الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابة التاريخ وإلى أية درجة الالتزام بالموضوعية (2)

طلعت رضوان

2018 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتابة التاريخ بين الموضوعية والأيديولوجية (2)
طلعت رضوان
الأستاذ الدكتورياسرشحاتة ألزم نفسه بالموضوعية فى مقدمة كتابه (إعادة قراءة التاريخ- ج2) الصادرعن هيئة الكتاب المصرية- عام2018..وبالفعل احترم ما وعد به فى معظم فصول الكتاب..ولكن طغتْ عليه ميوله الأيديولوجية فى بعض الفصول، إما بالانحيازللعروبة والإسلام، أوبعدم التعليق على بعض الوقائع التاريخية، أوعدم التعليق على آراء بعض المستشرقين..ومن أمثلة ذلك أنه ذكرأنّ الكثيرمن المستشرقين أمثال (جيبون) و(ميور) و(فنسنك) وغيرهم لهم آراء فيما يخص يهود (بنى النضير) حيث يعتبرون أنّ بنى النضيرلم تنقض عهدًا..ولكن نبى الإسلام تعمّد طردهم ليستولى على أموالهم لتحسين الأوضاع الاقتصادية خاصة بين المهاجرين (ص141) بعد هذه الفقرة لم يكتب الباحث رأيه الخاص: هل هومع رأى هؤلاء المستشرقين أم له رأى آخرمختلف؟ أى أنه ترك الأمرللقارىْ..وأعتقد أنّ سكوت الباحث (قد) يـُـفسره بعض القراء بأنه يتشكك فى كلام المستشرقين..خاصة أنّ الثقافة السائدة المصرية (والعربية) تعمّـدتْ تشويه دورهم وكتاباتهم..وأنهم يستهدفون نقد ومهاجمة الإسلام إلخ..ولوأخذنا أحدهم على سبيل المثال (فنسنك) فقد هاجمه أحد شيوخ الأزهر، بالرغم من أنه نفى عن الرسول مقولة إكراه الناس على اعتناق الإسلام..ولكن هذا الكلام لم يعجب شيوخ مجلة الأزهر:
ففى مقال لأحد كتاب مجلة الأزهريرد فيه على المستشرقين الذين يفترون على الإسلام من وجهة نظركاتب المقال كما هى وجهة نظرالثقافة السائدة..فى هذا المقال ردّ على المستشرق (فنسنك) فقال ((وبعد الطعن فى عالمية الإسلام وإنكارورودها فى القرآن، يصل المستشرق إلى المرحلة الثانية من خطته المتكاملة وهى الطعن فى الحديث..فيزعم أنّ الصحابة رضوان الله عليهم وضعوا أحاديث فى عالمية الإسلام ليبرروا بها الفتوحات الإسلامية التى إمتدتْ بعد وفاة الرسول من شبه الجزيرة إلى معظم أنحاء العالم..وحملتْ معها الدعوة العالمية للإسلام..ومن هذه الأحاديث حديث "أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلاّالله" وحتى يُزيل الكاتب أية شكوك يمكن أنْ تساورالقارىء حول هذا الحديث خشية الظن أنه موضوع أوضعيف العنعنة أومختلف عليه، فإنه وضع بعد نص الحديث مباشرة العبارة التالية وبين قوسين ((متفق عليه)) (مجلة الأزهر- نوفمبر1990- ص 448) ومما تقدم تتضح المفارقة التالية: المستشرق الأوروبى يجتهد لنفى أنْ يكون الرسول قد صدرمنه حديث "أمرتُ أنْ أقاتل الناس إلخ" لأنه حديث يؤكد أنّ الإسلام انتشربقوة السيف وقتال كل من يرفض الإسلام..ويذهب المستشرق إلى أنّ هذا الحديث من وضع الصحابة..ولكن الدكتوركاتب المقال يرفض ذلك الاجتهاد وينص صراحة على أنّ ذلك الحديث (متفق عليه)
لذلك- كما أعتقد- كان من المهم أنْ يـُـشيرالباحث- ولوإشارة بسيطة- حول دورالمستشرقين الذين دافعوا عن الإسلام ونبى الإسلام..كما فعل المستشرق (فنسنك) فى المثال المذكوربعاليه.
وذكرالباحث- بحيادية- أنه بعد انقضاء غزوة الخندق بدأتْ الدوائرتدورحول بنى قريظة، نظيرنقدهم للعهد مع محمد..ومحاولة تحالفهم مع الأحزاب..فحاصرهم محمد فى حصونهم..وطلب بنوقريظة أنْ يحكم فيهم سعد بن معاذ..على تصورمنهم أنّ الحلف الذى كان بينهم وبين قومه، سيجعله يرأف بهم..ولكنه (سعد بن معاذ) حكم بأنْ يـُـقتل الرجال وتسبى النساء والأطفال إلاّمن يسلم منهم..فوافق محمد على ذلك وأمربه..ولم يسلم منهم غيرنفرقليل يـُـعد على الأصابع..وكان هذا هوآخروجود لليهود فى يثرب (ص142) كما تجاهل الباحث أنّ الرسول قطع كروم أهل الطائف فكان سببـًـا فى إسلامهم..وأمرفى حرب بنى النضيربقطع نوع من النخل يقال له الأصفر)) (الأحكام السلطانية والولايات الدينية- تأليف أبوالحسن الماوردى- ص52)
وكان الباحث موضوعيـًـا وأمينـًا عندما ذكرما ورد فى أمهات الكتب العربية/ الإسلامية من أنه: بعد صلح الحديبية مع قريش بأسابيع قليلة، أخذ محمد يعد العدة لغزوآخرهومعقل لليهود فى المنطقة (خيبر) وعندما أعطى الراية لعلى بن أبى طالب ((سأله على: على ماذا أقاتلهم يارسول الله؟ فقال محمد: على أنْ يشهدوا أنّ لا إله إلاّ الله..وأنى رسول الله..فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلاّبحقها..وحسابهم عند الله)) وكان تعقيب الباحث شديد الموضوعية حيث كتب ((فى الغالب لم تكن هناك أسباب موضوعية للغزوكعقاب على جرم ارتكبوه..ولكن يبدوأنّ أسباب الغزوكانت لدوافع سياسية محضة..وهى تأمين المنطقة المحيطة بالمدينة حتى حدود الشام..من أى وجود غيرإسلامى)) (ص142)
وذكرأنّ العالم القديم كان يعج بالحروب والصراعات الدينية والمذهبية..وكانت تقام المذابح والمجازرلأتفه الاختلافات الفرعية..وإذا بمحمد يقوم بإرسال رسائل إلى ملوك وعظماء العالم القديم كله تقريبا..ويطلب منهم الخضوع الطوعى له..وأنْ يسلموا بأنه سيد العالم الجديد..وصاحب الرأى الفصل فى كل القضايا المطروحة..وأضاف أنّ الذى يدعوللتأمل أنّ كل كتب السيرة أكــّـدتْ على استجابة الجميع لدعوة محمد، باستثناء الفرس (ص144)
وهنا أيضـًـا لم يـُـعلق الباحث على رسائل محمد إلى ملوك وعظاء العالم القديم (كله تقريبـًـا) وطلب منهم الخضوع الطوعى..مع التسليم بأنه ((سيد العالم الجديد..إلخ)) وأعتقد أنّ الكتابة الأمينة التى تــُـراعى احترام القارىء..كانت تــُـحتم على الباحث التعليق على تلك الدعوة الخطيرة (الخضوع الطوعى) والأخطرمنها (سيادة العالم) لأنّ تلك الدعوة التى كانت فى القرن السابع الميلادى، امتـدّ تأثيرها إلى القرن العشرين..وبصفة خاصة بعد تكوين جماعة الإخوان المسلمين..ولها جذورفى التاريخ القديم.
وقد دفعتْ البشرية (منذ فجرالتاريخ) ثمنــًا غاليًا وفادحـًا بسبب الاستعمار..ومن مشاكل اللغة العربية أنّ مصدرالكلمة (العمار) بينما معناها الشائع هواحتلال بلد لبلد آخر، لنهب موارده.. ويذهب ظنى أنّ الأكاسرة والأباطرة فى العصورالقديمة أصابهم فيروس virus حمى استغلال الشعوب لصالح (مجد) زائف هوالسيادة على العالم..وذاك المجد الزائف دفع ثمنه الجنود (سواء مرتزقة أوفى جيش محترف) من دمائهم، ناهيك عن مآسى الشعوب الذين تم غزو واحتلال أوطانهم..وشهد مسرح التاريخ قيام امبراطوريات ثم سقوطها، بل إنّ بعض الامبراطوريات ورثتْ الامبراطورية السابقة عليها، مثلما حدث عندما ورثتْ الامبراطورية الرومانية الامبراطورية اليونانية، إذْ بسطتْ روما سيطرتها على الدول اللاتينية المحيطة بها. وفى عام 301 ق. م غدتْ روما سيدة البحرالأبيض المتوسط دون منازع، فاتجهتْ نحوالشرق وحوّلتْ مقدونيا إلى ولاية تابعة لها..وأرغمتْ أنطونيوس الرابع على الانسحاب من مصر، فأصبح البطالمة يدينون بعرشهم لروما التى أخضعتْ بلاد الإغريق. حدث ذلك رغم أنّ الإسكندرالأكبر(356- 323ق. م) بدأ عهده بمحاربة الفرس ثم أمضى سنتيْن لإخضاع صور وغزة ثم اتجه إلى مصر، فاستسلم له واليها الفارسى. ثم توغل فى الامبراطورية الفارسية حتى الهند فاجتاح إقليم البنجاب ولكنه تراجع بعد أنْ رفض جنوده الاستمرارفى الغزو، بسبب الظروف الجغرافية والمناخية..ويرى كثيرون من المؤرخين أنه كان ينوى (فتح) العالم كله (رغم أنه مات عن 33 سنة) وأنه أحرز(فتوحات) أى غزوات لم يحرزمثلها أحد قبله..وأنه كان يحلم بحلم مثالى زعَمَ فيه ((ربط الشرق بالغرب بالمحبة وليس بالقوة)) فكيف تكون (المحبة) مع الغزووالاحتلال ونهب موارد الشعوب؟
وإذا استبعدنا الغزوات التى لم تتستــّربأى غطاء أيديولوجى فى العصورالقديمة، إلى التستر بغطاء دينى زائف فى العصورالوسطى مثل الحروب الصليبية، التى شنــّها المسيحيون الأوروبيون بين القرنيْن الحادى عشروالرابع عشر، بحجة استعادة الأراضى المقدّسة وخاصة القدس من المسلمين، بينما الهدف الحقيقى هوإحتلال أراضى شعوب المنطقة.. ولعلّ أكبردليل على ذلك أنّ الحملة الصليبية الخامسة التى دعا إليها البابا (أنوست الثالث) كان هدفها الاستيلاء على مصر..وبالفعل استولى الغزاة على دمياط ولكن حملتهم فشلتْ..فهل كفوا عن محاولة الغزو؟ الاجابة لا، إذْ تجدّدتْ المحاولة فى الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا المعروف ب (ورعه) ولكن ذاك (الورع) لم يمنعه من محاولة غزوواحتلال مصر. وبالفعل تم احتلال دمياط للمرة الثانية..وفى فترة حكم الملكة (شجرالدر) انتصرشعبنا المصرى على الجيش الفرنسى وتم أسرالملك لويس التاسع ولم يُطلق سراحه إلاّبعد دفع فدية كبيرة..وتلك الحروب الصليبية شهدتْ العديد من المآسى راحتْ فيها أرواح بشرلاذنب لهم فى ذاك الصراع المقيت بسبب الغزووالاحتلال، سواء من شعوب المنطقة المغزوة أومن جنود الغزو..ووصل الأمرفى الحملة الصليبية الأولى (1095- 99) التى قادها بطرس (الناسك) وآخرون، إلى ارتكاب العديد من الجرائم البشعة، كما ((استهل الغزاة أعمالهم بذبح اليهود ))
وإذا كانت الحروب الصليبية أخذتْ ستارًا زائفــًا (تحريرالقدس) من المسلمين، فماذا عن (الحروب الدينية) التى حدثتْ فى فرنسا (1562- 98)؟ وهى سلسلة حروب بين الشعب الفرنسى، وكانت صراعًا بين البروتستانت والكاثوليك، وبدأتْ الحرب الرابعة (1572- 73) بمذبحة عيد سان بارتلميو..وانتهتْ الحرب الخامسة (1574- 76) بصدورمرسوم يوليوالذى منح حرية العبادة فى فرنسا كلها عدا .
فإذا استبعدنا الغزوات التى لم تتستــّـربالدين فى العصورالقديمة، وركــّـزنا على الحروب الصليبية والحروب الدينية، تبيّن لنا أنّ (المرجعية الدينية) هى الآفة التى أصابتْ البشرية وتسبّبتْ فى العديد من المآسى، وأنّ تلك الآفة بدأها العهد القديم الذى كرّس الغزووالاحتلال بالمشيئة الإلهية..وعن جذورالصراع بين بنى إسرائيل والفلسطينيين (على سبيل المثال) نجد الرب العبرى يقول (( كان فى الأرض جوع غيرالجوع الأول الذى كان فى أيام إبراهيم. فذهب إسحق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين إلى جرار..وظهرله الرب وقال لاتنزل إلى مصر. اسكن فى الأرض التى أقول لك. تغرّب فى هذه الأرض فأكون معك وأباركك. لإنى لك ولنسلك أعطى جميع هذه البلاد)) (تكوين– إصحاح 26) ثم يقول ليشوع ((قال له الرب أنت قد شختْ..وقد بقيتْ أرض كثيرة جدًا للامتلاك..هذه هى الأرض الباقية. كل دائرة الفلسطينيين..وجميع سكان الجبل من لبنان..أنا أطردهم من أمام بنى إسرائيل. إنما أقسّمها بالقرعة لإسرائيل ملكــًا كما أمرتك)) (يشوع– إصحاح 13) ذاك الرب (الافتراضى) يستخدم لفظ (القرعة) وهو يُوزع أراضى الشعوب على شعبه (المختار) ولكن تلك (القرعة) هل تتم ب (السلم) أم ب (الحرب)؟ قال النص ((وحارب بنويهوذا أورشليم وأخذوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار)) (القضاة- الإصحاح الأول) وعندما تمرّد بنوإسرائيل على ربهم العبرى ماذا حدث؟ قال النص ((ثم عاد بنوإسرائيل يعملون الشرفى عينىْ الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة)) (قضاة– إصحاح 13) ومع ذلك يتراجع الرب (أويُراجع نفسه وفق مشيئة كاتب النص الذى قال ((وكانت حرب شديدة على الفلسطينيين كل أيام شاؤل)) (صموئيل الأول– إصحاح 14)
ولايختلف العهد الجديد عن العهد القديم فى الموقف من مصر، من حيث الانحيازلموسى وأتباعه ضد شعبنا المصرى، إذْ جاء فى العهد الجديد ((بالإيمان موسى لما كبرأبى (= رفض) أنْ يُدعى ابن ابنة فرعون مفضلا بالأحرى أنْ يُـذل مع شعب الله.. بالإيمان صنع الفصح ورشّ الدم لئلا يمسهم الذى أهلك الأبكار. بالإيمان اجتازوا فى البحرالأحمركما فى اليابسة الأمرالذى لما شرع فيه المصريون غرقوا)) (الرسالة إلى العبرانيين- إصحاح 11) وكذلك ((فأريد أنْ أذكركم ولوعلمتم هذا مرة أنّ الرب بعدما خلــّص الشعب من أرض مصرأهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا)) (رسالة يهوذا / 5) ويأتى التطابق بصورة عملية وصريحة عندما يقول النص أنّ المسيح ((ملك إسرائيل)) (إنجيل مرقص– إصحاح 15)
ولوانتقنا إلى النسخة الأخيرة من الديانة العبرية، فإنّ القرآن جاء ليؤكد ما سبق تدوينه فى تلك الديانة، ولوأخذنا الموقف من مصر، نجد العديد من السوروالآيات التى لايختلف مضمونها عن المضمون السابق فى العهديْن القديم والجديد..فنجد الانحيازالصريح لبنى إسرائيل (البقرة /40، 47، 122) والجاثية / 16) والأعراف – من 127- 141) ويونس – من 87- 93) والشعراء– من 10- 66 وخاصة الآية رقم 59 والتى نصّتْ بكل صراحة ووضوح على توريث مصرلبنى إسرائيل..ومع ملاحظة أنّ هذه السوروالآيات على سبيل المثال فقط..ومع ملاحظة (ثانيًــًا) أنه فى حالة الرد المأثورعند العروبيين والإسلاميين الذى ينص على أنّ ((العهديْن القديم والجديد تم تحريفهما)) فإنّ الرد عليهم يأتى من القرآن الذى يُـكذب مزاعمهم، إذْ ينص على أنّ ما ورد فى القرأن مطابق لما ورد فى التوراة والإنجيل فى أكثرمن سورة ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور)) (المائدة / 44) و((هذا كتاب أنزلناه مباركٌ مصدقٌ الذى بين يديه)) (الأنعام / 92) و((آتينا موسى الكتب والفرقان)) البقرة / 53) و(آمنوا بما أنزلتُ مصدقــًا لما معكم)) (البقرة / 41) والنسا / 47..وهذه الآيات على سبيل المثال فقط.. ولكن الرد الحاسم والذى لايستطيع أحد أنْ يُكابرفيه هوما جاء فى النص الذى يؤكد على أنّ القرآن مطابق لما قبله فقال ((إنّ هذا (أى القرآن) لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى)) (الأعلى/ 18، 19) أما عن توريث أراضى الشعوب، فالآيات عديدة منها (على سبيل المثال فقط) النص التالى ((ولقد كتبنا فى الزبورمن بعد الذكرأنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون)) (الأنبياء/ 105) وطالما أنّ (الصالحين) هم المسلمون الذين ميّزهم القرآن عن غيرهم بنص قاطع الدلالة وواضح المغزى ((أفنجعل المسلمين كالمجرمين)) (القلم/ 35) إذن يرى النصوصيون من المسلمين أنّ جميع أبناء الجنس البشرى مجرمون، وبالتالى يحق للمسلمين نشرالإسلام والسيادة على جميع دول العالم ليتحوّلوا إلى الإسلام حتى لايكون على وجه الأرض (مجرم) واحد.
000
وبينما ينشغل المُتحضرون فى كوكبنا (الهند، الصين، أوروبا، أميركا الشمالية والجنوبية إلخ) بالحرية والتنمية والدفاع عن حقوق الإنسان فى أى مكان، وإجراء المزيد من الأبحاث العلمية للقضاء على الأمراض التى تـُهدّد حياة البشر(السل، السرطان إلخ) وأنّ الاكتشافات الطبية يستفيد بها كل إنسان على كوكبنا الأرضى، ينشغل الأصوليون المسلمون بحلم طوباوى مريض: لابد من أنْ يسود الإسلام كل بقعة فى كرتنا الأرضية..وهذا الحلم لكى يتحقق يلزمه توفرالشرط الضرورى لذلك، أى أنْ تعتنق كل شعوب العالم الإسلام..ولكن إذا لم يتحقق هذا الشرط، نكون إزاء إحتلال استعمارى يخضع فيه غيرالمسلمين للمسلمين الذين غزوا أراضيهم.
أكتب هذا وأنا مُدرك لتلك الفانتازيا السوداء البائسة، ومُدرك لأنّ صيرورة التاريخ وإنْ كانت حلزونية، إلاّ أنها لاترتد إلى الوراء، ومع ذلك يشغلنى هاجس تصاعد المد الأصولى الإسلامى فى أوروبا، حيث يرفض المسلمون (العرب بالذات) الاندماج فى المجتمع الأوروبى الذى وفــّـرلهم حق الإقامة وحق العمل، بل وحق (المواطنة) لدرجة أنْ يتولى (المسلمون) أرفع المناصب..ورغم كل هذه الحقوق التى لايحصلون عليها فى بلادهم الأصلية، فإنهم يُـصرون على السيرعكس تيارحركة التاريخ، ويرون أنّ (سعادتهم) الحقيقية لن تتحقق إلاّ إذا فرضوا معتقداتهم الدينية على المجتمع الذى هاجروا إليه بمحض إرادتهم، أى أنهم لايكتفون بما حصلوا عليه من حق ممارسة شعائرهم، والتعبد بديانتهم بكامل الحرية، وبناء المساجد إلخ وإنما يطمحون إلى ما هوأكثرمن ذلك، مثل الخروج على تقاليد وثقافة المجتمع الذى يعيشون فيه (فرض النقاب– نموذجًا– ذبح الماشية فى عيد الأضحى فى الشوارع– نموذجًا ثانيًا- ارتفاع المآذن فوق المساجد- نموذجًا ثالثـًا- رغم أنّ المساجد فى بداية الإسلام كانت بدون مآذن- نصْبْ الميكروفونات على المساجد– نموذجًا رابعًا- الصلاة فى الشوارع والميادين- نموذجًا خامسًا إلخ) يفعلون كل ذلك وهم يعلمون أنّ دولة عربية (السعودية) لاتسمح ببناء كنيسة داخل أراضيها، وأنّ دولة مثل مصر(بسبب سيطرة الأصوليين على الثقافة السائدة منذ يوليو52) تضع العراقيل أمام المسيحيين، سواء فى بناء كنائس جديدة أوتجديد وإصلاح القديمة.
والأكثرخطورة ما سمعته من أصدقائى وأقاربى المُستنيرين العاملين فى أوروبا، حيث لاحظوا أنّ أغلب الأسر(المسلمة/ العربية) تبث فى أطفالهم كراهية المجتمع الأوروبى..والحجة السائدة هى أنه مجتمع (كفار) وأنّ المسيحيين مشركون لأنهم يعترفون بالتثليث وهوضد التوحيد الإسلامى. بعد هذا (التمهيد) تأتى نصيحة أولياء الأمور(الختامية) لأطفالهم: لاتـُجالسوا أطفال المسيحيين ولاتـُـصادقونهم ولاتــُـآكلونهم ولاتلعبون معهم..والنتيجة هنا مزدوجة: انفصام الأطفال المسلمين عن المجتمع الذى يعيشون فيه (= تعميق الشعوربالغربة والاغتراب) مع تضخيم الإحساس بالتميز..وفى نفس الوقت ينشأ الطفل الأوروبى ولديه إحساس عميق بشىء غيرمألوف وغريب على المجتع الذى نشأ وعاش فيه أبواه وأخواته الكبار..هذه المشاعر المكبوتة تظل تنموإلى أنْ يكبرالطفل ويصيرشابًا، فيُدرك أنه يعيش فى مجتمع مُنقسم على ذاته. وأنه لم يعد مجتمعًا واحدًا مُتجانسًا، وبالتالى (كما يؤكد علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا) يفتقد المجتمع أهم مقوماته: المشروع القومى والهدف الوطنى الذى يضم جميع أبناء الوطن، بغض النظرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية..وهوأحد مبادىء حقوق الإنسان العالمية التى تربوا عليها.
وإصرارالمسلمين على التميزداخل المجتمع الأوروبى، خلق أخطرأنواع الفيروسات الاجتماعية (اللا تسامح) ويعود الجذرالتاريخى له من القرآن الذى كفـّرالمسيحيين (سورة المائدة 17، 72، 73) وعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء (المائدة 51، وآل عمران28) والقتل المتوالى لمن أطلق عليهم الكفار، إذْ نصّ على ((يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفاروليجدوا فيكم غلظة)) (التوبة 123) فهذه الآية فى رأى مفسرى القرآن أنها لاتتوقف عند (كفار) قريش ولاتــُـخاطبهم وحدهم، وإنما تتجاوزهم إلى جميع (الكفار) فى العصورالتالية. بل إنّ القرآن فرّق بين المسلمين والمجرمين ((أفنجعل المسلمين كالمجرمين)) (القلم/ 35) فهذه الآية جعلتْ المسلمين الضد للمجرمين..ووفقــًا لعلم المنطق فإنّ المعنى هو((أنّ غيرالمسلمين مجرمون بالضرورة)) وأنّ ((المسلمين غيرمجرمين بالضرورة)) ونظرًا لأنّ (المسلم) خاصة الأصولى مؤمن بأنّ القرآن لايأتي بالباطل، فعلى المؤمن به أنْ يُصدّق كل ما ورد فيه..وفى تفسيره لآية ((إنّ الدين عند الله الإسلام)) آل عمران/19قال ابن كثير((هذا إخبارمنه تعالى بأنه لادين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام)) وتأكد ذلك فى الآية رقم 85 من نفس السورة ((ومن يبتغ غيرالإسلام دينــًا فلن يُقبل منه وهوفى الآخرة من الخاسرين)) وعن التميّـزعن باقى البشر نصّتْ الآية رقم 110من نفس السورة على ((كنتم خيرأمة أخرجتْ للناس))
المرجعية الثانية أحاديث محمد مثل ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) (ورد فى الصحيحيْن عن عمربن الخطاب وصحيح المسند رقم 12643- ابن كثيرج2ص1338، 1339) وجاء فى حديث صحيح أنّ النبى قال ((لاتسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا..إلخ)) وجاء فى تاريخ الطبرى والسيرة الحلبية أنّ النبى قال ((أنه يدعوأهل قريش إلى أنْ يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم)) (العجم فى اللغة العربية- بهائم- والعجم ضد العرب- والعجم كل من لايتكلم اللغة العربية– مختارالصحاح– المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 440) وتبعًا لذلك قال النبى ((بُعثتُ بالسيف والخيرمع السيف ولاتزال أمتى بخيرما حملتْ السيف)) وقال ((إذا تبايعتم بالنسيئة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (رواه أحمد وصححه الحاكم) وقال ((من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهوفى سبيل الله)) وقال ((من لم يغز ولم يُجهزغازيًا أويخلف غازيًا فى أهله، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)) وقال ((من مات ولم يغز ولم يُحدّث نفسه بغزومات على شعبة من النفاق)) (أبوداود ومسلم والنسائى والترمذى والبخارى) هذا الجذرالتاريخى تلقفه حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين فتأسّستْ دعوتهم على ((مطاردة اليهودية الماكرة ومصارعة المسيحية..وأنه بفضل الإسلام ((انحصرظلها عن قارتىْ آسيا وأفريقيا وانحازتْ إلى أوروبا فى ظل الدولة الرومانية..وتضم الدولة الإسلامية فى غرب أوروبا وتمخرالأساطيل الإسلامية عباب البحريْن الأبيض والأحمرحتى يصيران معًا بحيرة إسلامية)) (الشيخ حسن البنا ومدرسته- د. رؤوف شلبى- دارالأنصار- عام 1978- ص 324) وقال عبد القادرعودة ((طبيعة الإسلام أنْ يعلوولايُعلى عليه..وأنْ يفرض حكمه على الدول وأنْ يبسط سلطانه على العالم كله)) (الإخوان المسلمون وجذورالتطرف– تأليف السيد يوسف- هيئة الكتاب المصرية- عام99ص579) وإذا قفزنا إلى لحظتنا الراهنة البائسة نجد أنّ محمد مرسى قبل أنْ يتولى رئاسة مصرقال ((سنعيد الفتح الإسلامى لمصر)) (نقلا عن أ.ماجد عطية– وطنى 6/5/2012)
فإذا كانت مصرلم يدخلها الإسلام (من وجهة نظره) فمن باب أولى فتح (= غزو) أوروبا. ونفس المعنى ردّده أ. طارق البشرى فقال ((إنّ مصرفى حاجة لاستكمال إسلامها)) (نقلا عن أ. سميرفريد- المصرى اليوم 12/7/2011) وكان خيرت الشاطرأكثروضوحًا إذْ قال ((إنّ الجماعة تستعد للحكومة الإسلامية بهدف الوصول إلى مرحلة سيادة العالم)) (الشروق المصرية- 23/4/2011) وقال أيضًا ((الإخوان المسلمون لايقبلون أنْ يشغل منصب رئيس الدولة مسيحى أوامرأة)) (المصرى اليوم 24/4/2011)
وإذا كان الإخوان المسلمون (فى بداية الألفية الثالثة) يحلمون بذاك الحلم الطوباوى المريض، برسم سيناريومُتخيّل عن أملهم فى (سيادة العالم) حتى على الدول الأوروبية التى يعيش العرب والمسلمون عالة على إنجازاتها العلمية فى كل المجالات، فإنهم (أى الإخوان) إنما يسيرون خلف (مرشدهم) الأول (حسن البنا) الذى خاطب (رعاياه) فقال لهم (( إنّ الدورعليكم فى قيادة الأمم وسيادة الشعوب (لأنّ) الدين يُوجّه المسلمين إلى أفضل استعمار..وأبرك فتح. ويُـقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا )) (نقلاعن أ. طارق البشرى– الحركة السياسية فى مصر- 1945- 1952- دارالشروق– ط 2 – عام 1983- ص 72) وما سبق اقتباسه مجرد نماذج وليس على سبيل الحصر.
هذا الخطاب الاستعلائى الاقصائى داخل مصر، له أنصاريعيشون فى أوروبا تحت مسميات عديدة تأخذ شكل (مراكزبحوث إسلامية) يُردّدون فيها توجهاتهم عن مجتمعات الكفر..وأنّ الإسلام قسّم العالم إلى فسطاطيْن (مؤمنين = المسلمين، وكفار= غيرالمسلمين فى كل بقاع العالم) وإذا كان لى أنْ أبدى رأيًا عن وضع المسلمين فى أوروبا، لتحقيق الاستقرارالاجتماعى، فإننى أتمنى أنْ يتبنى الليبراليون (من المسلمين) خطابًا تنويريًا، يتأسّس على فصل المعتقد الدينى عن الانتماء الوطنى..وأنّ الانسان (المسلم) المُصرعلى معتقداته التى يخلط فيها بين ما هووطنى وما هودينى، ومُصرعلى تكفيرالمجتمع الذى قبل هجرته وآواه ووظفه إلخ فعليه (وفقــًا للعقل وللمنطق) أنْ يعود إلى وطنه الأصلى، طالما أنه لايستطيع العيش مع المجتمع الذى يرى أنّ ثقافته وتقاليده وأعرافه، تتناقض مع معتقداته..وهل يمكن أنّ يتحقق هذا الحلم (الإنسانى) بينما الإدارة الأمريكية مُـستمرة فى سياستها الداعمة لكل الأصوليين الإسلاميين؟
000
المعانى السابقة غابتْ تمامًـا عن د. ياسرشحاتة وهوينقل قول نبى الإسلام الذى طلب من ملوك العالم القديم الخضوع الطوعى له..والتسليم بأنه ((سيد العالم الجديد)) ولكن د. ياسرشحاتة كان أمينا عندما ذكرأنّ معظم الملوك استجابوا لدعوة محمد، ما عدا كسرى عظيم الفرس الذى تعامل مع رسالة محمد باحتقار..ومزق الرسالة (ص154)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل