الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (132) الاستخبارات وشكل السلطة

بشير الوندي

2018 / 9 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
---------------
يتناسب عمر الانظمة طردياً مع قابليتها للتطوير والاصلاح اللذان لايتمّان دون كشف مكامن الخلل من خلال تشجيع النقد الذاتي , وأحد أهم اذرع هذا النقد والاصلاح هي الاجهزة الاستخبارية التي تكون بمثابة المستشعر للمخاطر وللانحراف , فهي عين النظام.
ان الانظمة التي تسقط هي تلك التي تعجز عن النظر لأنها فقأت عينها الاستخبارية بالتحزب والتملّق والفساد , وازاحت عن اجهزتها الاستخبارية احد اهم ادوارها .
----------------------------------
الاستخبارات وحرية النقد
----------------------------------
تؤسس الانظمة المتطورة في العالم نظاماً مشابهاً للشركات المساهمة , لكي يشترك الجميع فيها على مبدأ البقاء للاصلح وليس للاقوى .
وتُكثر تلك الانظمة من ابواب الاستشعارات التي تجعلها قريبة لنبض الشارع لمعالجة همومه وتدارك اخطائها , ولاتكون قريبة من نبض الشارع لتكتم انفاسه .
ان احد افضل اجهزة الاستشعار في أية دولة هي الاجهزة الاستخبارية , بل انها اهم حتى من الاجهزة الرقابية , فللإستخبارات في الدول المتقدمة استقلالية وحرية وآليات تجعلها تستشعر المخاطر عن بعد , بل وتستشعر المخاطر التي قد تنجم من اي اتجاه خاطيء في سياسة البلاد .
ولكن الامر الهام هنا هو ان التحذيرات التي تطلقها الاستخبارات والتي تحمل في طياتها نقداً لسياسة الدولة , تكون موضع ترحيب لدى صانع القرار .
اما في الانظمة التي تعتمد الدكتاتورية بل وحتى دول الفوضى او الدول الفاشلة , فان السلطة الحاكمة ومراكز قواها تكون محكومة بمافيات فساد ينتج عنها عنجهية سياسية ونرجسية لدى اصحاب القرار تضيق سعت صدورهم في سماع النقد وفي تلك الحالة يُسْلب من كافة اجهزة الدولة - وعلى رأسها الاجهزة الاستخبارية – اية امكانية للنقد والتنبيه .
والاكثر من ذلك , فان الانظمة القمعية او تلك التي تتقاذفها مراكز القوى والمافيات الحزبية , لاتكتفي من حرمان اجهزتها الاستخبارية من حق النقد , وانما تحيل المنظومة الامنية والاستخبارية الى منظومات قمعية مهمتها التجسس على منتقدي سياسات الدولة ومطاردتهم وتصفيتهم داخل وخارج البلاد .
ان الانظمة السياسية المتقدمة تعمل على بناء مرايا عاكسة ترى فيه آثار قراراتها الماضية وتستشير اجهزتها لتصور لها مخاطر قراراتها المستقبلية .
ان هذا الامر لايُكتب له النجاح تحت رايات اصلاح مزعومة , وإنما يتم من خلال القضاء على الفساد و ببناء منظومة قضاء مستقل ومؤسسات لها صلاحيات من دون الالتفات الى المديح الذي يؤلّهها فيسقطها .
بل ان الانظمة المستقرة المتقدمة عمدت الى اكثر من ذلك من خلال منافذ عديدة كمنظمات المجتمع المدني ووزارات الظل وغيرها .
من هنا تجد في مثل تلك الانظمة يكون المواطن متعاون مع الامن , بل هو عين للدولة والاستخبارات والشرطة , فيبلغ عن اي شيء لأن مصالحه مرتبطة بالنظام , وكأنه مساهم في شركة يهمه ان ترتفع اسهمها فترتفع ارباحه.
-------------------------------
القوة التي تنتج الانهيار
-------------------------------
لقد قلصت الانظمة الحديثة واجباتها كثيراً وحصرتها في الخدمة العامة , وحذفت الايديولوجيا من واجبابتها اوحقوقها وجعلتها حق من حقوق المواطن.
فالالتزام الايديولوجي للدولة هو في حقيقته إلزام دكتاتوري يتنافى مع الحرية من جهة ويعمي السلطة عن رؤية عيوبها من جهة اخرى , وهو امر ادركته الدول المتقدمة وتجاوزته لانه بات معيباً وداءاً قاتلاً للاحزاب المتسلطة .
ففي الانظمة المتقدمة يكون المواطن هو المحور والاساس ولكي يكون هو المحور فلابد من توفير حق العدالة العمياء والحرية , وكلاهما ينتجان شجاعة النقد والنزوع الى النقد البنّاء .
ان ميزة حرية النقد وتطوير آلياته انتجت انظمة تعمّر لمئات السنين , حيث تحول العدل كبديل لدين الدولة , فالدولة عندهم لادين لها وانما هي فريق يسعى الى فتح الابواب للإستماع للنقد .
وفي تلك الانظمة تكون الافادة القصوى من كامل طاقة الاستخبارات كقرون إستشعار , فتبدع حينها تلك الاجهزة في تبيان المقترحات والاعتراضات والمخاوف والسلبيات ودق نواقيس الخطر , وتكافأ على ذلك.
كما ان عمل الاجهزة الاستخبارية يكون بالاساليب الناعمة , ويسهل عملها للغاية لان المواطن حينها يكون هو عين واعية تتعاون مع الاجهزة الامنية والاستخبارية , لانه يرى فيها خدمة وطنية تعود بالنفع عليه .
اما الانظمة الفاشلة فلاتطيق النقد وتعدّه انتقاصاً لعبقريتها وحكمتها, فيكون المعارض الناقد مجرماً لتصبح الاستخبارات آلة للقتل .
ويتحول اسلوب الاجهزة الاستخبارية الى البطش العنيف الاعمى , ويمتنع المواطن من التعاون مع تلك الاجهزة لانه يراها عدوة له , حتى انه قد يلجأ لأي عمل يغيض النظام , ففي احدى المناسبات وصل الامر بالعراقيين انهم كانوا يتمنون خسارة فريق كرة القدم الوطني نكاية بإبن رأس النظام .
ان النظام الشمولي الذي لايعتمد على الاصلح وانما على الموالي وعلى القوة القهرية , يحيل الاجهزة الاستخبارية الى الوقوف في طابور المدّاحين , ويجعلها شيئاً فشيئاً في مواجهة شعبها لتنتهك حرياته وحقوقه بدلاً عن اهتمامها بمطاردة اعداء الوطن .
وينتج عن تسلط النظام السياسي ان تصبح الاجهزة الاستخبارية اداة امنية بيد النظام وذراع دموية لخنق كل نقد او معارضة , فتهشم السلطة مرآة الاستخبارات التي يفترض ان تنظر فيها الى نفسها في كل يوم .
ومهما بدا شكل النظام القهري قوياً باجهزته القمعية , فان قمعه للنقد والمعارضة يجعل قاعدة المعارضين تكبر وتكبر معها النقمة لتؤدي تلك القوة الخشنة الى خواء النظام وشلل اجهزته الاستخبارية ومن ثم سقوطه بكل هشاشة .
على عكس الانظمة التداولية , حيث يكون الشعب هو قاعدة المتعاونين مع الاجهزة الامنية والاستخبارية , ويكون تراكم أخطاء النظام واستفحالها امراً شبه مستحيل بسبب المراجعات المستمرة , وهو امر يقلل حجم المعارضة ويجعل اسلوب المواجهة سلمياً لإنتفاء الدعوات الانتقامية .
------------
خلاصة
------------
ان اكثر الاجهزة حساسية من فلسفة وطبيعة النظام السياسي هي الاجهزة الاستخبارية , فالجهاز الاستخباري جهاز معلوماتي يصب جهده على العدو , فإن كان النظام السياسي متصالحاً مع شعبه ويعمل لخدمته ويتنافس مع الاخرين الذين يتداول معهم السلطة في تقديم افضل الخدمات , فحينها سيكون العدو الذي تستهدفه الاجهزة الاستخبارية هو العدو الخارجي وعصابات الجريمة والتنظيمات الارهابية .اما اذا كانت السلطة قهرية تعادي من يعارضها ولاترتضي النقد فتكون حينها الاجهزة الاستخبارية بمواجهة عدو السلطة (الشعب) وليس عدو الشعب والوطن (العدو الخارجي) مما يجعل عناصر الاجهزة الاستخبارية قتلة مأجورين يذبحون ابناء شعبهم , وهي مهمة قذرة لاتليق بجهاز مهمته حماية شعبه . والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة