الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصال

راوية رياض الصمادي

2018 / 9 / 20
الادب والفن


كنت واقفة خلف النافذة، عندما مر بي خاطر حول شخصه، كنت مترددة في أن أكمل ما جال في ذهني، ولا أطرد الفكرة استدرت بقوة كادت أن توقعني، ما أغرب الإنسان حتى عندما يحاول أن يواجه نفسه تراه يتردد ويخاف المواجهة، وأتى صوت تساقط المطر على زجاج النافذة ليقتلعني من أفكاري و يزرعني من جديد في أرض الواقع.

لقد مر عام منذ أن انفصلت عن زوجي كنت أعاني من ألم الانفصال، ها هي الفكرة من جديد تراودني، وقفت في وسط الغرفة وصرخت "لا اريد ان استرسل في التفكير"، وكأنني أحاول أن أسكت هذا التدفق في المشاعر في خوض غمار ما يختلج صدري منذ الإنفصال، وأخذت أسعل بألم شديد وأصابني الانهيار ووقعت على الارض منهكة متعبة، ولا أعلم كم مضى من الوقت فعندما حاولت النهوض وجدت أحدهم يرجعني وهو يقول "لا تتحركي عزيزتي، فأنت ما زلت تعبه"، و استوضحت الصوت، لقد كانت والدتي فهي تملك مفتاح اضافي لشقتي، وشعرت بأن جسدي منهك نظرت إلى والدتي لم أكن أعلم بأنني أبكي إلا عندما قامت والدتي ومسحت دموعي "أه يا عزيزتي متى تنسي هذا الألم المستمر فانت منذ ان انفصلت عن زوجك وصحتك في تدهور"، قلت وأنا أجهش بالبكاء "أنني أحبه يا أمي أحبه، أنني لا أستطيع إلا أن أفكر به، انظري هناك في تلك الزاوية توجد صورته وبجانبها كتابه المفضل، وهناك على طاولة الزينة يوجد عطرة وماكينة الحلاقة الخاصة به، لا تقولي لي بأنني أهذي، "أنني أحبه"، صرخت والدتي في وجهي وأخذت تهزني بقوة "لقد آن لك أن تنسيه يا عزيزتي، هو من أراد هذا الانفصال، وانت يجب ان تعيشي حياتك وبدل ان تعيشيها تمرضين وتتالمين طوال الوقت ؟؟؟؟!!!"، ووجدت نفسي انهض عن السرير وأنا متأكدة من كل ما أقوله "أنه يحبني أنني متاكدة من ذلك" وذهبت إلى خزانة ملابسي وأخذت أخرج منها الملابس والمجوهرات التي احضرها واقول "لقد أحضر لي كل هذه الملابس وكل هذه المجوهرات وهو يحبني لقد عاملني وكانني ملكة لقد حاول طوال الوقت أن يرضيني رغم أنني لم اطلب منه ذلك"، نهضت والدتي عن سريري وقتربت مني بهدوء ووضعت يدها على كتفي وقالت "اذا كان هذا كله صحيح لماذا إذا انفصلتما ؟؟؟ "، نظرت إلى والدتي حائرة ماذا أستطيع أن أقول، أنا نفسي كنت قد صدمت، ووجدت نفسي لا استطيع الوقوف أكثر وعدت الى السرير واستلقيت.

أغمضت عيني وأخذت أسترجع كل شئ وكأنه الآن أمام عيني، لقد كان ذلك اليوم بالنسبة لي غريب كان مزاجي يعاني من إكتئاب، أنا نفسي كنت مصدومة منه ولكنها الحقيقة كنت بمزاج غريب لم أستطع تفسيره ولكنني كنت أشعر به بقوة لدرجة أنني لاحظت ذلك التوتر ينتقل لزوجي، في الحقيقة توتره وتردده في قول شيء ما في ذلك الوقت حيرني ما عساه يريد ان يقول لدرجة أنه أصبح عصبي ومزاجي ويتصرف بشكل غريب، حاولت سؤاله في ذلك اليوم ولم تصدر منه إلا جملة واحدة "آه يا عزيزتي لا شئ، لا شئ!!"، ولكنني كنت أشعر بأن شئ ما قد يحدث ولكنني لم أستطع أن تبينه وهو لم يكن يعطيني أي أجوبة واضحة، ولكنني حاولت أن أنفض عن كاهلي هذه الأوهام التي طافت في مخيلتي، ووجدت نفسي أتزين بشكل غير عادي، وأحضر مائدة الطعام بشكل أنيق جدا وحاولت أن اختصر أي حديث، أنني أعرف زوجي فهو رغم انشغاله ففي النهاية سيحدثني بما يشغل ذهنه، كان في ذلك اليوم ينظر إلى بطريقة غريبة وكأنه يشاهدني لأول مرة، وقلت له "كل عام وأنت حبيبي"، فنظر إلي مباشرة ونتفض بشكل جعلني أرتعد، وأول ما خطر في ذهني هو بأنه غارق لدرجة أنه ما كان ليلاحظني طوال الوقت، وأنا التي كنت أعتقد بأنه لاحظ زينتي وثوبي الجديد حتى مائدة الطعام لم يكن ليلاحظها، كنت حائرة ما الذي يحدث له ولما هذه النظرة الغريبة التي تبدو على وجهه وأكثر ما جعلني أصدم عندما قال "يجب أن ننفصل يا عزيزتي"، وقفت وكأن عقرباً لدغتني، وقلت فزعة "ماذا تقول ؟"، أجلسني إلى جانبه وقال وكأنه يطمئنني "عزيزتي يجب أن ننفصل"، وعندما كرر كلمته للمرة الثانية وجدت نفسي أنهار وأبكي وأنا أقول "لماذا؟، هل صدر عني أي شيء، هل كنت يوما جاحدة أو غير شاكرة !!"، طأطأ رأسه وأخذ يصر على أسنانه "ليس هذا ولا ذاك"، اقتربت منه وضممته الى صدري فأبعدني برفق، فأمسكت يده بين يدي وقلت بهمس "لماذا ؟"، ووجدته يقف ويسحب يده من يدي ويغادر غرفة الجلوس ليتوجه إلى الباب الخارجي وقبل أن يغادر التفت نحوي ووجدته يستجمع كل شجاعته ليقول "لا تحاولي أن تعرفي لماذا انفصلنا !!، ستصلك ورقتك غداً"، واغلق الباب، كانت هذه هي آخر مرة أراه فيها منذ أن انفصلنا غادر دون أن اعلم لماذا ؟، تركني وأنا احبه، لم استطع التحمل واصابني انهيار عصبي ونقلت بعدها إلى المستشفى، وبعد مرور ستة أشهر خرجت من المستشفى ولكنني ما زلت ضعيفة لا اقوى على شيء.

وجاء صوت والدتي ليجعلني أنتفض لأقول لها "لا اعلم لماذا ؟؟؟ ... لا اعلم؟"، ووجدت نفسي انهار في موجة من البكاء الهستيري اضطررت معه والدتي أن تحضر طبيبا ليعطيني مسكنا للألم، كانت حالتي مزرية أكثر من كونها ألم مبرح لا علاج له ولم أستطع هذه المرة أن احتمل جواب السؤال أكثر، وكانت تلك هي آخر أنفاسي التي الفظها.

وجدت أمي نفسها أمام مسألة أصبح من الصعب أن تفهم منها شيء، كانت في قمة انهيارها ولكنها كانت قوية لتتحمل موت ابنتها الوحيدة التي عانت من عذاب قرار زوجها التعسفي، وقررت أن تبحث عن جواب ذلك السؤال الذي قضي على ابنتها ليتركها مصممة أكثر على معرفة إجابة ذلك السؤال "لماذا؟".

كانت في زيارتها إلى بيت زوج ابنتها السابق، عندما علمت بانه نقل إلى المستشفى في حالة خطرة وانه بين الحياة والموت، وجدت نفسي انتفض رعبا عندما سمعت هذا الخبر، إذا حدث له أي شيء فإنني لن أعرف سبب انفصاله عن ابنتي؟، ووجدت نفسي استقل سيارة أجرة وانطلق الى حيث نقل بسيارة الإسعاف، عندما دخلت غرفته كان يبدو غريبا ولم اعرفه لقد اصبح نحيفا وهناك اسوداد ممزوج بزرقة مخيفة حول عيناه وكان اصلعا وكأنه شبح لشخص آخر في البداية اعتقدت انني أخطأت في رقم الغرفة وخرجت منها لأذهب الى الموظف المسؤول عن سجلات المرضي، وعندما اكد لي صحة المعلومات عن زوج ابنتي عدت وانا خائفة، وأخذت الأسئلة تتسابق إلى ذهني عن حاله ووضعه، ولماذا هو بهذا الشكل المزرى، وعندما دخلت الغرفة من جديد وجدت طبيبا يعاينه، وبعد أن انتهي سألته عن حاله فسألني "من تكونين بالنسبة له"، فقلت "انه زوج ابنتي"، فقال الطبيب ادعوا له بان يرحمه الله فهو يحتضر يا سيدتي"، وقلت بصوت ملئ بالخوف والاثارة "ما به يا دكتور"، قال وهو ينظر اليه "الا تعلمين ؟؟، انه يعاني من السرطان"، وقلت مخنوقة "السرطان !!"، قال وهو يهم بالخروج "انه على هذه الحالة منذ عام وحاولنا بكل الطرق ان نساعده ولكننا لم نستطع الا ما حاولناه، إن خلايا الدماغ أصبحت كلها مريضة لقد تفشي المرض سيدتي"، وسقطت دمعة من مقلتي ومشيت بخطي بطيئة وجلست إلى جانب سريره، واخذت افكر بتلك الكلمة التي قالتها يوما ابنتي عندما كانت تخرج من خزانة ملابسها الثياب والمجوهرات، لقد قالت بانه احبها، واي حب اقوى من هذا الحب الذي حرم فيه محبوبته من التفكير بعذابه، ووجدت نفسي اغفر له ما فعله ببنتي واغفر لنفسي لأنني فكرت بانه قد يكون خانها، وعلمت حقيقة واحدة وهي بأن الحب أكبر بكثير من أن نتصوره.

















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى