الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مازلت حزين .. لأجلك يا مدينتي الحبيبة .. !!

محمود الزهيري

2018 / 9 / 20
الادب والفن


يشترك في حبها الكثير والكثير من العشاق والمحبين الحالمين , فهي تقبل كل من يتوحد مع إنسانية الإنسان , ويقدس روحه , ويتألم لألمه , وتسعد بسعادته وتفرح لفرحه , وترحب بمن يحب الحياة ويقدسها .
أخبرني احد عشاقها بأنها مريضة وحزينة , ولاتريد ان تغسل شعرها بماء النيل , وترفض أن تروي عطشها منه , وصارت ترفض الإستحمام بماء بحرها الممتد بطول شواطئها التي تعصبت بالسواد وارتضته لباساً لها بعد أن ألقوا فيه مياه المجاري والصرف اللاصحي , وأخبرني صديقي كذلك بأنها تبكي بكاءاً مريراً , مما رفع الضغط لديها , واحمرت عيناها حزناً وكمداً , وصارت كشمس غروبها التي تهرب في بحرها الممتد عبر أفق السماء حينما تلتقيالسماء بالبحر , وحالما علمت بذلك , تألمت لأجلها وحزنت حزناً شديداً , وبكيت بكاءاً مريراُ لأجلها , وتحولت نفسيتي إلي الإرهاق , وروحي صارت مشتتة , وعقلي وكأنه غائب عن الوعي إلا بآلامها وأحزانها لما صارت إليه من مآلات القبح المحيط بها والقاذورات الملقاة بشوارعها وشواطئها , ومياهها التي تئن من آلام مايلقي بها من مخلفات , وماشيدته أيادي القبح من جدران خرسانية عازلة سجنتها وعزلتها وحالت بينها وبين روحها الهائمة ببحرها والسابحة علي شواطئها وهواءها ونسيمها وسحبها وأمطارها وقوس قزح الذي يلازمها بعد كل مطر يغسل البحر والشواطيء والأشجار والبنايات والمساكن , ويغسل مكتبتها وفناراتها وقلاعها , وبيوت من تربوا علي الحب والخير والجمال .
هذه هي الإسكندرية التي ما أحببت مدينة كما أحببتها , بل مفردة الحب لاتكفيها ولاتوفيها حقها في الوصف, لأني عشقتها عشقاً ليس من قبله عشق , ولن يكون من بعده عشق , إنها الإسكندرية التي تمنيت أن أكون من مواليدها , وأحمل بطاقة هويتي الشخصية ومدون بها الإسكندرية التي أنتمي إليها وتنتمي لي , وتمنيت ومازلت أتمني أن أكون أحد مواطنيها , وفرد من أفراد مجتمعها المتمدن المتحضر بإنسانيته وثقافته وعراقتها المتعدية للحدود والجنسيات وللأديان واللغات , إنها الإسكندرية المدينة الكوزموبوليتانية المتعددة الأديان والأعراق والأجناس واللغات واللهجات والثقافات , إنها الحاضنة الثقافية والفكرية للجميع , إنها الثغر , إنها عروس البحر الأبيض المتوسط , التي تري العالم كله من شرفتها , وتستقبل العالم كله إذا فتحت أبوابها , بل وأبوابها التي لاتغلق .
إنها الإسكندرية ..
فهي لوران وزيزينيا وبولكلي وفلمنج وشوتس وسان استيفانو و جاناكليس وساباباشا و سموحة والأزاريطةو سوتر والسلسلة والمنشية وكوم الشقافة والورديان و محرم بك والمكس وباكوس والحضرة , إنها رأس التين والعجمي والمندرة وڤيكتوريا وأبو قير , إنها السماء والبحر والناس والشاطيء والحياة والحب , إنها الجمال والراحة النفسية والسعادة اللانهائية , فكلما ذهبت إليها أراني وكاني ذاهباً إلي الجنة , وحينما ارتحل منها حيث جئت أراني خارجاً منها .
مازلت حزين ومكلوم وموجوع .
مازلت مريض , ونفسي تتألم وتتوجع لما صارت إليه مدينتي المفضلة لي والمحببة لي , حينما يصير حالها إلي ماصارت إليه من قبح صنعه وأوصلها إليه من لايؤمنون بها ويكفرون بالإنسان وحريته وكرامته , وكأنهم يلعنون إنسانية الإنسان , ويحقدوا عليه , لأنه يحيا في الإسكندرية أو من روادها , فكيف لهم أن يرونهم يستمتعوا بالبحر وشواطئه وهواؤه ونسماته والمحبين العاشقين علي شواطئه مما يشيعوا البهجة والحياة , إنهم فعلاً حاقدون علي الإنسان وكارهون للحياة والجمال .. بل إنهم يكرهوا الإسكندرية ويحقدوا عليها , ولايؤمنون بحريتها وثقافتها وتعدديتها , من أرادوا كسر زراعيها التي تستقبل العالم كله بأحضانها , وارادوا أن تصاب بالعمي حتي لاتري البحر ولايكون لها شاطيء لاتستطع رؤيته , وكسروا أقدامها حتي لاتقدر علي المشي علي شاطئها وكورنيشها الجميل البديع , بعد أن خلع اللصوص الحجارة الجميلة التي أتي بها عشاق الإسكندرية من اليونان وإيطاليا وصقلية , ليرصفوا بها الكورنيش , ليقتلعه صناع القبح ويستبدلوه ببلاط أسمنتي قبيح , ويضعوه بمدخل أحد الفنادق التي أشتراه أحد لصوص المال العالم بثمن بخس زهيد .
آلمني تلك المنشآت والأسوار الخرسانية العالية والتي تسجن البحر وتعزل الشاطيء , وتمنع الشمس والهواء ورؤية البحر وتناغم الأمواج وثورتها وارتطامها ببعضها البعض , وحجبت طيور النورس الجميلة بنغماتها الجميلة المختلطة بأصوات الأمواج وهديها وهمسات وهسهسات المحبين والعشاق لها .
لا أدري : لماذا هذا القبح يكون من نصيب معشوقتي الإسكندرية , ولماذا هذه الأسوار الخرسانية , ولماذا هذه المنشآت التي تعلن عن نفسها وكأنها إحتلال أجنبي لاينتمي لهذا الوطن , فيعيشوا في عزلة طبقية تفصل بينهم وبين الشعب الطيب المسكين المسالم الذي لايري غير الكورنيش متنفس لهمومه وأحزانه وفقره ومرضه , فلماذا يصنع هؤلاء تلك الصنائع بالإسكندرية , ولماذا يحولوها إلي سجن كبير فيسجنوا الشاطيء ويسجنوا البحر , ويعتقلوا الشعب ليكون بين بينين , بين مباني عالية شاهقة علي الجانب الآخر من الشاطيء واسوار خرسانية قبيحة كالحة تشبه اسوار السجون والمعتقلات ..
وبصدق :
أريد محاكمة كل من كانت له إرادة وصدر عنه قرار بإنشاء هذا القبح وعزل البحر عن الإسكندرية , علي أن تكون من نتيجة المحاكمة إعادة الشاطيء إلي ماكان عليه قبل أن تصنع به جحافل القبح الكارهة للطبيعة وللحياة وللإنسان وللكون .
أرجوكم : حاكموا هؤلاء , وأعيدوا الإسكندرية إلي حريتها , وأعيدوا الحرية لها , فلو كان الأمر بيدي لقمت بإزالة كافة المباني والاسوار والمنشآت الموجودة علي شواطيء الإسكندرية جميعها وكل الشواطيء بطول البحر الأبيض والبحر الأحمر والنيل المصري من الإسكندرية لأسوان .
ارجوكم : اعيدوا الحياة للحياة , واعيدوا الحرية للإسكندرية ولمصر والمصريين , وإلا سيتم إنتزاعها إنتزاعاً حتي لو كانت ستكلفهم حياتهم ودمائهم وارواحهم , فلاحياة ولاكرامة ولا عزة بدون حرية ..
الحرية هي الحياة , والحياة هي الحرية !!
أصرخوا من اجل الإسكندرية .. اصرخوا من أجل شواطيء مصر المسجونة !!
حرروا الإسكندرية من أسرها , وارفعوا الدعاوي القضائية , وانشئوا الحملات الإعلامية الرافضة للمنشآت والمباني و للأسوار الخرسانية العازلة للبحر والشاطيء ..
لاتتركوهم يمروا بجرائمهم وسرقة البحر والشاطيء والهواء ونسيم البحر والمطر وتلاقي العشاق والأحباب علي شواطيء الإسكندرية الحبيبة المعشوقة ..
معذرة ياحبيبتي يامصراوية يا اسكندرية : فليس بإمكاني أن أصنع لك مايعيد إليك صحتك وسعادتك وجمالك وبهائك , وحينما أكون , حتماً ستكوني كما أريد أن تكوني .
حينما يرحل القبح سوف تكوني كما أنت أجمل الجميلات , وستظلي عروس الدنيا كلها , وليس البحر الأبيض وفقط !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع