الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيديولوجيا السقوط

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2018 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في دائرة الشرق الأوسط اجتمعت فيروسات الأفكار المعادية للحياة، ووحشية الحكام الطغاة، وانحطاط الشعوب ورداءة ‏نوعية البشر. ولأن الحكام هم أبناء شعوبهم وثقافة بيئتهم، فإننا نكون أمام عاملين فقط: ثقافة وطبيعة الشعوب.‏
قد يبدو في العبارة السابقة قدر كبير من التجاسر، والافتراض دون دليل، خارج نطاق ما تعودنا جميعاً افتراضه من ‏بديهيات ومسلمات. لكننا سنحاول في السطور القادمة قدر الممكن الذي يتسع له مجرد مقال، أن نوضح ما قد يبرر ‏ولو جزئياً الذهاب لما ذهبنا إليه.‏
بالنسبة لبطش الحكام، فهو في حقيقته بطش ظاهري، يتركز على هدف واحد هو البقاء على كرسي الحكم. وفي سبيل ‏ذلك الهدف الأوحد يبحث عن أفضل وأسهل الطرق لتحقيقه، وهذه يدله عليها الشعب ذاته.‏
هل يبدو هذا القول غريباً؟. . ربما.‏
لكن بالتأكيد أسهل طريقة لحكم الأحرار هي نظم الديموقراطية والحرية. وأسهل طريقة لحكم العبيد بطباعهم وعاداتهم ‏وتقاليدهم الاجتماعية هي البطش والاستبداد. ولن ندخل هنا في تفنيد وتقييم نظرية "المستبد العادل". لأن كاتب هذه ‏السطور يتعاطف قلبياً وفكرياً أيضاً، مع من لا يرون لمنطقة الشرق الأوسط الأوسط أملاً سواها.‏
عملية تغيير الشعوب وثقافتها المتوطنة ليست بذلك العمل السهل الذي نسميه تنويراً. فالإنسان لا يتبنى ثقافة وفق ‏أسس عقلانية محضة. كما أن الأمر لا يرجع دوماً وكلياً للجهل، كما تعودنا أن ننسبه بثقة مبالغ فيها.‏
عبثاً تحاول إقناع الدود الزاحف في الوحل بروعة التحليق في الفضاء. بل وقد يعد من الظلم أن تحرم الخنازير من ‏متعة التمرغ في الوحل. فدوجما وأيديولوجيات العداء والكراهية، أقرب وأكثر ثباتاً في قلوب البشر عموماً، لتوافقها مع ‏نوازعهم البدائية الوحشية. ويحتاج الأمر‎ ‎لارتقاء الإنسان بنفسه إلى جهد ووعي، تعجز كثير من الشعوب عنه، لدواع ‏سيكولوجية وبيولوجية، وليس فقط دواع عقلية محضة.‏
هناك شعوب لا تعرف سوى حرية السقوط. وهذا ما شهدناه جميعاً فيما سارعنا بتسميته الربيع العربي، حيث سارعت ‏الشعوب هرباً من استبداد الحكم البوليسي، للارتماء في حضن استبداد أشد وأنكى، وهو استبداد رجال الدين، بكل ما ‏يجهزونه لشعوبهم من أغلال، تمتد حتى غرف نومهم ومخادعهم.‏
الشعوب المتخلفة هي التي مازالت تعيش على نفايات الماضي. وليست تلك التي تفتقد لعمارات شاهقة وأجهزة منزلية ‏حديثة. لدينا بالمنطقة تلك الكيانات الصغيرة على الخليج، والتي نشهد نهضتها المعمارية وثراءها المادي، لكنها ‏استعانت لتحقيق ذلك بحظر الاقتراب من الأساس الفكري لشعوبها، سواء كان الاقتراب سلباً أم إيجاباً. نعم قد يكون هذا ‏أفضل الممكن. لكنه لا يعد تحضراً وحداثة بالفعل، وقدرة على الإنتاج، وليس فقط الاستهلاك لحضارة منتجة بواسطة ‏شعوب أخرى. ‏
قيم وثوابت ومقدسات الأمة هي الصخور الأزلية الجديرة بالبحث والتدقيق والمراجعة. فهل يكفي اهتمام من نسميهم ‏مثقفين بالأمر، ليتولوا عملية تنوير العامة، بنقل الفكر الغربي الحديث، واستزراعه في بلادهم؟
جماهير جميع الشعوب معنية ظاهريا بالسعي لكسب عيشها، لكنها خلال ذلك تنتج صفوة تعبر عن نوازعها. . من ‏تنتجهم شعوبنا كما نرى هنا وهناك صفوة مأفونة، مضروبة بكافة أيديولوجيات العنف والكراهية، لهذا فهي عاجزة. لكن ‏عجزها هذا لا يرجع لأخطاء تكتيكية أو استراتيجية ترتكبها أثناء عملية استنارتها الذاتية أولاً، ثم تنوير مجتمعاتها ثانياً. ‏الصفوة كالحكام، كلاهما ابن بيئته ومن إنتاجها. كذلك كان رواد التنوير في أوروبا، أبناء مجتمعاتهم، معبرين عن ‏إرهاصات الحداثة في ضمير شعوبهم. صفوتنا أيضاً كذلك، حتى من يرتدي منهم أزياء الحداثة والعلمانية، إما هو ابن ‏بار ببيئته، يعكس تخلفها وموقفها المعادي للعالم الحر. وإما مارق متغرب، اعتنق فكراً وسيكولوجية نمط الفكر والحياة ‏الغربية. وهو الطريق الملوكي للفشل، إذا ما حاول استزراع أشجار وشجيرات هذه الحداثة الغريبة المستوردة في تربة ‏غير صالحة، بل ومعادية لها.‏
إزاء هذه الحالة ودفاعاً عن الشعوب، التي تعدها أدبياتنا السياسية صنماً، لا يجوز لنا أن ننسب له إلا كل ما هو جليل ‏وعظيم، ناهيك عن أدبيات المظلومية، وكيل الاتهامات لكل ما حوله من أطراف وعوامل، قد نستسهل الذهاب بالإدانة ‏للنصوص التراثية المقدسة، باعتبارها المسؤولة عن توطين وتأبيد ثقافة مفارقة للعصر وقيمه. قد يكون هذا صحيحاً ‏بصورة جزئية، مع الأخذ في الاعتبار أن‎ ‎النصوص غير العلمية أي الأدبية والإنسانية، لا يوجد لها عادة معنى أو ‏معان محددة بصرامة كما قد يدعي كاتبها. بل تحتوي في الأغلب على العديد من المعاني، نجدها متناثرة بقصدية أو ‏بدونها في السياق. الكم في هذه النصوص يحدد الكيف. فالتوجه العام الذي نخلص إليه من النص، تحدده المعاني ‏الأكثر تكراراً فيه. الحقيقة أن مشكلة النصوص التراثية ذاتها تأتي في الدرجة الثانية. في الدرجة الأولى نجد قدر تمسك ‏الناس التطبيقي بها عامة، وما تختار منها لتتمسك به خاصة. فالإنسان عادة لا يهتم إلا بما يروق له، ويتفق مع ميوله ‏أو مصالحه. . فلا تقل قال الكتاب، لكن قل هذا ما يستهويني‎.‎
أميل للتركيز إذن على الإنسان ونوعيته ومسؤوليته عن ذاته ومصيره، بالطبع مع عدم إنكار أو تهميش سائر العوامل ‏المصاحبة، التي تدفع الإنسان لسلوكه، وتوجه معه خياراته.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل إناء بما فيه ينضح
nasha ( 2018 / 9 / 19 - 04:58 )
كان رواد التنوير في أوروبا، أبناء مجتمعاتهم، معبرين عن ‏إرهاصات الحداثة في ضمير شعوبهم. صفوتنا أيضاً كذلك، حتى من يرتدي منهم أزياء الحداثة والعلمانية، إما هو ابن ‏بار ببيئته، يعكس تخلفها وموقفها المعادي للعالم الحر. وإما مارق متغرب، اعتنق فكراً وسيكولوجية نمط الفكر والحياة ‏الغربية. وهو الطريق الملوكي للفشل، إذا ما حاول استزراع أشجار وشجيرات هذه الحداثة الغريبة المستوردة في تربة ‏غير صالحة، بل ومعادية لها.

نعم هذه هي المشكلة الحقيقية التي تمنع اي تنوير
تحياتي


2 - ثقافة الموت
عماد عبد الملك بولس ( 2018 / 9 / 19 - 15:21 )
تحياتي يا سيدي

صدقتم في مشاهداتكم و تحليلكم، أن الحكام و الأيديولوجيا أبناء ضمائر الشعوب و نوازعهم، فالشعوب في طريق ارتقائها أو انحدارها (و كلها باختيارها) هي التي تختار و تنتقي ما تريد

و نحن تحدونا ثقافة الموت و الهزيمة و الدونية و العبودية، فلا كرامة للإنسان و لا فكره و لا عمله و لا علمه، لا قيمة و لا حتي معني إلا أن يكون تابعا، عبدا مقهورا ذليلا بلا رأي و لا فكر و لا تأثير

صدقتم، فهذه أمم تعيسة لا تؤمن أنها تستحق الحرية و لا الحياة و لا السعادة كبشر، و للغرابة، هم يتألهون تبعا لعقيدتهم هذه

هم يتألهون علي بعضهم البعض و يرتفعون و يتعظمون و يتنازعون الأفضلية و السبق فيما بينهم، حتي قلبوا الآيات لحساب أهوائهم و أغراضهم و لووا المنطق ليسند أوهام سيادتهم و زعامتهم

إن أول عوامل السقوط هو الارتفاع المغلوط، و الارتكاز علي غير أساس، هذه أمم تفتقر إلي الاتضاع و الحق و العدل، هذه أمم تتقاتل سعيا للحياة و تكسر المراكب وسط المياه لتمنع آخر من الوصول

صدقتم يا سيدي

تحياتي

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي