الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة الطلاب المصريين فى السبعينات

رياض حسن محرم

2018 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


*"اللي عايز يفجر موقف في مصر يلاقي المادة المتفجرة في مكانين: في الطلبة باعتبارهم شباب مندفع لا يتروى في التفكير.. عايز يعيش وعايز يكون له كيان، والمادة الثانية هي العمال" محمد أنور السادات
*" لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر" المؤرخ الفرنسي”والتر لاكير”
*(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) صدق الله العظيم

الجزء الأول ( إنتفاضة 1972)
رغم ما للطلاب من دورفاعل فى حركة الوعى والتطور فى تاريخ الأمم ، والمثال الأوضح هو إعتماد المنظمة الدولية يوم الحادى والعشرين من فبراير يوما للطاب العالمى لتزامنه مع حركة الطلاب فى مصر والهند ، وقد بدأ يوم21 فبراير1946 فى مصر بالإضراب العام ضد سلطات الاحتلال البريطاني ردًا على أحداث9 فبراير، والذي دعت إليه اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، فقام الطلاب المصريين بإضراب عام ضد سلطات الاحتلال البريطاني ، وشهد هذا اليوم سقوط 28 قتيلًا و432 جريحًا، وتواكب هذا اليوم أيضا مع حركة الطلاب فى الهند ضد الإستعمار الإنجليزى وسقوط مئات القتلى والجرحى فى صفوف الطلاب الهنود، ورغم الدور الريادى للطلاب فى إشعال الثورات والإنتفاضات فى كثير من الدول، "من ضمنها أحداث إنتفاضة 1968 فى فرنسا "، الاّ أن دور الطلاب المصريين فى تاريخ بلدهم ما زال هو الأبرز تاريخيا.
لعبت هزيمة 1967 الدور الأبرز فى إيقاظ الوعى بين مختلف الطبقات، وتحرر الكثيرين من وهم الناصرية " التى بدأت أزمتها العنيفة" وأدى ذلك الى تنامى ردود الفعل الغاضبة على مجمل السياسات والقيادات السياسية وعلى رأسها عبد الناصر نفسه لما حدث، وخرجت التيارات الإسلامية من قمقمها فى عمليات متواترة وقوية بدأت بأحداث الهجوم على كلية الفنية العسكرية بواسطة التنظيم الذى أسسه وقاده المغامر الفلسطينى "المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين" وهو"صالح سرية"، تلتها عملية إختطاف وقتل وزير الأوقاف السابق الشيخ الذهبى بواسطة تنظيم جماعة المسلمين (التكفير والهجرة) الذى أنشأه وقاده "شكرى مصطفى" (وهو من رافق سيد قطب بالسجن وتشرّب أفكاره عن الحاكمية والجاهلية)، وكذلك العشرية الدامي من الصراع مع الجماعة الإسلامية، وتكررت تلك العمليات والتى توجّت باغتيال السادات نفسه فى اكتوبر 1981، وبعد هزيمة 1967 أيضا عادت الحركة الشيوعية الى البروز فى عدد من التنظيمات كان من أبرزها الحزب الشيوعى المصرى وحزب العمال الشيوعى المصرى وغيرهما من الحلقات والتى كان تركيزها الأساسى على الجامعات.
فى 1968 حدث أكثر من إنتفاضة طلابية، حيث إنتفض طلاب جامعة القاهرة وعمال حلوان فى فبراير فى مواجهة الأحكام المخففة ضد قادة سلاح الطيران، حيث دمرت الطائرات فى مرابضها صبيحة الخامس من يونيو، "بالرغم من تحذير عبد الناصر لهم وتحديد موعد الضربة كما زعم"، بينما إنطلقت مظاهرات الطلبة والعمال رافعة شعار " لا صدقى ولا الغول .. عبد الناصر المسؤول"، وفى نوفمبر من نفس العام حدثت إنتفاضة أشد حدّة بالأسكندرية إحتجاجا على عنف الشرطة فى التعامل مع مظاهرات طلبة المرحلة الثانوية بالمنصورة وسقوط عشرات القتلى والجرحى منهم، هؤلاء الذين تظاهروا ضد بعض قرارات وزير التعليم وقتها، ورفعت انتفاضة الطلاب بالأسكندرية مطالب تنادى بالحريات والديموقراطية ومطالبة بإقالة وزيرى التعليم والداخلية، هكذا لم تهدأ حركة الطلاب بعد الهزيمة وظلت إرهاصاتها ممتدة حتى إنتفاضة الجامعات فى بداية السبعينات.
تعتبر حركة العمال المتصاعدة وخاصة فى حلوان "حيث مصانع الحديد والصلب والمصانع الحربية"، كذلك فى منطقة شبرا الخيمة والتراث الممتد لكفاح عمال مصانع النسيج، تعتبر أول تمرد عمالى جماهيرى منذ أزمة مارس 1954، تلك الأزمة حيث نجح النظام الممثل فى مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر وقتها أن يشترى ولاء العمال فى مقابل مكاسب إجتماعية يحققها لهم نظام يوليو وتعد أول مرّة فى التاريخ أن تخرج مظاهرات منادية بسقوط الحرية والديموقراطية، وخرجت مظاهرات العمال من المنطقتين فى فبراير 1968منددة بأحكام الطيران، وجاء خروج طلاب الجامعات مناصرة منهم لحركة العمال فى حلوان وشبرا الخيمة، وكان أن أعلن "فيما بعد" تكوين (اللجنة العليا للعمال والطلبة)، كمحاولة لإستعادة النضال المشترك للعمال والطلبة فى الأربعينات.
حاول عبد الناصر أن ينحنى مؤقتا فى مواجهة تلك الهبّة "الغير منتظرة أو متوقعة"، فأعلن فى خطاب شهير له أنه إذا إصطدمت الثورة " ثورة يوليو بالطبع" بشبابها فإن الشباب على حق، وفي محاولة لتجنب استفحال الأزمة، بدأ النظام في الاعتراف ببعض أخطائه ليختار في الحكومة أهل الخبرة بدلاً من ضباط الجيش وأهل الثقة. وأعطى المزيد من الحريات للطلاب والعمال فى (بيان 30 مارس)، وإعلانه بدء مرحلة حرب الإستنزاف وتكوين "قوات سيناء العربية"، وكان خيار النظام آنذاك إعادة تمتين رأسمالية الدولة الحاكمة للمعركة القادمة ضد إسرائيل "التى تم إقرارها" وذلك من خلال منح بعض الحريات التي تسمح بامتصاص الغضب والسماح بتشكيل "لجان المواطنين من أجل المعركة" وإضفاء قدر من الحيوية على البيروقراطية المريضة، وفى الجانب الآخر جاء تأسيس "قوات الأمن المركزى" قبل نهاية العام لقمع هذا النوع من المظاهرات.
فى ظل هذا التباين والإحتقان جاء نبأ موت عبد الناصر بعد نهاية مجهود عنيف لمؤتمر القمة الإستثنائى للصلح بين الفلسطينين والأردنيين "وبمعنى أدق بين الملك حسين وياسر عرفات" ذلك المجهود الذى لم يتحمله قلبه العليل، وبعدها تم إختيار أنور السادات لخلافة عبد الناصر، وجاء السادات محاطا بحلقة محكمة من رجال عبد الناصر الذين أحكموا شباكهم حوله، وفى محاولة الرجل النفاذ من تلك القيود ومغازلة الشعب لم يجد الاّ إستخدام ورقة الديموقراطية يلوح بها من بعيد، وكان لابد من الصدام الحتمى الذى حدث فى 15 مايو 1971 لينقض السادات على رجال عبد الناصر " الذين أسماهم بمراكز القوى" فى ضربة واحدة ويدخلهم جميعا الى السجون وينفرد هو بالحكم، ليستمر بعدها فى إستثمار الرغبة الشعبية فى تحقيق الديموقراطية ليقرر "فى قضية شكلية" هدم سجن مصر العمومى "قره ميدان" و إستمرارا لهذا العبث يقوم باخراج مسرحية ممجوجة عن إحراق الشرائط الصوتية والتسجيلات فى مشهد درامى مسخ، وفى الوقت نفسه يقرر الإفراج عن الإخوان المسلمين من السجون وإعادتهم لوظائفهم وتعويضهم وتمكينهم من منابر المساجد والسماح لهم بإصدار مجلتهم "الدعوة" بعد أن ضمن ولاءهم وإستعدادهم لمواجهة اليسار فى الجامعات والمجتمع، وقرر كذلك الإفراج عن الصحفى اليمينى (المسجون بتهمة التخابر مع الأمريكان) "مصطفى أمين" وتعينه مع أخوه "على" فى قمة أهم وأشهر الصحف المصرية ( الأهرام وأخبار اليوم)، وفي هذا السياق كانت الأرضية ممهدة لاشتعال الحريق فى الجامعة، فها هي السلطة مصابة بالضعف ومليئة بالشروخ والانقسامات، ثم أن أقسامًا من ممثلي التيار اليميني تنفخ في النار وتحاول اقتناص الفرصة فى محاولة لتوسيع هامشها في الوجود والصعود، بينما الطلاب الناصريين والماركسيين يصعدون نشاطهم فى الجامعات، مستخدمين كافة الوسائل الممكنة ممثلة فى مجلات الحائط وحلقات النقاش والمعارض والأسر وأندية الفكر، والمؤتمرات الطلابية مستعيينين فى ذلك ببعض الأساتذة وهيئة التدريس من الناصريين "أعضاء منظمة الشباب" والشيوعيين وبغض الليبراليين، وكان من أبرز تلك الفعاليات بالجامعات "جماعات أنصار الثورة الفلسطينية" التى دشنت معرضا مفتوحا فى عدد من الكليات ومن أبرزها كلية الهندسة جامعة القاهرة، وكان هاجس الحركة الطلابية موضوعين هما تحرير الأرض والديموقراطية.
كما لعب الطلاب فى تاريخ مصر الحديث دورا مفجرا للثورات فى ثورة 1919 وفى أحداث الثلاثينات والأربعينات ضد الإحتلال والدكتاتورية تمهيدا لثورة يوليو 1952، وذلك باعتبارهم الأكثر وعيا والغير مصنفين طبقيا والممثلين لضمير الأمة، هكذا كان دورهم فى تلك السنوات القلقة، حيث كانت المسألة الوطنية هي القضية الأولى على جدول الأعمال. فقد جسدّت هزيمة يونيو 67 أزمة النظام وساهمت فى انهيار مشروعه. ومن ثم التفت حركة الطلاب سريعا حول المطالب الوطنية والديمقراطية والقضية الفلسطينية، ولأن الوضع كان مأزوما وفى حاجة لأى شرارة للتفجير، فقد جاء خطاب السادات فى في 13 يناير 1972 الذى برر فيه عجزه عن الوفاء بوعده في جعل عام 1971 عام الحسم مع إسرائيل باندلاع الحرب الهندية الباكستانية، وادعى أن العالم ليس فيه متسع لاندلاع حربين كبيرتين في آن واحد، وأن الحليف السوفيتي كانت تشغله الحرب الهندية الباكستانية للحد الذي لا يستطيع فيه تقديم مساعدة لمصر، وأن هذه الحالة كالضباب الذي يعيق القدرة على التحرك، وكان رد فعل هذا الخطاب فى الجامعة هو منتهى الغضب، من حجة “عام الضباب”، وتحولت مجلات الحائط الى نيران مشتعلة من الرفض والسخرية، بينما قرر طلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة عقد مؤتمر موسع يوم 15 يناير لمناقشة الخطاب، وبالفعل تم تنظيم المؤتمر، وواكبه تعليق فيض من مجلات الحائط والملصقات الحافلة بالتعليقات الناقدة لخطاب الرئيس وللحكومة، وفي المساء تحول المؤتمر إلى اعتصام، ومع تصاعد الحركة الاحتجاجية، أوفدت الحكومة أمين الشباب بالاتحاد الاشتراكي العربي د. أحمد كمال أبو المجد في محاولة للتهدئة ولكنه فشل في مهمته وفي الرد على أسئلة الطلاب بل زاد الموقف إشتعالا حين أكد د. أبو المحد أن الرئيس وحده هو الذي يستطيع الرد على تلك الأسئلة، ومن ثم خرج ممثل الحكومة من المؤتمر وسط صيحات الاستهجان والصفير، وسرعان ما انتشرت حالة الغضب الجماعي بين الطلاب وعقدت العديد من المؤتمرات بحميع الكليات التي كانت تختتم في الغالب بطبع وتوزيع بيانات وتوصيات ملتهبة وتحريضية، وتزايد إصدار مجلات الحائط والملصقات بصورة كثيفة، وأظهرت كل البيانات الصادرة عن مختلف الكليات عدم قبول الطلاب لتبريرات السادات لعدم خوضه “حرب التحريرالشعبية”، وفي مؤتمر عقد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تمت الدعوة إلى مؤتمر موسع بقاعة المؤتمرات بالجامعة يوم الخميس 20 يناير، بينما اقترح الطلبة دعوة الرئيس نفسه إلى مؤتمر 20 يناير، “ما دام هو الشخص الوحيد الذي يستطيع الرد على تساؤلات الطلبة”.
فى تلك الأثناء بدأت قوى اليمين الدينى ممثلة فى شباب الإخوان المنضوين تحت ما أسموه بالجماعة الإسلامية فى الظهور محاولين تثبيط همم الطلاب بحجة إعطاء الرجل فرصة، لكنهم ووجهوا برفض حاسم من جموع الطلاب، وفى مؤتمر عقد بكلية الهندسة فى 17يناير تحت شعار الحرب الشعبية، أقر المؤتمرون إقتراحا بتشكيل “اللجنة الوطنية العليا للطلاب في جامعة القاهرة” من ممثلين من مختلف الكليات، وطالبوا بضرورة تسليح الطلاب وتدريبهم عسكريًا، مع وقف كل مبادرات التهدئة (فتح قناة السويس، مبادرة روجرز… ألخ) وأعطى الطلاب الحكومة مهلة مدتها يومان للرد على المطالب الطلابية، مع التأكيد على دعوة السادات للحضورلمؤتمر 20 يناير والاّ سيعلن المؤتمر إعتصاما مفتوحا حتى حضوره.
فى هذه الأثناء كان السادات قد بدأ في التحرك باتخاذ إجراءات هدفها التهدئة وامتصاص الغضب، فقد أجرى تغييرا وزاريا عين بموجبه وزير الصناعة عزيز صدقي رئيسًا للوزراء ليرأس ما سمي بـ”وزارة المواجهة الشاملة”. كما عين سيد مرعي أمينًا للاتحاد الاشتراكي العربي، وأعلنت تلك الحكومة عن تنفيذ إثنى عشر إجراءًا “حاسمًا” بهدف إعداد اقتصاد البلاد “للمعركة القادمة”، وأعلنت أن الرئيس قرر تنظيم ترشيد للاستهلاك، خاصة فيما يتعلق بمنع استيراد السلع الاستهلاكية وأعلنت أيضًا أن الرئيس قرر العفو عن 12 ألف شخص كانوا قد حرموا من حقوقهم السياسية في عام 1961 أيام قرارات التأميم "معظمهم من كبار الملاك وأعضاء جماعة الإخوان" ، أما وزير الدفاع فقد أعلن عن فتح باب التطوع للجيش أمام الطلاب، و لم يكن مستغربًا أن يعتبر الطلاب إجراءات الحكومة والرئيس محض دجل سياسي لا معنى له.
عقد مؤتمر 20 يناير فى موعده، وحضره أكثر من 20 ألف طالب من مختلف الكليات والجامعات، وفي المؤتمر قرر الطلاب إرسال ممثلين لهم لرئاسة الجمهورية لمطالبة الرئيس بالحضور إلى الجامعة للرد على أسئلة الطلاب، وإعلان تشكيل اللجنة العليا لطلاب جامعة القاهرة بديلا عن الإتحادات الطلابية الموالية للحكومة، وتحديد لجنة صياغة لكتابة وثيقة طلابية، وقرر المؤتمر توجيه الشكر لجامعات عين شمش والأزهر والأسكندرية لعقدها مؤتمرات مماثلة.
توجه وفد طلابى الى منزل الرئيس لتسليمه مطالب المؤتمر ودعوته للحضور، ولكن الحرس الرئاسى منعهم من الوصول، فقرر الطلاب إستمرار إعتصامهم، وفى اليوم التالى إستمر عقد المؤتمر بعدد أقل وقرر المؤتمرون توجيه نداء للعمال بمنطقة حلوان بالمشاركة وإرسال وفد رسمى لهم ، استمرت الاعتصامات والمؤتمرات الطلابية فى مختلف كليات الجامعة حيث كانت تتسم بوجود سيل من البيانات والمنشورات ومجلات الحائط والنقاشات. وفي ضوء استمرار الحركة لم تجد الدولة مخرجًا إلا الكذب واختلاق بيان بإسم طلاب جامعة الإسكندرية يؤيدها ويعلن تأييده لإغلاق جامعة الإسكندرية، كما لجأت الدولة أيضًا بالإيعاز لصحف الحكومة فبدأت الصحف في ترويج الأكاذيب، ومثال لذلك ما أعلنته الأهرام من أن الرئيس وافق على مقابلة طلاب القاهرة والإسكندرية بناء على دعوة اتحاداتهم الطلابية، كما تجاهلت الصحف أي إشارة للوثيقة الطلابية، وتجاهلت أيضًا أحداث جامعتي القاهرة وعين شمس.
فى اليوم الرابع للإعتصام بدأت مؤامرات السلطة المستمرة فى تحقيق بعض النجاح، فقد وافق الطلاب على صيغة تسوية اقترحها وزير الداخلية ممدوح سالم تشتمل على حضور وفد طلابي كبير إلى مجلس الشعب لتقديم مطالبهم وإنهاء الاعتصام بعد أخذ تعهد من المجلس بمتابعة المطالب، وبعد أن وافقت اللجنة الطلابية على الاقتراح حضر ثلاثة أعضاء بمجلس الشعب إلى الجامعة وأبلغوا القرار للطلاب بالموافقة على شروطهم، وعادوا إلى المجلس للإعداد لاستقبال الطلاب. وخصص وزير الداخلية عددًا من السيارات لنقل وفد الطلاب الذي يمثل كل الكليات والذي بلع عدده 200 طالب، وفي الاجتماع مع أعضاء المجلس عرض رئيس اللجنة الوطنية العليا للطلاب موقف الطلاب والوثيقة الطلابية، ولكن أعضاء المجلس رفضوا نشر الوثيقة الطلابية بالصحف بحجة السرية في وقت الحرب، وفي نهاية الجلسة تم التوصل إلى اتفاق هو إدخال عدد من التعديلات على الوثيقة حتى تنشر في صحف اليوم التالي في مقابل إنهاء الاعتصام المستمر منذ أربعة أيام.
ماحدث فى مجلس الشعب أن إنصرف الوفد تاركا عضوين منه للقيام بالتعديلات بالاشتراك مع الدكتور جمال العطيفي عضو المجلس، وبعد ساعات من المساومات تم الاتفاق على نشر الوثيقة المعدلة، ولكن قبل انصراف الطالبين بدقائق أبلغهم الدكتور العطيفي أنه لن يتم نشر أي شيء، وأن السادات أبلغه بذلك وأنه سوف يعقد اجتماعًا مع كل القوى الشعبية ومنهم الطلاب لمناقشة الوضع في غضون يومين تقريبًا، كما أبلغهم أنه قد وصل وفدًا ثانيًا من الطلاب للمجلس يتبع اتحاد الطلاب حاملاً معه وجهة نظر مختلفة تمامًا عما جاء فى الوثيقة.
إن حركة الطلاب بسبب عدم قدرتها على التوسع في الأوساط العمالية والجماهيرية، وفي سياق عدم وجود قيادة سياسية منظمة ومدربة وموحدة للطلاب، كانت غير قادرة أو مدربة على مواجهة ألاعيب الطبقة الحاكمة بكل ما تملكه من أجهزة مخابراتية وقوى مستعدة دائما لخدمة الحكام، وحين عاد العضوان الذين كانا بالمجلس وإبلاغهم المؤتمر بما حدث معهم إشتعل الغضب بين الطلاب وقرروا الرد على تلك الإهانة بالتصعيد وذلك بالخروج الى الشارع فى مظاهرة صبيحة اليوم التالى "حيث يكون العدد مكتملا"، وكانت سلطة القمع سابقة قبل الخروج للمسيرة، ففي الساعة السادسة صباح يوم الاثنين 24 يناير اقتحم البوليس بوابات جامعة القاهرة ليقبض على 1500 طالب وطالبة، كما ضرب الطلاب بالعصى المطاطية والهراوات والقنابل المسيلة للدموع، وأغلق الجامعة مانعًا أي أحد من الدخول، كان الاقتحام في كل من جامعتي القاهرة وعين شمس فى وقت واحد. وبينما استسلمت قيادات الاعتصام في جامعة القاهرة بهدوء، حدثت بعض الصدامات في جامعة عين شمس.
قرر االطلاب الغاضبين لما حدث الخروج الى الشارع بمظاهرة كبرى تندد بالنظام ، وفعلا تجمع الطلاب أمام قاعة الإجتماعات الكبرى بجامعة القاهرة،وحين حاول الأمن منعهم من الخروج قاموا بتحطيم البوابات وإتجهوا فى مظاهرة حاشدة إنضمت اليها الجماهير واتجوا جميعا الى ميدان التحرير "رمز الثورة"، وذلك رغم أن إدارة الجامعتين قد أصدرتا قرارا باغلاقهما وبدء عطلة منتصف العام، وفي الميدان التحم الطلاب بالمواطنين وعقدوا مؤتمرًا ضخمًا حضره الألوف حول قاعدة التمثال "الكعكة الحجرية" في وسط الميدان واستمر المؤتمر والهتافات طوال اليوم، وتوقف المرور حتى تدخل البوليس مرة أخرى وبدأ في ضرب الطلاب لتملأ دمائهم الميدان، وبدأت في ذات الوقت معركة من نوع آخر، هي معركة تدافع الجماهير لحماية الطلاب والتضامن معهم، حيث حمل المواطنون الطلاب على أكتافهم وبسياراتهم لإسعافهم، وفي المساء حدث اعتصام بالميدان، وشكلت لجنة مؤقتة لتنظيم الاعتصام، وحضرالى الإعتصام الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم لتحميس الطلاب بالغناء الثورى والشعر، وجذب المشهد عدا كبيرا من المثقفين والفنانين التقدميين، بالإضافة لسكان القاهرة الذين حاولوا المساعدة بكل ما في استطاعتهم بدءًا من تقديم الطعام لهم إلى مدهم بالأغطية والبطاطين في برد يناير.
وفي ساعة متأخرة من الليل وجه قائد قوات الأمن المركزي أمرًا بالتفرق إلى الطلاب الذين كانوا ينشدون الأناشيد الوطنية، بعدها مباشرة تدخل الأمن بالقوة فجرًا بعد رفضهم التفرق ليفرقهم بالقوة ليعودوا للتجمع ثانية في مجموعات أصغر بالمنطقة التجارية في وسط القاهرة وهم يهتفون “إصحي يا مصر” واستمرت المظاهرات حتى ظهر اليوم التالي 25 يناير، وصدر فى نفس اليوم بيان لوزارة الداخلية عن الأحداث جاء فيه أن سلطات الأمن قد “حرصت بتوجيه من القيادة السياسية على عدم التدخل تقديرًا للدوافع الوطنية للطلاب، فضلاً عن أن ما ينادون به أجمعت عليه أمتنا قيادة وشعبًا”، وبحلول المساء كشفت الطبقة الحاكمة عن وجهها الحقيقي القبيح فاعتقلت كل قيادات الحركة بالإضافة إلى القيادات العمالية التي بعثت رسائل التضامن. وفي صباح 26 يناير تم القبض على حوالي 200 طالب من قلب الجامعة وطالبت الحكومة كل رؤساء الجامعات بإمدادها بأسماء الطلاب الذين لهم دورًا في الحركة.
لقد مثلت حركة يناير 72 الطلابية ذروة هامة من ذروات النضال الطبقي في مصر بالرغم من انحسارها ومن فشلها في التوسع، إلا أنها مهدت الطريق للنضالات التي تلت حرب أكتوبر 1973، والتي وصلت إلى أقصى حدودها مع انتفاضة يناير 77، على أن الدرس الأثمن الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الحركة هو أن قوى الطلاب يمكنها فقط أن تمهد الطريق للنضال الجماهيري الواسع، أما عبور الجسر من الوطني إلى الطبقي فإنه بحاجة الى وجود قوة سياسية فاعلة لها خبرات عريضة تمكنها من قيادة النضال الطبقي حتى النصر النهائي.
(للموضوع بقية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة