الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كندا: حدود الرأسمالية في التطور التكنولوجي

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2018 / 9 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تعتبر كندا من الدول التي تحرز حاليا تقدماً كبيراً في تطوير مجال الذكاء الصناعى(artificial intelligence) الذى يهدف إلى تطبيقات في شكل آلات لها المقدرة على محاكات القدرات الذهنية للبشر وطريقة حركتهم؛ ويحدث هذا من خلال البحوث التي تجرى في المراكز البحثية والجامعات وأهمها جامعة ألبرتا في مدينة أدمنتون عاصمة مقاطعة ألبرتا الغنية بالنفط. وهذه خواطر سريعة وموجزة أدى تواردها قراءة الكاتب لمادة خبرية جاءت في الصحف المحلية بكندا حول وضع ابحاث الذكاء الصناعى التي تجرى بالبلاد.

جاء في المادة االخبرية أن كندا تشهد نشاطا مكثفا لشركات رائدة تجرى أبحاثا في مجال تنمية الذكاء الصناعى ويدعم هذا النشاط الحكومة الكندية التي رصدت للإنفاق عليه ميزانية تبلغ 200 مليون دولار كندى، هذا بالإضافة للعون المقدم لتلك الشركات من مؤسسات وبنوك كبرى المقدر بملايين الدولارات في شكل تمويل تأسيسى (seed funding).

ويقول كبير الخبراء بالمركز الكندى للابحاث المتقدمة (Canadian Institute for Advanced Research):” إن كندا أصبحت قبلة لرواد العمل في مجال التكنولوجيا (technopreneurs) من مختلف الدول الصناعية. فكندا رائدة في مجال أبحاث الذكاء الصناعى وتمتعت بالصدارة فيه خلال الثلاثين عاما الماضية، وبالتحديد في جانب تعلم الآلة (machine learning)، وتعريز التعلم الخاص بتكنولوجيا المعلومات (Learning Reinforcement). وقد تمكن المركز من تدريب أشخاص بمواهب نادرة في مجال تطوير الذكاء الصناعى في المدن الكندية الكبرى التي تشمل تورنتو ومونتريال وأدمنتن. “انتهى.

لكن أبحاث تنمية الذكاء الصناعى لا تعطى مؤشرا لازدهار فائق في حقل الإكتشافات التكنولوجية بشكل عام. فالهدف من هذه الأبحاث ينحصر، لمدى بعيد، في مضمار ما يتعلق بالمنتجات الصناعية القابلة للتداول التجاري (marketable products) في الدول الرأسمالية. فبراءات الاختراع (patents) والربح والتملك الخاص، على عكس ما يعتقد البعض، هي أكبر معوقات تنمية العلوم والتكنولوجيا؛ فتجد بعض الشركات الكبرى تشترى ال patents الخاصة بسلع يمكنها منافسة منتجاتها ووضعها على الرف. وكمثال، ما ظلت تفعله شركات النفط لإعاقة تطوير منتجات بديلة لاستخدام النفط؛ فهذه الشركات عطلت، بكل الأساليب، لفترة طويلة تطوير المركبات الكهربائية (التي تعتمد على البطارية الكهربائية). وكمثال آخر فإنه في مجال البحث عن عقاقير مضادة للسرطان فإن شركات الادوية الكبرى تحجم عن تمويل أبحاث جادة فى هذا المجال تجريها كبرى الجامعات ومراكز الأبحاث الأخرى في الدول الكبرى. والسبب أن هذه الأدوية ليست قابلة للحصول على براءة اختراع (unpatentable) وبالتالي ضآلة الفرص أمام شركات الأدوية حصد الأرباح الفاحشة.

والشيء الذى يفسر التكالب المذكور على الذكاء الصناعى هو إستخدامه في نطاق الإنتاج الصناعى لإحلال العمالة التي تشكل تكلفتها المرتفعة السبب الأساس في تدهور الإنتاج الصناعى في البلدان الرأسمالية، نتيجة لإنخفاض معدل الأرباح، ما أدى إلى هروبه الى الدول الطرفية والاستثمار فيها. فالذكاء الصناعى الذى يمكن ان يؤدى لطفرات كبيرة في صناعة الروبوت وإستخدامه في العمليات الإنتاجية قد يقود إلى استغناء المؤسسات الصناعية عن ملايين الأيدى العاملة.

وانتقائية الرأسمالية في تطبيق التكنولوجيا وتحيزها في هذا المجال لما يدعم مصالحها وتقوية نظامها تتضح في الصرف على الأبحاث العسكرية. وجدير بالذكر أن الإنفاق السنوى العسكرى في الدول الغربية يقدر بأكثر من 700 بليون دولار، يذهب 11% منها للأبحاث التكنولوجية المتعلقة بالتصنيع الحربي. فالعسكرة (militarisation) ترتبط إرتباطاً عضوياً بالرأسمالية التي هي (بالضرورة) نظاما عالميا (global system).

وهكذا فالحضارة الصناعية (العبقرية) التي انتجها النظام الراسمالي، الذى يتصدر اليوم قائمة التراتبية لتسلسل وتعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، ينوء تحت عبء ثقيل من المعوقات المادية والثقافية (تفرضها القوانين الموضوعية لعمل الراسمالية) يعرقل بشكل غير قابل للنقض (irreversible) تقدمها للأمام لما فيه خير البشرية. ففي مجال العلوم الطبيعية وعلم المناخ والتكنولوجيا هناك أبحاث ودراسات علمية، تمثل أرقى ما توصل إليه العقل البشرى، محبوسة نتائجها - للأسباب السابقة - في المختبرات العلمية التي جرت فيها في الدول الصناعية الكبرى. ونفض الغبار عن ملفات تلك البحوث، الذى يمهد الطريق لتقويتها وتكثيفها وتعميمها، رهين بالتغيير الجذري الذى يحقق نقيض الرأسمالية في مسألة السيادة السياسية ومن يملك مفاتيح القرار السياسى. وفى هذا الصدد، فحتى ظهور الرأسمالية لم يكن لحظة تكنولوجية إذا صح التعبير، بل نقلة سياسية-إجتماعية من حقبة تاريخية لأخرى (من الإقطاعية إلى نظام العمل المأجور والإنتاج السلعى). وفى واقع الأمر فإن هذا التحول كان الرافعة والمقدمة اللازمة التي أدت إلى الثورة التكنولوجية الهائلة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في فترة الثورة الصناعية؛ وتواصلت هذه االنهضة التكنولوجية إلى أن اصطدمت بالمعوقات المار ذكرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي