الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يفضح افتقاد السلم الأهلي في عراق اليوم؟ وما سُبل استعادته؟

تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)

2018 / 9 / 21
الارهاب, الحرب والسلام


اليوم هو اليوم العالمي للسلام [21 سبتمبر] الذي تحتفل به الأمم المتحدة تحت شعار: "الحق في السلام – 70 عاماً منذ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". حيث تمَّ الربط بين السلام ومُثُاه السامية العليا وبين حقوق الإنسان وقيمها وثوابتها التي تسعى الأمم والشعوب لتلبيتها وتحقيقها تكريساً لأنسنة وجودنا، واستعادة الحق في حياةٍ: آمنةٍ، مستقرةٍ، تسودها الطمأنينة ومُثُل السلام...
ومنذ أنْ أقرت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر قبل سبعين عاماً، اجتهت الشعوب والدول لتلبيتها؛ واتفقت على الأيام الدولية التي تُعنى بسبل تلبية الحقوق والحريات، ولكن ذلك لم يتحقق بصورته الأمثل في بلدان منطقتنا الشرقأوسطية ومنها تحديداً العراق. فلطالما شهدنا تراجيديا وقائع وأحداث ممتلئة بالآلام والتجاوزات والخروقات الحقوقية..
والأمور لم تنتهِ عند تلك الحدود فبمجرد انتفاض الشعوب لفرض إرادتها كان الردّ ترحيل الأوضاع تحو مشاغلة بعيداً عن تلبية تلك الحقوق حيث دفع مشعلو الحرائق باتجاه حروب عبثية متتالية سواء بين دول المنطقة أم وسط مجتمعاتها المحلية؛ بخلفية اختلاق الانقسامات والصراعات (الطائفية).. وتلك القوى العنفية المستبدة تدرك أنه لا تطور ولا تنمية ولا فرص لتلبية الحقوق والحريات في ظل منطق الحروب وعدم الاستقرار وافتقاد الأمن والطمأنينة...
من هنا، ناضل ويناضل التنويريون لاستعادة السلم الأهلي، في وطن انشغل تاريخه العريق بمهام إشادة الحضارة والتأسيس لها فكان مهد التراث الإنساني، ومرتع السلام الذي هيَّأ أرضية بناء فردوس البشرية المنشغلة بالتنمية.. واليوم وعلى وفق برامج الأمم المتحدة وشعوب العالم ودولها بقضية (التنمية المستدامة)، كانت وتبقى قضية معالجة معاناة العراق وشعبه من مشكلات مركبة قضية جوهرية في دعم مطلب السبم الأهلي.
فالفقر بمستوياته ومشكلات الصحة سواء البدنية أم النفسية، بكل ما يجابه البلاد من أوبئة وإصابات مأساوية كما حال تلوث البيئة وتأثيرها المباشر وغير المباشر على الفقراء.. مثل جريمة تلويث الأنهر العراقية بالنفايات الكيمياوية وإهمال ظاهرة ارتفاع نسبة الملوحة لحدود كارثية غير مسموح بها دولياً، دع عنك انهيار التعليم وترديه بخطاب ظلامي يستند إلى منطق الخرافة وما سمح به من حشو ملائي لقيم الكراهية ونشر ثقافة العنف والتمييز بين الجنسين إلى جانب مشلات البطالة وانعدام العدالة الاجتماعية في ظل ولادة طبقة كربتوقراط مافيوية سطت على مجمل الثروات الوطنية..
إنّ كل ذلك بالتضافر مع التشكيلات الميليشياوية والعصابات المنظمة وانتشار السلاح حتى المتوسط والثقيل منه بين أيدي تلك التشكيلات التي تحكمّت بالبلاد والعباد أفضت إلى عسكرة الأوضاع العامة برمتها، ووضعها في تخندقات ومتاريس الاستعداد الدائم للقتال والاحتراب المتفجر كل مرة بذريعة تختارها سلطة ترعى وجود تلك التشكيلات الميليشياوية فتمنحها سلطة فوق سلطات الدولة هذا إلى جانب الأثر الخطير للثقافة العنفية وخطاب الكراهية ومنطق الثارات وروح الانتقام بخلفية يُسقطون عليها القدسية الدينية (المذهبية) المزيفة التي ما أنزل بها دين من سلطان!
وبخلاف منطق التسامح يعلو بخطاب السياسة الطائفية وإعلامها منطق القوة والبطولة في العنف وليس في السلام ومُثُل التسامح كما ينبغي وكما تدعو غليه شعوب العالم ومواثيق الأمم المتحدة وبياناتها وإعلاناتها السامية.
إن الشعب العراقي غذ يفتقد للسلام مطلباً للعيش الحر الكريم، متأكد عبر تجاريبه مع السلطة الحاكمة منذ 2003 حتى يومنا، متأكد من أن هذا الافتقاد يعود لطابع النظام (الطائفي) القائم على التمييز وخطاب الكراهية واختلاق التخندقات والصراعات المؤدية حتما لما جرى من مقاتل وحروب طائفية وغيرها، مما عبث بمصائر الناس وأوقع ملايين الضحايا بين قتلى وجرحى ومصابين أعيقوا عن الحركة والعيش الطبيعي بدنياً نفسياً وثكالى وأرامل وأيتام ونازحين ومهجرين وبلاءات ومصائب بلا حصر!!!
إن قضية ((السلم الأهلي)) تبقى رهن وضعها أولوية قصوى في برامج الحركات الشعبية الاحتجاجية وانتفاضات الشعب التي جابهت هي الأخرى عنف القمع ووحشية التعامل ومنطق الاعتقالات وأبشع أشكال التعذيب الذي لا يخلق سوى ردود فعل حادة تحتدم وتبحث عن منطق يسود حيث العنف لا يقابله إلا العنف! بينما الصحيح الذي يخدم الشعب وينتصر لنضالاته ليس سوى ترك التخندقات الطائفية التي قسَّمته والتمسك بالسلم الأهلي وبقيم التسامح والإخاء على أساس روح المواطنة والوطنية والتمترس بخندق السلام ضد خندق العنف والكراهية وما يخلقان من احتراب وتقاتل...
إننا عراقيا وبمناسبة اليوم العالمي للسلام، بحاجة إلى حسم القرار شعبيا، بعد أن عادت السلطة لتكرّس فلسفتها وخطابها اللذين قادا لكل تلك الحروب.. فالعراقيات والعراقيون يمكنهم الانتصار للسلام بخيار:
1. الانسحاب من انتماء إلى أية قوى وتشكيلات مسلحة (ميليشياوية) سواء تلك التي يسمونها المقدسة أم تلك التي يزعمون أنها (رسمية) تتبع السلطة؛ إذ قوى العنف لا هي مقدسة ولا هي من بنية منظومة الدولة الحديثة التي تحترم مواطنيها وتضمن لهم سلطة القانون.
2. الالتفاف حول قوى التنوير والسلام كونها القوى التي يمكنها أن تقود في طريق السلم الأهلي وتوحيد فئات الشعب وطبقاته بخطاب التسامح والألفة ووحدة وطنية تعيد أنسنة وجود العراقيين المستحق.
3. عدم الإصغاء لكل الخطابات الطائفية التي دأبت على التسويق للعنف والكراهية ورفع شعارات الثأر والانتقام؛ فهي ليست سوى ثقافة مرضية بائسة تعتدي على الإنسان بوضعه باستمرار في دائرة الشحن والاحتقان ومن ثمّ الاحتراب بتوالد الذرائع المصطنعة.
4. البحث باستمرار عن مُثُل التسامح وقيم السلام كونها القيم التي تحترم وجودنا وتجسد أسمى القيم السلوكية الأخلاقية وتعبر عن قوة الإنسان لا عن ضعفه إذ الحقائق والبراهين تؤكد أن الضعيف الخاوي المرعوب هو من يلجأ للعنف ولردود الفعل المتهورة بينما صاحب العقل والحكمة هو القوي القادر على ممارسة سلوك التسامح وصنع السلم الأهلي بديلا للاحتراب القائم على منطق تحويل الإنسان وأخيه إلى ظالم ومظلوم؛ يديم الظلم الصراعات بينهما بلغة ثأرية انتقامية عدائية لا مبرر لها سوى الوحشية والهمجية وظلامية الأفكار والقيم!!
5. لقد اعتمدت شعوب ودول العالم في عام 2015، بإطار الجمعية العامة للأمم المتحدة 17 هدفاً لـ (التنمية المستدامة)، وكان الهدف السادس عشر منها، منصبّاً على العمل من أجل تحقيق ((السلام)) و(العدل) بمؤسسات قوية بسلطة القانون، استناداً إلى أنَّ المجتمعات التي تنعم بـ ((السلام)) هي الوحيدة القادرة على تلبية شروط التنمية المستدامة، وعلى إتاحة سبل تحقيق العدالة والمساواة التي تفترض وجوباً وجود مؤسسات القانون وسلطتها الوحيدة القادرة على تجسيد تطلعات الشعب بما يلبي ما كلَّفها به من واجبات.

إنّ سؤال العراقي اليوم، كيف يطمئن على حياته ومستقبل أبنائه ومجمل الجيل الجديد في ظل استمرار منطق العنف وما يحث عليه ويدفع كرهاُ غليه من تشكيلات ميليشياوية؟ والشعب يدرك بخاصة في هذه المناسبة معنى البحث عن وسائل تحقيق السلام عبر نضالاته من أجل:
• حلّ كل التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة ومنع التغطية على إدامة وجودها بلعبة إدماجها بالمؤسسات الرسمية.. ويتطلب هذا:
1. إصدار قوانين تحظر تلك التشكيلات المسلحة.
2. مصادرة الأسلحة وجمعها من جميع الأطراف التي تمتلكها اليوم بلا استثناء لطرف.
3. حظر انتشار السلاح خارج المؤسسات الرسمية التي تعتمدها قوانين الدول الحديثة.
4. تشديد العقوبات القانونية على أي شكل لوجود سلاح من اي نوع بأيدي غير مؤسسات الدولة وضمنا السلاح الخفيف.

• حظر أي شكل للربط بين الميليشيات والقدسية الدينية ومنع أي خطاب ديني مذهبي بالتحديد ما يصدر عن الكهنوت الديني من فتاوى تبيح وجود السلاح بين ايدي مريديها أو تسمح بتشكيل قوات تتبع تلك الفتاوى المتعارضة مع حل التشكيلات المسلحة.
• تكثيف حملات التوعية والتثقيف بخطاب السلام وقيمه ووسائل تلبيته وتحقيقه ومنح أشكال التكريم لأبطال السلام بدل تلك التي تُمنح للبلطجية وقادة العنف والاحتراب العبثي..
• إنّ مكافحة العنف لا ينطلق من تقسيم قواه بين مجموعات بصف الدولة والشعب وأخرى معادية بل كل قوة مسلحة هي قوة خارجة على إرادة الشعب في تحقيق السلام ومن يفرض سلطة القانون ليس سوى القوات الرسمية باحتكار الدولة للسلاح باسم الشعب، وكل ما عدا ذلك تبرير لإدامة مسلسل العنف وحلقاته المأساوية..
• ينبغي التنبيه في مرحلة النضال الشعبي من أجل فرض إرادة السلام أن كل الهبّات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية كان يجري إخمادها بالتسلل إليها بعناصر البلطجة والعنف ثم يُقضى عليها.. لذا يظل واجبا التمسك بالنضال السلمي وفرض قوة السلام على قوة العنف...

إن غياب الحريات والحقوق ومن ذلك اختلاق مظاهر التمييز القومي، الديني، المذهبي ومنع التعددية السياسية القائمة على تمثيل الشعب وأطيافه طبقاتٍ وفئاتٍ هو ما خلق الاحتراب ومنطق العنف.. فيما سيكون طريق السلام ممرا آمنا نحو إنهاء القمع وسلطة نظام الطائفية المافيوي وتلك السلطة المرضية التي كرست نشر خطاب الكراهية وتبرير العنف وقدمت الذرائع والحجج الواهية للإبقاء على وجود الميليشيات...
كما إن ظواهر التغيير الديموغرافي وإرضاع ثقافة التمييز ستترك للأجيال التالية قنابل موقوتة يلزمنا التصدي لها بهذه المناسبة وتسليط ألضواء عليها لخلق بيئة التعايش المشترك واحترام التنوع والتعددية والمساواة بين مواطني البلاد بمختلف انتماءاتهم ..
فلنكن على مستوى واجباتنا تجاه أولوية قضية السلام هدفا يحقق ما نتطلع إليه عراقيا وإقليميا ودوليا... وهو أمر لن يأتي والتمييز بين المرأة والرجل قائم في أفكار بالية ما زال بعضنا يتمترس وراءها عبثا ولن يأتي والتمييز القومي والديني والمذهبي موجود يتفشى بيننا ولكن السلام سيأتي ويتحقق بفضل إرادة قواه التي تعنينا نحن لا غيرنا نحن قوى الشعب المعنيين بالسلام فيما قوى الظلم والاستبداد ونهب ثرواتنا واقتطاف حيواتنا هي المعنية بخطاب العنف ولهذا يجب عدم الإصغاء لكل من يسوقنا لجبهات حروبه فليس لأي مواطنة أو مواطن مصلحة في العنف..
إن قضية السلام راية تحملها النساء لأنهن أول ضحايا العنف ولأنهن أول ضحايا الحروب فهلا كنَ كما أسلافهن من نسوة العراق يوم حملن رايات السلام في مقدمة الحراك؟ فيكنَّ المبادرات بمشروعات التوعية والتثقيف والتمكين من فرض إرادة السلام...
كما ينبغي للقوى الوطنية التنويرية العراقية أن تستثمر اليوم لنداء عالمي أممي يدعم جهود السلام العراقية لا تلك التي تمر عبر سلطات عنفية متمترسة بعسكرة الأوضاع وبوجود ميليشياتها بل عبر قادة الشعب ومنظماته المعارضة لنظام الطائفية المافيوي والمجسدة لقيم السلم الأهلي والانتصار لدولة مؤسسات قانونية سليمة تحمي مصالح الشعب لا مصالح مافيات النهب والسلب...
تلك هي رسالتنا باليوم العالمي للسلام بحدود الوضع العراقي بكل انهياراته وظواهر التشكيلات إرهابية الجوهر بكل أجنحتها وتمظهراتها بمقابل نواتات انطلاق مسيرة التغيير وبناء البديل الذي يحقق السلام لتنطلق مهام التنمية المستدامة بأهدافها التنموية الاقتايدة والاجتماعية وبكل تفاصيلها الأخرى.. فلننشد معا وسويا للسلام...


* رؤى ومعالجات مقدمة باسم المرصد السومري لحقوق الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا