الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة التاريخ وحيادية الكتابة

طلعت رضوان

2018 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة التاريخ وحيادية الكتابة
طلعت رضوان
تــُـثيرمسألة إعادة صياغة ما ورد فى الكتب التراثية، مشكلة غاية فى الأهمية وهى إلى أية درجة يلتزم الباحث (فى العصرالحديث) بموضوعية وأمانة النقل؟
وأعتقد أنّ د. ياسرشحاتة فى كتابه (إعادة قراءة التاريخ) الصادرعن هيئة الكتاب المصرية- عام2018قد التزم بموضوعية النقل فى بعض فصول كتابه، وتخلى عن هذا الالتزام فى بعض الفصول..والسبب- فى رأيى- الانحيازالعاطفى/ الوجدانى للعروبة والإسلام..وهوما يـُـطلق عليه الانحيازالأيديولوجى.
وعلى سبيل المثال ذكرالباحث أنّ أهل البحرين امتنعوا عن دفع الزكاة، بعد وفاة النبى، فأرسل لهم أبوبكرعدة جيوش حسمت الأمر..وانتهت الفتنة وأعادتْ صحيح الإسلام إلى هذه البقاع (ص149) فى هذا المثال تغلـــبتْ العاطفة الدينية على عقل الباحث..وبالتالى تخلى عن الموضوعية (المُـفترضة) لأنّ أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى ورد بها أنّ بعض القبائل رفضتْ دفع (الصدقة) وليس (الزكاة) كما ذكرالباحث..والدليل على ذلك أنّ عمربن الخطاب رفض محاربتهم فى البداية، وقال لأبى بكر: كيف تــُـحارب قومًـا شهدوا أنّ لا إله إلاّ الله؟ ونقل له حجة هؤلاء وسبب رفضهم دفع الصدقة، حيث قالوا: النص القرآنى كان موجهـًـا للرسول..وذلك بحكم آية ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم..إلخ)) (التوبة/103) فكيف أحلّ أبوبكرلنفسه أنْ يكون هوالمُـخاطب بتلك الآية، بينما المُـخاطب هورسول الله؟ فهل صارأبوبكرهوالرسول بعد وفاة رسول الله؟
كما أنّ الباحث (تطوّع) من تلقاء نفسه..واختتم الفقرة قائلا: ((وانتهتْ الفتنة وأعادتْ صحيح الإسلام إلى هذه البقاع)) وهنا تجدرالإشارة إلى: 1- هل صحيح الإسلام يكون بمحاربة من رفضوا دفع الصدقة؟ 2- من الذى يمتلك مفتاح الفهم النهائى والبات لتعبير(صحيح الإسلام)؟ هل هوأبوحنيفة أم ابن حنبل؟ هل هوابن تيميه أم محمد عبده؟ 3- تجاهل الباحث آلاف الضحايا (ما بين قتلى ومصابين) فى تلك الحروب التى أخذت الاسم الشائع (حروب الردة)
وللأمانة كان الباحث موضوعيا عندما ذكرأنّ أبا بكرأمرخالد بن الوليد بأنْ يتوجه إلى العراق من الجنوب الغربى..وأنْ يدعوالناس إلى الإسلام أويدفعوا الجزية أوالقتال..وتكررالأمرمرة أخرى عندما أرسل أبوبكرإلى (عياض بن غانم) وطلب منه أن يغزوالعراق من الشمال الشرقى..وأمره أن يطالب الناس إما بالإسلام أوالجزية أوالقتال..كما نقل الباحث الرسالة التى أرسلها خالد بن الوليد إلى هرمز المسئول عن (ثغرالإبلة) قال له فيها ((أما بعد فاسلم تسلم أواعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرربالجزية..وإلافلا تلومنّ إلاّنفسك)) وبعد عدة معارك بين جيش خالد بن الوليد وجيش هرمزفإن الباحث اختتم تلك الفقرة قائلا ((وانتصرخالد بن الوليد انتصارًا ساحقــًـا)) فى معركة (ذات السلاسل)
فى هذه الفقرة كان الباحث موضوعيـًـا عندما ذكرأنّ غزوالعراق واحتلال أراضيه تـمّ بالأسلوب المُـتبع فى كل الغزوات واحتلال أراضى الشعوب..وهذا الأسلوب هوالاختياربين: 1- اعتناق الإسلام 2- أودفع إتاوة اسمها الجزية 3- أوالقتال..وقد أسهب ابن عبد الحكم القرشى فى شرح ذلك..وذكرالتفاصيل فى كتابه (فتوح مصروأخبارها) وهوالكتاب الذى اعتمد عليه المؤرخون الذين جاءوا بعده، بمراعاة أنه كان الأقرب- تاريخيـًـا- لوقائع الغزوات التى تلتْ وفاة الرسول.
ولكن موضوعية الباحث غبـّـشتها أوطمستها (رنة الفرح) والبهجة بانتصارخالد ابن الوليد (انتصارًا ساحقــًـا) دون أدنى شعور- ولومجرد الشفقة- نحوالشعوب التى تـمّ احتلال أراضيها..وهم تحت (مقصلة) الاختياربين ثلاثة بدائل تنضح بالقهروالإجبار: الإسلام أوالجزية أوالقتال..ويـُـضاف إلى ذلك أسلوب خالد بن الوليد الذى يشى بالغرورعندما قال ((اسلم تسلم)) كما فعل نبى الإسلام فى رسائله إلى ملوك العالم القديم.
وكان الباحث موضوعيـًـا عندما ذكرأنّ فتح الشام (الأدق غزوالشام) لم يكن من أفكارأبى بكرفقد بدأها محمد بغزوتىْ (مؤته وتبوك) وأصرّأبوبكرعلى استكمال المشروع (كأنه يفتتح محطة مياه أوكهرباء) فأرسل خالد بن سعيد إلى تخوم الشام.
فى هذه الفقرة جمع الباحث بين أمانة العرض كما ورد فى أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى..ولكنه لايـُـبدى رأيه حول هذا الغزوالذى أسماه (فتح) كما يحلولكل الأصوليين الإسلاميين استخدام ذلك المصطلح (فتح) بدلامن الاسم الحقيقى (غزو) كما فى الكتب التراثية..وكان الراحل الجليل المفكرخليل عبدالكريم يرفض- فى كل كتبه ودراساته ومقالاته- استخدام كلمة (فتح) ويفضل كلمة (غزو)
والتزم الباحث بالموضوعية عندما ذكرأنّ أول قراراتخذه عمربن الخطاب، بعد أنْ آلت الخلافة إليه، هوعزل خالد بن الوليد من قيادة جيوش المسلمين (العرب) فى الشام..وتولية أبى عبيدة الجراح مكانه..والمُـلفت للنظرأنّ عمربن الخطاب تعامل مع خالد بن الوليد بشكل أقرب إلى التجاهل المقصود، فقبل عزله أرسل عمرإلى أبى عبيدة يخبره بوفاة أبى بكر..وأنه (عمر) صارالخليفة..ولم يرسل لخالد (قائد الجيوش) ليس ذلك (فقط) وإنما أرسل عمرإلى أبى عبيدة يـُـخبره بقرارعزل خالد وتعيينه مكانه..ولم يـُـرسل لخالد كما هومتبع..وهوالأمرالذى تحرّج منه أبوعبيدة، ولذلك لم يـُـخبرخالد بقرارعمرإلاّفى وقت متأخر..ربما حرجـًـا من الموقف الذى يدعو للتساؤل..كما ذكرالطبرى فى (تاريخ الأمم والملوك- ج3- ص435) وكان تبريركافة المؤرخين (المسلمين) لقرارعمربأنّ عمركان يخشى أنْ يفتتن الناس بخالد بسبب انتصاراته المتعددة (ص153) وكان تعقيب الباحث: فلم يـُـعرف أنّ أحدًا اقتتن بخالد، أوتصوّره أحد نبيـًـا..ولم يبايعه أحد للخلافة..ولذلك يظل التساؤل مفتوحـًـا: هل خوف عمرمن خالد كان لأسباب موضوعية، أم كان قلقــًـا شخصيـًـا نظرًا لتعاظم مكانة خالد عند الناس.
وأعتقد أنّ تعقيب الباحث غيرمقنع، لأنه تجاهل تحليل شخصية خالد بن الوليد، الميال للعنف..والفرق بينه وبين شخصية أبى عبيدة..كما فى المثال التالى:
ذكرأبوعبدالله بن عمربن واقد السهمى، الشهير ب (الواقدى) وترجع أهمية الواقدى فى أنه عاش فى فترة قريبة من بداية عصر الخلفاء وما شهده هذا العصرمن غزوات خارج الجزيرة العربية، حيث وُلد سنة 130هـ ومات سنة207هـ ولذلك يعتبرمن أقدم المؤرخين الإسلاميين..وأعتقد أنّ تاريخ مولده ووفاته يأتى فى المرتبة الثانية من الأهمية، بينما المرتبة الأولى هى أنه من مواليد المدينة التى حازت الاسم الشهير(المدينة المنوّرة) أى أنه عربى ومن سلالة العرب الذين عاصروا بداية الدعوة للإسلام..وبالتالى يصعب التشكيك فيما كتبه أوالطعن على شهادته..ومن بين كتبه الكثيرة كتابه (فتوح الشام) وأنا أعتمد على طبعة (مكتبة ومطبعة المشهد الحسينى- بدون سنة نشر) ومن بين ما كتبه:
وقد بلغنى أنّ أبا عبيدة لما دخل دمشق بأصحابه سارالقساوسة والرهبان بين يديه على مسرح الشعر(!! والتعجب من عندى- ط . ر) وقد رفعوا الإنجيل والمباخر...ولم يعلم خالد بن الوليد بذلك لأنه شدّد عليهم بالقتال..وأنّ أصحاب رسول الله هاجموا كنيستهم وكسروا الباب وقطوا السلاسل..ودخل خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين..ووضعوا السيف فى الروم.. إلى أنْ وصل خالد إلى كنيسة مريم وهويأسرويقتل..والتقى الجعان عند الكنيسة: جيش خالد وجيش إبى عبيدة وأصحابه سائرون والرهبان بين أيديهم..وما أحد من أصحاب أبى عبيدة جرّد سيفه..فلما نظرخالد إليهم ورأى أنّ لا أحد منهم جرد سيفه.. بـُـهت وجعل ينظر إليهم متعجبـًـا..فنظرإليه أبوعبيدة وعرف فى وجهه الانكارفقال: يا أبا سليمان قد فتح الله على يدى المدينة صلحـًـا وكفى الله المؤمنين القتال..وقد تم الصلح..فقال خالد: وما الصلح لا أصلح الله بالهم وأنىّ (= كيف) لهم الصلح وقد فتحتها بالسيف..وقد خـُـضبت سيوف المسلمين من دمائهم..وأخذتُ أولادهم عبيدًا ونهبتُ أموالهم..فقال أبوعبيدة: أيها الأميراعلم أنى ما دخلتها إلاّبالصلح..فقال خالد بن الوليد: إنك لم تزل مغفلا..وأنا ما دخلتها إلاّبالسيف عنوة..وما بقى لهم حماية..فكيف صالحتهم؟ قال أبوعبيدة: اتق الله أيها الأمير..والله لقد صالحتُ القوم ونفذ السهم بما هوفيه..وكتبتُ لهم الكتاب وهومع القوم..فقال خالد: وكيف صالحتهم من غيرأمرى وأنا صاحب رايتك والأميرعليك..وأنا لن أرفع السيف عنهم حتى أفنيهم عن آخرهم..فقال أبوعبيدة: والله ما ظننتُ أنْ تخالفنى إذا عقدتُ عقدًا ورأيتُ رأيـًا..والله لقد حقنتُ دماء القوم وأعطيتهم الأمان من الله ومن رسوله..وقد رضى من معى من المسلمين..ولكن خالد لايرجع عن مراده..ونظرأبوعبيدة فرأى أصحاب الرسول مع خالد وهم جيش البوادى من العرب مشتبكون على قتال الروم ونهب أموالهم..فنادى أبوعبيدة: وا ثكلاه..خفرت والله ذمتى ونقض عهدى..وجعل يحرك جواده ويشيرإلى العرب ليتوقفوا عن القتال. وقال: معاشرالمسلمين: أقسمتُ عليكم برسول الله لاتمدوا أيديكم نحوالطريق الذى جئتُ منه..حتى نرى ما نتفق أنا وخالد عليه.. فلما دعاهم بذلك سكتوا عن القتل والنهب..واجتمع أصحاب الرايات وقالوا: الرأى أنْ تمضوا إلى ما أمضاه أبوعبيدة بن الجراح وتكفوا عن قتال القوم..فإنّ مدن الشام لم تــُـفتح أبدًا وهرقل فى أنطاكية..وإذا علم أهل المدن أنكم صالحتم ثم غدرتم لاتــُـفتح لكم مدينة صلحـًـا.. وأنْ تجعلوا هؤلاء الروم فى صلحكم خيرمن قتلهم..وبعد أنْ توقف القتال أخرج الروم الأمتعة والأموال والأحمال.. حتى أخرجوا شيئا عظيما..
أموالهم..فقال أبوعبيدة: أيها الأميراعلم أنى ما دخلتها إلابالصلح..فقال خالد بن الوليد: إنك لم تزل مغفلا..وأنا ما دخلتها إلاّبالسيف عنوة..وما بقى لهم حماية..فكيف صالحتهم؟ قال أبوعبيدة: اتق الله أيها الأمير..والله لقد صالحتُ القوم ونفذ السهم بما هوفيه..وكتبتُ لهم الكتاب وهومع القوم..فقال خالد: وكيف صالحتهم من غيرأمرى وأنا صاحب رايتك والأميرعليك..وأنا لن أرفع السيف عنهم حتى أفنيهم عن آخرهم..فقال أبوعبيدة: والله ما ظننتُ أنْ تخالفنى إذا عقدتُ عقدًا ورأيتُ رأيـًا..والله لقد حقنتُ دماء القوم وأعطيتهم الأمان من الله ومن رسوله..وقد رضى من معى من المسلمين. ولكن خالد لايرجع عن مراده..ونظرأبوعبيدة فرأى أصحاب الرسول مع خالد وهم جيش البوادى من العرب مشتبكون على قتال الروم ونهب أموالهم..فنادى أبوعبيدة: وا ثكلاه..خفرت والله ذمتى ونقض عهدى..وجعل يحرك جواده ويشيرإلى العرب ليتوقفوا عن القتال. وقال: معاشرالمسلمين: أقسمتُ عليكم برسول الله لاتمدوا أيديكم نحوالطريق الذى جئتُ منه..حتى نرى ما نتفق أنا وخالد عليه.. فلما دعاهم بذلك سكتوا عن القتل والنهب..واجتمع أصحاب الرايات وقالوا: الرأى أنْ تمضوا إلى ما أمضاه أبوعبيدة بن الجراح وتكفوا عن قتال القوم..فإنّ مدن الشام لم تــُـفتح أبدًا وهرقل فى أنطاكية..وإذا علم أهل المدن أنكم صالحتم ثم غدرتم لاتــُـفتح لكم مدينة صلحـًـا.. وأنْ تجعلوا هؤلاء الروم فى صلحكم خيرمن قتلهم..وبعد أنْ توقف القتال أخرج الروم الأمتعة والأموال والأحمال.. حتى أخرجوا شيئا عظيما.. فنظرخالد إلى كثرة أحمالهم..ثم قرأ آية من كتاب الله..ونظرخالد إلى أموال الروم وأمتعتهم ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اجعله لنا وملكنا إياه..واجعل هذه الأمتعة قوتا للمسلمين..وعند توزيع الغنيمة كادت الفتنة تثوربين أصحاب خالد وأصحاب أبى عبيدة (المصدرالسابق- من ص45- 47)
وفى معركة من معارك العرب مع الروم- كما ذكرالواقدى- فإنّ خالد بن الوليد نظرفرأى علجـًـا من علوج الروم فأطلق جواده نحوه وأمربالقبض عليه ليقتله. وقال عبدالرحمن بن أبى بكر: لقد نصرنا الله على الروم وفزنا بالغنائم..وذكرالواقدى- أيضًـا- أنّ الشام فتحت عنوة (من ص51- 53) وهكذا كان غيرالعرب- فى نظرخالد بن الوليد..وفى نظراللغة العربية (علوج) وهى– كما كتب الراحل الجليل خليل عبد الكريم– قلب لكلمة (عجول) وبالتالى تكون السماء أنعمتْ على العرب بنهب موارد (العجول) أى غيرالعرب.
فلماذا تجاهل الباحث ما ذكره الواقدى عن شخصية خالد بن الوليد، الميال للعنف والقسوة حتى مع الذين عقد معهم أبوعبيدة (معاهدة صلح)؟ وعندما أصرّخالد على استخدام (السيف) قال له أبوعبيدة: اتق الله يا أمير، فكان خالد: إنك مازلتَ مُـغفلا.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #