانى
مشاركة أصحاب المصلحة فى إدارة المياه (حوكمة المياه)
إن من أساسيات نجاح السياسة المائية أن تتضافر جميع الجهود لحل المشكلات والتعاون بين القطاعات المستفيدة للمياه، بحيث يتفق الجميع على الأهداف وسبل تحقيقها، ففى ظل التزايد المستمر فى الطلب على المياه ينبغى أن يكون الأساس هو مشاركة جميع الأطراف فى الوصول إلى حلول لمشكلات المياه، وبذلك فإنه لابد من مشاركة الأطراف المعنية فى وضع السياسة المائية واتخاذ القرارات المختلفة بهدف التصدى للمشكلات ويعد إشراك جميع أصحاب المصلحة ذوى الصلة فى المناقشة حول توزيع موارد المياه عنصراً بالغ الأهمية فى مجال حوكمة المياه الرشيدة، فمن الضرورى أن يحظى المهمشون بفرصة فى عملية المناقشة، ليتسنى لهم مثلاً الدفاع عن المتطلبات المائية للحفاظ على النظم الإيكولوجية وقيمها ووظائفها( ).
وهنا يلزم التأكيد على أن ما كان يتم ترديده فى الماضى من أن هذه "مهمة الحكومة" يجب أن يتغير بمشاركة المستفيدين على جميع المسئوليات، ويمكن أن يكون ذلك بالمشاركة فى التشغيل والإدارة أو رصد ومراقبة مقدمى الخدمات من القطاعين الخاص والعام أو بتوزيع المياه بين المستفيدين، أو بتطبيق قواعد ومبادئ "حوكمة المياه"( ).
وحتى عهد قريب، كانت إدارة المياه تتسم بدرجة عالية من المركزية، وتجرى فى الغالب على المستوى الوطنى بمشاركة ضعيفة من أصحاب المصلحة والمجتمع المدنى المحلى، مما أدى إلى عدم فعالية المؤسسات وتفككها، كما تناثرت مسئوليات المياه بين الدوائر الحكومية، وأثرت البيروقراطية وعدم الكفاءة فى صنع القرار واتسم التنفيذ بالبطء وغياب الشفافية، وقد كان لمختلف الأطراف الفاعلة أدوارهم وحقوقهم ومسئولياتهم الخاصة، مع تضارب المصالح فى إدارة الموارد المائية فى كثير من الأحيان( ).
وقد تأسست جمعيات أهلية لأصحاب المصلحة وروابط للمستخدمين فى كل من مصر، والأردن، ولبنان، والمغرب، وتونس وبعض البلدان الأخرى، وتبين التجربة فى الآونة الأخيرة أن بعض روابط مستخدمى المياه أنشئت عبر النموذج التشاورى التصاعدى، حيث تتشاور السلطات مع مستخدمى المياه العاديين بما يساعد على تعزيز المشاركة وتحسين رفاهية المزارعين وتطوير الرى والصرف من خلال توفير بديل لاحتكارات المرافق العامة.
ومما هو جدير بالذكر أن إشراك أصحاب المصلحة أمر أساسى لتحسين إدارة المياه وحوكمتها، لاسيما فى عملية صنع القرار، ولذلك يأتى مستخدمو المياه ومقدموا خدمات المياه ومديرو الموارد المائية ومؤسسات أصحاب المصلحة المتعددين على رأس الشركاء المنطقيين فى الإدارة المتكاملة لموارد المياه.
ويؤكد المبدأ العاشر من إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية على أن "أفضل سبل معالجة القضايا البيئية هى بمشاركة جميع المواطنين المعنيين، على المستوى المناسب، كما تؤكد غيرها من وثائق السياسة الدولية المعترف بها على نطاق واسع على ضرورة وجود دور فعال للجمهور، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال الإدارة البيئية والمياه.
ومن الأمثلة على ذلك بيان دبلن بشأن المياه والتنمية المستدامة وجدول أعمال القرن الحادى والعشرين، والبيان السياسى وخطة العمل نوردفيك (المؤتمر الوزارى بشأن مياه الشرب والمرافق الصحية البيئية فى نوردفيك – 1994)، فضلاً عن المبادئ التوجيهية للحصول على المعلومات البيئية والمشاركة العامة فى اتخاذ القرار البيئى (مؤتمر البيئة من أجل أوروبا – 1995).

المبحث الثالث
التشريعات والتطوير المؤسسى لإدارة المياه فى مصر
تمهيد وتقسيم:
إن التحديات الحالية والمستقبلية لمواجهة نقص الموارد المائية وحسن إدارتها تستلزم وجود إستراتيجية لإدارة الموارد المائية، حيث تعتبر أزمة المياه فى جوهرها أزمة إدارة تتعدد أسبابها، ومن ضمن هذه الأسباب قصور التشريعات المائية وعدم كفاية المؤسسات المائية وتداخل الصلاحيات بينها وبين الجهات الأخرى ذات الصلة، وعدم إشراك مستخدمى المياه فى صناعة القرار المائى( )، ويتطلب ذلك العمل بالإدارة المتكاملة للموارد المائية كقاعدة رئيسة فى صياغة السياسات المائية، وهذا ما تم تطبيقه فى مصر، حيث تم وضع العديد من السياسات المائية والتى تعتمد على مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وهو ما سوف نتناوله فى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: التشريعات الخاصة بقطاع المياه فى مصر.
المطلب الثانى: التطوير المؤسسى لإدارة المياه فى مصر.

المطلب الأول
التشريعات الخاصة بقطاع المياه فى مصر
يعد توفر التشريعات المائية الملائمة من متطلبات تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتوجد حالياً أربعة قوانين تدعم الأنشطة المتعلقة بقطاع المياه فى مصر، وتتمثل فى قانون الرى والصرف رقم 12 لسنة 1984، قانون حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث رقم 48 لسنة 1982، قانون رقم 4 لسنة 1994 فى شأن البيئة، القانون رقم 213 لسنة 1994 لمشاركة المزارعين فى مؤسسات المياه فى الأراضى الجديدة( ). هذا وقد أنشئ المجلس الأعلى لحماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث بموج بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2318 لسنة 2009 تطبيقاً للقانون رقم 9 لسنة 2009 المعدل لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية بإدارة المياه، وفى 7/4/2013 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 343 لسنة 2013، وفى 7/4/2013 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 343 لسنة 2013 بإضافة مهمة متابعة تفعيل وتنفيذ الخطة القومية للموارد المائية وتحديد الأولويات ودور كل من الوزارات والأجهزة المعنية والتنسيق فيما بينها وإقرار البرامج الزمنية للتنفيذ إلى إختصاصات ومهام المجلس( ).
وتهدف وزارة الموارد المائية والرى إلى إجراء تعديلات على بعض القوانين وإعداد قوانين جديدة وبيانها كما يلى:
1- إدخال بعض التعديلات على قانون الرى والصرف: وتتضمن هذه التعديلات أسلوب إدارة وإنتفاع المزارعين بمياه الرى، وتسمح بإمكانية تقنين وضع المآخذ المخالفة وإلزامهم بنظم الرى الحديثة، وتحصيل تكاليف إعادة تأهيل شبكات المجارى المائية، كذلك تنظم هذه التعديلات منح تراخيص رى الأراضى الجديدة وتحديد المورد المائى ونظام الرى، كما تتضمن تقنين أوضاع المزارع السمكية وفقاً للمعايير التى تحددها وزارة الموارد المائية والرى، والإجراءات التى تتخذ فى شأن مخالفة تلك الضوابط.
2- مقترح قانون المياه الجوفية: وينص على القواعد المنظمة لمنح تراخيص الآبار الجديدة، وشروط تعديل وتجديد التراخيص القائمة، كما يوضح أغراض منح تلك التراخيص ويحظر مقترح القانون حقن أية ملوثات صلبة أو سائلة فى الخزان الجوفى، ويعطى الوزارة الحق فى إغلاق أى بئر إذا ما أثبتت التقارير الفنية تدهور نوعية المياه وتلوثها.
3- مقترح قانون النيل الموحد: ويشمل تنظيم أعمال إدارة النهر وإعداد الممرات الملاحية والتصرف فى الأراضى النيلية، كما يحدد الجهات المسئولة عن التخطيط والتنفيذ والعقوبات المقررة فى حالة مخالفة أحكام القانون.
4- مقترح قانون حماية وإدارة الشواطئ البحرية: يتضمن تنظيم الأملاك العامة ذات الصلة بالشواطئ وإدارة الأعمال داخلها وإجراءات حماية الشواطئ من التلوث، كذلك يحدد المقترح جهات الاختصاص وأسلوب إدارة أعمال التكيف مع التغيرات المناخية( ).
وهنا نجد أنه يجب الأخذ فى الاعتبار أن ثمة عناصر أساسية لازمة للتعديلات التشريعية والقانونية الخاصة بالموارد المائية نستعرضها فيما يلى:
1- وجود مواد من شأنها تمكين مستخدمى الموارد المائية من المشاركة فى إدارتها، مثل جمعيات مستخدمى المياه ومجالس المياه والمجتمع المدنى والقطاع الخاص وتعديل القوانين المنظمة لاستخدام المياه بهدف تحديد مسئوليات الجهات المختلفة المعنية بتنفيذ السياسة المائية الوطنية، وتحديد العلاقات فيما بينها تجنباً لحدوث أى تداخل فى مهامها.
2- تفعيل القوانين لدور المؤسسات المالية والهيئات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص على القيام باستثمارات فى مجالات معالجة مياه الصرف وتحلية المياه ودخول القطاع العام فى شراكة مع القطاع الخاص فى المشاريع المائية.
3- مراجعة الآليات والأدوات الاقتصادية وتقييمها وتحديثها، وإدراج هذه التعديلات فى القوانين (مثل الغرامات المتعلقة بتلويث المياه وعلاقتها بحجم ومدى التلوث والضرر الناتج، والتى تتطلب المتابعة والتقييم المستمر)، بالإضافة إلى التطبيق الصارم للقوانين التى تجرم الاعتداءات على الأراضى الزراعية.
4- إسناد مسئولية مراقبة إنفاذ القوانين إلى جهة محددة قادرة على تعديل الآثار السلبية، وتكون لديها السلطة الكافية للقيام بالمهام المنوط بها أداؤها، وضرورة دعمها فنياً من قبل الوزارات والهيئات المعنية الأخرى( ).
5- الاعتراف بالحق فى الحصول على المياه فى القوانين الوطنية، وعدم التمييز بين الجماعات المستخدمة للمياه، حيث لا يمكن التعامل مع المياه على أنها سلعة اقتصادية عادية تتحدد قيمتها بأسلوب العرض والطلب، ولكن يجب التركيز أيضاً على الأهمية الاجتماعية للمياه فى كل الأوقات ولجميع مستخدميها( ).
ولذلك ينبغى عند إعداد السياسات المائية مراجعة القوانين الحالية وتحليل وتقييم الموارد والبنود اللازمة لتفعيل مختلف أدوات الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
وجدير بالذكر أنه تم وضع العديد من السياسات المائية فى مصر كان أولها السياسة المائية عام 1975 تبعتها السياسة المائية لعام 1982، ثم السياسة المائية لعام 1997، وقد أعدت وزارة الموارد المائية والرى الخطة القومية للموارد المائية عام 2005 والتى تعتمد على مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية وأطلق على تلك الخطة "المياه والمستقبل".

المطلب الثانى
التطوير المؤسسى لإدارة المياه فى مصر
إن تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد المائية يتطلب وجود هيكل مؤسسى مناسب لتنفيذ السياسات المائية، ويتسم أداء الإطار المؤسسى لقطاع المياه فى مصر بالمركزية فى مجال إدارة المياه وضعف مشاركة مستخدمى المياه، بالإضافة إلى تنوع المؤسسات التى تسهم فى إدارة المياه والتداخل فى بعض المسئوليات، وضعف التنسيق والتعاون بين الجهات المركزية من ناحية وبينها وبين الجهات المناظرة على المستوى المحلى من ناحية أخرى، لذا لابد من تطوير النظام المؤسسى لخلق البيئة المواتية لتنفيذ السياسة المائية القائمة على مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وهنا يثور التساؤل عن آليات التطوير المؤسسى وإستراتيجية هذه التطوير فى مصر.
وبناءاً على ما تقدم سوف نعرض لما يلى:
أولاً: آليات التطوير المؤسسى:
يعتمد بناء القدرات المؤسسية على عدد من الآليات؛ من أهمها التالى:
1- إعادة هيكلة قطاع المياه وتحديد الأدوار والمسئوليات لمختلف دوائر القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدنى المعنية بإدارة خدمات المياه.
2- العمل على تطبيق نظام اللامركزية وإشراك مستخدمى المياه فى تنمية وإدارة الموارد المائية من أجل تعزيز الشعور بالملكية وضمان نجاح عملية التنفيذ.
3- خلق آلية للتعاون والتنسيق الفعال رأسياً بين مختلف الجهات المركزية والمحلية وأفقياً بين القطاعات المختلفة المستخدمة للمياه( ).
وفى هذا السياق، يجب عند بلورة الإطار المؤسسى للإدارة المتكاملة للموارد المائية التمييز بين ثلاثة مستويات إدارية وهى: المستوى المركزى والذى يهدف إلى تعزيز الإرادة السياسية على المستوى المركزى، والمستوى الإقليمى للربط بين المستوى المركزى والمحلى، والمستوى المحلى والذى يتولى متابعة عملية تنفيذ السياسات المائية وتجميع البيانات والمعلومات، والتنسيق بين الجهات المختلفة على المستوى المحلى وحل النزاعات( ).
ثانياً: إستراتيجية التطوير المؤسسى فى مصر:
تتضمن الخطة القومية لإدارة الموارد المائية لعام 2005 إستراتيجية للتطوير المؤسسى تعتمد على مبادئ اللامركزية والمشاركة وتنظيم الأحواض المائية وجودة المياه ومشاركة القطاع الخاص والخصخصة وإسترداد التكاليف، إلى جانب التنسيق بين الوزارات المختلفة وقد أنشئت وحدة التطوير المؤسسى بوزارة الموارد المائية والرى بهدف تنسيق أنشطة الإصلاح المؤسسى داخل قطاع إدارة الموارد المائية ورسم السياسات العامة( ).
وتعد روابط مستخدمى المياه أحد أشكال التنظيم الاجتماعى لتحقيق اللامركزية، وقد بدأت الوزارة فى تكوين روابط مستخدمى المياه عام 1984 كأحد إجراءات مشروع تطوير الرى السطحى الذى نفذه المركز القومى لبحوث المياه بدعم من المعونة الأمريكية، وفى عام 1995 تم إنشاء ما يسمى بمجالس المياه فى إطار مشروعات تطوير الرى بالتعاون مع الحكومة الهولندية( ).
وتعرف روابط مستخدمى المياه بأنها "منظمات خاصة مملوكة وتدار بواسطة أعضائها من المنتفعين على المجرى المائى، وتضطلع بمسئولية التوزيع العادل لمياه الرى وتسوية المنازعات لتحقيق إدارة أفضل لمياه الرى وزيادة الإنتاجية الزراعية، وتخضع الروابط لإشراف وزارة الموارد المائية والرى تحت قانون الرى والصرف( ).
أما مجلس المياه فهو تنظيم يضم مستخدمى مياه الرى والصرف فى زمام محدود، ويقوم بإدارة وظائف الرى والصرف والبنية التحتية داخل الزمام الذى تخدمه الترعة الفرعية وتمثل كل مستخدمى المياه الأعضاء أمام الغير، وتضم روابط مستخدمى المياه فى عضويتها المزارعين فقط، بينما تضم مجالس المياه المزارعين وأصحاب المصلحة الآخرين( ).
وتعتبر مشاركة المستخدمين فى إدارة المياه من أهم وسائل التطوير والإصلاح المؤسسة للقطاع المائى حيث يعنى مفهوم المشاركة العملية التى يؤثر فيها اصحاب المصلحة المباشرة فى وضع السياسات والتصاميم البديلة وخيارات الإستثمار، وقرارات الإدارة المؤثرة على مجتمعاتهم مما يبث فيهم الإحساس بالملكية( ).
وتشير بيانات جدول رقم (23) إلى أن اجمالى عدد روابط مستخدمى المياه على مستوى المساقى فى مصر يصل إلى نحو 276,12 ألف رابطة يتركز 3,77٪ منها فى الدلتا و22٪ فى مصر الوسطى، وبالنسبة للروابط على مستوى الترع الفرعية فيقدر عددها بنحو 772,1 ألف رابطة، يوجد بالدلتا نحو 6,72٪ من تلك الروابط ويتركز نحو 9,7٪ و5,19٪ فى مصر الوسطى ومصر العليا على الترتيب، ويقدر عدد مجالس المياه على مستوى الجمهورية بنحو 8 مجالس.
جدول رقم (23)
التوزيع الجغرافى للهندسات والإدارات وروابط مستخدمى المياه فى مصر
البيـــان روابط مستخدمى
مياه المساقى روابط
ترع فرعية مجالس
مياه هندسات
متكاملة إدارة عامة
متكاملة
الدلتــا 9485 1287 3 78 13
مصر الوسطى 2699 140 5 11 2
مصر العليا 92 345 - 17 3
إجمالى الجمهورية 12276 1772 8 106 18
- المصدر: هبة طايع الخولى، 2012، ص 214، نقلاً عن وزارة الموارد المائية والرى، بدائل التطوير المؤسسى والتنظيمى والمراحل التنفيذية للإصلاح المؤسسى والتنظيمى، فبراير 2011.

تعقــيب:
ان السياسة المائية فى القرن الواحد والعشرين أصبحت تعتمد على أسلوب مشاركة مستخدمى المياه من خلال تكوين مجالس المياه، وأن مجالس المياه هى مدخل وأسلوب جديد لإدارة الموارد المائية فى مصر بأسلوب مشاركة مستخدمى المياه فى الإدارة والتشغيل والصيانة بهدف ترشيد وتعظيم استخدام المياه دون إسراف والحفاظ على نوعية المياه وحمايتها من التلوث. ومع تزايد مشاركة المجتمعات المحلية فى إدارة شئون الموارد المائية يزداد إحتمال تحسين أساليب إختيار المشروعات وإيصال الخدمات وإسترداد التكاليف.


ملخص الفصل الأول
تناول هذا الفصل من خلال مباحثه الثلاث:
المبحث الأول: أساليب ووسائل الإدارة المتكاملة للموارد المائية
فأساليب الإدارة المتكاملة للموارد المائية التى إقترحها العاملون فى هذا المجال تختلف باختلاف الدول ومجتمعاتها، فمن هذه الأساليب المقترحة المنهج الشمولى، والمنهج التشاركى، والمنهج الإقتصادى، أما بالنسبة لوسائل الإدارة المتكاملة فتتعدد ما بين الوسائل التقنية، والوسائل الإقتصادية، والوسائل المؤسسية، وأخيراً الوسائل التشريعية.
المبحث الثانى: متطلبات تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية
إن تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد المائية يتطلب توفر التشريعات المائية الملائمة وكذلك مشاركة أصحاب المصلحة فى إدارة المياه للوصول إلى حلول لمشكلات المياه.
المبحث الثالث: التشريعات والتطوير المؤسسى لإدارة المياه فى مصر
إن مواجهة نقص الموارد المائية وحسن إدارتها يتطلق الإهتمام بالتشريعات الخاصة بقطاع المياه فى مصر مع إسناد مسئولية مراقبة إنفاذ القوانين إلى جهة محددة تكون لديها السلطة الكافية للقيام بالمهام المنوط بها أداؤها، وكذلك لابد من التطوير المؤسسة لإدارة المياه فى مصر لخلق البيئة المواتية لتنفيذ السياسة المائية القائمة على مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
والنتيجة الهامة لهذا الفصل تكمن فيما يلى:
أن المياه العذبة مورد محدد وقابل للنفاذ، ولمواجهة نقص المياه لابد من إتباع شمولى، تشاركى، إقتصادى، بالإضافة إلى توفر التشريعات المائية ومشاركة أصحاب المصلحة مع تطوير النظام المؤسسة لخلق البيئة المواتية لتنفيذ السياسات المائية القائمة على مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد المائية.

الفصل الثانى
دور الحوكمة المائيةفى تحقيق التنمية المستدامة

¬تمهيد وتقسيم:
يتطلب تحقيق الحوكمة المائية وإستدامتها أن تؤدى المؤسسات المشاركة فى هذه الحوكمة الدور المنوط بها، وأن يتم التنسيق والتعاون فيما بينها لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية حيث يعد التنسيق بين مؤسسات المياه المختلفة من قضايا حوكمة المياه، كما ينبغى توفير التمويل اللازم للمشاريع الخاصة بالمياه لضمان استمرار الإمداد بخدمات المياه حيث لا تستطيع الحكومة بمفردها القيام بهذه المهمة، مع الاهتمام بالتقنية التكنولوجية فى مجال إدارة الموارد المائية وأيضاً الاهتمام ببناء الوعى المجتمعى بمشكلة المياه حيث تسود ثقافة الوفرة المائية بين مختلف طبقات المجتمع مع الأخذ فى الاعتبار إستراتيجية إدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050 التى تم وضعها من قبل وزارة الموارد المائية والرى.
وتأسيساً على ما سبق سوف نقسم هذا الفصل إلى المباحث التالية:
المبحث الأول: المؤسسات المختلفة المعنية بالحوكمة المائية.
المبحث الثانى: العناصر الضرورية لتحقيق فعالية الحوكمة المائية.
المبحث الثالث: الحلول المقترحة للحوكمة المائية فى مصر.

المبحث الأول
المؤسسات المختلفة المعنية بالحوكمة المائية
تمهيد وتقسيم:
تتعدد الجهات التى تسهم فى إدارة المياه فى مصر، سواء من حيث التوزيع أم الاستخدام أم الرقابة وهى وزارات الموارد المائية والرى، والزراعة والبيئة، والصحة، والصناعة، والنقل، والداخلية، والإسكان، لذا كان لابد من معرفة دور كل وزارة، وأهمية التنسيق والتعاون فيما بينها لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية والتغلب على أية مشاكل تعوق الاستخدام حيث يعد التنسيق بين مؤسسات المياة المختلفة من قضايا حوكمة المياه.
وتأسيساً على ما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: دور المؤسسات المشاركة فى حوكمة المياه.
المطلب الثانى: التنسيق بين المؤسسات المشاركة فى حوكمة المياه.

المطلب الأول
دور المؤسسات المشاركة فى حوكمة المياه

تتنوع المؤسسات التى تسهم فى إدارة المياه فى مصر، فمنها المؤسسات المستخدمة للمياه، وهناك المؤسسات المنوطة بتشغيل شبكات إمدادات المياه للمستخدمين، وهناك المؤسسات المنوط بها حماية المستخدم من أخطار تلوث المياه، ومع إختلاف مصادر المياه تختلف أيضاً المؤسسات والمسئوليات وقد مرت عملية إدارة المياه فى مصر بالعديد من التغيرات والتطورات لمواجهة الزيادة فى الاستخدامات وتحسين ورفع كفاءتها، ومن ثم اختلفت التبعيات وأطر التنسيق بين تلك المؤسسات( ).
ولبيان ما تقدم سوف نعرض لدور الوزارات المختلفة كمؤسسات حكومية فى إدارة الموارد المائية على النحو التالى( ):
1- وزارة الموارد المائية والرى: وهى المحور الأساسى التى من خلالها يتم وضع وتنفيذ السياسات المائية، وهى المسئولة عن توزيع المياه بالقدر المناسب وفى الوقت المناسب وبالنوعية المناسبة للجهات الأخرى المستفيدة بما يتناسب مع الاحتياجات القومية المختلفة، كما أنها المسئولة عن وضع وتنفيذ القوانين المنظمة لمصادر المياه العذبة والمحافظة عليها من التلوث مع الوزارات والهيئات المعنية الأخرى.
2- وزارة التخطيط: وهى المسئولة عن الخطط السنوية والخمسية وتحديد أولويات الاستثمار وتخصيص التمويل للوزارات والهيئات المختلفة.
3- وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى: وتساهم فى ترشيد استخدام الأسمدة والمبيدات وعدم استخدام غير المصرح به منها.
4- وزارة الصناعة: وتساهم فى المحافظة على المياه من التلوث وذلك بمعالجة الصرف السائل للمنشآت الصناعية قبل الصرف على المجارى المائية.
5- وزارة الدولة لشئون البيئة: ومن ضمن مهامها الحفاظ على البيئة من التلوث بوجه عام والبيئة المائية بوجه خاص ووضع وتنفيذ القوانين المنظمة لذلك (القانون رقم 4 لسنة 2004 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009) كما تقوم بتنفيذ المشاريع الريادية لحماية المياه من التلوث وترشيد الإستهلاك وتقوم بالتنسيق بين الوزارات المختلفة.
6- وزارة التنمية المحلية: وهى المسئولة عن إستدامة التنمية فى القرى والمدن الصغيرة.
7- وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة: وهى المسئولة عن إمداد السكان بمياه الشرب النقية وتعميم شبكات ومرافق الصرف الصحى بالمدن والقرى، وبذلك تلعب دوراً مؤثراً فى عملية إدارة المياه فى مصر( ).
8- وزارة الصحة: وهى المسئولة عن وضع معايير ومواصفات المياه الصالحة للشرب والاستخدام وهى المسئولة أيضاً عن أخذ العينات وتحليلها ومراقبة نوعية المياه بنهر النيل من آن لآخر، وتنفيذ القوانين المعينة بالمياه طبقاً للبنود المحددة لها( ).
9- وزارة النقل ووزارة السياحة: وهى المسئولة عن النقل النهرى ومراعاة القوانين المنظمة لذلك حيث يستخدم مجرى النيل كمجرى ملاحى ليخدم الأغراض السياحية وكذلك أغراض النقل النهرى، وتعتبر المسافة من أسوان إلى الأقصر من المصادر الرئيسية للسياحة لما يضمه نهر النيل على جانبيه من آثار تنم عن حضارة عظيمة إمتدت لأكثر من سبعة آلاف عام – فيستمتع السائحون بالرحلات النيلية بها باستخدام الفنادق العائمة( ).
10- وزارة الداخلية: وهى المسئولة عن تنفيذ القوانين واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المنشآت المخالفة حيث تقع مسئولية إزالة المخالفات المائية على عاتق وزارة الداخلية – حيث يتعاون ممثلو الوزارة مع مهندسى وزارة الرى لإزالة المخالفة وفيما يتعلق بوضع نهر النيل – فهناك شرطة المسطحات المائية والتى تعمل على مراقبة التعديات على النهر وتنفيذ القوانين الخاصة بذلك، كما أنها تشارك العديد من الوزارات الأخرى والهيئات بطريق مباشر أو غير مباشر فى تنفيذ السياسات المائية (مثل وزارات السياحة ووزارة الكهرباء...... إلخ).
ويتضح مما سبق أهمية الدور الذى تلعبه كل وزارة من الوزارات السابق الإشارة إليها فى إدارة المياه، هذا بالإضافة إلى الدور الرئيسى الذى تلعبه وزارة الموارد المائية والرى بمختلف قطاعاتها وأجهزتها فى مجال إدارة وتوزيع المياه.

شكل رقم (25) المؤسسات الحكومية المشاركة فى إدارة المياه فى مصر













- المصدر: محمد نصر الدين علام، المياه والأراضى الزراعية فى مصر، الماضى والحاضر والمستقبل، المكتبة الأكاديمية، القاهرة 2001، ص 428.

المطلب الثانى
التنسيق بين المؤسسات المشاركة فى حوكمة المياه
إن التنسيق والتعاون بين المؤسسات المشاركة فى حوكمة المياه يعد من الأمور الهامة التى يجب الاهتمام بها، لا سيما وأن غياب التنسيق الكافى بين تلك المؤسسات يؤدى فى النهاية إلى عدم الاستغلال الأمثل لمواردنا المائية.
وبناءاً على ما تقدم سوف نعرض لبعض الأمثلة التى توضح كيفية التعاون والتنسيق بين وزارة الموارد المائية بإعتبارها الوزارة المسئولة عن إدارة الموارد المائية للبلاد وبعض الوزارات الأخرى التى تشارك فى الأنشطة المختلفة لإدارة المياه إدارة متكاملة على النحو التالى:
أولاً: التعاون بين وزارة الموارد المائية ووزارة الدولة لشئون الخارجية( ):
فحرصاً من الوزارة على الإستفادة من المكانة والثقل السياسى الذى تشغله مصر على المستويين الإقليمى والدولى – فقد أقدمت الوزارة على الإستفادة من ذلك للحصول على أحدث التقنيات فى مجال الرى وتنمية الموارد المائية، وذلك من خلال برامج ومشاريع تعاون دولية تدعمها منح ومساعدات أجنبية والتى بدأت منذ السبعينيات ومستمرة حتى الآن.
وقد تم من خلالها تحديث نظم الرى وتطوير نظم المعلومات والاتصالات ودعم قواعد المعلومات والتوسع فى استخدامات نظم المعلومات الجغرافية ودعم مجالات المراقبة والتنبؤ بتصرفات نهر النيل وتشكيل روابط لمستخدمى المياه للمشاركة فى إدارة المياه والتوسع فى الصرف المغطى وإحلال وإعادة تأهيل العديد من منشآت الرى، وفى هذا الإطار يبرز لنا مدى التعاون والتنسيق بين وزارة الموارد المائية ووزارة الدولة للشئون الخارجية من خلال الجهود التى تبذلها وزارة الدولة للشئون الخارجية فى جذب المنح والمساعدات من خلال ما تبرمه من إتفاقات فى مجال المياه.
ثانياً: التعاون بين وزارة الموارد المائية ووزارة النقل( ):
إتضح هذا التعاون فى العديد من المشاريع أهمها مشروع تطوير الملاحة بمجرى نهر النيل بإعتباره أحد خطط المشروع القومى للنقل النهرى ويتم بمقتضاه قيام معهد بحوث النيل بتحديد المجرى الملاحى على الطبيعة من خلال القيام بالرفع الهيدروجرافى للمجرى من القاهرة حتى أسوان وتحديد المجرى الملاحى على الخرائط والمعاونة فى تحديد مواقع المساحات الملاحية والمشاركة فى الإشراف على التنفيذ، وتحديد مواقع الإختناقات الملاحية وحساب كميات التكريك اللازمة وصيانة المجرى وأعمال الحماية فى حالة الإحتياج إليها، ويقوم قطاع تطوير وحماية نهر النيل بواسطة الإدارات المختلفة علاوة على قطاع الرى بإعطاء المعلومات عن مناسيب المياه والتصرفات الحالية والمستقبلية.
ثالثاً: التعاون بين وزارة الموارد المائية ووزارة السياحة( ):
تتعاون الوزارتان معاً فى العديد من المجالات أهمها مشروع تطوير المراسى النيلية الحالية، وإنشاء مراسى جديدة مجمعة ومجهزة بوسائل حماية البيئة حيث يتوفر بها الضغوط الفنية والبيئية لإستقبال مخلفات السفن للحفاظ على النيل من التلوث والإرتقاء بالخدمات السياحية التى تقدم للسائحين.
رابعاً: التعاون بين وزارة الموارد المائية ووزارة الكهرباء( ):
تقوم وزارة الكهرباء بالإستفادة من المساقط المائية فى توليد الطاقة الكهربائية وهو
ما يستلزم وجود تنسيق تام مع وزارة الرى لتحديد مناسيب المياه التى تحقق أعلى طاقة كهربائية ممكنة وبما لا يسبب إهداراً للمياه خارج شبكة الرى والصرف، كما أنشأت وزارة الكهرباء محطات حرارية لتوليد الكهرباء مثل محطتى الوليدية بأسيوط والكريمات بالجيزة، وتحتاج هذه المحطات إلى سحب مياه من النيل لعملية التبريد حيث تعود هذه المياه مرة أخرى إلى النيل، غير أن إنخفاض مناسيب المياه بالنيل قد يؤدى إلى عدم إمكانية سحب المياه الكافية للتبريد، لذلك فإن التنسيق المستمر بين الوزارتين ضرورى لتعظيم كميات الطاقة الكهرومائية ولحل مثل هذه المشاكل التى يمكن تواجدها بالشبكة المائية.
خامساً: التعاون بين وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة( ):
يعتبر القطاع الزراعى هو المستهلك الرئيسى للمياه فى مصر، وبما يصل إلى حوالى 85٪ من حصة مصر من مياه النيل، وتتغير أنماط الإستهلاك الزراعى للمياه وفقاً للسياسات الزراعية التى تطبقها وزارة الزراعة.
فقد تركزت السياسات الزراعية قبل الثمانينات فى القرن الماضى حول تطبيق التركيب المحصولى الإلزامى، والذى يحدد مواعيد ومساحات زراعة المحاصيل الصيفية والشتوية من خلال تطبيق دورة زراعية معينة (ثلاثية أو ثنائية)، ويساعد على تطبيق ذلك الهيكل التنظيمى لوزارة الزراعة والذى يضم مهندساً زراعياً لكل حوض زراعى يطلق عليه إسم "مشرف الحوض" لمتابعة وتطبيق الدورة الزراعية، غير أن التحول فى السياسات الزراعية والذى بدأ منذ منتصف الثمانينات ليعطى الحرية للفلاح فى إختيار المحاصيل التى يود زراعتها ضمن إطار "تحرير التركيب المحصولى" أدى إلى عدم وجود معرفة مسبقة بالتركيب المحصولى، وهو الأمر الذى يصعب معه التشغيل الأمثل للشبكة المائية، لذلك فإن التنسيق بين الوزارتين على جميع المستويات، وتنشيط أدوار الهياكل التنظيمية الموجودة حالياً، أمر حيوى من أجل ترشيد الاستخدامات المائية.
سادساً: التعاون بين وزارة الموارد المائية وأجهزة الحكم المحلى( ):
تتعاون وزارة الموارد المائية والرى مع أجهزة الحكم المحلى من أجل حماية نهر النيل مصدر النماء والتنمية فى مصر من مصادر التلوث المختلفة، بإزالة كافة المخالفات التى ترتكب فى حقه وإلزام المخالفين برد الشئ لأصله ويتم ذلك على عدة مراحل:
1 – يتم إلزام المخالفات بإزالة المخالفة وإذا لم يقم بإزالتها يتم تحرير محضر مخالفة.
2 – يتم تحرير قرار الإزالة عن طريق إدارة حماية نهر النيل المختصة ويرسل إلى الجهات الأمنية لإتخاذ الإجراءات اللازمة.
3 – يتم التنسيق مع شرطة المسطحات المائية ومديريات الأمن ويتم تحديد موعد الإزالة فى التوقيت المناسب.
ومع أن مبدأ مشاركة الجهات المعنية بات مقبولاً ويطالب به ويدعمه صانعو القرار، إلا أن تطبيقه ما زال يواجه تحديات كبرى لا سيما على صعيد تنفيذ نهج المشاركة والشراكة منذ المراحل الأولى من إعداد الخطط الوطنية، حيث أن إدارة الموارد المائية تهم قطاعات عديدة وليست بضع وزارات فقط. فعلى سبيل المثال، تغيب عن عملية التخطيط وزارات الداخلية والأمن القومى والبيئة بإعتبارها جهات مسئولة عن إنفاذ القوانين الخاصة بالتعدى على الموارد المائية وتلويثها، وما زال كل من الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص والمنتفعون من الأفراد والجمعيات المحلية والمجتمع المدنى غائباً بصورة واضحة( ).
تعقــيب:
انه بالرغم من هذا التنسيق الذى يتم بين وزارة الرى والوزارات الأخرى المعنية بالمياه فى مصر إلا أن الأمر فى حاجة إلى المزيد من هذا التنسيق للوصول بإستغلال مواردنا المائية إلى الإستغلال الأمثل لاسيما فيما يتعلق بأهمية خلق نظام للربط المعلوماتى بين الجهات المشتركة فى إدارة المياه فى مصر مع تطوير أجهزة الرى بالإضافة إلى عنصر آخر ذا أهمية خاصة وهو العمل على تطبيق نظام اللامركزية فى إدارة مياه الرى.

المبحث الثانى
العناصر الضرورية لتحقيق فعالية الحوكمة المائية
تمهيد وتقسيم:
تعتمد الإستدامة والاستمرارية للحوكمة المائية الفعالة على وجود مخطط تمويل مائى واضح يحدد مصادر التمويل والآليات الاقتصادية بهدف ضمان الأساليب المثلى لتخصيص التمويل، حيث يعانى قطاع المياه المملوك غالباً للقطاع العام مع مشاركة ضئيلة من القطاع الخاص من فجوة تمويلية، فاستثمارات قطاع مياه الشرب مثلاً تمتص من المال العام كميات كبيرة لا تجلب عوائد اقتصادية مثلى، مع أنه يمكن استخدامها بشكل أفضل فى مجال آخر، لذا كان لابد من إقتراح آليات مختلفة لتمويل مشاريع المياه مع الإستدامة الاقتصادية والمالية وذلك لضمان استمرار الإمداد بخدمات المياه، وكذلك ينبغى لتحقيق الحوكمة المائية الاهتمام باستخدام الأساليب التكنولوجية المتطورة والاهتمام ببناء الوعى المجتمعى.
وتأسيساً على ما سبق سوف نقسم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: الحوكمة وتمويل قطاع المياه.
المطلب الثانى: الحوكمة والتقنية التكنولوجية وبناء الوعى المجتمعى.

المطلب الأول
الحوكمة وتمويل قطاع المياه
يعد تدبير الموارد المالية لتمويل المشروعات المتعلقة بالمياه وتحقيق الحوكمة المائية وإستدامتها هى المعوق الأساسى الذى يقف حائلاً لتحقيق هذه المشروعات، وهذا ما يتذرع به القائمون على إدارة المياه( )، حيث يحتاج تطوير شبكات المياه والصرف ووحدات المعالجة، إلى اعتمادات مالية هائلة من الصعب توافرها من خلال الميزانيات الحكومية، كما أن إنشاء وإحلال وتجديد الأعمال الصناعية، على شبكة الرى والصرف يتطلب أيضاً توافر إعتمادات مالية كبيرة( ).
وتتصف الموارد المالية فى معظم البلدان العربية ومنها مصر بالمحدودية وبالعجز عن توفير التمويل اللازم للاستثمارات المائية، ولضمان الجدوى والإستدامة المالية للحوكمة الفعالة للمياه يجب وضع خطة تمويل مائى واضحة ويتضمن ذلك تحديد( ):
1- موارد التمويل و"من ينبغى أن يدفع، ولأى غرض ؟"
(مثل مبدأ المستخدم يدفع، ومبدأ الملوث يدفع، وإسترداد كامل التكلفة).
2- والآليات الاقتصادية والتمويلية المتعلقة بالتخصيص الأمثل والأكفأ للموارد المالية.
وتتمتع المنطقة العربية ومن بينها مصر بقطاع عام كبير وحصة كبيرة من ميزانية الحكومة المركزية فى المال العام، تستثمر موارد عامة كبيرة فى قطاع المياه حيث يتراوح الإنفاق الحكومى على قطاع المياه بين 107 و306 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى (الشكل رقم 24).

شكل رقم (26) الإنفاق العام على المياه فى بلدان مختارة

المصدر: World Bank 2007
( ) World Bank, Human Development Report, 2007.
وخلال العقد الماضى، مثلت المياه ما يتراوح بين 20 و30 فى المائة من النفقات الحكومية فى مصر وكذلك بعض الدول كالجزائر واليمن( )، ولكن هذه النسب أقل من الاستثمارات السنوية المثلى التى كانت مطلوبة بين عامى 2005 و2010 والتى تقدر بنحو 5,4 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة هنا إلى وجود علاقة بين الحوكمة وتمويل قطاع المياه حيث تتقاطع مواضيع حوكمة المياه الفعالة وتمويل إدارة شئون الموارد المائية فى عدة مستويات، فالحوكمة الرشيدة شرط أساسى لتوليد الموارد المالية والبشرية اللازمة للتنمية والإدارة المستدامة للموارد المائية، ولكن نجد أن بعض البلدان التى تحتاج إلى موارد إضافية ومنها مصر تفتقر لأوضاع الحوكمة التى ستجذب موارد مالية جديدة أو تضمن عدالة إدارة الموارد العامة والخاصة أو إستدامتها.

وتؤسس ممارسات الحوكمة الرشيدة البيئات المواتية التى تستطيع تشجيع القطاعين العام والخاص على الاستثمار المائى، ونشير فى هذا المقام إلى وجود بعض الإرشادات التى تساعد على توظيف الحوكمة الرشيدة فى حشد الموارد المالية وهى( ):
1- يجب أن تتوفر سهولة الوصول إلى رأس المال على كافة المستويات (نحو القروض الصغيرة، وبرامج القروض الدوارة، وإصدارات السندات المحلية).
2- أن نقر التكلفة الكلية لإدارة المياه وخدمات المياه وأن نقسم التكلفة على المجتمع قسمة شفافة وعادلة ومتكافئة (عبر الإعانات والضرائب وإسترداد التكلفة، وما شابه).
3- ينبغى أن نعزز النظم المسئولة والشفافة ونظم المحاسبة الكاملة للتكاليف والمنافع، والسياسات التقدمية والبيئة القانونية، والعلاقة البناءة بين المجتمع المدنى والحكومة.
ويمكن - بناء على نوع النشاط – إقتراح آليات مختلفة لتمويل مشاريع المياه والصرف الصحى، وينبغى أن نأتى بعض الموارد المالية من الميزانية العامة التى تغذيها الضرائب، كما يمكن أن توفر حصة موارد أخرى من المستخدمين والمنتفعين من مشاريع المياه عبر الآليات المستخدمة مباشرة فى القطاع المائى أو القطاعات الأخرى (مثل الحد من كمية المياه المفقودة أو زيادة كفاءة الرى الزراعى) وكلا المنهجين يتوافقان مع مبدأ استرداد التكلفة والمستخدم يدفع، والملوث يدفع.
ومن أهم الإصلاحات فى العقد الأخير الخاصة بالإمداد بالمياه هى زيادة دور القطاع الخاص خاصة مع عجز الحكومة عن زيادة رأس المال الكافية لتمويل البنية التحتية اللازمة للمياه والصرف الصحى وتشغيلها وصيانتها حيث تستطيع إدارة القطاع الخاص وممارساته الفنية أن توفر خدمات أكثر كفاءة من خلال المساهمة فى الاستثمارات الكبيرة المطلوبة سواء للتوسع فى شبكات مياه الرى والشرب والصرف الصحى ووحدات المعالجة أم للتشغيل والصيانة، وكذلك من خلال جذب الكوادر المؤهلة والمميزة فنياً وإدارياً لتشغيل المشاريع العملاقة، مما يرفع عن كاهل الحكومة أعباء هذه الاستثمارات وكذلك الأعباء الإدارية، وقد يكون من الأنسب أن يكون هناك نوعان من شركات القطاع الخاص، الأول شركات لإمدادات مياه الشرب تكون مسئولة عن استثمارات وتشغيل وصيانة شبكات مياه الشرب والصناعة وشبكات الصرف الصحى والصناعى، والثانى شركات لإمدادات مياه الرى سواء من الترع أم المياه الجوفية وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى( ).
ويعد القطاع الخاص فى نظر أحد المحللين هو الذى وضع النهاية للفترة التى كانت تعانى خدمات المياه فيها من الركود، وأدخلها فى مرحلة جديدة من مراحل التدقيق والتحقيق من قبل الجمهور، وتقوم شركات القطاع الخاص بتجسيد وتحفيز العمل فى مجال إدارة موارد المياه، حيث لا تقوم بالتوقيع على أى عقد دون التأكد من قدرتها على توفير الإمدادات الكافية من المياه، وذلك حتى لا تعرض سمعتها للخطر، ولذلك طالبت شركات القطاع الخاص بتوضيح القواعد المنظمة لإدارة أحواض المياه وحقوق المياه التى كانت تتسم بعدم الوضوح، وبالمثل تتحمل شركات القطاع الخاص المسئولية عن المياه لمهدرة، والتى أظهرت ضرورة مناقشة المعايير والسياسات الخاصة بإهدار المياه( ).
وينبغى الإشارة إلى أن دخول القطاع الخاص فى مجال الخدمة المائية يعتبر من القضايا المرغوب فيها، ولتحقيق عائد مادى مناسب، لذا فإن دور الدولة يجب أن ينصب على أن يحقق القطاع الخاص هذا العائد من خلال إعطاؤه مميزات نسبية من إعفاءات ضريبية أو جمركية أو تسهيلات إدارية ولكن دون أن تتأثر كيانات المواطنين من ذوى الدخل المحدود وقدراتهم المالية( ).
وقد شجعت الجهات الدولية المانحة والمقرضون على خصخصة إدارة المياه وتوزيعها لتحقيق الإسترداد الكامل للكلفة، وتحسين كفاءة مرافق التوزيع العام ولكن يرى المعارضون لخصخصة المياه أنها ستخلق حواجز جديدة أمام الإستفادة من الموارد العامة، وستجرد الفئات الضعيفة وبخاصة الفقراء والنساء – من إحتياجاتها أو حقوقها المالية الأصيلة( ).
وجدير بالذكر أن خصخصة الخدمات ليست ترفاً بل أصبحت ضرورة خاصة مع ما نراه الآن من إنخفاض فى صادرات البترول وفى تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وإنخفاض إيرادات قناة السويس، وتزايد كبير فى الإستيراد لا يقابله تزايد معقول فى الصادرات المصرية وأثر ذلك على إيرادات الدولة، مما يتطلب رفع ولو جزء من الأعباء المالية والإدارية عن كاهل الحكومة( )، وينبغى تقييم جميع المقاربات المحتملة للخصخصة وفقاً لعناصر الفعالية، والكفاءة، المساواة، وغيرها من عناصر حوكمة المياه الفعالة.
وتتطلب الخصخصة الرشيدة لخدمات المياه أن يكون هناك ثوابت ومحددات تمثل إطاراً عاماً للعلاقة بين المواطن وكل من القطاع الخاص والحكومة، ومن أهم هذه المحددات ما يلى( ):
1 – لا تكون الخصخصة على حساب محدودى الدخل، بل لصالحهم، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تعريفة للخدمات تتكون من شرائح تتغير مع معدلات الإستهلاك.
2 – لن تنجح الخصخصة ولن يستطيع القطاع الخاص وحده إعادة الإلتزام بالقانون فى القرى المصرية إلا بدعم ومساندة الحكومة.
3 – يجب عدم تحميل المواطنين أى تكاليف خاصة باستكمال شبكات المياه أو الصرف الصحى أو وحدات تنقية المياه أو وحدات معالجة المياه حيث أن الحكومة مسئولة عن توفير هذه المرافق الأساسية للمواطنين، ويشارك المواطنون فقط كما هو قائم حالياً فى مصاريف التشغيل والصيانة، وكذلك مصاريف الوصلة الخاصة من الشبكة الرئيسية إلى الملكية الخاصة.
4 – يجب أن يكون هناك خطوط فاصلة بين مجالات الخصخصة والمجالات الأخرى التى
لا يسمح للقطاع الخاص بالعمل فيها، وهى كل ما يتعلق بسيادة الدولة على مواردها المائية.
ولا يفوتنا فى هذا المقام أن نوضح بأن هناك العديد من التحديات والصعوبات التى تواجه عملية الخصخصة فى مجال المياه، وكذلك العديد من المحاذير والقيود المفروضة على سياسة الوزارة تجاه هذه العملية والتى أكد عليها وزير الموارد المائية فى رفض الدولة لسياسة تسعير المياه محدداً سياسة الوزارة فى أنها لن تبيع المياه ولن تسعرها لأى غرض من الأغراض، وأنها لن تفرض أيضاً أى أعباء على مستخدميها نظير توفير المياه، وأن القطاع الخاص ليس شريكاً فى إدارة أو توزيع المياه وإنما دوره يقتصر على القيام بأعمال الصيانة والتشغيل لمنافع خاصة وأن الوزارة هى التى تتولى وضع السياسات والخطط التى تشمل هذه الإدارة وفقاً للفكر المائى العالمى الجديد المسمى (الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وأن دور الشركات القابضة العاملة فى مجال الموارد المائية، هو تسهيل تقديم الخدمات الزراعية والتسويق وغيرها من الخدمات ومساعدة المستثمرين فى إدارة مواردهم المائية وبالتالى مشروعاتهم الاستثمارية الكبيرة( ).
إلا أن هذا لم يمنع الوزارة من تبنى سياسة تسمح للقطاع الخاص بالمشاركة فى هذا القطاع الهام شريطة اتخاذ العديد من الإجراءات وتقديم التسهيلات المطلوبة ومنها( ):
1- إعطاء ميزات نسبية للاستثمار فى هذا المجال مثل المزايا التى يتمتع بها المستثمرون فى المدن الجديدة والمشاريع العملاقة من إعفاءات ضريبية وجمركية وتأجير أو حق استغلال بعض الأراضى برسوم رمزية.
2- توسيع قاعدة الملكية للشركات الخاصة التى ستقوم بإدارة الشبكات من خلال طرح أكثر من نصف الأسهم مثلاً فى البورصة المصرية مع تحديد حد أقصى لملكية الأسهم للفرد الواحد أو للجهة الواحدة.
3- دراسة وإعداد الإطار الإدارى والقانونى للدور الرقابى للحكومة على الشركات الخاصة وتحديد الجزاءات للمخالفات الإدارية والفنية.
4- تحديد مجالات وأولويات مشاركة القطاع الخاص فى إدارة هذا المرفق الهام وتحديد إطار زمنى لهذه الأولويات على أن يشمل هذا الإطار بعض المشاريع الرائدة والتى من خلالها يمكن تقييم أداء القطاع الخاص وكذلك أداء الحكومة كجهة إدارية ورقابية.
5- تحديد المواصفات الفنية والإدارية لخدمات المياه للمناطق والمشاريع المختلفة التى ستطرح للقطاع الخاص مع إعداد دراسات جدوى مبدئية لتقدير الاستثمارات المطلوبة وتعريفة الخدمات المناسبة والدعم الحكومى المطلوب لمحدودى الدخل.
6- دراسة إمكانية إحياء دور الرقابة الشعبية من خلال الجمعيات الأهلية بالتنسيق مع أجهزة الحكم المحلى نظراً للأهمية الحيوية لدور مرفق المياه وما قد تسببه أية مخالفات فيه من آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية.
وتأسيساً على ما سبق فإننا نجد أنه تم فى مصر تحديد إثنين من المشروعات الرائدة لبناء محطتى معالجة للمياه والصرف الصحى عام 2007، وقد قامت الحكومة المصرية بفصل خدمة توفير المياه عن خدمة الإدارة والتنظيم من خلال إنشاء الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى عام 2004 لإدارة خدمات المياه فى 14 مدينة، وعلى الشركة القابضة تحقيق تقدم فيما يتعلق بسلسلة من مؤشرات الأداء يتم رصدها شهرياً، وتشمل هذه المؤشرات جودة مياه الشرب والإستجابة لشكاوى المواطنين وتحسين الإيرادات، إلا أن مثل هذا النوع من الشراكة لم يحقق أهدافه المرجوة حيث ركزت الشراكة على الكم وأهملت الكيف، فبالرغم من التوسع فى إنشاء شبكات المياه إلا أن نوعية المياه المقدمة كانت رديئة للغاية، إلى جانب عدم الإلتزام برصد مؤشرات الأداء وإنعدام التنظيم والمساءلة( ).

المطلب الثانى
الحوكمة والتقنية التكنولوجية وبناء الوعى المجتمعى
إن العالم يموج فى الوقت المعاصر بتحولات جديدة تركز على العولمة والتنافسية والتسلح بالمعرفة العلمية الحديثة، مما يستدعى البحث عن النقاط الإيجابية لهذه الظاهرة العالمية، وإستغلالها فى خدمة النمو الإنسانى، ولذا يتوجب علينا إستنباط الطرق الكفيلة لاستثمارها من أجل تنمية الموارد المائية، كذلك فإن البحث العلمى أساس كل تطور وتقدم وتشجيعه فى ميدان الموارد المائية يعد من الإستراتيچيات التى يتوجب نهجها وإعتمادها والعمل على تحقيقها بكل الوسائل مما يتطلب التأكيد على سن سياسة البحث العلمى وتخصيص الإعتمادات المالية اللازمة لها أسوة بالبلدان المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً بهدف تطوير تقنيات الاقتصاد فى إستهلاك المياه وتحلية مياه البحر بهدف تخفيض تكلفتها وتعميمها، وتنقية المياه المستعملة وإعادة إستعمالها، وتقنيات نقل المياه وتحويلها بين المناطق والوقاية من الفيضانات( ).
بالإضافة إلى ذلك أصبحت ثورة المعلومات والتفنية الحديثة المتطورة للإتصالات، من أهم وسائل التنمية والرقى لشعوب العالم فى القرن الحالى والحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الموارد المائية والرى تبذل قصارى جهدها لمواكبة التنمية والتقدم العالميين، ومن هذا المنطلق كان إعتبار طفرة التقنية التكنولوجية والثورة المعلوماتية، (أحد محاور الرؤية المستقبلية لأعمال وزارة الموارد المائية والرى) هاماً وضرورياً، لمواكبة ركب التقدم، ومن هنا نجد أن هناك بعض البرامج المقترحة للإستفادة من النقلة التكنولوجية وهى كالآتى( ):
1- الإستفادة من نظم الإستشعار عن بعد، فى التنبؤ بالموارد المائية المختلفة مع الإرتقاء بمستوى إدارات المياه فنياً وإدارياً، ودعمها بالبيانات الإلكترونية وتبادل المعلومات عن طريق الإنترنت.
2- ربط جميع إدارات الرى بغرفة تحكم مركزى، عن طريق شبكة ربط إلكترونية، تتولى التنسيق بينها جميعاً وإرسال التعليمات المائية إلكترونياً وإستقبال البيانات والإستشارات.
3- تنفيذ خطة تركيب أنظمة تحكم آلية، لفتح وغلق البوابات، على مختلف أنواع الترع وكذلك على القناطر الرئيسية، وتوصيلها عن طريق شبكة ربط إلكترونية إلى غرف تحكم بإدارات الرى والرصد والتحكم فى كميات المياه التى بدورها تتلقى الأوامر إلكترونياً من غرف تحكم رئيسية بالوزارة.
4- ربط آبار متابعة منسوب المياه الجوفية، على طول الجمهورية، بشبكة ربط إلكترونية، يتم توصيلها بغرفة التحكم المركزية، لمتابعة إنخفاض المنسوب مع عمليات السحب من الآبار الأخرى، والمرصودة إلكترونياً، كما يجب تزويد مختلف الآبار الجوفية، بعدادات إلكترونية، وشاشات أوامر متصلة إلكترونياً بقطاع المياه الجوفية بالوزارة، للرصد وإعطاء أوامر ضخ المياه ومعدلاتها من غرف التحكم الرئيسية.
5- ربط مراكز المعلومات المختلفة بعضها ببعض، بشبكة ربط إلكترونية تسمح بتبادل المعلومات والإستشارات مع تطوير البحوث والدراسات الخاصة بالمشاكل الميدانية فى الوزارة.
6- وضع بروتوكول إلكترونى يسمح بإتصال مهندسى الوزارة بمراكز المعلومات المختلفة من أجل الإسهام فى تنفيذ البحث التطبيقى بشكل واقعى وبيانات واقعية حقيقية.
وفضلاً عما تقدم فإنه لا يفوتنا فى هذا المقام التأكيد على أهمية بناء الوعى المجتمعى بخطورة مشكلة المياه، حيث أن هناك العديد من مظاهر نقص هذا الوعى فى دول المنطقة بصفة خاصة وفى دول العالم النامى بصفة عامة بأهمية المياه وقيمتها فى العملية التنموية وكيفية المحافظة عليها وحمايتها من التلوث وترشيد إستخدامها وتتضح تلك المظاهر فى تلويث مجرى الأنهار بالملوثات الكيميائية والصناعية وتلويث الترع والمجارى المائية والتعديات المختلفة على المجارى المائية، والزراعات والأنشطة المخالفة للتشريعات البيئية وكذلك الإسراف فى الإستخدامات المائية المنزلية والصناعية..... إلخ( ).
ومن هنا يجب أن تتضافر جميع جهود المؤسسات الإعلامية والتعليمية والبحثية والدينية والتشريعية والتنفيذية للعمل على رفع الوعى المجتمعى إزاء مشكلة المياه، إذ من الممكن أن تذهب كل الجهود التى تبذل فى مجال إدارة المياه إدراج الرياح ما لم تتغير سلوكيات الجمهور الذى يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر فى عملية إدارة المياه( ).
ولذا سوف نعرض بإيجاز لدور بعض هذه المؤسسات على النحو التالى:
أولاً - دور المؤسسات التعليمية والتربوية( ):
تعد المؤسسات التعليمية والتربوية من أهم الركائز وأعظم المنطلقات التى تنطلق من خلالها عجلات التنمية والرقى الحضارى، فضلاً عن دورها المهم فى غرس قيم المجتمع والحفاظ على منظومته الأخلاقية والقيمية وصياغة العقل البشرى وتوجيه سلوكياته الوجهة السليمة والنافعة للمجتمع، لذا يجب أن تشارك تلك المؤسسات المجتمع فى معالجة مشاكله وحل أزماته ودفعه إلى الرقى والتقدم والإهتمام بالبيئة بجميع عناصرها، وفى هذا الإطار تم إقتراح جملة من الأفكار يمكن أن تقوم بها المؤسسات التعليمية على النحو التالى:
1- إقرار مادة دراسية فى المراحل الدراسية عن التربية البيئية تتضمن جميع مفردات الطبيعة، مع التركيز على قضية المياه على وجه التحديد، حتى يكون تصرفهم فى إطار الرشد الحضارى.
2- عمل يوم قومى للمياه فى المدارس والجامعات وشتى المؤسسات التعليمية والتربوية بحيث تقام فيه الحفلات والإستماع للمحاضرات ومشاهدة الرسوم والصور والأفلام التسجيلية المتعلقة بالمياه.
3- إجراء المسابقات بين الطلاب فى مجالات المحافظة على المياه سواء كانت مسابقات بالبحوث أو الرسوم أو غيرها، من الأنشطة التى تغرس هذه القضية فى نفوسهم ووجدانهم.
4- أن تشمل أغلفة الكتب الدراسية على معلومات عن المياه وندرتها ومشكلاتها المستقبلية، حتى تكون هذه القضية ملازمة لأبنائنا وجدانياً، لأنهم هم الذين سيعانون من نقص المياه فى المستقبل، ومن ثم يتكون لديهم وعى بخطورتها، يدفعهم دفعاً للتعامل معها فى إطار الرشد الحضارى.
ثانياً - دور وسائل الإعلام( ):
إن وسائل الإعلام لا تكاد تضطلع بالدور المنوط بها فى المعالجة الإعلامية لمشكلة المياه بالصورة المرجوة، ومن ثم يجب عليها بما تملكه من قوة جبارة فى التأثير على المشاهدين والمستمعين والقراء، وتوجيه الرأى العام أن تنهض بما يلى:
1- أن تجعل من أولوياتها رفع الوعى المجتمعى بمشكلة المياه، وذلك بعمل خطة قومية تهدف إلى ترشيد الإستهلاك، وعدم التبذير فى إستعمال الماء، سواء فى الإستهلاك فى الزراعة أو الصناعة أو الإستهلاك الشخصى ويجب أن تهتم هذه الخطة أيضاً بترسيخ ثقافة المشاركة عند المزارعين خاصة لأنها الأساس الأول لنجاح روابط مستخدمى مياه الرى، بالإضافة إلى تعريفهم بأهميتها، ودورها، وكيفية عملها، وسبل إنجاحها( ).
2- عقد ندوات ومؤتمرات إعلامية بصفة دورية للتنبيه بخطورة المشكلة ودراسة تحديات المياه وطرح الرؤى والأفكار وتقديمها للمسئولين.
3- دعوة الأفراد والمؤسسات المعنية لإنشاء جمعيات للمحافظة على المياه.
4- الإهتمام بتوعية المرأة بهذه القضية لأنها الأكثر إحتكاكاً بالمياه فى أغراض الطهى والتنظيف والغسل..... إلخ.
5- ويمكن للتليفزيون، بصفة خاصة، أن يتناول المشكلة فى قوالب مختلفة لاسيما القالب الدرامى، وكذلك من خلال البرامج الحوارية مع كبار رجال الفكر وعلماء الدين والخبراء والمسئولين التنفيذيين، وغير ذلك من الطرق والأساليب الجذابة التى يستطيع التليفزيون من خلالها أن يرفع وعى المواطنين مع حث المقتدرين على إنشاء صناديق لدعم الدراسات البيئية والمائية.
6- ويمكن للإذاعة أن تلعب دوراً محورياً فى التوعية، بما تملكه من سمات خاصة لا تتوافر لغيرها من وسائل الإعلام الأخرى تتمثل فى قدرتها على مخاطبة عناصر يصعب مخاطبتها بأى وسيلة أخرى، مثل طبقة أصحاب الأعمال وطبقة الفلاحين، وربات البيوت، ومن يعيشون فى أماكن نائية.
7- كما أن شبكة الإنترنت العالمية بما تملكه من قوة جبارة على نقل المعارف والمعلومات والبيانات، يمكن أن يكون لها دور فاعل فى ذلك.
8- ويمكن أيضاً أن تضطلع المطبوعات والصحف والمجلات بدور مهم فى علاج هذه المشكلة، حيث أن هذه المطبوعات تتميز بالثبات وبإمكانية تداولها فى أى وقت، فضلاً على أنها تخاطب جمهوراً عريضاً من المثقفين وقيادات الرأى والفكر الذين يمكن أن يسهموا فى حل هذه القضية.
ويتضح مما سبق: أن التكامل والتنسيق بين شتى الوسائل الإعلامية مطلوب جداً لإحداث الفعالية المطلوبة إزاء رفع الوعى الجماهيرى بهذه القضية.

المبحث الثالث
الحلول المقترحة للحوكمة المائية فى مصر
تمهيد وتقسيم:
تحتل الموارد المائية مكانة الصدارة من الإهتمام، لأن الماء أساس الحياة فركزت كل الإستراتيچيات على الإدارة الرشيدة للمياه وحمايتها من الإهدار وتغطية العائد منها( )، وتحسينها بوضع سياسة قومية يمكن تطبيقها على كل من المدى القريب والمتوسط والبعيد، ووضع هذه السياسة ضمن أنشطة إدارة الموارد المائية فى إطار متكامل وشامل بين القطاعات المختلفة صناعة وزراعة وصرف صحى والعمل على توجيه الجهود بين الهيئات والمؤسسات المعنية بإدارة الموارد المائية وذلك بإتخاذ إجراءات حكومية فعالة( )، لذا فقد تضمنت رؤية وزارة الموارد المائية والرى إستراتيچية لإدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050 بالتنبؤ بثلاث سيناريوهات على النحو الذى سوف نتناوله فى هذا المبحث فى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: إستراتيچية إدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050.
المطلب الثانى: المخاطر التى تعوق إدارة الموارد المائية.

المطلب الأول
إستراتيجية إدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050
تهدف إستراتيچية تنمية وإدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050 إلى تطبيق إدارة مستدامة للموارد المائية من خلال تنمية الموارد المائية المحدودة من ناحية، وتلبية الإحتياجات المائية الحالية والمستقبلية من ناحية أخرى، وتركز الإستراتيچية على تطبيق أسلوب الإدارة المتكاملة للموارد المائية والذى يتضمن ما يلى:
1- توفير الإحتياجات المائية للقطاعات المختلفة.
2- تفعيل سياسات التكيف مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على الموارد المائية.
3- حماية البيئة المائية والمحافظة على الصحة العامة.
4- تعزيز المشاركة فى إدارة الموارد المائية.
وتتضمن هذه الإستراتيچية ثلاثة مقترحات مختلفة (الحرج، المتوازن، المتفائل) وسوف نعرض لهذه المقترحات على النحو التالى:
المقترح الأول (السيناريو الحرج)( ):
يفترض فى هذا السيناريو أن يكون مستوى تطبيق السياسات المقترحة منخفضاً، ويعتمد على الإفتراضات التالية:
1- إستمرار المعدلات الحالية للزيادة السكانية، ويقدر معدل النمو السكانى بنحو 2٪ (عدد السكان حوالى 5,172 مليون نسمة)، ومعدل نمو اقتصادى منخفض.
2- عدم تنفيذ أى مشروعات لإستقطاب الفواقد فى أعالى النيل.
3- التوسع فى حصاد الأمطار والسيول وزيادة محطات التحلية والإستفادة بنحو 5,1 مليار م3 و1 مليار م3 سنوياً من كلا المصدرين على الترتيب.
4- الإستفادة بنحو 4 مليارات م3 سنوياً من المخزون الجوفى العميق، 3,8 مليار م3 سنوياً من المخزون الجوفى الضحل بالوادى والدلتا.
5- تقدر الإحتياجات المائية فى قطاعات الإستخدامات المنزلية والزراعة والصناعة لعام 2050 بنحو 5,13، 2,69، 1,3 مليار م3 على الترتيب وتصل فواقد المياه بالبحر إلى 5,2 مليار م3.
6- مشاركة محدودة للقطاع الخاص فى مجالات إمداد المياه ومشروعات معالجة مياه الصرف والتحلية.
7- تحقيق تحسن بطئ فى تعميم طرق الرى الحديثة بالحدائق فى الوادى والدلتا، وإستنباط سلالات زراعية ذات إحتياجات مائية أقل، والنجاح النسبى فى تقليل معدل الإستهلاك الفعلى للفدان من المياه إلى 4500م3 مقارنة بالمعدل الحالى الذى يقدر بنحو 4700م2، وزيادة كفاءة إستخدام المياه فى الزراعة من 60٪ إلى 65٪.
8- وقف الإعتماد جزئياً على مياه النيل فى إمداد التجمعات الصناعية خارج الوادى.
المقترح الثانى (السيناريو المتوازن)( ):
يفترض فى هذا السيناريو أن يكون مستوى تطبيق السياسات المقترحة متوسطاً، ويفترض هذا السيناريو التالى:
1- إنخفاض معدل الزيادة السكانية إلى 8,1٪ (158 مليون نسمة) ومعدل نمو اقتصادى معتدل.
2- زيادة حصة مصر من مياه النيل بحوالى 2 مليار م3 سنوياً بإستكمال المرحلة الأولى من قناة جونجلى.
3- زيادة المشروعات الخاصة بحصاد مياه الأمطار والسيول والإستفادة بنحو 5,1 مليار م3 سنوياً.
4- التوسع بمعدل متوسط فى تحلية المياه المالحة والضاربة للملوحة لتصل الكمية المكن تحليتها إلى 5,1 مليار م3 سنوياً لأغراض المشاريع السياحية والعمرانية.
5- زيادة كمية المياه المستغلة من الخزان الجوفى العميق غير المتجدد، والخزان الجوفى الضحل بالوادى والدلتا لتصل إلى 4 مليارات م3 و5,7 مليار م3 فى السنة على الترتيب.
6- تقدر الإحتياجات المائية فى قطاعات الإستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية بنحو 13، 68، 2,3 مليار م3 على الترتيب وتصل فواقد المياه بالبحر إلى 5,2 مليار م3.
7- زيادة مشاركة القطاع الخاص بدرجة متوسطة فى مجالات إمدادات المياه ومشروعات معالجة مياه الصرف وتحلية مياه البحر والمياه الضاربة للملوحة.
8- النجاح بدرجة متوسطة فى تنفيذ برامج تطوير الرى السطحى ورفع كفاءة إستخدام المياه فى نظم الرى الحقلى المختلفة، وتعميم طرق الرى الحديثة فى رى حدائق الفاكهة بالوادى والدلتا وتطوير الشبكة المائية الرئيسة وتقليل الفواقد المائية ومساحات المحاصيل الشرهة للمياه، وتعميم سلالات محاصيل تتحمل الحرارة والجفاف والملوحة، وبالتالى تقليل الإستهلاك المائى الفعلى للفدان إلى 4400م3، ورفع كفاءة إستخدام المياه فى الزراعة إلى 70٪، بالإضافة إلى التوسع فى الصناعات التى تعتمد على المنتجات الزراعية التى لا تستهلك كميات كبيرة من المياه كالزيتون والنباتات الطبية والعطرية.
9- توقف الاعتماد على مياه النيل فى إمداد التجمعات الصناعية خارج الوادى.

المقترح الثالث (السيناريو المتفائل)( ):
يفترض فى هذا السيناريو أن يكون مستوى تطبيق السياسات المقترحة مرتفعاً، ويعتمد على الإفتراضات التالية:
1- إنخفاض معدل النمو السكانى إلى 62,1٪ (4,146 مليون نسمة) ومعدل نمو اقتصادى مرتفع.
2- إستكمال المرحلتين الأولى والثانية من مشروع قناة جونجلى، مما يزيد حصة مصر بنحو 4 مليارات م3 سنوياً، وكذلك عدم حدوث أى تأثيرات سلبية للتغيرات المناخية.
3- التوسع فى حصاد مياه الأمطار والسيول لزيادة الكمية المستغلة إلى 5,1 مليار م3 سنوياً.
4- التوسع بمعدل عال فى تحلية مياه البحر والمياه الضاربة للملوحة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لتصل إلى 2 مليار م3 فى السنة لإمداد المشروعات السياحية والعمرانية.
5- التوسع فى إستغلال الخزان الجوفى العميق والإستفادة بنحو 4 مليارات م3 سنوياً، وزيادة كمية المياه المستغلة من المخزون الجوفى الضحل بالوادى والدلتا لتصل إلى 5,7 مليار م3 فى السنة.
6- تقدر الإحتياجات المائية فى قطاعات الإستخدامات المنزلية والزراعة والصناعة لعام 2050 بنحو 5,12، 68، 7,3 مليار م3 على الترتيب، وتصل فواقد المياه بالبخر إلى 5,2 مليار م3.
7- تحقيق نجاحات كبيرة فى تنفيذ مشاريع تطوير الرى السطحى لجميع الأراضى القديمة وتحويل رى الحدائق بالدلتا إلى رى حديث وتقليل مساحات زراعة المحاصيل الشرهة للمياه وتعميم سلالات محاصيل ذات مقننات مائية أقل من السائدة حالياً، وخفض الإستهلاك المائى للفدان إلى 4300م3 وبالتالى زيادة كفاءة إستخدام المياه فى القطاع الزراعى إلى 75٪.
8- التوسع بدرجة كبيرة فى الصناعات التى تعتمد على المنتجات الزراعية منخفضة إستهلاك المياه.
9- النجاح بدرجة كبيرة فى جذب القطاع الخاص للمشاركة فى مجالات إمدادات المياه للمدن الجديدة والتجمعات الصناعية، وإحلال وتجديد شبكات المياه، وتحلية المياه ومعالجة مياه الصرف.
10- توقف الإعتماد على مياه النيل فى إمداد التجمعات الصناعية خارج الوادى.
جدول رقم (24)
المقترحات الثلاثة المتوقعة لعام 2050
الموارد المائية
(بالمليار م3) السيناريو
الحرج السيناريو
المتوازن السيناريو
المتفائل الإحتياجات
المائية
(بالمليار م3) السيناريو
الحرج السيناريو
المتوازن السيناريو
المتفائل
حصة مياه النيل 5,55 5,55 5,55 الشرب والاستخدامات المنزلية 5,13 13 5,12
مشروع قناة جونجلى - 2 4 الصناعة 1,3 2,3 7,3
الخزان الجوفى العميق 4 4 4 الزراعة 2,69 68 68
أمطار وسيول 5,1 5,1 5,1 فواقد البخر 5,2 5,2 5,2
المياه الجوفية 3,8 5,7 5,7
تحلية مياه البحر 1 5,1 2
مياه الصرف 18 7,14 2,12
إجمالى الموارد المائية 3,88 7,86 7,86 إجمالى الاحتياجات المائية 3,88 7,86
- المصدر: وزارة الموارد المائية والرى إستراتيچية تنمية وإدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050 (مسودة نهائية) سبتمبر 2010 ص 9 – 10.

وتتوقع إستراتيچية 2050 زيادة الإحتياجات المائية فى السيناريوهات الثلاثة عن الوضع الحالى نتيجة الزيادة السكانية والزيادة فى الرقعة الزراعية، وأن يتم الوفاء بإحتياجات قطاع مياه الشرب كأولوية أولى يليه قطاع الصناعة ثم قطاع الزراعة، ومن المتوقع أن يصل العجز المائى (إجمالى الإحتياجات المائية – إجمالى الموارد المائية التقليدية) إلى 3,26 مليارم3 فى السيناريو الحرج، وإنخفاض العجز إلى 2,22 مليار م3 للسيناريو المتوازن و7,19 مليار م3 للسيناربو المتفائل، وهذا العجز من المتوقع تغطيته عن طريق إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى وكذلك المياه الجوفية من الخزان الضحل بالوادى والدلتا، وتقدر المساحة التى يمكن زراعتها فى السيناريو الحرج بنحو 10 ملايين فدان والمتوازن 8,10 مليون فدان، والمتفائل 8,11 مليون فدان( ).

المطلب الثانى
المخاطر التى تعوق إدارة الموارد المائية
يتضح من المقترحات السابق عرضها أن هناك بعض المخاطر بالإضافة إلى عدد من الملاحظات التى يجب أخذها فى الإعتبار عند تخطيط الإستراتيچيات المستقبلية لتنمية الموارد المائية السابق ذكرها وهى كالتالى:
1- تعتبر تقديرات الإحتياجات المائية المستقبلية منخفضة نسبياً لا تتوافق مع أنماط الإستخدامات الزراعية الحالية، بالإضافة إلى ذلك فإنها لا تتناسب مع معدلات الإستهلاك المائى للزراعة فى مناطق الإستصلاح وظروف التربة الرملية فى تلك المناطق، سواء فى جنوب الوادى أو سيناء أو غرب الدلتا، فعلى سبيل المثال تشير أغلب التقديرات إلى أن إستهلاك الفدان فى جنوب الوادى تقدر بنحو 10000م3، وربما تكون أكثر من ذلك وهو أعلى بكثير من التقديرات المتوقعة لإستهلاك الفدان من المياه وفقاً للخطة المقررة لإستصلاح 4,3 مليون فدان( ).
2- ضرورة الأخذ فى الإعتبار تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية والتأثيرات السلبية لهذه التغيرات على إيراد مصر من نهر النيل، هذا إلى جانب الظواهر السلبية الأخرى كالإحتباس الحرارى والتصحر وإرتفاع منسوب سطح البحر، حيث يجب مراعاة البعد البيئى عند وضع السياسات المائية المستقبلية.
3- يعتبر التلوث أحد أهم المخاطر التى تعوق إدارة الموارد المائية وحسن إستغلالها، وهناك كثير من صور التلوث التى تتعرض لها المياه فى مصر كتلوث مياه النيل، ومياه المصارف الزراعية وكذلك تلوث خزانات المياه الجوفية نتيجة لإرتفاع مستويات الملوحة بسبب الإستخدام الجائر لهذه الخزانات، بالإضافة إلى تلوث البحيرات خاصة الشمالية منها، مما يؤدى إلى تدهور نوعية مياه البحيرات وإنخفاض المحصول السمكى، كذلك قد يمثل تلوث مياه الصرف الصناعى بالمخلفات الكيميائية عائقاً أمام إعادة إستخدامها، وتتطلب معالجة هذا الأمر تشديد القوانين وفرض عقوبات جنائية رادعة لمنع هذا التلوث( ).
4- صعوبة تدبير الاستثمارات المطلوبة لإقامة محطات معالجة مياه الصرف وتحلية المياه ومشاريع إقامة السدود والخزانات الأرضية لحصاد مياه الأمطار والسيول( ).
5- تؤدى برامج ومشاريع تطوير الرى الحقلى إلى حدوث تأثير سلبى على معدل تغذية المخزون الجوفى بالوادى والدلتا، وكذلك على كمية ونوعية مياه الصرف الزراعى مما ينقص من الكميات المقترح إستغلالها مستقبلاً. هذا بالإضافة إلى أن زيادة السحب من الخزانات الجوفية فى المناطق الساحلية قد تزيد من تداخل مياه البحر، مما قد يؤثر بالسلب على نوعية المياه فى هذه الخزانات( ).
6- عدم وجود مؤشرات واضحة حول إمكانية إستكمال مشروعات تقليل الفواقد بأعالى النيل، خاصة فى ظل توتر العلاقات بين دول المنبع ودولتى المصب (مصر والسودان) بحوض النيل بعد توقيع عدد من دول المنبع بشكل منفرد على إتفاقية عنتيبى فى 14 مايو 2010، هذا بالإضافة إلى المخاطر والتهديدات القائمة من جانب السدود التى تقوم إثيوبيا بإنشائها على حصة مصر من مياه نهر النيل( ).
7- وكذلك لا توجد أى دلائل على إمكانية إستكمال المرحلة الأولى من مشروع قناة جونجلى، حيث قد توقف العمل بهذا المشروع بعد أن كانت المرحلة الأولى قد قاربت على الإنتهاء، فقد تم حفر 70٪ من القناة بطول نحو 240 كيلو متراً، كما يعد إنفصال جنوب السودان كدولة مستقلة تحدياً إستراتيچياً صعباً لمصر، فجنوب السودان يسقط عليه أكثر من ثلث الأمطار التى تسقط على حوض النيل، ويوجد به أيضاً نصف فواقد حوض النيل من البرك والمستنقعات فهو يعتبر دولة منبع وليس دولة مصب.
8- تمثل التعديات على الأراضى الزراعية بالوادى والدلتا والتوسع العمرانى على حساب هذه الأراضى خطورة كبيرة على تقدير الإحتياجات المائية المستقبلية للقطاع الزراعى، وخاصة بعد تزايد وتيرة تلك التعديات فى أعقاب ثورة 25 يناير، حيث تقدر المساحة التى تفقد حالياً فى مصر بما يتراوح بين 20 – 30 ألف فدان سنوياً من أجود الأراضى الزراعية( ) ومن ثم سوف يتطلب ذلك ضرورة إستصلاح مساحات مناظرة فى الأراضى الصحراوية خلال السنوات القادمة لتعويض الفاقد من الأراضى الزراعية، وهو ما ينتج عنه زيادة كبيرة فى الإحتياجات المائية.
وعلى ضوء هذا، تأتى أهمية أخذ تلك المخاطر والملاحظات السابق ذكرها فى الإعتبار لضمان نجاح تنفيذ الإستراتيچيات المستقبلية لتنمية وإدارة الموارد المائية.
جدول رقم (27)
تقدير نصيب الفرد من مياه نهر النيل حتى عام 2050
البيـــان
السنوات تعدد السكان
(مليون نسمة)(1) متوسط نصيب
الفرد من الماء م3 معدل التغير السنوى فى
متوسط نصيب الفرد
2050 5,188 294 (7,19)
2040 6,151 366 (6,19)
2030 9,121 455 (1,27)
2020 89 624 (5,11)
2010 7,78 705
مع العلم ثبات حصة مصر من النيل 5,55 مليار م3/ سنة.
- المصدر: تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إصدار مارس 2014.
شكل بيانى رقم (25) تقدير نصيب الفرد من مياه نهر النيل حتى عام 2050










- المصدر: تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، إصدار مارس 2014.

- ملخص الفصل الثانى
تناول هذا الفصل من خلال مباحثه الثلاث:
المبحث الأول: المؤسسات المختلفة المعنية بالحوكمة المائية
والمتضمن للمؤسسات المختلفة المشاركة فى إدارة المياه فى مصر ودور كل منها فى حوكمة المياه، وكذلك كيفية التعاون والتنسيق بين وزارة الموارد المائية بإعتبارها الوزارة الأم المسئولة عن إدارة الموارد المائية فى البلاد وبعض الوزارات الأخرى التى تشارك فى الأنشطة المختلفة لإدارة المياه إدارة متكاملة.
المبحث الثانى: العناصر الضرورية لتحقيق فعالية الحوكمة المائية
والمتضمنة بيان كيف يمكن للحوكمة المائية الإستدامة والإستمرارية عن طريق وضع خطة واضحة للتمويل المائى المتضمنة تحديد مصادر التمويل والآليات الإقتصادية والتمويلية المتعلقة بالتخصيص الأمثل والأكفأ للموارد المالية، هذا بالإضافة إلى التعرف على علاقة الحوكمة بالتقنية التكنولوجية والثورة المعلوماتية، وبناء الوعى المجتمعى لأنه هو القاعدة الأساسية للمشاركة الهادفة والعمل الملموس.
المبحث الثالث: الحلول المقترحة للحوكمة المائية فى مصر
والمتضمنة تناول إستراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2050 التى تركز على تطبيق أسلوب الإدارة المتكاملة للموارد المائية وذلك من خلال ثلاثة مقترحات مختلفة وهى السيناريو الحرج، والسيناريو المتوازن والسيناريو المتفائل.
والنتيجة الهامة لهذا الفصل تكمن فيما يلى:
التأكد من أهمية التنسيق والتعاون بين مؤسسات المياه المختلفة لتحقيق الإستخدام الأمثل للموارد المائية حيث يعد ذلك من قضايا حوكمة المياه مع مراعاة وجود علاقة بين الحوكمة وتمويل قطاع المياه حيث لا تستطيع الميزانيات الحكومية بمفردها توفير الإعتمادات المالية الهائلة التى يحتاجها هذا القطاع، مع الإهتمام بإستخدام الأساليب التكنولوجية المتطورة ورفع الوعى المجتمعى إزاء مشكلة المياه.

الفصل الثالث
حوكمة المياه والأمن المائي في مصر
تمهيد وتقسيم:-
تركز العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، تركز على إعادة تعريف مفهوم الأمن، بحيث لم يعد فقط يعني القوة العسكرية للدولة، بل توسعت لتشمل قوتها الاقتصادية، ومدى قدرتها على الحفاظ على مواردها الطبيعية وتنميتها، وفي مقدمتها المياه، وصار مفهوم الأمن المائي أحد مكونات الأمن القومي( )، وارتبط هذا المفهوم بطبيعة الحال بمفهوم الأمن الغذائي، لأن لُب الأمن الغذائي ونتيجته هو المياه( ).
ويواجه الأمن المائي المصري في وقتنا الحاضر تحديات كثيرة، لعل أهمها وأخطرها، قضية سد النهضة الأثيوبي، التي لا تنحصر فقط في أن السد يمثل اعتداءاً على حقوقنا المائية التاريخية وعلى السيادة المصرية، ولكنها تكمن في أن آثار السد السلبية على مصر، كارثية ولها تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تهدد استقرار الدولة ومستقبل شعبها، وما لذلك من تداعيات على السلام والأمن الإقليميين، ولما كان تحقيق الأمن المائي يتطلب حوكمة فعالة، تراعي قيمة الموارد المائية، وسرعة تأثرها بالمخاطر، لذا، كان لابد من وجود دور للحوكمة (الإدارة الرشيدة) في التعامل مع تحديات الأمن المائي، باتباع الوسائل السلمية للتعامل مع أزمة سد النهضة، فإذا فشلت تلك الوسائل، وأصبح السد موضوعاً للنزاع، فليس أمام مصر إلا اللجوء إلى الآليات القانونية للدفاع عن حقها الثابت في مياه النيل، من خلال العمل على استصدار قرارات من المنظمات والمحاكم الدولية والإقليمية لتسوية هذه الأزمة.
وتأسيسا على ما تقدم، سوف نتناول هذا الفصل على النحو التالي:-
المبحث الأول: البعد المائي لأمن مصر القومي.
المبحث الثاني: التحديات المعاصرة للأمن المائي المصري.
المبحث الثالث: دور الحوكمة في التعامل مع تحديات الأمن المائي المصري.

المبحث الأول
البعد المائي لأمن مصر القومي
تمهيد وتقسيم:-
الأمن مطلب طبيعي للإنسان، بل وغريزة نشأت مع نشأته، وتطورت بتطور نمط ونظام حياته، وحاجة الإنسان إلى الأمن، دعته إلى صنع أدوات تمكنه من تحقيق أمنه، بالدفاع عن كيانه وحياته( )، وللأمن مفهوم لغوي وآخر اصطلاحي.
فالأمن في اللغة: أمن الأمان والأمانة، بمعنى، وقد أمنت فأنا آمن، وأمنت غيري من الأمن والأمان، والأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد الكفر، فأما أمنته المعتدي فهو ضد أخفته، وفي القرآن الكريم: (آمنهم من خوف)( ).
والأمن اصطلاحاً: هو مفهوم يشير إلى مجتمع شعر أفراده بحاجاتهم إلى الأمن، فقاموا بإجراء استفادوا به أمنهم( ).
ولقد كثر في الآونة الأخيرة، استخدام مصطلح الأمن القومي تارة، والأمن المائي تارة أخرى، لذا، وجب علينا أن نشير إلى مفهوم كل من المصطلحين، ومدى العلاقة بينهما، وهل يختلف كلاهما عن الآخر، أم أنهما في وعاء مفهوم واحد، يدور حول حياة الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وتأسيساً على ما تقدم، سوف نتناول في هذا المبحث للآتي:-
المطلب الأول: الأمن القومي المصري
المطلب الثاني: الأمن المائي المصري


المطلب الأول
الأمن القومي المصري
الأمن هو عماد الحياة، والحياة لا تستقيم في ظل غياب الأمن، فالأمن قيمة عليا، وغاية للأفراد والمجتمعات والدول، وحالة نفسية ومادية، تمثل إحدى أهم الحاجات الإنسانية منذ الأزل، لجعل الأفراد والمجتمعات تعيش في بيئة أمنية مستقرة ومنتجة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً( ). فالأمن الحقيقي، هو أمن الإنسان، الذي هو أساس الأمن الاجتماعي والأمن القومي.
أما بالنسبة لمفهوم الأمن القومي، فهو مأخوذ من الغرب، وكان أول من وضع تعريفاًـ ارتبط في ظهوره بظهور الدولة القومية / الأمة، حيث لا يوجد اتفاق بين العلماء والساسة مأخوذ عن الغرب، وكان أول من وضع تعريفاً له، هو الصحفي الأمريكى المشهور "والتر ليبمان WLippman" في عام 1943( ).
وتجدر الإشارة إلى ارتباطه قديماً بنشأة الدولة وتطورها، وتعدد تعريفاته وتنوع مفاهيم مدارسه العلمية، ما بين الجيوبوليتيكية التقليدية التي ركزت على الموقع الجغرافي للدولة، ومدى قوتها العسكرية، وتوازن القوة بينها وبين الدول التي تمثل مصدراً لتهديدها، وبين المدرسة غير التقليدية التي ظهرت في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، والتي تعتمد على البعد الاقتصادي والتنموي لتعريف الأمن القومي( ).
ولم يجد مفهوم الأمن القومي الصياغة الفكرية الدقيقة إلا مؤخراً، مع الواقع العالمي المعاصر، فقد عرفه روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي السابق: بأنه التنمية الشاملة، وبدون هذه التنمية، لا يمكن أن يكون هناك أمن قومي، ولذلك، فإن الدول التي لا تنمو، لا يمكن أن تظل آمنة( )، وهذه صياغة ثقافية جديدة تهتم بمصادر التهديد الداخلي لأمن المجتمع، وهي مصادر كثيرة تمس الإنسان، كالصراعات والطائفية والفقر والتوترات السياسية والأفكار المتطرفة( ).
وقد عرفت دائرة المعارف الدولية للعلوم الاجتماعية الأمن القومي على أنه "قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديد الخارجي"( ).
ويصوغ توماس (بارنت) مفهوماً آخر للأمن القومي، من خلال التركيز على أبرز سمات العولمة بالاتصال اللا محدود بين البشر والثقافات المختلفة (Connectivity)، والذي هو ثمرة الثورة الاتصالية الكبرى، بل أنه ليتمادى أكثر من ذلك ليقول "إن أردت أن تعرف سمات نموذج الأمن القومي الجديد، بعد سقوط النموذج القديم، فلا تناقش هذا الأمر مع خبراء الدفاع أو كبار الجنرالات، بل ناقشه مع خبراء التكنولوجيا والاتصالات، ومنظمة التجارة العالمية، وأساتذة الاقتصاد"، ويُقصد بنموذج الأمن القومي الجديد، هو ذلك التعريف الذي يتركز على مفهومين جديدين تماماً، هما الحروب الفضائية (Cyber War)، وحروب الشبكات (Net War)( ).
ويرى توماس (بارنت)، أن مصدر الخطر الأكبر على الأمن القومي، لن يتأتي من الدول التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل، ولكن من الفجوة العميقة بين الدول التي دخلت بعمق إلى عالم العولمة، بكل تجلياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، وبين الدول التي تقع خارج هذه الدائرة( ).
ويثور التساؤل هنا حول أبعاد الأمن القومي وركائزه ومستوياته؟
أولاً: أبعاد الأمن القومي( ):-
إن شمولية الأمن القومي، تعني أن له أبعاداً متعددة هي:-
1- البعد السياسي: ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
2- البعد الاقتصادي: الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
3- البعد الاجتماعي: الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
4- البعد المعنوي أو الأيديولوجي: الذي يؤمن الفكر والمعتقدات، ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.
5- البعد البيئي: الذي يوفر التأمين ضد أخطار البيئة، خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
6- البعد المعلوماتي: ويتعلق بتوفير المعلومات اللازمة لصياغة التخطيط المستقبلي في المجالات المختلفة، الذي يحقق الأمن القومي .... ويسرى ذلك على كافة المعلومات المدنية والعسكرية.
7- البعد الفضائي: علاوة على البعد الأمني، بمعنى استخدام الفضاء في المجال العسكري أو الدفاعي، وهذا أمر أصبح له أبعاد هامة في الصراع المسلح.
ثانياً: مستويات الأمن القومي( ):-
يتضمن الأمن القومي عدة ركائز أهمها:-
الركيزة الأولى: وتعني بالمرتكز الجيوبوليتيكي، وتتعلق بالآتي:-
موقع الدولة، ومدى تأثيره على الدول المجاورة، ومنافذها البرية والبحرية، وتأثير ذلك على التجارة والنقل، وكذلك أهمية موقع الدولة بالنسبة للدول ذات المصالح الحيوية في المنطقة.
الركيزة الثانية: جغرافية، وتتعلق بالآتي:-
1- الموارد المائية للدولة، وما تمتلكه من ثروات معدنية ومصادر الطاقة ... وغيرها، ومدى توافر الموارد المائية والمعدنية في تحقيق الأمن الغذائي.
2- القدرات البشرية، من حيث عدد السكان، ومعدل نمو توزيع السكان، وقدرة الانتقال بين أجزاء الإقليم وترابط الإقليم.
الركيزة الثالثة: الركيزة الجيوإستراتيجية، وتتعلق بالآتي:-
تتعلق بتفاعل مكونات الموقع من أجل تركيز القدرات الدفاعية اللازمة لمواجهة التهديدات الخارجية، وتتفاعل هنا بعوائل ثلاث هي: مساحة الدولة، وحجم السكان، وموارد الدولة فيها، من أجل تحقيق قدرة الدولة على مواجهة التهديدات المختلفة.

الركيزة الرابعة: وهي ركيزة تاريخية:-
ويُقصد بها تاريخ وقوة الدولة، والأحداث التي مرت بها في فتراتها التاريخية والحضارية، والتي تؤثر في تكوين شعبها، وتنظيم نمط الحياة فيها، وتشكل جزءاً أساسياً في قيمها الجوهرية، وقدراتها، ونهضتها، ومدى تأثيرها الإقليمي والدولي.
ثانياً: ركائز الأمن القومي( ):-
الأمن الداخلي: ويتعلق بتحقيق أمن الأفراد داخل الدولة، وبمعنى آخر، تحقيق الاستقرار والطمأنينة للأفراد داخل الدولة، وهذا المستوى يتعلق بحماية أفراد المجتمع داخلياً، ضد أي تهديدات أو تحديات تواجهها.
الأمن الوطني: ويتعلق بتوفير الحماية لكيان الدولة، وهيبتها السياسية، وأراضيها، وحدودها، وشعبها، وثرواتها ضد أي تهديد مباشر أو غير مباشر، من الخارج، أو الداخل، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً.
الأمن الإقليمي: ويعبر عن سياسة مجموعة من الدول تنتمي إلى إقليم واحد، وتسعى تلك الدول إلى منع أي تحديات أو تهديدات من التدخل في الإقليم، أو أحد دول الإقليم التي تحاول أن تهدد أمنه واستقراره، وهذا المستوى يتعلق أيضاً بعلاقات الدولة مع الدول التي تقع في نفس الإقليم.
الأمن الدولي: وهو مسئولية دولية وأمنية، أكثر منه مسئولية داخلية أو إقليمية، وهو ما ينظمه ميثاق الأمم المتحدة، ويشير هذا المستوى إلى حماية الدولة في المحيط والعلاقات الدولية.
الأمن الجماعي: ويعني قيام تعاون جماعي بين دول معينة، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لمجموعة تلك الدولة.
تعقــيب:
انه باستعراض ما سبق عن الأمن القومي، فإنه يمكن القول، بأنه هو القدرة على توفير أكبر قدر ممكن من الحماية والاستقرار للعمل الوطني القومي، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية والعسكرية والبيئية في الدولة، ضد كل أنواع التهديدات الداخلية والخارجية، سواء أكانت إقليمية أو عالمية، أي قدرة الدولة في حفظ كيانها وحقها في البناء.

المطلب الثاني
الأمن المائي المصري
تحتل المياه أهمية عظيمة كمورد حيوي وإنتاجى في مختلف الأنشطة، وكعامل حاسم في استمرار أسباب المعيشة للسكان، بجانب خصائصه التدميرية التي تتجلى في الفيضانات، ومن هنا، فإن تأمين الحصول على المياه كمدخل إنتاجي، والحماية من عدم توافره، يعد من أسس الأمن البشري( ).
أما عن الأمن المائي، فإن أكثر مفاهيمه شيوعاً، هي التي تدور حول الإنسان نفسه واحتياجاته على مدار العام، وهو ما عرف اصطلاحاً بحق الأمان المائي (Water Stress Index)، الذي يحسب على أساس متوسط نصيب الفرد (في بلد ما) سنوياً من الموارد المائية المتجددة والعذبة، لمواجهة الحاجة إلى الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي (Domestic Use)، حيث اعتبر من المنظور العالمي معدل (1000 م3) من المياه المتجددة للفرد في المتوسط، وهو الحد الذي دونه يتعرض البلد لمشكلة ندرة المياه، مما يُعرقل التنمية ويؤثر سلباً على المواطنين، أما من المنظور الإقليمي، فهناك شبه اتفاق على معدل (500 م3) للفرد سنوياً للمناطق الجافة، وشبه الجافة، ومنها منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بشكل خاص( ).
والأمن المائي حق مُطلق للإنسان في توفير الكمية الكافية من المياه التي تؤمن له سبل الحياة، ويسهل الحصول عليها مادياً، وبصورة مقبولة لاستخداماته الشخصية والمنزلية، وذلك وفق مجموعة من المؤشرات المائية من كمية ملائمة، وتدفق مستمر، وكفاءة وجودة عالية، إلى جانب سهولة الوصول إليها كمطلب وحق طبيعي بالسعر المناسب، الذي يتلاءم مع مستوى دخل الفرد في مصر، حيث تعتبر دول حوض النيل ضمن الدول الأقل دخلاً، وتعد مصر هي الدولة الوحيدة التي تقع في فئة الدول ذات الدخل المتوسط( ).
وجوهر الأمن المائي، هو أن يكون لدى المجتمعات إمكانية الحصول على مياه كافية، أو يجب أن يكون لديها الوسائل للحد من الضرر الذي يترتب على نقص المياه.
ويرتبط مفهوم الأمن المائي بمفهوم الميزان المائي، الذي يقصد به المقارنة بين إجمالي حجم الموارد المائية المعروضة من المصادر التقليدية وغير التقليدية، وإجمالي حجم الاحتياجات المائية في فترات زمنية معينة( ).
فحالة الأمن المائي لأية دولة من الدول، وفي أي فترة زمنية معينة، هي انعكاس مباشر للميزان المائي للدولة، فمفهوم الأمن المائي، هو مفهوم نسبي، تتباين مستوياته في الدولة الواحدة حسب تطورها.
ولكن هل هناك سبل من شأنها تعزيز الأمن المائي؟
نعم، فإن من سبل تعزيز الأمن المائي ما يلي( ):-
1- الحصول على موارد المياه متجددة، من خلال استثمارات في تحويل مجاري الأنهار، أو بإقامة السدود، أو برامج لضخ المياه الأرضية.
2- يمكن أن تكون الاستثمارات في عمليات أكثر فاعلية، للحصول على المياه أو معدات للري، أو تدوير المياه، أو إعادة الاستخدام، وفي هذه الحالات، تكون تكلفة الأمن ذات جانب اقتصادي.
3- إقناع أو إجبار الشعب على أن يُغير سلوكه تجاه المياه، وطريقة استخدامه للمياه، مثال وضع عدادات لقياس الاستهلاكات، أو حظر استخدام المياه للحدائق، والأمن في هذه الحالات، تكون تكلفته اجتماعية وسياسية.
4- البحث عن إمكانية الحصول على المياه على المستوى الدولي، وذلك عن طريق الاستيراد أو زيادة حصة البلد من المياه المشتركة، وفي هذه الحالات، يكون تحسين إمكانية الحصول على المياه على المستوى الدولي، مقابل شراء تكلفة اقتصادية وسياسية أو دبلوماسية.
5- ازدياد الأمن المائي، عادة ما يحسن إمكانية الأمن الغذائي، ولكن العكس ليس صحيحاً: فزيادة الأمن الغذائي من خلال التوسع في مناطق الري، سوف يخفض أمن القطاعات الأخرى التي لا تستخدم المياه، بل ويضاعف الضغوطات الناجمة عن المياه، إلا إذا صاحب ذلك تحسين توصيل المياه، أو التحسين في إدارتها.
وإذا كان هذا هو مفهوم الأمن المائي، الذي يدور في المقام الأول حول الإنسان، كشريان رئيسي لحياته، ضمن الإطار العام لمفهوم الأمن القومي للدول كأرض وشعب، فهل هناك علاقة بين الأمن المائي والأمن القومي؟
مما لا شك فيه، أنه توجد ثمة علاقة وثيقة بين مفهوم الأمن القومي والأمن المائي، كما أن هناك علاقة مباشرة بين الأمن القومي المصري، ومسألة تأمين مصادر المياه، فإذا كان الأمن العام لدولة ما، هو الإجراءات التي تتخذها تلك الدولة لتحافظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل، فإن فهم الأمن على أنه موضوع الدفاع العسكري داخلياً وخارجياً، هو أمر سطحي وضيق، لأن الأمن العسكري، هو وجه سطحي ضيق لمسألة الأمن الكبرى، كما يقول روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، فهناك الكثير من الجوانب غير العسكرية، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسألة الأمن القومي، ومنها مسألة الأمن الغذائي والاقتصادي، ومسألة المياه وتأمينها على رأس تلك الجوانب( ).
ففي الوقت الراهن، أصبحت المياه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي لأية دولة من الدول، حيث أنها من العوامل الأساسية للنمو الاقتصادي، خاصة بعد زيادة معدلات حجم السكان، والذي يتطلب زيادة في كمية المياه العذبة، الأمر الذي شكل هاجساً دائماً لكل الدول، وأصبحت المياه قضية أمنية ذات أبعاد متعددة، تتمثل في البعد الاقتصادي والجغرافي والسياسي والقانوني مما حولها، إلى قضية أمنية في كل بلد من البلاد( ).
وإذا كان المجال الحيوي للدولة يمثل لها عمقاً إستراتيجياً وسياسياً لأمنها القومي وازدهارها الاقتصادي، فإن مصالح الأمن القومي المصري ترتبط بالأمن المائي، من خلال مجالها الحيوي في دول حوض النيل( )، ومن ثم، فإن هذه المصالح القومية المرتبطة بالأمن المائي، ترتكز على عدة أسس منها ما يلي( ):-
1- البقاء: ويقصد به السعي الدائم للدولة، للتمسك بما تملكه دون تفريط في أي جزء منها، وينطبق ذلك على مصر، حيث نجد أن النيل شريان الحياة بالنسبة لها، ومن ثم، فإن تمسكها بحصتها من مياه النيل التي يعيش عليها الشعب المصري، هو مطلب طبيعي في الحفاظ على تدفق مياه النيل من منابعه، أو التأثير على كمية المياه التي تصل إلى مصر، والتهديد بها هو تهديد لبقاء الدولة.
2- الرفاهية والازدهار: ويقصد بها تحقيق الرفاهية للشعب المصري، من خلال معدلات نمو اقتصادي مناسب مع عدالة اجتماعية، وفي حالة مصر، نجد أن الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية، تعتمد أساساً على مياه النيل، لذلك، تحتاج مصر لسد الفجوة الغذائية للأراضي القابلة للزراعة في دول حوض النيل، خاصة السودان، وكذلك تحتاج إلى أسواق قريبة لمنتجاتها في المنطقة.
3- الحرية: ويقصد بها حرية المواطنين فى الداخل، وتمتد إلى الإرادة الوطنية في اتخاذ قرارها عن طريق استقرار نظام سياسي عادل، وتماسك وطني، بدون ضغوط من الدول المعادية في المنطقة.
وتقودنا المصالح القومية المرتبطة بالأمن المائي لمصر، إلى مجموعة من المتطلبات للحفاظ على الأمن المائي لمصر، باعتباره أحد أهم مكونات الأمن القومي وهي( ):-
1- المحافظة على أمن منابع النيل، واستمرار التدفق الطبيعي لمياه النيل، حتى أن البعض رأى أن أي تهديد لحصة مصر من المياه، يعد تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.
ومما هو جدير بالذكر، أن أهم مؤشرات البعد الاقتصادي المصري، هو نهر النيل، لأنه الدعامة الرئيسية للاقتصاد المصري منذ القدم( ).
2- ضمان آمن واستقرار السودان، باعتبار أن تهديد السودان، يشكل تهديداً لمصر، لكونه نقطة ارتكاز مصر في قلب القارة الإفريقية، يمكنها الانطلاق منها لتحقيق مصالحها الحيوية.
3- تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، والذي يؤدي إلى قناة السويس، وهي إحدى الموارد الرئيسية للاقتصاد المصري، وهو ما يتطلب دعم العلاقات مع أرتيريا.
4- أهمية تأمين مصادر الطاقة على مجرى النيل (السد العالي) لتأمين التنمية الزراعية والصناعية، باعتبارها تأميناً لاقتصاديات مصر القومية.
5- أهمية تأمين استغلال الثروة السمكية في بحيرة ناصر وفي البحر الأحمر.
6- الإدراك بأن دول حوض النيل تعتبر سوقاً بكراً للاقتصاد المصري.
7- مقاومة التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا لحرمان إسرائيل من السيطرة على اقتصاديات الدول الإفريقية وما بها من مواد خام، وبخاصة دول منابع النيل والدول المشرفة على البحر الأحمر.
إن حصة مصر المائية من مياه النيل، هي أحد أهم أبعاد الأمن المائي المصري، والأمن القومي بوجه عام، وذلك لارتباطه بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، فالمياه على هذا الأساس تشكل محوراً للصراع الإستراتيجي الذي يجب العمل على التصعيد لتحدياته من خلال استثمار كافة الإمكانيات البشرية والمادية والطبيعية( ).
ومن هنا، تبرز أهمية منطقة حوض النيل كإحدى دوائر الأمن القومي لمصر، انطلاقاً من الاعتبارات التالية( ):
1- تضم تلك المنطقة منابع ومجاري النيل، الذي يعتبر شريان الحياة لمصر والمصريين.
2- اعتماد دول حوض نهر النيل حالياً على مياه النهر في الزراعة، بدلاً من الأمطار التي درجوا على استخدامها قبل حدوث مشاكل الجفاف.
3- عدم تقيد بعض من هذه الدول – إن لم يكن كل دول المنابع الآن، باتفاقيات مياه النيل المبرمة، استناداً على أنها أبرمت في ظل الفترة الاستعمارية.
4- تجاهل بعض من دول الحوض لمصالح باقي الدول، وذلك بإنشاء مشروعات الري وتوليد الطاقة، دون التنسيق مع باقي دول حوض النيل.
5- عدم إعطاء عناية كافية لتنفيذ المشروعات المخططة لضبط مياه النهر وتقليل الفاقد.
6- التعرض للمشروعات المقامة على مجرى نهر النيل، لإعمال العرقلة والتخريب (كما حدث في قناة جونجلي (1)، (2)، فضلاً عن الانفجار السكاني في العديد من دول حوض النهر، مما يؤدي إلى زيادة غير محسوبة في استهلاك المياه.

المبحث الثاني
التحديات المعاصرة للأمن المائي المصري

تمهيد وتقسيم:-
يحتل نهر النيل مكانة غير مسبوقة في كافة أركان قيام الدولة المصرية، إلا أن هناك خطورة بالغة تتطلب التيقظ الكامل لما يجري على الساحة الدولية في مجال الموارد المائية، وتحديداً في منطقة وادي النيل، فهناك العديد من التحديات التي تهدد وجود أهم أركان الدولة المصرية على الإطلاق، ومن هذه التحديات: الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل، (والمعروفة إعلامياً باتفاقية عنتيبي)، والتي شهدت توقيعاً منفرداً من بعض دول الحوض، وقام بعضها بالتصديق عليها، والتي تغفل الحقوق المكتسبة لمصر في مياه النيل، وقد سبق الإشارة إليها في مبحث سابق، كما أن هناك تحدياً عظيماً، يتمثل في بناء أثيوبيا لسد النهضة، بما يمثله من مخاطر جسيمة على الأمن القومي، وعلى وجود الدولة المصرية ذاته، وأكثرها ضرراً بالأمن المائي المصري( ).
لذا، وجب علينا أن نتعرض في هذا المبحث لسد النهضة الأثيوبي، وتداعياته المستقبلية المحتملة على دولتي المصب مصر والسودان، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: سد النهضة الأثيوبي
المطلب الثاني: التداعيات المستقبلية لسد النهضة على مصر والسودان

المطلب الأول
سد النهضة الأثيوبي
إن فكرة مشروع سد النهضة ليست جديدة، بل هي محاولة قديمة لها خلفية تاريخية، بدأت بعد قرار مصر بإنشاء السد العالي، حيث أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أثيوبيا بعثة كبيرة من مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي، في بداية عام 1958، لدراسة إنشاء سدود ومشاريع تنمية على النيل الأزرق بأثيوبيا، رداً على مشروع السد العالي، وقد أنجزت البعثة دراسة موسعة خلال عملها الذي استمر 6 سنوات في الهضبة الأثيوبية، ووضعت مخططاً لـ 33 مشروعاً وسداً على النيل الأزرق، وكان في مقدمة ما اقترحته البعثة، بناء أربعة سدود كبرى على الجزء الأخير من ذلك النهر، هي كارادوبي ومابيل ومندايا والحدود الذي أصبح اسمه بعد ذلك سد الألفية، ثم تغير أخيراً إلى سد النهضة( ).
وقد أعلنت أثيوبيا في فبراير 2011 عن نيتها في إنشاء سد النهضة، بقصد توليد الطاقة الكهرومائية على حوض النيل الأزرق بمنطقة بني شنقول – جوموز على بعد نحو 20-40 كيلومتراً من حدود أثيوبيا مع السودان، بسعة تخزين 74 مليار متر مكعب، وتبلغ التكلفة المعلنة للبناء وتوربينات الطاقة نحو (4.8) مليار دولار أمريكي، منها 1.8 مليار دولار قيمة التوربينات من شركة فرنسية، قيل أن بنوكاً صينية مولتها أو ستمولها، وتمول الحكومة الأثيوبية المليارات الثلاثة الباقية بسندات تباع للشعب والعاملين في الخارج، ومن المتوقع أن تصل لنحو (8) مليارات دولار أمريكي، وقد أسند ذلك المشروع بالأمر المباشر للشركة الإيطالية ساليني (Salini Constructtori) "المقاول الرئيسي للمشروع"، والتي سبق لها بناء سدود كثيرة في أثيوبيا، منها جلجل جيبي 1 و 2، وسد بيليز قرب بحيرة تانا، بينما تورد "ألستوم Alstom" الفرنسية توربينات فرانسيز للطاقة( ).
وفي الثاني من إبريل عام 2011، قام رئيس الوزراء الأثيوبي الرال ميليس زيناوي بوضع حجر أساس السد، والذي أطلق عليه وقتها سد الألفية العظيم، وبارتفاع قدره 140 متراً، وأبعاد سد النهضة وسعة محطة توليد الكهرباء تكافئ إجمالي سعة السدود الأربعة التي اقترحها مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي على النيل الأزرق عام 1964، وفي 20 إبريل عام 2011، قرر مجلس الوزراء الأثيوبي إطلاق اسم سد النهضة الأثيوبي على سد الألفية، وبعد ذلك بحوالي سنة كاملة تم الإعلان عن تعديل أبعاد السد، ليزداد ارتفاعه خمسة أمتار، ليصبح 145 متراً، وتزداد سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب، وتزداد سعة محطة توليد الكهرباء إلى 6000 ميجاوات( ).
ويحتوي تصميم السد على 15 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميجاوات، عبارة عن توربينات على الجانب الأيسر من قناة التصريف، وخمسة توربينات أخرى على الجانب الأيمن، بإجمالي 5225 ميجاوات، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولى إفريقياً، والعاشرة عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء( ).
وتبلغ تكلفة التوربينات والمعدات الكهربائية اللازمة لهذا المشروع نحو (1.8) مليار دولار أمريكي، يتم تمويلها من قبل البنوك الصينية، ويتم تمويل بقية التكلفة (3 مليارات دولار) بواسطة الحكومة الأثيوبية، والفترة الزمنية المقررة للمشروع هي أربع سنوات، أي في عام 2017، إلا أن مصادر أخرى حددت (44) شهراً للانتهاء من إتمام أول مولدين للكهرباء، ومن المتوقع أن يستغرق ثلاث سنوات إضافية للانتهاء من بناء السد، كما هي العادة في السدود السابقة، أي من الممكن أن يستغرق بناء سد النهضة سبع سنوات، طبقاً للإحصائيات الصادرة عن أثيوبيا( ).
والواضح أنه طبقاً لتصريحات وزير الموارد المائية الأثيوبي عام 2011، يتكون سد النهضة من سدين: أحدهما سد رئيسي خرساني على مجرى النيل الأزرق، بارتفاع 145م وطول 1800 م، وبيتان يحتويان على وحدات (توربينات لإنتاج الكهرباء على جانبي النهر، وثلاث قنوات لتصريف المياه والتحكم في منسوب بحيرة التخزين)، أما السد الآخر، هو سد مكمل بارتفاع 50 متراً وطول 6 كم لزيادة حجم تخزين المياه إلى 74 مليار م3( ).
وانتقد أحد خبراء الهندسة بجامعة سان دييجو – كاليفورنيا، ويدعى Asfaw Beyene – سد النهضة، وحجم الطاقة المنتجة، على أنها مضخمة بشكل كبير، فحجم الطاقة المولدة سيكون في حدود 2000 ميجاوات، وليس 6000، لأن القياس يجب أن يكون على متوسط تصريف النهر على مدى العام، وليس تصريف أشهر قمة الفيضان الثلاثة، التي بنيت على أساسها التقديرات المبالغة المعلنة، كما أن مدة امتلاء بحيرة السد، ليس فقط حول خمس سنوات، بل هي أكثر حسب ارتفاع منسوب التخزين، في الوقت نفسه الذي يجب أن تمرر فيه أثيوبيا حجماً كبيراً من المياه إلى السودان ومصر( ).
وأوضح خبراء المياه، أن سد النهضة مبالغ في حجمه وارتفاعه، كما أن كفاءته في توليد الكهرباء متدنية، ولا تبرر هذا الحجم، وإيراداته المالية من بيع الكهرباء قد لا تغطي تكاليفه، بما يشير إلى أن الهدف من سد النهضة، هو تحكم إثيوبيا في مياه النيل، وتدعيم قدرتها على تنفيذ سلسلة السدود الأخرى المزمع إنشاؤها على النيل الأزرق، وعلى نهري السوباط وعطبرة، كما أن لسد النهضة تداعيات إقليمية، تتمثل في تشجيع بقية دول حوض النيل على تنفيذ مشاريع السدود الكبرى والمتوسطة، وتنفيذ مشاريع استقطاب فواقد النهر بتمويل ودعم دولي لبيع المياه لمصر( ).
كما أكدت منظمة الأنهار الدولية في عدة نشرات، أن سد النهضة لا يفيد معظم سكان أثيوبيا، كونهم إما صغار مزارعين، أو رعاة منتشرين مكانياً على مساحات واسعة، تتطلب إنفاقات ضخمة لمد شبكة طاقة لأسر فقيرة محدودة الدخل، وتصف المنظمة قرارات إنشاء السد، بأنها غير شفافة، لا تطرح على الرأي الخبير ولا يناقشها المجتمع، وتنفذ بغض النظر عن الإضرار بمواطنين، لهذا، تحث المنظمة المانحين على عدم الاشتراك في مشروعات لا تراعي التنمية البشرية( ).
هذا، وقد قامت منظمة الأنهار الدولية بطرح عدة تساؤلات، كان من ضمنها، أن قرار البدء في تنفيذ سد النهضة كان مفاجئاً للجميع، وبعد أن بدأ العمل في السد، وافقت أثيوبيا على تشكيل لجنة خبراء مشتركة لدراسة الآثار البيئية والاجتماعية للسد، وجاء في وثيقة المشروع كثير من الإشكاليات والثغرات، وأكدت أن الدراسة المائية المقدمة، هي بشكل أولي تحتاج إلى دراسات تفصيلية على مستوى اليقين، لكي ترقى إلى حجم مشروع بهذه الضخامة والأهمية، بما يعني أن المعلومات غير كافية، الأمر الذي يتضح معه، أن أثيوبيا عكست الأوضاع، فبدأت التنفيذ قبل تشكيل اللجنة، ووضعت الجميع أمام أمر واقع، بدلاً من دراسة مشروع يمكن رفضه، أو الموافقة عليه، أو تعديله، هذا فضلاً عن تمسك أثيوبيا بإعلانها أنها لن تقبل أي تغيير في مشروع السد، كما لا تزال هناك معلومات عن تصميم السد، إما هي سرية أو ناقصة( ).
والواقع، أن أثيوبيا ليست في حاجة ملحة لاستخدام مياه مجرى النيل، لأن بها إمكانات مائية ضخمة، وينزل على أراضيها ما يقرب من 936 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، يذهب أقل من 10٪ منها فقط إلى مجرى النيل، ويضيع الجزء الأكبر منها عن طريق البخر والتسرب والتدفق نحو المحيط الهندي، ولذلك، فإن القول أن مصر تستحوذ على المياه الأثيوبية غير حقيقي، فمصر تعيش على 5٪ فقط من مساحتها، في حين أن الأثيوبيين ينتشرون في مساحة 80٪ من أراضيهم، ولو لم تكن هناك مياه متوفرة في أثيوبيا، لما كان بإمكانهم هذا الانتشار الواسع، ويبين الجدول التالي، موارد المياه واستخداماتها في كل من أثيوبيا ومصر( ).
جدول رقم (26) استخدامات المياه في مصر وأثيوبيا في عام 2007
بيانات الاستخدامات المائية مصر أثيوبيا
متوسط تدفق المياه بالمليار متر3 في السنة 51.07 936.40
إجمالي مصادر المياه المتجددة بالمليار متر3 في السنة 57.3/85.8 122.00
متوسط الموارد المائية للفرد في السنة بالمتر3 702.80 1.512.00
نسبة المياه المستخدمة في الزراعة إلى الإجمالي الفعلي لمصادر المياه المتجددة 103.00 4.3
نسبة الاعتماد ٪ 96.86 0.0
المساحة التي يمكن زراعتها (بالألف هكتار) 4.420.00 2.700.00
المناطق المعدة للزراعة (بالألف هكتار) 3.422.00 290.00
- Sources: FAO Aqua Stat Database as Cited in Svendsen. Ewing and Msangi 2009, Note: FAO Aqua Stat Database 2010.
المصدر: زكي البحيري، مصر ومشكلة مياه النيل .. أزمة سد النهضة، القاهرة، 2016، ص 462.
ومن الجدير بالذكر، أن هناك خطة مستقبلية لأثيوبيا لتصدير حوالي 10 آلاف ميجاوات من الكهرباء خلال العشر سنوات القادمة، ويشارك البنك الدولي في إقامة شبكة الربط الكهربائي بين أثيوبيا وجيرانها، وقد اتفقت أثيوبيا مع جيبوتي في أكتوبر 2011 على تصدير 200 ميجاوات من الكهرباء إليها، وتصدر أثيوبيا 400 ميجاوات إلى منطقة "مويالي" و "سولولو" في كينيا منذ نهاية 2012، وقد أعلنت شركة الطاقة الكهربائية الأثيوبية، عن اكتمال خط يربط بينها وبين شبكة الطاقة السودانية في بداية أغسطس 2012 بطول 296 كم من بحر دار وبيليس في أثيوبيا إلى القضارف في السودان، وقد تطلب ذلك عقد قرض مع البنك الدولي مقداره 41 مليون دولار، وقرض آخر مقداره 80 مليون دولار من كوريا الجنوبية، واتفقت شركة الطاقة الأثيوبية مع شركة الاستخدامات الكهربائية لدولة جنوب السودان في أوائل يونيو 2012 على تصدير الكهرباء للجنوب، وتوصيل الربط الكهربائي حتى جوبا( ).
جدول رقم (27) بعض مشروعات الطاقة الكهرومائية الحالية والمستقبلية في أثيوبيا
حوض النهر كمية الكهرباء المستهدفة (ميجاوات) اسم المشروع الحالي سنة الانتهاء
النيل الأزرق 100 Fincha Amerti Nesse (FAN) 2012
278 Chemoga Yeda 2013
6000 Grand Ethiopian Renaissance 2017
نهر أومو 1870 Gilgel Gibe III 2013
2000 Gilgel Gibe IV 2014
440 Halele Worabese 2014
الخطة المستقبلية لمشروعات الكهرباء في 25 سنة القادمة
نهر عطبرة 450 Tekeze II
جينالي داوا (جوبا) 256 Genale Dawa IV
النيل الأزرق 2800-2400 Mendaia MW
2100 Beko Abo MW
1600 Karadibo
- المصدر: شركة الطاقة الكهربائية الأثيوبية 2012.
نقلاً عن: عباس شراقي، سد النهضة الأثيوبي، اعتبارات التنمية والسياسة( ).


المطلب الثاني
التداعيات المستقبلية لسد النهضة على مصر والسودان
تعتبر عملية بناء السدود الأثيوبية جزء رئيسي من إستراتيجية أثيوبية قومية، شارك في وضعها العديد من الدول الأوروبية ومنظمات دولية لتحويل أثيوبيا من دولة ضمن أشد دول العالم فقراً (حيث يقع ترتيبها رقم 171 من 182 دولة على مستوى العالم)، إلى مصاف الدول متوسط الدخل متوسطة الدخل بحلول فترة 2020-2025، من خلال إنتاج الطاقة الكهرومائية النظيفة للاستهلاك المحلي والتصدير إلى دول الجوار، جيبوتي والصومال شرقاً، وكينيا وأوغندا جنوباً، وشمال وجنوب السودان غرباً، ومصر شمالاً( ).
وفي هذه الإستراتيجية، كانت تقدر كمية الطاقة الكهرومائية التي يمكن توليدها من أحواض الأنهار المختلفة التي تنبع من أثيوبيا حوالي 40000-45000 ميجاوات، منها 20000 ميجاوات فقط من النيل الأزرق وروافده، ثم تم تحديث هذه التقديرات في الإستراتيجية القومية للطاقة التي أعدتها شركة الكهرباء الأثيوبية عام 2013، لإنتاج 37000 ميجاوات من الكهرباء حتى عام 2037، أغلبها من مشاريع السدود، والقليل منها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية( ).
وقد نجحت الحكومة الأثيوبية في تحقيق هذه الإستراتيجية بقدر كبير، في الاستفادة من تفعيل بنود مبادرة حوض النيل، كأساس للتكامل والتنمية المستدامة، ولذلك، أنشأت مشروعي تاكيزي في 2009، وتانابيليس في 2011، كما أنها استغلت حالة الاضطرابات الداخلية التي اجتاحت مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، في الإعلان عن مشروع سد النهضة( )، والذي عقدت عدة دراسات عن آثاره وتداعياته المستقبلية على كل من مصر والسودان.
فهناك دراسة لكيفن ويلر الأمريكي، والذي عرض نتائجها في ورشة عمل جامعات حوض النيل الشرقي التي انعقدت في أثيوبيا في سبتمبر 2012، وقد انتهت الدراسة إلى أن السد أثناء سنوا ملئه، سيؤدي إلى حدوث نقصاً مائياً كيراً في حصة مصر المائية يزيد عن 30 مليار م3 سنوياً، ثم ينخفض هذا العجز المائي إلى حوالي 2.2 مليار م3 سنوياً بعد الانتهاء من ملء السد، وأن السد سيتسبب في تخفيض كهرباء السد العالي وخزان أسوان في حدود 20-30٪ سنوياً( ).
وهناك أيضاً دراسة هولندية أجراها فان ديركروجت وهينك أوجينك عن تداعيات سد النهضة، وتم عرض نتائجها في ورشة عمل جامعات حوض النيل الشرقي التي انعقدت في القاهرة في ديسمبر 2012، وأوضحت الدراسة أن السد سيتسبب في خفض إيراد النهر عند أسوان بحوالي 11 مليار م3 سنوياً.
ومن المعلوم، أن إجمالي كميات المياه التي سوف يحجزها سد النهضة مع بداية كامل تشغيله، تُقدر بحوالي 95 مليار م3، وهذه الكميات الهائلة من المياه، كانت من المفروض أن تحجز أمام السد العالي في مصر، ومن المخطط في أثيوبيا ملء سد النهضة بالكامل عام 2017، وبفرض حدوث تأخير لمدة سنتين عن المخطط الأثيوبي أي عام 2019، نجد أن ملء السد بالمياه، والذي يتطلب 95 مليار م3، يحتاج 5 سنوات، وبمعدل سنوي حوالي 19 مليار م3 سنوياً، وهذه الكمية السنوية تكافئ 18 مليار م3 مقاسة عند أسوان، ولذلك، فإن ملء سد النهضة سيؤدي إلى استنفاذ كامل مخزون مياه السد العالي، بالإضافة إلى حوالي 20 مليار م3 إضافياً من تصرفات النهر الواردة لمصر أثناء العام الخامس، وذلك كعجز في حصة مصر المائية يقدر بحوالي 20 مليار م3، وإلى تناقص كبير في كهرباء السد العالي وخزان أسوان، ينتهي إلى توقف كامل لهما( ).
وهذا السيناريو ينطبق على ملء سد النهضة أثناء السنوات المتوسطة للفيضان، أما إذا تصادفت سنوات الملء مع سنوات فيضان منخفض لا قدر الله، فسوف يختلف الوضع، حيث سيبدأ العجز في السنة الثالثة للملء، وسيصل إلى أكثر من 30 مليار م3، وسيستمر عدة سنوات، وبعد امتلاء السد، لن يتبقى أي مخزون أمام السد العالي يقي مصر من مجاعات سنوات الفيضان المنخفضة على المدى المتوسط، وإعادة ملء السد العالي قد يتطلب فترة زمنية طويلة تصل على 20-30 عاماً، وإذا لم نتعرض لسنوات جفاف أثناء ملء السد، فسوف تأتي سنوات الجفاف بعد الملء، والسد العالي فارغ أو غير ممتلئ، مما يعرض مصر للقحط في سنوات الفيضان المنخفضة، كما كنا قبل بناء السد العالي( ).
ويرى الباحث، أنه بناءاً على ما تقدم، فإن الهدف الحقيقي من بناء أثيوبيا لسد النهضة، هو نقل مخزون المياه من أمام السد العالي إلى أمام سد النهضة، وبالتالي، إفشال مشروع السد العالي الذي نجحت مصر في إنشائه دون رغبة أثيوبيا والغرب في الستينيات من القرن الماضي.
ويشير خبراء سودانيون، إلى أن سد النهضة، سوف يسبب نقصاً في تغذية المياه الجوفية على جانبي النيل، في المنطقة الممتدة من الحدود السودانية الأثيوبية حتى الحدود المصرية، بسبب نقص فيضان النيل الأزرق، وأنه سوف يقع ضرراً بالغاً على أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين الذين يزرعون أراضي الحروف الزراعية على ضفاف النيل، حيث أنهم سيفقدون هذه الأراضي الزراعية بسبب السد، وأن حجز سد النهضة لكميات الطمي التي ترد إلى السودان، وتقدر بحوالي 24 مليون م3 سنوياً، سيجعل مساحات واسعة من أراضي السودان في حاجة للأسمدة والمخصبات، كما هو الحال في الأراضي المصرية( ).
كذلك، نجد أن "أصفو بيينى"( )، قد أكد على أن الأوضاع الجيولوجية للمنطقة التي يبنى عليها السد زلزالية، وتاريخها يشير إلى ذلك، الفيضانات الجارفة التي تتكرر سبع مرات كل 20 عاماً، يمكن أن تطيح بالسد نفسه، لتعيش السودان ومصر مأساة حقيقية، ثم أشار أخيراً، إلى أن معامل الأمان الخاص بالسد لا يتجاوز 1,5 درجة فهو منخفض جداً، ليس فقط على المستوى العالمى، بل أيضاً على مستوى السدود المقامة داخل أثيوبيا( ). مقارنة بمعامل أمان السد العالي في مصر، الذي يصل إلى 8 درجات لكون سداً ركامياً( ).
ومن الآثار السلبية لإنشاء سد النهضة، احتمال انهياره، وما يترتب على ذلك من آثار تدميرية على دولتي المصب، حيث أنه يقع في منطقة الأخدود الإفريقي الشرقي، المعروف بنشاطه الزلزالي المرتفع، فالبيانات المتوفرة تبين أن ما يقرب من 10 آلاف زلزال تفوق في قوتها نحو 4 درجات بمقياس ريختر، حدثت بالقرب من موقع السد خلال الفترة الزمنية 1970-2013، وهذا الرأي المطروح هنا، هو رأي علمي دقيق، بدليل أنه قد انهار في أثيوبيا جزء من سد تيكيزي الذي أقيم عام 2009، كما انهار سد جيبي، المقام على نهر "أومو" المتجه إلى بحيرة توركانا في كينيا، بعد 10 أيام من افتتاحه رسمياً، عقب مجيء أول فيضان للنيل( )، وهذا ما أكده خبير الزلازل العالمي دكتور رشاد القبيصي.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن سد النهضة يعمل على تنظيم تدفق مياه النيل الأزرق لمصر على مدار السنة، بدلاً من تدفقها موسمياً، وإنهاء ظاهرة الفيضان الصيفي( ). كذلك فإن هناك ظاهرة معروفة لدى علماء المياه والهندسة المائية، وهى أن جريان النيل الأزرق ينحدر من مرتفعات عالية، أما النيل الأبيض فينساب من مسطحات مائية، لذا فمن الطبيعى أن تلعب مياه النيل الأزرق بقوتها المندفعة بإتجاهاتها المختلفة دوراً كبيراً فى تسهيل وحركة النيل الأبيض، وفى حالة قيام سد النهضة وإنخفاض منسوب المياه من النيل الأزرق سوف يتعسر إنسياب المياه للمستوى المطلوب على مجرى النيل الرئيسى، وربما تكون هذه الظاهرة من السلبيات( ).
أما بالنسبة لتداعيات سد النهضة على الاقتصاد المصري، فتتمثل في الآتي( ):-
1- تقليل حصة مصر السنوية من مياه النيل بكمية تتراوح بين 10-12 مليار م3 سنوياً (ما يكفي لزراعة 2.5 مليون فدان)، وبالتالي، نقص المساحة الزراعية بنفس النسبة، ويترتب على ذلك، تملح مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المصرية، وأيضاً نقص كميات المياه المخصصة لغسيل تراكمات الأملاح من الأراضي الزراعية.
2- ارتفاع معدلات تصحر الأراضي الزراعية، وزيادة تركيز التلوث في النيل والترع والمصارف بسبب نقص التدفقات المائية، مما يؤدي إلى إيقاف جميع مشروعات استصلاح الأراضي والتوسع الزراعي في مصر، ونقص كبير في كميات مياه المصارف الزراعية التي يفيد استخدامها في الري مرة أخرى.
3- زيادة الفجوة الغذائية المصرية وارتفاعها إلى 75٪ من إجمالي احتياجاتنا من الغذاء، بدلاً من 55٪ حالياً، خاصة مع الزيادة السكانية بالمعدلات الحالية، بما سيشكل عبئاً كبيراً على الخزانة العامة المصرية لتدبير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد كم كبير من احتياجات الشعب المصري من السلع الغذائية الإستراتيجية، خاصة مع تقليل مساحات الزراعات ذات الاحتياجات المائية المرتفعة في مصر مثل القصب، وبالتالي زيادة فجوة السكر (32٪ حالياً)، وتقليل مساحات الأرز، وهو محصول الحبوب الوحيد الذي نكتفي منه ذاتياً، ومعه البرسيم وبنجر السكر والموز والخضراوات الورقية.
4- كما يتسبب بناء سد النهضة، في اختفاء أو تناقص الأسماك من نهر النيل في مصر لزمن لا يقل عن خمس سنوات، بسبب حجز الطمي وعوالق مياه النهر خلف السد، مما يؤثر على البيئة النهرية ويضر بمصالح عشرات الآلاف من الصيادين المصريين، الذين تمثل الأسماك مصدراً مهماً لحياتهم وأرزاقهم( ).
5- ارتفاع نسب البطالة في مصر بسبب نقص المساحة الزراعية، خاصة في الحاصلات التي تتبعها صناعات عديدة، مثل قصب السكر (صناعة العسل الأسود – المولاس – المقشات ...)، والأرز ومضاربه.
6- تحمل الاقتصاد المصري لأعباء مالية كبيرة وعاجلة، لحتمية تطوير شبكات نقل المياه في مصر من خلال الترع، والتي سيلزم لبعضها التبطين بالأسمنت، وتحويل الترع الفرعية وترع التوزيع والمراوي والمساقي إلى مواسير، وذلك بغرض تقليل الفواقد المائية، وبشكل عاجل، لتوفير بعض المياه الإضافية لقطاع الزراعة، بما يمثل ضغطاً على الموازنة العامة المصرية.
7- الأضرار المحتمل حدوثها للآثار المصرية عند انهيار السد، حيث نجد أن ثلث حضارة العالم، وأكثر من 800 منطقة ومزار أثري في طيبة (الأقصر) قد تتأثر وبشدة( ). علاوة على التأثير فى الملاحة النهرية وحركة السياحة، وكذلك التضييق على مستخدمى المياه فى مصر وتقنين التصريف( ).

المبحث الثالث
دور الحوكمة في التعامل مع تحديات الأمن المائى
تمهيد وتقسيم:-
أشارت الدراسات التي قام بها الخبراء المتخصصين في شئون المياه، عن تداعيات سد النهضة، في ضوء المواصفات الفنية الحالية للسد، والمُقدرة سعته بـ 74 مليار م3، أنه أحد التحديات التي تواجه الدولة المصرية بصفة خاصة، بما يمثله من تهديد مباشر للحضارة المصرية بأكملها، مع مراعاة أن مصر تحترم سيادة أثيوبيا على أراضيها، وحقها في التنمية بما لا يضر بالمصالح المصرية، وكان لزاماً على الإدارة الرشيد، في كل من مصر والسودان، مواجهة التداعيات السلبية لسد النهضة، عن طريق المفاوضات مع أثيوبيا، واتباع الوسائل السلمية لتسوية هذه الأزمة، وفي حال استمرار أثيوبيا وإصرارها على بناء السد، بالشكل الذي يضر بالأمن المائي المصري، في هذه الحالة، يجب على الدولة المصرية أن تتمسك بالآليات القانونية المتاحة لمواجهة هذا التعسف الأثيوبي.
وبناءاً على ما تقدم، سوف نتناول في هذا المبحث للآتي:-
المطلب الأول: الوسائل السلمية التفاوضية لتسوية أزمة سد النهضة
المطلب الثاني: الآليات القانونية لتسوية أزمة سد النهضة

المطلب الأول
الوسائل السلمية التفاوضية لتسوية أزمة سد النهضة

بعد زيارة وفد للدبلوماسية الشعبية من مصر لأثيوبيا، في بداية شهر مايو، بعد فترة شهر من وضع حجر أساس سد النهضة، ومقابلة السيد رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ميليس زيناوي، وعدهم بالعمل على تشكيل لجنة ثلاثية من أثيوبيا والسودان ومصر، للتوافق حول سد النهضة، وتقييم الدراسات الأثيوبية لهذا السد، للوصول إلى تفهم مشترك بين دول حوض النيل الشرقي لآثار السد الإيجابية والسلبية، مؤكداً على أن السد لن يكون له أي آثار سلبية على مصر، وسوف نعرض فيما يلي للآتي:-
أولاً: اللجنة الثلاثية الدولية (2012-2013):-
تشكلت اللجنة الثلاثية الدولية للخبراء، لدراسة وتقييم سد النهضة الأثيوبي، بعد اتفاق وزراء المياه في كل من مصر والسودان وأثيوبيا على الشروط المرجعية لعمل اللجنة وإطارها التنظيمي، وتضم اللجنة 10 أعضاء، اثنان من كل من الدول الثلاث، بالإضافة إلى 4 خبراء دوليين؛ مما يشهد لهم بالسمعة الطيبة والحياد؛ وهم: خبير في هندسة السدود ألماني الجنسية، وخبير في الموارد المائية من جنوب إفريقيا، وخبير بالتأثيرات البيئية من فرنسا، والرابع خبير في التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية من بريطانيا، وبدأت اللجنة عملها في 15 مايو 2012، وعقدت (7) اجتماعات دورية، كان آخرها في 31 مايو 2013 الذي قدمت فيه تقريرها النهائي( ).
ومما هو جدير بالذكر، أن هناك بعض الإيجابيات، وعدة سلبيات في الشروط المرجعية، بخصوص تشكيل اللجنة الثلاثية وصلاحياتها وإطارها التنظيمي، وتمثلت الإيجابيات في موافقة الدول الثلاثة على تشكيلها، وهي خطوة إيجابية لتبادل وتقييم البيانات الأساسية للسد، للوصول إلى تفهم مشترك لآثار السد الإيجابية والسلبية، كما تسمح بالتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، كذلك من الإيجابيات، ضم خبراء دوليين إلى اللجنة، مما أتاح وجود رأي مستقل غير منحاز، بالإضافة إلى وجود بُعداً دولياً لتقييم السد وآثاره السلبية على دولتي المصب، ولكن كان هناك عدة سلبيات مؤثرة في بعض مواد الإطار التنظيمي لتشكيل هذه اللجنة، ومن أهم هذه السلبيات ما يلي( ):-
1- أن الإطار التنظيمي للجنة ينص على أن سد النهضة تحت الإنشاء، وهذا يعتبر إقرار بأن السد أصبح أمراً واقعاً، ويزيد من صعوبة التفاوض حول إمكانية إلغاء السد، مهما كانت نتائج الدراسات، وكان من الضروري عدم قبول مصر لهذا الشرط، لأن إنشاءات السد لم تكن بدأت بعد، باستثناء حفل إعلامي لوضع حجر الأساس، بل إن السد في ذلك الوقت، لم تكن له أي تصميمات إنشائية جاهزة للتنفيذ، ولم يكن قد تم الاستقرار داخل أثيوبيا نفسها على أبعاد السد، ولا على سعة محطة الكهرباء حتى مارس 2012.
2- موافقة مصر على أن ينص الإطار التنظيمي على حصر عمل اللجنة فقط، في مراجعة الدراسات الأثيوبية للسد، مع عدم القيام بأي دراسات إضافية ضرورية، مثل إعداد أو اقتراح بدائل هندسية، تكون أكثر نفعاً لجميع الأطراف.
3- أن الإطار التنظيمي لم ينص على الحقوق المشروعة للدول التي قد يثبت تضررها من السد (دولتي المصب)، مثل إلغاء مشروع السد، أو أي إجراءات إيجابية لتجنب أو تقليل الأضرار المحتملة على دولتي المصب، مثل تقليل حجم السد، أو التفاوض حول بدائل هندسية له، بل أن التفاوض حول السد لم يطرح تماماً في الشروط المرجعية للجنة.
4- أنه تم الاتفاق بين الدول الثلاث، على أن يكون تقرير اللجنة الثلاثية استشارياً غير ملزم لأي منها، وعليه، تصبح اللجنة الثلاثية ذات طبيعة أكاديمية، تهدف فقط لمراجعة الدراسات الأثيوبية لسد النهضة، وبدون أي التزام لأي من الأطراف بنتائج هذه اللجنة.
وقد قدمت اللجنة تقريرها في مايو 2013، أي بعد عام كامل من عملها، ولم ينشر بشكل رسمي، إلا بعد عام آخر من صدوره، وقد نص التقرير على عدة ملاحظات نعرض منها ما يلي:-

أ‌- بالنسبة للتصميمات الإنشائية والهندسية للسد( ):-
أشارت اللجنة إلى أن هذه الدراسات مجرد دراسة أولية، لإعطاء نظرة عامة على المشروع، والخطوط العريضة للتصميم الهندسي، لكنها لا تزال بحاجة إلى التطوير، ووضع التفاصيل، وكيفية ملاءمة التصميم الهندسي للسد مع الظروف الجيولوجية والهيدرولوجية والطبيعية الزلزالية لموقع السد، وطالبت اللجنة في التقرير النهائي، بضرورة إعادة دراسة التصميم الهندسي للسد، وإرفاق التفاصيل الخاصة بالتصميم في التقرير الذي قدمته أثيوبيا، مع ضرورة دراسة الظروف الجيولوجية والهندسية لموقع المشروع، والتي لم توضع في الاعتبار، مع ضرورة أن تجمع البيانات الخاصة بالتصميم الإنشائي والهندسي في تقرير واحد، وعدم بعثرتها في تقارير مختلفة، مثل تقارير تصميم السد المساعد، وتحويل المجرى الملاحي، وموقع التوربينات.
ب- بالنسبة للدراسات الهيدرولوجية للسد:-
فقد نص التقرير النهائي للجنة الثلاثية، على أن الدراسات الهيدرولوجية للسد، والمعدة من قبل أثيوبيا، لا تزيد عن كونها دراسات مبدئية، فقد ركزت على موقع سد النهضة فقط، ولم تتحدث عن أي مشروعات أخرى موجودة حالياً، أو منتظر إنشاؤها في المستقبل، وعلاقتها بسد النهضة( ).
كذلك، فإن الدراسات الهيدرولوجية لا تأخذ في الاعتبار أيضاً، تأثير التغيرات المناخية على تدفقات نهر النيل الأزرق، والآثار المحتملة على دولتي المصب، لذلك، أكد التقرير على ضرورة التركيز على دراسة أثر التغيرات المناخية على حوض النيل الشرقي، ومجرى النيل بشكل عام، ودراسة معدلات تبخر المياه واختبارها في موقع السد خلال أعمال الإنشاء( ).
وبالرغم من هذا القصور في الدراسات، إلا أن الدراسات الهيدرولوجية الأثيوبية، أفادت بوضوح، أنه في حالة ملء السد أثناء سنوات فيضان منخفضة، فإن ذلك سيكون له تأثير بالغ على توفير مياه الري في مصر، وعدم القدرة على توليد الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان لسنوات طويلة( ).
ج - بالنسبة لتقرير بوابات التحكم في مياه النهر لتوليد الكهرباء( ):-
فقد رصدت اللجنة، أن التقرير المقدم في نهاية نوفمبر 2012 من أثيوبيا في هذا الشأن، تطرق بشكل جيد لمراحل التصميم المبدئي لبوابات التحكم في المياه، ولكنه لا يزال في المرحلة الأولية للتصميم، ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل، وذكرت اللجنة، أن التقرير الأثيوبي لم يتطرق لمقدار الطاقة التي ستعمل بها توربينات توليد الكهرباء، خاصة في حالة ارتفاع منسوب المياه في بحيرة التخزين، مما يستوجب إعادة تقييم تصميم بوابات التحكم بشكل يعكس آلية التعامل مع ظروف تدفقات مياه الفيضان.
ء - بالنسبة لمعـدل أمان وثبات الجسم الرئيسي للسد( ):-
أشارت اللجنة في تقريرها، أنه لا يزال هناك حاجة ملحة للتحقق من معدل الأمان، وثبات الجسم الرئيسي للسد، والإنشاءات الأساسية فيه، وفقاً لنتائج الدراسات الجيولوجية والهندسية للتربة، خاصة في حالة النشاط الزلزالي، وطالب التقرير بإعادة دراسة العلاقة التفاعلية بين جسم السد الرئيسي، وموقع توربينات الكهرباء.
هـ - بالنسبة لمشكلة الإطماء وترسب الطمي في النيل الأزرق وبحيرة التخزين( ):-
اعترفت الدراسات الأثيوبية بهذه المشكلة، لكنها لم تقدم توقعاتها لكميات الطمي ومعدلات ترسبه سنوياً، وحجمه داخل البحيرة، والتأثيرات السلبية المتوقعة له بعد التشغيل، ولذلك، أوصت اللجنة بمراجعة معدلات ترسب الطمي المتوقع خلف سد النهضة، وكثافته، وتأثيره على جسم السد وبحيرة التخزين، على أن تشمل الدراسة بحث معدلات الإطماء في سدود السودان ومصر، وأثر كل ذلك على التدفقات المائية.
و - بالنسبة للدراسات البيئية( ):-
من الملاحظات الرئيسية للجنة الدولية على هذه الدراسات البيئية المقدمة من أثيوبيا، أن هذه الدراسات انحصرت فقط على المناطق المتضررة من سد النهضة داخل أثيوبيا، ولم تهتم هذه الدراسات بتقييم تأثير السد على تدهور نوعية مياه النيل الأزرق، وتأثير تحلل المواد العضوية التربة والغابات التي سيتم غمرها بمياه بحيرة سد النهضة، على التنوع البيئي ومصايد الأسماك ببحيرة سد الروصيرص في السودان، وفي بحيرة ناصر في مصر، كما نص تقرير اللجنة، على أن تصميم سد النهضة لم يأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية، في تحديد ارتفاع وحجم السد، مما أدى إلى عدم طرح أي بدائل فنية للسد، قد تكون أصغر في السعة والارتفاع وأكثر جدوى لأثيوبيا، وأقل ضرراً على دولتي المصب، وقد علقت أثيوبيا على هذه الملحوظة، بأن أبعاد السد تمثل شأنا أثيوبياً داخلياً، ولا يسمح لأحد بالتدخل فيه.
تعقيــب:
ويرى الباحث أن ادعاء أثيوبيا بأن أبعاد السد تمثل شأناً أثيوبياً داخلياً، ولا يسمح لأحد التدخل فيه، إنما هو مردود عليه، بأنه من الثابت أن دراسات تقييم الأثر البيئي عند إقامة المشروعات المائية، أصبحت من الدراسات الواجب القيام بها، بعدما أصبحت قواعد القانون الدولي للبيئة من القواعد الآمرة، وتنامى الاهتمام الدولي بالبيئة، كذلك، يتضح أن الدراسات التي قدمتها أثيوبيا بشأن سد النهضة، سواء كانت جيولوجية أو هندسية أو بيئية، هي دراسات غير مستفيضة أو غير مكتملة، ولم تتطرق إلى جميع التفاصيل الفنية، ولا يتصور استكمال سد بهذا الحجم الكبير جداً، دون وجود مثل هذه الدراسات.
هذا، بالإضافة إلى أن تقرير اللجنة الدولية للخبراء الصادر في مايو 2013، قد كشف عن تقاعس أثيوبيا عن الوفاء بالتزامات قانونية راسخة ومستقرة، تحظى بالاحترام والمكانة القانونية، أهمها، مبدأ عدم التعسف في استخدام الحق، ومبدأ حسن النية في إنفاذ المعاملات الدولية، ومبدأ عدم الإضرار، وكان يجب على الدولة المصرية والسودانية، الاحتجاج القانوني في مواجهة أثيوبيا، لمخالفتها لقواعد القانون الدولي للمياه، والتمسك رسمياً بوقف أعمال البناء الخاصة بالسد، لحين انتهاء اللجنة من أعمالها.

ثانياً: اللجنة الوطنية المعنية بسد النهضة:-
جاء تشكيل اللجنة الوطنية للخبراء، للبحث فيما ورد بتقرير اللجنة الثلاثية الدولية من توصيات، وأهمها، عدم كفاية الدراسات والبيانات الفنية من أثيوبيا، بناءاً على عدم وجود دراستين في غاية الأهمية، كان ينبغي وجودهما، أولهما: الخاصة بتأثير بناء السد على تدفق مياه النيل إلى مصر والسودان، أي التأثيرات الهيدرولوجية، وثانيهما: تخص التأثير البيئي والاقتصادي لسد النهضة على دولتي المصب، ومدى أمان بناء السد ومخاطره.
وكان أول اجتماع لوزراء المياه في كل من مصر والسودان وأثيوبيا، للنظر في توصيات اللجنة الثلاثية، بعد صدور تقريرها في 4 نوفمبر 2013 في مدينة الخرطوم بالسودان، أي بعد 6 أشهر، وفي هذا الاجتماع، كانت أثيوبيا والسودان متفقتان معاً، على أن لجنة من الخبراء المحليين من الدول الثلاثة كافية لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات، وخاصة مع ما أعلنته أثيوبيا، أنها نفذت بالفعل معظم هذه التوصيات، ولكن مصر طالبت بمشاركة خبراء دوليين في إعداد أو حتى مراجعة وتقييم الدراسات التنفيذية لتوصيات اللجنة الثلاثية الدولية، ولكن فشل هذا الاجتماع الوزاري في الاتفاق على تشكيل اللجنة التي ستشرف على تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية، واتفق الوزراء على عرض الأمر على حكوماتهم، والاجتماع مرة أخرى في 8-9 ديسمبر 2013، وأثيوبيا كانت وما زالت مستمرة في بناء وتشييد السد، وفي اجتماع 8-9 ديسمبر 2013 في الخرطوم، تضاربت الأقوال والتصريحات حول نجاح أو فشل الاجتماع( ).
بعد انتهاء الاجتماع بعدة أيام في 15 ديسمبر 2013، صرح السيد وزير الري المصري، أنه تم الاتفاق بين الدول الثلاثة، على أن يتم تشكيل اللجنة من أربعة خبراء من كل دولة، وأن لا يزيد عمل اللجنة عن سنة، وعلى تحمل الدول الثلاث تكاليف اللجنة والدراسات التكميلية الإضافية، وطرحها على مجموعة مختارة من المكاتب الاستشارية العالمية( ).
وقد عقد الاجتماع الأخير في الخرطوم في فبراير 2014، ولم تُكلل هذه الجولات الثلاث بالنجاح، وتوقفت المفاوضات الرسمية المباشرة.
وعندما جاء عبد الفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية، عقد لقاء قمة بينه وبين هيلا مريام ديسالجين رئيس وزراء أثيوبيا في 27 يونيو 2014، على هامش مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي الذي انعقد في "مالابو" عاصمة غينيا الاستوائية، وبعد لقاء الزعيمين، صدر بيان مشترك عنهما، وكانت أهم بنود ذلك البيان هي( ):-
1- محورية نهر النيل كمورد أساسي لحياة شعب مصر، والإدراك المشترك لاحتياجات الشعب الأثيوبي للتنمية والتطور.
2- التأكيد على الالتزام المتبادل بين مصر وأثيوبيا بمبادئ التعاون والاحترام وحسن الجوار واحترام القانون الدولي، وتحقيق المكاسب المشتركة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
3- التزام الحكومة الأثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من مياه النيل.
4- البدء الفوري في الإعداد لانعقاد اللجنة الثنائية المشتركة الممثلة للبلدين خلال ثلاثة أشهر، والتي ستعمل تحت الإشراف المباشر للرئيس السيسي، ورئيس الوزراء الأثيوبي ديسالجين، على أن تشكل تلك اللجنة الإطار التنفيذي لكثير من أوجه التعاون لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين.
5- الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الفنية الخاصة بمشروع سد النهضة، لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المُزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل تنفيذ المشروع.
6- اتفاق الجانبين على أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المائية لسد الطلب المتزايد على المياه، ومواجهة النقص فيها.
7- العمل على تحقيق المكاسب المشتركة للبلدين.
وبناءاً على لقاء القمة بين الرئيس السيسي ورئيس وزراء أثيوبيا ديسالجين، تم عقد اجتماع بين وفود دول حوض النيل الشرقي الثلاث (مصر والسودان وأثيوبيا) تحت قيادة وزراء الري فيها، خلال يومي 25 و 26 أغسطس 2014 في العاصمة السودانية الخرطوم، واتفقت الوفود المجتمعة أول الأمر، على أن تكون فترة دراسة مشروع سد النهضة 6 شهور فقط، كما اتفقت على تشكيل "لجنة الخبراء الوطنية" من 12 عضواً، أربعة أعضاء من كل دولة من الدول الثلاث، على أن تقوم اللجنة بأربعة مهام رئيسية هي:-
1- تبادل الدراسات والأبحاث الخاصة بالسد بين الدول الثلاث.
2- اختيار المكتب الاستشاري الدولي الذي سيتولى فحص حالة السد من الناحية الفنية.
3- تولي لجنة الخبراء الوطنية وليس حكومات الدول الثلاث – مد المكتب الاستشاري الدولي الذي سيقع عليه الاختيار بالبيانات والدراسات بعد التوقيع عليها من أعضاء اللجنة.
4- متابعة التقارير الشهرية التي سيقوم بإصدارها المكتب الاستشاري.
وقد تم الاتفاق بين الوفود الثلاثة المجتمعة، على اختيار خبير دولي مشهود له ومقبول للجميع، وتكون مهمته بحث الوضع في حالة حدوث اختلاف في وجهات النظر، بعد صدور تقرير المكتب الاستشاري الدولي، ويصدر رأياً يكون نهائياً ومُلزماً للجميع( ).
وعقدت عدة اجتماعات لأعضاء اللجنة الوطنية الثلاثة الخاصة بسد النهضة، كان أول هذه الاجتماعات في 16 أكتوبر 2014، ثم في أول نوفمبر 2014، ثم في الرابع من نوفمبر 2014، بمشاركة ممثلي المكاتب الاستشارية الدولية الخمسة التي تم التوافق عليها مبدئياً، حتى يتم اختيار مكتب واحد منها لإنجاز الدراستين الخاصتين بالسد، وقرر المجتمعون أن يتم تحديد المكتب الاستشارية بحضور ممثلي الدول الثلاث، في موعد الاجتماع التالي في ديسمبر 2014 بأديس أبابا، ورغم ذلك، تم تأجيل موعد اختيار المكتب الاستشاري من ديسمبر 2014، إلى يناير 2015، ثم إلى فبراير، فمارس من نفس العام، وظلت أثيوبيا تراوغ وتؤجل عملية اختيار المكتب الاستشاري بطريقة هادئة وناعمة، تستهلك الوقت حتى يتم إنجاز أكبر قدر ممكن من مبنى السد، مما يفرض واقعاً جديداً قد يصعب تغييره، حتى وإن كان يشكل خطراً على التدفقات المائية لمصر والسودان( ).
ونتيجة لذلك الوضع الذي ينذر بالخطر، جرت عدة اجتماعات في فبراير 2015 في الخرطوم، تمخضت عن فكرة عقد "اتفاق مبادئ"، فتشكلت لجنة من ممثلي مصر والسودان وأثيوبيا، تقوم بصياغة ذلك الاتفاق، ورفعه لرؤساء الدول الثلاث لمراجعته والتصديق عليه.
وفي 23 مارس 2015، وقعت كل من الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا "اتفاق المبادئ الإطاري" – الذي وضعته اللجنة الوطنية المكونة من الدول الثلاث من جانب رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، ورئيس السودان عمر البشير، ورئيس وزراء أثيوبيا هيلا مريام ديسالجين، بخصوص سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم، وقد اشتمل الاتفاق على عشرة مبادئ يمكن إيجازها فيما يلي( ):-
1- الالتزام بمبادئ القانون الدولي، والتعاون على تفهم الاحتياجات المائية لدول حوض النيل.
2- أن التنمية والتكامل الإقليمي من أهم أسس الاتفاق، وأن سد النهضة هدفه توليد الكهرباء للمساهمة في تنمية أثيوبيا، والترويج للتعاون بين بلدان حوض النيل.
3- تجنب الدول الثلاث التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها لمياه النيل، ولو حدث ذلك، يتم تخفيف أو منع الضرر، أو دفع التعويض المناسب.
4- الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المتاحة، مع الأخذ في الاعتبار كافة العناصر الاسترشادية الخاصة بكل بلد من بلدان الحوض، كالعوامل الجغرافية والمناخية والمائية والبيئية، والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للسكان الذين يعتمدون على الموارد المائية والاستخدامات الحالية والمحتملة لتلك الموارد، ومدى مساهمة كل دولة في نظام حوض النيل.
5- تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، واستمرار التعاون والتنسيق حول تشغيل ذلك السد، وعلاقة ذلك بخزانات دول المصب، وأن تكون المدة التي تتم خلالها عملية تقييم المؤشرات المائية والبيئية للسد خمسة عشر شهراً.
6- العمل على بناء الثقة: حيث سيتم إعطاء دولتي المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.
7- تبادل المعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنيين.
8- استكمال أثيوبيا للتوصيات الخاصة بأمان السد.
9- أن تتعاون الدول الثلاث على أساس الوحدة الإقليمية، والمنفعة المشتركة وحسن النية.
10- التسوية السلمية للمنازعات، وأنه إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلا ل المشاورات أو التفاوض، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، والوساطة، أو إحالة الأمر لرؤساء الدول والحكومات( ).
وعقب التوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم، تقرر رفع مستوى اللجنة الثلاثية الوطنية المكلفة باختيار المكتب الاستشاري لدراسة وتقييم سد النهضة إلى المستوى الوزاري، وأن هذه اللجنة ستعقد اجتماعها التالي في إبريل 2015، لتحديد اسم المكتب الذي سيتولى ذلك العمل الاستشاري، وكذلك مد الفترة التي ينبغي أن ينتهي خلالها المكتب من إنجاز مهمته إلى سنة تقريباً، بدلاً من خمسة شهور كما كان متفق عليه من قبل.
هذا، وقد تقرر عقد عدة اجتماعات للجنة الثلاثية الوطنية، ولكن أصبحت عملية تأجيل مواعيد الاجتماعات، وعدم الوفاء بالوعود من جانب أثيوبيا سمة غالبة، وكان من المفترض حسب الاتفاق بين اللجنة الثلاثية للدول الثلاث والمكتبين الاستشاريين، أن يقدما عروضهما الفنية الخاصة بتقييم السد يوم 12 أغسطس، ولكنهما تأخرا عن موعديهما، فتم مد المدة المقررة لهما حتى 5 سبتمبر، ولكن لم يصل منهما أي رد، فأكدت المصادر المصرية المسئولة عن سد النهضة، أنه لابد وأن يكون هناك حلول بديلة في حالة تأخر المكتبين عن تقديم عرضهما المشترك، وهكذا، فنحن الآن على مشارف النصف الثاني من عام 2017، ولم تسفر أي اجتماعات عن نتائج ملموسة بخصوص اللجنة الثلاثية الوطنية.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن خبرة التفاوض في إطار حل وتسوية الصراعات الدولية، تشير إلى أن عملية التفاوض الناجعة، هي تلك التي يتوافر فيها بدائل وخيارات متنوعة أمام طرفي التفاوض، بحيث لا يكون أحد طرفي المعادل التفاوضية "مُجبراً" على قبول أمر واقع، يمثل بالنسبة له "تسويات إذلالية"، لذا، يصبح من الكياسة والحكمة في إدارة العملية التفاوضية، ترك هام من حرية الحركة والمناورة للخصم، وألا تضيق عليه الخناق، وليكن معلوماً، أن المفاوضات ليست حرباً كلامية، بقدر كونها "فن الوصول إلى اتفاق من خلال تسوية وحل الخلافات عن طريق الإبداع"( ).
تعقــيب:
ينبغي على أثيوبيا التوصل إلى اتفاق من خلال تسوية وحل الخلافات بينها وبين دولتي المصب بشأن سد النهضة في أقرب وقت، حيث أنه من غير المعقول اقتراب موعد الانتهاء من إنشاءات السد، ولم تنته الدراسات بعد.


المطلب الثاني
الآليات القانونية لتسوية أزمة سد النهضة

إن إصرار أثيوبيا على المُضي قُدماً نحو تنفيذ سد النهضة، غير مُكترثة بالمصالح المائية المصرية، والتعنت في المفاوضات المائية الفنية بشأن السد، وعدم الاهتمام بالمخاوف المصرية من جراء إنشاء السد بالمواصفات الفنية المعلن عنها من الجانب الأثيوبي، كل ذلك من شأنه أن يُسهم في توتر العلاقات بين مصر وأثيوبيا، ويزيد من فرص الصراع المائي المصري الأثيوبي، ويؤثر على الوضع الإقليمي في منطقة حوض النيل( )، لذا، يجب على مصر أن تدافع عن حقها الثابت في مياه نهر النيل، ويكون ذلك، من خلال العمل على استصدار قرارات من المنظمات الدولية والإقليمية وكذلك المحاكم.
وبناء على ما تقدم، سوف نعرض في هذا المطلب لما يلي:-
أولاً: دور المنظمات الدولية والمحاكم في تسوية المنازعات
ثانياً: دور المنظمات الإقليمية والمحاكم في تسوية المنازعات

أولاً: دور المنظمات الدولية والمحاكم في تسوية المنازعات:-
اللجوء إلى المنظمات الدولية، طريق حديث من الطرق الودية لتسوية المنازعات الدولية التي نص عليها عهد عُصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، كوسيلة من الوسائل الكفيلة بمنع الحروف، وقد انتقل اختصاص عُصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية إلى منظمة الأمم المتحدة، ويبين الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ما يُتبع في حل المنازعات الدولية حلاً سلمياً بمعرفة الهيئة، ويعهد بهذه المهمة إلى الجمعية العامة "للأمم المتحدة" أو مجلس الأمن حسب الأحوال( ).

ومن المعروف أن من أهداف الأمم المتحدة، العمل على إنماء التعاون الدولي، وتشجيع التطور المستمر للقانون الدولي، وفي عام 1959، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً، دعت فيه لإعداد دراسة تمهيدية لسبل التعامل مع المشكلات القانونية المتعلقة باستخدام الأنهار الدولية والانتفاع بها( )، وفي قرارها رقم 2669 الصادر في ديسمبر 1970، أوصت الجمعية العامة لجنة القانون الدولي تحديداً، بدراسة السبل المختلفة لتنظيم الانتفاع المشترك بالموارد المائية للمجاري المائية الدولية.
ونظراً لخطورة الانتهاكات التي ارتكبت في بعض الدول للقانون الدولي الإنساني، أصدر مجلس الأمن قراراً، باعتبار الانتهاكات التي تقع على نطاق واسع لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، والمعاناة الإنسانية التي ينتج عنها تهديد السلم والأمن الدوليين، يسمح باتخاذ تدابير وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وقد أكد مجلس الأمن بهذا القرار، أن احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، يشكل جزءاً لا يتجزأ من النظام الأمني الذي وضع لتنظيم العالم( ).
وبموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن هو الجهة الرئيسية المسئولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، بموجب الفقرة 1 من المادة 24 من الميثاق، أما الجهات التي يجوز لها طرح القضايا التي تمس السلم والأمن الدوليين، فتتمثل في الجمعية العامة، بموجب الفقرة 3 من المادة 11 من الميثاق، والأمين العام للأمم المتحدة، بموجب المادة 99 من الميثاق.
وبالنظر إلى حقيقة النزاع بين مصر والسودان من جانب، وأثيوبيا من الجانب الآخر، نجد أن حقيقة الواقعة تشكل نزاعاً خطيراً يهدد السلم والأمن الدوليين، ذلك، لأنه يتعلق بتهديد مصالح وجودية للدولة المصرية، وهي الحصص المائية المُكتسبة لمصر في مياه نهر النيل، والتي تمثل شريان الحياة لهذه الدولة، والتي لا يمكن أن تستغني أو تتنازل عنها، والتي تحظى بالحماية القانونية الدولية، مما يسوغ لمصر في حالة استمرار التعنت والتعسف الأثيوبي، أن ترسل مذكرة إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن، توضح الآثار الخطيرة لتنفيذ مشروع سد النهضة في أثيوبيا على السلم والأمن الدوليين( ).
وباعتبار مجلس الأمن الدولي أعلى هيئة ممثلة للأمم المتحدة، مكلفة بحفظ السلم والأمن الدوليين في حالة المساس بهما، فإنه يحق لمصر تقديم شكوى لمجلس الأمن، طبقاً للفصل السابع من الميثاق، وإصدار قرار باعتبار إنشاء سد النهضة، عملاً يهدد السلم والأمن الدوليين، وباتخاذ إجراءات صارمة لوقف بناء السد، أو إصدار قرار من مجلس الأمن، بإحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية، طبقاً للمادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أو تشكيل محكمة دولية خاصة، مثل محكمة يوغوسلافيا ورواندا، أو محكمة دولية ذات طابع دولي، كما حدث في لبنان( )، ولا يفوتنا التأكيد على أهمية انتخاب مصر كدولة عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي عن عامي 2016/2017، إذ يمكنها إقناع الدول الأعضاء بالمجلس، بخطورة المسلك الأثيوبي على حالة السلم والأمن الدوليين بمنطقة النيل الشرقي، وأن مصر تطلب فقط الاحتكام إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي بشأن إنشاء المشروعات المائية.
وفي هذا الإطار أيضاً، يمكن لمصر التقدم بطلب للجمعية العامة أو مجلس الأمن، لاستصدار فتوى من محكمة العدل الدولية، تطبيقاً للمادة (96/1) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على "لأي من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، أن يطلب إلى محكمة العدل إفتاء في أية مسألة قانونية"، والمادة (65/1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، التي نصت على (للمحكمة أن تفتي في أية مسألة قانونية، بناء على طلب أية هيئة رخص لها ميثاق الأمم المتحدة باستفتائها، أو حصل الترخيص لها بذلك طبقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة) ( ).
ويتضح مما سبق، أن كلاً من الجمعية العامة ومجلس الأمن، له الحق في طلب الالتجاء مباشرة إلى المحكمة لاستفتائها بصدد أية مسألة قانونية( ).
وتجدر الإشارة، إلى أن لمحكمة العدل الدولية اختصاصين وهما: الاختصاص الإفتائي، والاختصاص القضائي، فبالنسبة للاختصاص الإفتائي، فهو اختصاص اختياري، ولا يستلزم موافقة كل أطراف النزاع الدولي، وهنا، يمكن لمصر أن تطلب الرأي الاستشاري للمحكمة في هذا النزاع، وعلى الرغم من عدم إلزامية رأي المحكمة في هذه الحالة لأثيوبيا، فإنه لو جاء في مصلحة مصر، فإنه سيشكل ورقة ضغط جديدة لمصر ضد أثيوبيا، ويمكن توظيفها في مزيد من التطويق السياسي لأثيوبيا إقليمياً ودولياً، أما بالنسبة للاختصاص القضائي للمحكمة، فإنه يتطلب موافقة كل أطراف النزاع للذهاب طواعية إلى المحكمة، وهنا أيضاً، لو امتنعت أثيوبيا عن الذهاب للمحكمة، فإن مصر تستطيع استثمار هذا الموقف والترويج لضعف الحجة الأثيوبية، والاستدلال بعدم قبولها للتحكيم الدولي، وفي حالة موافقة أثيوبيا على الذهاب إلى المحكمة، وصدور قرار منها يؤيد الموقف المصري، فإن ذلك الحكم سيكون حسماً للخلاف والنزاع( ).
وتأسيساً على ما تقدم، أكدت محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة بتاريخ 9 يوليو 2004، عدم شرعية بناء جدار الضم والنظام المرتبط به، وقد شددت المحكمة في حكمها، على أن إسرائيل (ملزمة بأن توقف على الفور أعمال تشييد الجدار .... وأن تفكك على الفور الهيكل الإنشائي القائم هناك، وأن تلغي على الفور أو تبطل مفعول جميع القوانين التشريعية واللوائح التنظيمية المتصلة به)، وعلاوة على ذلك، أشار الحكم إلى مسئولية الدول بالقول إن:
(جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناتج عن تشييد جدار الضم في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها شرقي القدس وما حولها، وجميعها ملزمة أيضاً بعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناتج عن هذا التشييد) ( ).
وفي قرارها رقم (ES-10/15) – أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة – فتوى محكمة العدل الدولية.
تعقــيب:
انه بتطبيق الحكم السابق، الصادر من محكمة العدل الدولية، على وقائع النزاع بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة، يصبح هناك التزاماً ذو شقين على جميع الدول لاتخاذه، الشق الأول: هو عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني لمشروع سد النهضة الأثيوبي، والشق الثاني: هو عدم التمويل أو المساعدة في الإبقاء على هذا المشروع، تجنباً لإثارة أحكام المسئولية القانونية الدولية عن تنفيذ سد النهضة.
ومن الجدير بالذكر، أن مسائل حقوق الإنسان والتعامل معها، لم يعد شأناً وطنياً أو داخلياً، إنما هو موضوع يقع ضمن صلاحيات المجتمع الدولي والأمم المتحدة على وجه التحديد، وأن تجريم الأفعال المرتكبة ضد الإنسانية، تهدف لحماية الصفة الإنسانية في الإنسان، فنجد القانون الدولي الجنائي يحمي حقوق الإنسان، ويعتبر أن الاعتداء الجسيم عليه لاعتبارات معينة، تشكل جريمة ضد الإنسانية، كما تتوافر المسئولية الدولية الجنائية حال شكل الإخلال بالتزام دولي جريمة دولية من الجرائم الواردة في نص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية( ). حيث تلتزم كل دولة بمراعاة أحكام القانون الدولي في علاقاتها مع غيرها من دول العالم، فإذا أخلت دولة بأحد التزاماتها القانونية، قامت قبلها المسئولية الدولية المدنية، بالتعويض عما ارتكبت، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع المخالفة الدولية، وإذا شكل ذلك الإخلال جريمة دولية تتوفر في طرفها المسئولية الدولية الجنائية الفردية عما ارتكبت من جريمة دولية( ).
وترتيباً على ما سبق، تتوافر تلك المسئولية الجنائية الدولية في حق أثيوبيا والدول المانحة والممولة لمشروع إنشاء سد النهضة، لكون إنشاء السد يتم بالمخالفة لأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية المعنية بالأنهار، وينتج عنه ضرر جسيم وجوهري، يصيبا دولتي المصب، خاصة مصر، حيث ينتج عن السد تخفيض كبير جداً في حصة مصر التاريخي البالغة (55.5 متر مكعب)، مما يؤثر على الحياة في مصر ويهدد شعبها، ويجعل حياته صعبة ومستقبله ووجوده عُرضة للخطر، فمياه النيل، مثلما هي مصدر حياة لكل من مصر والسودان، فإنها أيضاً مصدر فنا.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن ذلك أيضاً، يشكل جريمة إبادة جماعية طبقاًً للمادة السادسة، الفقرة (ج) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي نصت على "لفرض هذا النظام الأساسي تعني "الإبادة الجماعية" أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد هلاك جماعة قومية(*) أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها إهلاكاً كلياً أو جزئياً:- أ- ... ب- ... ج- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد الإهلاك الفعلي كلياً أو جزئياً)( )، كما يشكل جريمة ضد الإنسانية، طبقاً للمادة السابعة، الفقرة (1/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تنص على (تشمل الإبادة، تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان)، ويترتب عليها التزام قانوني دولي بوقف جميع الأفعال غير المشروعة التي تمثل انتهاكاً لالتزاماتها الدولية، وخرقاً لأحكام وقواعد القانون الدولي( ).
وبناءاً على ما تقدم، فإنه يمكن ملاحقة رئيس الوزراء الأثيوبي من قبل المحكمة الجنائية الدولية – رغم كون أثيوبيا ومصر والسودان لم يوقعوا على النظام الأساسي للمحكمة!!- فاكتمال السد وفقاً للتقارير، من شأنه حدوث كارثة إنسانية في حق 90 مليون إنسان، وهي الجريمة التي وردت في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك في تعريف الجرائم ضد الإنسانية التي تنظرها المحكمة، وهي الواردة في المادة (2) فقرة (ب)، وتتحدث عن جريمة الإبادة المتمثلة في
تعمد فرض أحوال معيشية بقصد إهلاك مجموعة من الأشخاص( ).
كذلك، إذا كانت أثيوبيا لم توقع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن إيطاليا وقعت على النظام الأساسي للمحكمة، مما يعرض شركة "ساليني" ورئيس مجلس إدارتها الذي حل محل "روبيرتو ساليني" للمساءلة القانونية، وذلك بموجب البند ج من المادة الثالثة من مواد المحكمة الجنائية الدولية، وهو البند الذي يتحدث عن المساءلة الجنائية لكل من يقدم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر، لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها( ).
ومما هو جدير بالذكر، أنه لا تسري المسئولية القانونية، إلا عندما تكون الشركات متواطئة بشكل مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان، وعليه، لكي تكون الشركة متواطئة قانوناً، يجب أن تُسهم مشاركتها بشكل كبير في ارتكاب الجريمة، ويجب أن تكون على علم بأن مشاركتها تسهم في إلحاق الضرر، ومع ذلك، وبحسب القانون الدولي، لا يتطلب هذا المعيار توفر القصد لدى الشركة لإلحاق الضرر، وإنما يكفي أن تكون لديها معرفة بأن مشاركتها تساهم في هذا الضرر، وبالتالي، تعد شركة ساليني الإيطالية مسئولة مسئولية قانونية تضامنية مع أثيوبيا عن عملية إنشاء السد، خاصة وأن التقارير الفنية أكدت خطورة السد على حصة مصر التاريخية في نهر النيل، فضلاً عن أن الثابت من أحكام عقد المقاولة الدولي، أنه يعتبر باطلاً إذا كان محله يشكل مخالفة أو انتهاك للقانون الدولي( ).
ثانياً: دور المنظمات والمحاكم الإقليمية:-
شجع ميثاق الأمم المتحدة دور المنظمات الإقليمية في تسوية المشكلات الدولية، حيث قرر أنه ليس في الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً، ما دامت هذه التنظيمات والوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، ويجب على أعضاء الأمم المتحدة في مثل تلك التنظيمات، أو الذين تتألف منهم هذه الوكالات، بذل كل جهدهم لتدبير الحلول السلمية للنزاعات المحلية والإقليمية، عن طريق هذه التنظيمات والوكالات، وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن، الذي يعمل على تشجيع هذا الطريق( ).
وتأسيساً على ما تقدم، وجب علينا بيان دور كل من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ثم المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في الحفاظ على السلم والأمن العربي والإفريقي.
1- دور الجامعة العربية:-
منح ميثاق جامعة الدول العربية الذي وضع عام 1945، مجلس الجامعة سلطات واسعة في تسوية النزاعات التي يكون أطرافها، بالكامل، أو البعض منهم من الدول الأعضاء.
وفي هذا الإطار، تشكل المياه أحد التحديات الرئيسية للأمن القومي العربي، خاصة مع تزايد الثقل الاقتصادي والسياسي لموارد المياه في الوطن العربي، حيث يقع حوالي 80٪ خمن المساحة الكلية للوطن العربي في المناطق المناخية الجافة وشبه الجافة، التي تتسم بسقوط متذبذب للأمطار على مدار السنة، وبالتغير في كمياته من سنة إلى أخرى، وإذا كانت مساحة الوطن العربي تمثل 10.2٪ من مساحة العالم، فإن موارده المائية لا تمثل سوى 0.5٪ من الموارد المائية المتجددة العالمية، كما لا يتجاوز معدل حصة الفرد العربي حالياً من الموارد المائية المتاحة، حدود 1000 لتر مكعب سنوياً، مقابل 7000 متر مكعب للفرد كمتوسط عالمي( ).
ورغم ضعف مستوى حصة الفرد العربي من الماء في الوقت الحاضر، فإن التنبؤات المستقبلية، تشير إلى أن هذا المستوي سوف ينخفض إلى حدود 460 م3 في السنة بحلول عام 2025، وأنه سيصبح أكثر من نصف الوطن العربي تحت خط الفقر المائي، تضاف إلى ذلك احتمالات تناقص كميات المياه التي ترد من الخارج بسبب بعض الخلافات مع دول الجوار المشتركة معها في مصادر هذه المياه، والتي تمثل 50٪ من المياه المتاحة عربياً، والواردة من نهر النيل ونهري دجلة والفرات ونهر السنغال( ).
وفيما يتعلق بتسوية المنازعات الدولية المتعلقة بالأنهار العربية، فإن ميثاق الجامعة العربية قد جاء خلواً من أية أحكام ذات صلة، وهو ما يعتبر أحد أهم المثالب التي تؤخذ على هذا الميثاق، كما تم إغفال هذا الأمر في اتفاقات العمل العربي المشترك المختلفة، التي أبرمت بعد ميثاق الجامعة( ).
وهناك حقيقة تم إقرارها في إبريل عام 1989 من جانب خبراء المياه في 11 دولة عربية، في اجتماعهم بالعاصمة الأردنية عمان، وهي أن أمن المياه في الوطن العربي، لا يقل أهمية عن الأمن القومي بصيغته العسكرية أو التنموية، ويزداد الأمر سوءاً، إذا أخذنا في الاعتبار، الكثافة السكانية المطردة ببعض البلدان العربية، وانخفاض معدلات تدفق المياه إلى الدول العربية، وزيادة أنماط الاستهلاك غير الرشيدة، وقلة الأمطار، نظراً للطبيعة المناخية الجافة، وانتشار الصحاري بهذه البلدان( ).
وعلى الرغم من هذه الحقائق الخاصة بمواد المياه وأمن المياه في الوطن العربي، نجد أن اهتمام جامعة الدول العربية بقضية المياه، قد اقتصر على المستوى المؤسسي فقط، حيث تم وفقاً لنص المادة الرابعة من ميثاق جامعة الدول العربية، إنشاء لجنة دائمة لتتولى وضع قواعد التعاون بين الدول العربية في مجال استغلال الموارد المائية المشتركة، وهي المجلس الوزاري العربي للمياه، وقد حدد النظام الأساسي للمجلس هدفه الرئيس والعام في تنمية التعاون وتنسيق الجهود بين الدول العربية، من أجل وضع إستراتيجية عربية لمواجهة التحديات المائية وتعزيز الأمن المائي العربي، تكون إطاراً للبرامج والأنشطة في كافة مجالات الموارد المائية، ومنها حماية الحقوق المائية العربية، من خلال الدفاع عن هذه الحقوق في المحافل الدولية المهتمة بقضايا المياه، وتنسيق المواقف بما يخدم المصالح العربية( ).
وتماشياً مع أهداف جامعة الدول العربية في المحافظة على السلم والأمن العربيين، وبما لها من ثقل سياسي، يتعين عليها أن تتخذ موقفاً إيجابياً بقرار يمثل ثقلاً سياسياً على أثيوبيا، يمكن استخدامه في الضغط الدولي عليها، لكي تمتنع عن المضي قُدماً نحو تنفيذ سد النهضة، نظراً للأضرار والمخاطر الجسيمة التي تصيب مصر والسودان جراء تنفيذه، وأن تقف كذلك مع مصر في الشكوى المقدمة لمجلس الأمن، مع تحمل المسئولية القانونية والسياسية لبحث إصدار قرار، طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لوقف عملية إنشاء سد النهضة، واعتباره عملاً يهدد السلم والأمن الدوليين، مع ما يترتب على ذلك من آثار( ).
2- دور منظمة الاتحاد الإفريقي:-
إن ميثاق منظمة الأمم المتحدة، باعتباره القانون الأسمى والأعلى على المستوى الدولي، قد أناط بالمنظمات الإقليمية اختصاصات مباشرة في مجال تسوية المنازعات الدولية، ومن بين هذه التنظيمات الإقليمية، منظمة الاتحاد الإفريقي، وقد تطلب الميثاق الأممي عرض النزاع أولاً: على تلك التنظيمات قبل عرضه على الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (الجمعية العامة، مجلس الأمن)، ومن ثم، فإنه إذا لم تسفر جولة المفاوضات الحالية بين دول النيل الشرقي عن تسوية النزاع بشأن أزمة سد النهضة، فإنه من الأحرى بهذه الدول الذهاب مباشرة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، ووضعها أمام مسئولياتها القانونية بموجب ميثاقها، وأيضاً ميثاق منظمة الأمم المتحدة في مجال تسوية المنازعات الدولية( ).
ومن الجدير بالذكر، أن نشير هنا، إلى أن البروتوكول الأساسي المنشئ لمجلس السلم والأمن الإفريقي، قد نص على أربع آليات لتمكين المجلس المذكور من الوصول إلى هدفه في الحيلولة دون نشوب النزاعات المسلحة داخل القارة، وتسويتها سلمياً حال نشوبها، وهي: مجلس الحكماء، ونظام للإنذار المبكر، تكون له وحدة مركزية في أديس أبابا، ووحدات فرعية منتشرة عبر أقاليم القارة، وتعمل سوياً مع الآليات الأمنية الأخرى التابعة للتجمعات الإقليمية الإفريقية، وقوة إفريقية جاهزة للتدخل الفوري في حالة النزاعات، ويتمثل الفرض الأساسي من إعداد هذه القــــوة وتوفيرها، في الحيلولة دون تدويل الصراعات الإفريقية، والتعامل مع هذه الصراعات فــــــور
نشوبها، للمساعدة في تحقيق الأمن والاستقرار سريعاً، وأخيراً، صندوق السلم( ).
وطبقاً لنص المادة الثالثة من البروتوكول، فإن من أهدافه "منع النزاعات، وصنع بناء السلم، وإعادة التعمير بعد النزاعات، وأيضاً تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة"، واتساقاً مع هذا الهدف المتقدم، نص البروتوكول في مادته الرابعة على "مجموعة من المبادئ التي يتعين أن تكون محل اعتبار أثناء سعي الاتحاد لتحقيق أهدافه، في مقدمتها: التسوية السلمية للنزاعات بين الدول الأعضاء، واحترام الحدود الموروثة عند نيل الاستقلال، ومنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الدول الأعضاء في الاتحاد، والتعايش السلمي بين الدول الأعضاء في الاتحاد، وحقها في العيش في سلام وأمن، وحق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الاتحاد، وذلك لإعادة السلم والأمن".
ومن الجدير بالذكر، أن مؤتمر وزراء الري الأفارقة الذي عقد في القاهرة في فبراير 2003، قد أعلن هدفاً عاماً يسعى إلى تحقيقه، ويتمثل في وضع رؤية مشتركة لتعظيم الاستفادة من موارد القارة المائية، وبحث سبل تفعيل عملية التعاون بين الشمال والجنوب في هذا المجال، بتناقل الخبرات العلمية والعملية فيما بينهم( ).
وترتيباً على ما سبق، يجوز لمصر الاحتجاج مباشرة لدى الأمين العام لمنظمة الاتحاد الإفريقي، متى استمرت أثيوبيا في تعسفها، على أن تُضَمِن مصر الاحتجاج القانوني، أوجه الانتهاكات الأثيوبية لمبادئ وقواعد القانون الدولي المستقرة في مجال استخدامات مياه الأنهار الدولية في غير الأغراض الملاحية، كما يجب أن يتضمن الاحتجاج، الإشارة إلى الوسائل التي لجأت إليها الدول الثلاث لحل الأزمة (التفاوض المباشر، اللجان الدولية والوطنية، وشرح أوجه مظاهر التعسف الأثيوبي، ابتداء من تغيير أثيوبيا للمواصفات التي وضعت لسد النهضة من قبل مكتب المساحة الجيولوجية الأمريكية، وصولاً إلى المواصفات الفنية الحالية للسد، فضلاً عن إضراره بصفة مباشرة بالحقوق المائية المكتسبة لمصر في مياه النيل، بالإضافة – أيضاً – إلى استمرار أثيوبيا في أعمال البناء، ضاربة عرض الحائط بمبادئ احترام حين النية وحسن الجوار، دون أن توقف الأعمال مؤقتاً لحين التوصل مع مصر والسودان إلى تفاهمات موضوعية لبناء السد( ).
كذلك، يمكن لمصر عرض الأمر على مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي، فالهدف الأساسي من إنشاء المجلس، هو تعزيز السلم والأمن والاستقرار، لضمان وحماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الإفريقية وبيئتها، وخلق الظروف المواتية لتحقيق التنمية المستدامة، ومن أهم المبادئ الواردة في بروتوكول المجلس، النص على التسوية السلمية للنزاعات، واحترام الحدود الموروثة عند نيل الاستقلال، واحترام سيادة الدول الأعضاء ووحدتها، مع حق التدخل في شئونها الداخلية في ثلاث حالات فقط، هي (جرائم الحرب – الإبادة الجماعية – الجرائم ضد الإنسانية)، وحق أية دولة عضو في أن تطلب التدخل من الاتحاد، بغية استعادة السلم والأمن، وذلك طبقاً للمادة الرابعة، الفقرة (ي) من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي( ).
وفي هذا الإطار، يتعين على مجلس السلم والأمن الإفريقي، البحث عن تسوية إفريقية للأزمة، على أساس أنها تهدد الأمن الإقليمي في منطقة حوض النيل، وتسهم في إشعال الصراعات على المياه، إذا ما لجأت باقي دول المنابع لتقليد إثيوبيا في بناس السدود( ).
ج- دور المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب:-
يمكن لمصر رفع دعوى أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، طبقاً للمادتين الثالثة والخامسة، فقرة (ب) من ميثاق المحكمة ضد أثيوبيا، لإصدار حكم باعتبار إنشاء سد النهضة عملاً غير مشروع، طبقاً للقانون الدولي، خاصة القانون الدولي للأنهار، وميثاق الاتحاد الإفريقي، علماً بأن الدول الإفريقية ملتزمة قانوناً بالحكم الصادر من تلك المحكمة، طبقاً للمادة (26) من ميثاق المحكمة( ).

ملخص الفصل الثالث
تناول هذا الفصل من خلال مباحثه الثلاث:
المبحث الأول: البعد المائى لأمن مصر القومى
يهدف الأمن القومى إلى تحقيق التنمية الشاملة لكافة مقدرات الدولة وحمايتها من الإختراق الأجنبى من أى إتجاه، ولذا فإنه توجد علاقة وثيقة بين الأمن القومى والأمن المائى المصرى، حيث أصبحت المياه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومى لأية دولة من الدول فهى من العوامل الأساسية للنمو الإقتصادى.
المبحث الثانى: التحديات المعاصرة للأمن المائى المصرى
هناك العديد من التحديات التى تهدد وجود الدولة المصرية، ومن هذه التحديات الإتفاقيات الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل والمعروفة إعلامياً بإتفاقية عنتيبى والتى تغفل الحقوق المكتسبة لمصر فى مياه النيل، كما أن هناك تحدياً عظيماً يتمثل فى بناء أثيوبيا لعدة سدود لعل أهمها وأخطرها سد النهضة بما يمثله من مخاطر جسيمة على الأمن القومى المصرى.
المبحث الثالث: دور الحوكمة فى التعامل مع تحديات الأمن المائى المصرى
لما كان سد النهضة الأثيوبى يمثل تحدياً عظيماً لمصر فى الوقت الراهن لذا كان لزاماً على الحوكمة (الإدارة الرشيدة) أن تؤدى دورها فى التعامل مع هذا التحدى من خلال إستخدام الوسائل السلمية التفاوضية لتسوية هذه الأزمة، فإذا لم تجدى الوسائل السلمية وتؤدى دورها ففى هذه الحالة يجب على الدولة المصرية أن نتمسك بالآليات القانونية المتاحة لمواجهة التعسف الأثيوبى.
والنتيجة الهامة لهذا الفصل تكمن فيما يلى:
تعد قضية المياه بالنسبة لمصر بكل المقاييس قضية أمن قومى حيث أن حصة مصر المائية المقدرة بـ 55,5مليار م3 من مياه النيل هى أحد أهم أبعاد الأمن المائى المصرى بصفة خاصة، والأمن القومى بوجه عام.
ومن هنا تبرز أهمية منطقة حوض النيل كإحدى دوائر الأمن القومى المصرى إنطلاقاً من كون تلك المنطقة تضم منابع ومجارى النيل الذى يعتبر شريان الحياة لمصر والمصريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ