الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !

ليندا كبرييل

2018 / 9 / 19
حقوق الانسان


تفضّلت الأستاذة " باسمة موسى " في مقال نشرتْه قبل بضعة شهور، بتوجيه مناشدة إنسانية لاستنكار اضطهاد البهائيين والأقليات الدينية، على أيدي إخوانهم الحوثيين في اليمن.

رابط مقالها الكريم :
سنسلخ كل بهائي- عنوان لخطة طائفية بغيضة تستهدف إبادة عدد من الأقليات الدينية وطمس هويتهم فى اليمن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=595626

وقد نشرتُ الجزء الأول من ملاحظاتي حول مقالها وهذا رابطه :
الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=611233

أتابع اليوم ما جال في خاطري ، شاكِرةً الأستاذة الفاضلة، التي هيّأتْ لي فرصة التعبير عن رأيي حول فادِحة نزلتْ بأوطاننا العزيزة.

مشاركتي في دعْم نداء الأستاذة ليس لِنُصْرة دين على دين، بل لِنصرة الإنسان المضطهَد بسبب عقيدته، ولاستنكار كل سلوك ينتهك حرية الإنسان ويعتدي على حياته المقدسة.
ولئن اكتفيتُ بإدانتي فِعْل القتل والتعاطف مع المظلومين، فإن موقفي لن يحمل قيمة.
ستذرو الريح صوتي الضعيف مع كل صوت مخلِص ارتفعَ ثم تلاشى .. ليس لأنه لا قيمة لأصواتنا، ولكن لأننا نفتقد البيئة الحاضِنة، التي تنقل تموّجات الصوت من حالتها المجرَّدة إلى دلالات محسوسة، مؤَثِّرة في توجيه الأحداث.

لا يكفي أن نتعاطف مع محن الأقليات.
ينبغي أن نسأل ونحن أقْرب ما نكون إلى أقْصى درجات الجدّ ، وأبْعد ما نكون عن أقصى درجات العبث واللامبالاة : عمَّ جعلَ النبت الشيطانيّ يضرب جذوره العميقة في أرض الحضارات والثروات المعرفية ؟ وكيف وصل البشر إلى هذه الدرجة من الشرّ والقسوة التي أدّتْ بنا إلى مَنْحى خطير في علاقاتنا مع الآخر ؟

كنت أرجو أن تتفضل الأستاذة طويلة الباع في النضال البهائي بالتوضيح، ولكن شعورها باسْتجلاب الرثاء والتعاطُف مع مصيبة أهلها، جرَفَها إلى الشكوى بدلاً من الإحاطة بأسباب نكبتهم.
لا أدّعي أني أملك الجواب الحاسم على أسئلتي، إنها الملاحظة التي أقْرنها بما يجري على أرض الواقع الجهنمي.

إلى الأستاذة الفاضلة هذا الحديث من تراثنا أختاره من صحيح البخاري :
حدّثنا ....عن عكرمة قال : أُتِي ( علي ) رض ع. بزنادقة، فأحْرقَهم . فبلغ ذلك ( ابن عباس ) رض ع. فقال : لو كنتُ أنا لمْ أحْرقهم، لِنهي الرسول ص " لا تُعذِّبوا بعذاب الله " ، ولَقتلتُهم، لِقول رسول الله ص " منْ بدّل دينه فاقتلوه ".

لم يترك الصحابة حساب الزنادقة على الله الذي وعد في قرآنه الكفار بعذاب النار، بل استخدموا رخصة الأمر الإلهي الصادر إلى المؤمنين أيضاً، بقتال المشركين أينما وُجِدوا.

إنهم يعلمون أن الخروج على أسس العقيدة الإسلامية يزعزع وحدة المجتمع وترابطه، ويستحق أشدّ العقوبة وهي الحرق أو القتل حسب هذا الحديث . ولما كانت الأحكام القرآنية صالحة لكل زمان ومكان حتى ونحن في عصر حقوق الإنسان والنبات والحيوان ، فإن المؤمنين إلى اليوم يعاقبون الضالّين والعُصاة بسرور ( وبكل تقوى )، بالسلخ أو الحرق أو قطع الرأس أو الرمي من شاهق.

الإسلام جاء ليلغي كل النصوص السابقة المزيّفة، ويقيم مفهوماً جديداً للحياة على أسسه، لأن الدين عند الله الإسلام فقط لا غير ، والولاء التام لمنهج النبي محمد.
وإلا فلا ..
سيد الأنام هذا ، فإن مات فكتاب الله هذا ، ومنْ أبَى وجاوزَ الخط الأحمر .. فهذا !
وقد جاوزَ الكفارُ الأمْرَ، فحقّ علينا الأمَرّان : الشرّ والجهاد الأحمران !!

إذا كان هذا حال الإسلام الذي نتّهمه بِتَسْفيه المختلِف واضطهاده، فكيف الحال مع أديان الأقليات الأخرى ؟ هل هي بريئة مما يُنسَب إلى الإسلام ومظلومة حقاً ؟

المسيحية، أهلها كفوني مهمة نقْدهم، فقد أشْبعوا دينهم تشريحاً وتنديداً في الغرب . وما تَعَرُّضها للانتهاكات الطائشة في بلادنا، إلا لأنها ترفض تماماً التفسيرات الإسلامية لعقيدتها . ومع أن الإسلام يجلّ السيد المسيح وأمه السيدة العذراء، فإن هذا الإجلال لم يَحْمِ المسيحيين من بطْش المسلمين.
أما طائفة الشيعة فخلافها السياسي مع السنة يعود إلى مسائل فقهية كبرى، كالإمامة والعصمة، فقُوبِلوا بالتكفير، رغم أن الشيعة تتبع نفس شعائر طائفة السنة المقدسة وتكفّر المخالفين مثلها ! على أن هذا التقارُب لم يشفع لأهل الشيعة، ذلك أن سياسة التكفير لا تعتني بالأساس إلا بنقاط الخلاف.
والبهائية .. ما سبب اضطهادها ؟
ألا تعترف بالدين الإسلامي وتصلي وتسلّم على النبي محمد، وتؤمن بالقرآن الكريم إيماناً كاملاً وليس ككتابٍ مقدس تؤخَذ منه الحُجّة فقط ؟
إذا كانت الخلفية الإيمانية واحدة، وتقرّ البهائية أن السبب من وجودنا هوعرفان تعاليم الله وأحكامه واتِّباعها، فلِمَ تستنكر سلوك المتطرفين المُستنِدين إلى حُكْمٍ قاطع إلهي جاء في القرآن الذي تؤمن به ؟
ولِماذا تقف منها المذاهب الأخرى موقف الشك والريبة ؟

في عالم يلهج بالعنف والكراهية بين الأديان والأثنيات، استطاعت البهائية شقّ طريقها في العصر الحديث، وطرْح معادلة جديدة اختلفتْ عن كل الأطوار الدينية السابقة، أوحتْ بأنها متفرّدة في دعْوتها إلى ضمّ المجتمع العالمي على اختلاف مذاهبه، في جديلة إنسانية واحدة تنزع إلى الوفاق مهما تباينت الأنساق الثقافية ، فاستبشرْنا خيراً بما شاع عن تسامح العقيدة الجديدة.

إلا أن العجب يأخذكَ !
في خليط فكري قوامه كثيف، تمتزج في البهائية كل أديان الكون المتعارِكة، من الإلهية السماوية حتى التي تلوذ بالأوثان والحيوان والجانّ والشيطان !
وضعتْنا البهائية عند مفارقات يأباها العقل ضاعَتْ معها أصول التفكير السليم ؛ فقد اعترف النبي الجديد بكل دين سار في طريق إلى الله، أي إله .. من قارعيْ الصدور إلى قارعيْ الطبول، ثم قام ببناء جسر فوق كل الطرق، مؤكِّداً أنه الوحيد المؤدّي إلى جنة الله ( الواحد ) أحد ..
منْ يجرؤ بعد كل هذا على إطلاق القذائف على نبي التسامُح والعدالة ؟
يا بخت من وفّقَ الرؤوس بالحلال ! له حُظْوة عند الله وقَصْر في جنة السلام.
ولكن .. أين الحلّ الرشيد الذي أتانا به النبي الجديد، للقضاء على الثأر والعصبيّات المتمكِّنة في نفوس أهل الأديان المتذابحة، وعُقَدهم النفسية والتاريخية، وتضارباتهم العقائدية، وتصادماتهم المرعِبة !؟
هل أتانا بما يفوق شريعة حقوق الإنسان، خادِمة الإنسانية، قلعة الحماية لعالم السلام ؟ القانون الغربي الصارم والمرتكِز على مبادئها ، مُشذِّبٌ للنفوس الطامِحة للاسْتعلاء على المختلِف والاسْتِكبار على الضعيف ، رادِعٌ لكل طامِع بامتلاك الحقيقة لحساب دينه أو حتى لنفسه.
هل في شريعة البهائية بعض من هذا، وأكثر من هذا بكثير ؟؟

وقفتْ الأديان الأخرى من الدين الجديد موقف الحذر والاسْتِرابة ؛ فالحديث عن التسامح والسلام العالمي ووحدة الجنس البشري ( تحت زعامة حضرة بهاء الله ) الدينية، مشكوكٌ فيه عندما تمدّ البهائية مِظَلّتها لِتحتوي هوية الآخر ، فتسلبه استقلاليته وتفرّده بطريقة عاطفية مثيرة غابت فيها الألوان والمميّزات، تماماً كما يُتَّهم به الإسلام.
فما الذي أضافه حضرة بهاء الله ورآه ينقص الأديان السابقة، فاستدعى النبذ والاضطهاد ؟

الذي أضافه يشكّل خطراً عظيماً على تسيّد عقيدة دين الصواب والحق ؛ ففي أرض الإسلام الذي يحرّم التعدّي على أصول الدين الثابتة بتفسير مُغْرِض غير بريء، أرض محمد سيد العالمين وخاتم الأنبياء والأديان ، أوَّلَ ( حضرة بهاء الله ) بعض آيات القرآن بما يتناسب مع هدفه، وهو الذي حرَّم تأويل آيات الكتاب الأقدس البهائي ! وفتَحَ الباب لاستقبال أنبياء جدد ولِتتابُع الرسائل الإلهية، وهو الذي حرَّمَ ادعاء الرسالة !

من موقع بهائي تبشيري جاء في الكتاب الأقدس :
{ " من يدّعي أمراً قبل إتمام ألف سنة كاملة إنه كذاب مفتر " . تمتدّ دورة حضرة بهاء الله إلى ظهور المظهر الإلهيّ التّالي، ولن يتحقّق ذلك قبل ألف سنة كاملة على الأقل . وحذّر حضرة بهاء الله تفسير هذه الآية بما يخالف ظاهرها }

يا إلهي ~ كمان ألف سنة من الصِدام ؟ ماذا سيفعلون في ألف سنة ؟ إليك الجواب :
من مقال ( السلام العالمي 4 ) للفاضلة الأستاذة المبِّشرة راندا شوقي الحمامصي :
" من وجهة النّظر البهائيّة إنَّ القبول بمبدأ وحدة الجنس البشريّ هو أول مطلبٍ أساسيّ يجب توفُّره في عمليّة إِعادة تنظيم العالم وإدارته كوطن واحد لأبناء البشر أجمع....... ونَزْع سلاحه، ليصبح عالماً متَّحداً اتّحاداً عضويّاً في كلّ نواحي حياته الأساسيّة، فيتوحَّد جهازُه السّياسي، وتتوحَّد مطامحه الرّوحيّة، وتتوحَّد فيه عوالم التّجارة والمال، ويتوحَّد في اللّغة والخطّ ..... جامعةٌ عالميّة تزول فيها إلى غير رجعة كلّ الحواجز الاقتصاديّة ... جامعةٌ يتلاشى فيه نهائيّاً ضجيج التّعصّبات والمُنازعات الدّينيّة، جامعةٌ تنطفئ فيها إِلى الأبد نار البغضاء العرقيّة،..."

اتّحادٌ فوَحدة فتَوحيد فمُتوحِّد مُتّحِدٌ في واحِد وَحيد.
هذه باختصار ثقافتنا العربية . وطبعاً من هذه الصيغة تبرز فكرة الحرام والحلال ، وحتماً ستُصاحَب بالاضطهاد وقمع المخالفين.
وكأن البهائية لا تدرك أنها تؤجج صدام المقدّسات.
بل تدرك ! وتعلم أن شعاراتها المقدسة مهما سمَتْ وارتقتْ، فهي تتعارض مع مقدسات الأديان الأخرى .. وتدرك أن عالمنا اليوم الواقعي جداً، النفعيّ جداً، يقوم على ( الصراع ) الاجتماعي السياسي الاقتصادي وليس على المثاليات الدينية من نوعية : مجتمع دولي موحَّد بإدارةٍ بهائية تُوحِّد فيه عوالم المال والسياسة والدين واللغة والخط.
لكنها أوهام العقلية الشرقية ؛ حيث يسعى كل فريق إلى حلم التسيّد، بتوحيد الطوائف المتناحرة تحت إمْرة سلطان واحد مقدس.
وككل دين ناضلَ ولما تمكّن تسيَّدَ، تسعى البهائية بدورها لتتبوّأ ذروة العزّ والسيادة.

هذه سَطْوة دينية، تجرّ إلى الانْطِباق على رؤية واحدة.
طوبَى للتعدّد ! فإن معه تتجدّدُ الذاكرة الثقافية الإنسانية، وتتحرّر السلالات البشرية من الانغلاق المُشوَّه.

فلْنُلْقِ نظرة أخرى على العقل البهائي وما يقول.

جاء في مقال للأستاذة راندا شوقي الحمامصي ( لماذا تتعدّد الأديان 1 ) ما يلي :
" عندما يبعث ( الله ) رسولاً الى قوم يختارهم، فما عليهم ان كانوا يؤمنون بعلم الله وحكمته، سوى الطاعة والتنفيذ، وإلا سيكونون مستحقين لعذابه وسخطه إذا قالوا ان الرسالة الجديدة تخالف الرسالة القديمة، ونحن ننتظر نفس رسولنا السابق ليأتي حاملا أوامر جديدة وليس هذا الرجل الغريب..... لذا وجبَ عدم الاعتراض على تتابع وتوالي الشرائع السماوية مهما كانت متباينة في الظاهر ومهما اختلفت هيئات الرسل .....  فالذين يؤمنون بالرسول الجديد يذهبون الى الجنة ومن يكفر به يذهب الى النار ...."

سؤالي للإخوة البهائيين :
نرْمي المتطرفين بالتعصّب .. نعم ، أجلْ ، ولكن الأديان كلها لا تتنبّه إلى العورات في خطابها ؛ البهائية، العقيدة المُتظلِّمة من التهديد بالسلخ، والدين المُسالِم الذي جاء لِيجْمع الطوائف المتعاركة على قلب واحد عامر بالسلام والمؤاخاة والصفاء .. كيف نفسّر حاجتها إلى التهديد بالنار، والوعيد بعذاب الله للكافرين بالرسول الجديد السيد بهاء الله ؟

الطاعة والتنفيذ .. عدم الاعتراض .. عذاب وسخط الله .. كافر .. الجنة، النار ؛ هذه ليست لغة دين يتطلّع إلى عالم الحرية والسلام، ولا تدلّ على النظر إلى المختلِف بالتسامح وعين الرضى.

هذه العبارات تتضمّن شُبْهة ( الجبْرية ) حتى لو كانت في لغة التبشير البهائي في أدنى درجات الجبْر وأضْعفها ، لاغِية لحرية الاختيار .. مُجْترِئة على حقوق الإنسان ، فلا نقاش ولا جدال مع صيغة : أطِعْ نفِّذْ ولا تعترِضْ.
لا أثق بمنْ يفاوضني على حريتي كي لا أدخل النار.

مهما كانت الغايات نبيلة، فإنها تفقد قيمتها بِاقترانها بالتهديد ولو كان خامِلاً ، واسْتِبطانها الوعيد ولو كان واهِناً ، فتصبح الشعارات وسيلة لاقتناص الهيمنة على العواطف.
لِلحُكْم على أخلاق إنسان وإيمانه الصادق ، نحتاج إلى أن نراه ملتزماً بقناعاته ( بإرادته الحرة ) لا بإرادة جهة عليا ، وبدون شرط مستتر ولا صريح ، وبدون الصيغة الأبويّة الفوقيّة : يجب .. وينبغي .. وما عليه سوى أن .. وإلا ~ ، بل ينبع تعهّده من داخل حرّ، قرّر أن يكون مُلتزماً حتى لو وُجِد في محيط تتراكمُ فيه العاهات والفوضى !!
أرجو التركيز على هذه الفقرة وشكراً.

الجنة والنار، سخط الله وعذابه :
مهما حاول التبشير البهائي إعطاء هذه المفردات الدينية التفسير الرمزي أو المعنوي، البعيد عن الماديات، فإن لهذه الألفاظ مدلولاً نفسياً رسبَ في داخلنا الباطني فلا يفارق عقولنا ؛ فإذا ذُكِرتْ كلمة النار، فليست في مخيلتنا النار التي كانت برداً وسلاماً على النبي ابراهيم، صورتها في الذهن : اللهيب وشواء الجلود وتقطيع أحشاء الكافرين بمنهج الله ورسوله، حيث يُصليهم في نار الجهنم العذاب.
كل هذا لأننا لا نؤمن بالرسالة الجديدة، وبرسولها المُرسَل من قبل الله.

ولكننا .. نفهم من كلام الأستاذة الحمامصي أن عذاب الله ليس عذاباً رمزياً معنوياً، فتقول عن أمة اليهود :
" باعتراضهم عليه ( السيد المسيح ) وتكذيبه وإصرارهم على بقائهم في دينهم السابق، استحقوا عذاب الله وسخطه، فكان لهم ذلك الجزاء الذي شهد التاريخ على ما حل بهم على يد جيوش ملك بابل وقيصر الرومان وغيرهم من سبي وقتل وأسر وتشتيت وتدمير مدينتهم المقدسة أورشليم، وبهذا الاعتراض خسر اليهود مكانتهم الروحية وباءوا بفشل عظيم. "

أمّة أنبياء الله يا أستاذة .. هل تستحق كل هذا العقاب الفظيع المدمّر لمجرد أنها لم تؤمن بمنهج فرد حتى لو كان السيد المسيح ؟
هذا يعني أن المعترِضين على نبي البهائية وتكذيبه، وإصرارهم على بقائهم في دينهم السابق، لا مانع من أن يُضطهَدوا ويُشتَّتوا ويُدمَّر بلدهم ويخسروا حياتهم.
إيـــــــه ~ .... كمْ وكمْ وكمْ علمتُه نظْم القوافي فلما قال قافية هجاني !

في النظام العلماني أستطيع أن أحتفظ بمسيحي وهو بمحمده وذاك بموساه وآخر بكريشناه، وبوذاه وبقرته، وصنمه .... دون أن يهدّدنا أحد بنارٍ مادية أو معنوية رمزية، بل إن مَنْ تُسوِّل له نفسه التهديد بها ولو على سبيل التفكُّه، يُجَرّ إلى المحكمة من رباط عنقه.

الفارق بين الأديان في درجة التعصّب للدين لا في النوع والخامة .. التكتيك مختلف والهدف واحد !
الفرق هنا أن البهائية تطبّق بنعومة أسلوب تغيير المنكر باللسان والقلب ، في حين أن الحوثية أو الداعشة يلجؤون على المكشوف إلى أسلوب الشدة بتغيير المنكر باليد.

البهائية نظرية مثالية تحاول الكشف عن الطبيعة الخيرة والجميلة في الإنسان كما يبدو.
وسأفترض حسن النية في معنى التهديد بغضب الله للكافرين بالرسول الجديد ، فأقول :
قد يكون الوعيد بالنار نوعاً من المُهيِّئات النفسية تُدخل الخوف إلى قلب الإنسان ، أو قد يكون صدمة لعقله تدفع عناصر تنشيط الرادِع الأخلاقي لِمقاومة الانزلاق إلى الكفر ، فيُوْحي التهديد بأنه يمكن للإنسان أن يتجنّب عذاب النار ويفوز بالجنة، بشرط الإيمان بما جاء به الرسول الجديد، فيكون تصديقه حَصانةً من سخط الله، ومقدِّمةً لِانفتاح الإنسان على تبنّي علاقات إنسانية، في ظل دينٍ متسامح شامل.

ولعلي أيضاً أشبّه هذا التهديد : بالراعي الذي يهشّ بالعصا على أغنامه لِحَثِّها على الانتظام في مسير قافلة واحدة . فالراعي هنا لا يفعل ذلك قسوةً أو تعذيباً للحيوانات، وإنما حمايةً لها، لِبعْث الخوف في نفوسها من الذئاب الجائعة، فتطمئن إلى يقظة راعيها الذي يؤمّن لها الحياة والسلامة.

ولكن .. ألمْ يقُلْ النبي موسى لربِّه :
" هي عَصايَ أتوكّأ عليها وأهشُّ بها على غنمي ولي فيها مآرِب أخرى " ؟
النبي موسى قالها بعظمة لسانه : لي فيها مآرب أخرى !

نعيش في مجتمع القطيع، تسوقنا نخبة الرعاة التي ( ثقّفتْها ) مصالحها و( مآربها الأخرى )، حيث تجْني من زرْع وَهْم الخوف من العقاب ذهَباً وحسابات بنكيّة خيالية.

التوجيه بشكل عام سَلِساً كان أم خشناً، إذا اقترن بالتحذير، الذي يتعدّى إثارة اليقظة والانتباه إلى التهديد بوسيلة مؤلمة، يمكن أن يحمل هيأة التصويب بنيّة طيبة ، لكنه في الحقيقة يسْتبطِن التسلّط، حيث لا يساهم في حماية المختلِف من بطْش الأقوياء.
وهذا ما يفعله الآباء مع أبنائهم، والأساتذة مع طلابهم، وأرباب العمل مع موظفيهم، والأديان مع مخالفيها.

أركّز على الوسيلة الأخلاقية في التعامل مع البشر لا على الغاية.
الاضطهاد ليس التعذيب والقهْر، والإرهاب ليس السلخ أو الحرق أبداً ، فالمحكوم عليه بالقتل ينتهي أمره ببضع دقائق فيستريح من عذاب آلامه . إنما الإرهاب هو إرغام الآخر على الانْسِياق إلى تفكير مُتحيِّز ؛ سواءٌ أبِالترغيب بنعومةٍ وطراوةٍ كان الإرغام، أو بالترهيب بالشدة والعنف.

الأفظع من سلْخ الإنسان هو ( التهديد ) بسخْط الله أو رسوله، لإجبار المقهور على الامتثال لأوامر الدين الجديد، فيغمر النفس بالخوف، تتلاعبُ به خيالات العذاب المُفزِع، تلاحقه في نومه وفي يقظته فيسْتفحِل الرعب، ويتعَمْلق الوهم حتى يبدو كأنه حقيقة، فلا يتركه ما لم يُطْعِمه الخائف عقله وعمره.
وهنا ... تبدأ رحلة موته وهو ما زال في الحياة !
بالإرغام والتهديد تعيش الأقليات بلاءها.

إن العقيدة التي تخيف لا يمكن إلا أن تكون خائفة من أن ينفضّ الناس من حولها، فتنقضّ على المتردّد بالوسيلة الفعّالة القامِعة : الترهيب.
أعظم قوة لِتحطيم داخل الإنسان وقدرته الذاتية : الخوف . إذا تملّكه الخوف، انطفأت روحه، وغادر النور رشده.

أخي القارئ : هذا التبشير الجميل سمعتُه بذاته، من عشرات المُجنَّدين من قِبَل الحركات الدينية الجديدة المتزاحِمة على عقولنا.
كل دين يدّعي أنه الصحيح ومفتاح السلام وبشائر الخير في جيبه، بشرط التصديق برسوله ومنهجه للحصول على مكافأة الجنة، وإلا .. سينزل عليه وعلى عائلته غضب الله.
كأنهم ورثوا الجنة والنار من بيت أبيهم !
هكذا يقول الإسلام بكل مذاهبه، والمسيحية بكل طوائفها، والبوذية بكل تشعباتها.

أخي القارئ الكريم .. روحْ صِير مِيت( مئة) شقفة، بل ألف وأكثر، وعليك الأمان ، وخلّي كل شقفة من عقلك تصدّق برسول ما لِتضمن الجنة، ولا مين شاف ولا مين دري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبب التخلف
نيسان سمو الهوزي ( 2018 / 9 / 19 - 21:55 )
سيدتي الكريمة : المتخلف هو الذي لا يقاوم المجادلة والبحثوالنقاش ! هذا بإختصار . إذن المتخلف يعتمد على اقصر الطرق لتجنب السؤال وأقصر الطرق هنا هو
مكتوب ! والمكتوب بالنسبة لهم هو الموجود في الكتاب واثقفهم يدعوا الى اتباع المكتوب ! !
وهذا المكتوب هو سبب تخلف الملايين ولقرون عديدة ! سوف لا يخرجون من ذلك المكتوب الى ان يتعلموا مناقشة المكتوب وقراءة الاخر وقبول الفكر المقابل وسوف اترك لك فترة الوصول الى تلك الحالة .
الطريق طوييييييل وطوييييييل جدا وسيسقط الملايين الاخرى الى تلك اللحظة !
لقد علمهم الكتاب لا تقرأ ، لا تسأل ، لا تناقش ، لا تفكر ، ويجب عليك ان لا ترى أبدا !
يعني غلق العين والفم والرأس معا!
فكيف سوف لا يقتلون الآخر ! تحية طيبة


2 - يومو طوبو ملفونيثو ليندا
nasha ( 2018 / 9 / 20 - 07:51 )
لا توجد تعاليم انسانية متسامحة تقبل المختلف وتضحي من اجله وتحب الاخر حتى لو كان عدوا كما تعاليم المسيح
ومع ذلك لم تنجح هذه التعاليم في توحيد العالم .
المعتقد الفلسفي مهما كان يتحول تدريجيا الى جمود عقائدي دوغمائي ثم يتشضى بمرور الزمن ويتحول الى معتقدات متوزعة على فرق متناحرة تنزلق في حروب وخلافات ثقافية وسياسية.
فاذا كانت المجتمعات الاوربية ذات الطابع الثقافي المسيحي الذي تفترق فيه السياسة عن الدين لم تتمكن من حل مشاكل الاختلافات العقائدية فكيف ستتمكن المجتمعات ذات الثقافة الاسلامية ان تحل هذه الاختلافات والاسلام تختلط فيه السياسة والدين؟
لا حل للمشاكل العقائدية والاديان الا بالاتفاق على عقد اجتماعي(دستور) يمثل كل الاطياف الفلسفية والثقافية والسياسية وعلى ارضية مشتركة دون
اي استثناء واعتبار المعتقد الديني او الفلسفي شان ثقافي خاص لا يتداخل مع الشان العام.
دون هذا ستبقى منطقة الشرق الاوسط في دوامة العنف الى ما لا نهاية
تحياتي


3 - شريعة حقوق الإنسان بدل الشرائع الدينية
ليندا كبرييل ( 2018 / 9 / 20 - 16:32 )
شلومو ملفونو نيسن
شلومو ملفونو ناشا

لم أخطئ بكتابة اسمك عزيزي نيسان، فهذا هو لفظه بالسريانية
أعزائي
شكراً لحضوركم الكريم وطرح آرائكم القيمة
لا بد من تدريس مادة (شريعة حقوق الإنسان العالمية) كمادة أساسية في مدارسنا
نحن في حارة واحدة لا نستطيع أن نتفق، فهل يمكن أن يتفق أبناء وطن واحد والأديان تتقاسمهم؟
نحن الآن فعلاً في نقطة الصفر أستاذ نيسان
وبالتأكيد الحل الذي اقترحه الأستاذ ناشا هو ما يجب أن يحصل، أي الاتفاق على دستور يمثل كل أطياف الوطن والفصل بين الدين والسياسة
لا يمكن أبدا ارتهان مصير الإنسان للأديان
فكل دين يرى في نفسه جدارة قيادة العالم، وهذا ما يُخشى منه

لكما تقديري واحترامي
و
يَوْمو طوبو
أي
يوماً طيباً

اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا