الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراتيل العكاز الأخير .. الحلم والألم

وجدان عبدالعزيز

2018 / 9 / 22
الادب والفن


هناك علاقة ذات سلاسل تربط الإهداء بالنص المنتج، وقد يكون بمثابة ميثاق تواصلي قائم على المحبة والمشتركات الانسانية، وايضا تبادلي لقيم فنية ورمزية، فالاهداء يعد موازيا نصيا للنص المنتج، جاء بقصدية، فالإهداء ينتمي إلى الموازيات النصية الإرادية، تلك التي تقع تحت مسؤولية المبدع، فلعل هذا يمنحه طابع مسلك رمزي مفكرا فيه، متقصدا، ومتوقعا له إبلاغ المهدى إليه، وضمنيا الجمهور والقارئ الواسع، إشارة خاصة حول علاقة المبدع بالمتلقي.

تقليد ثقافي

اذن إهداء العمل الأدبي هو الملصق الصادق أولا الخاص بعلاقة ما على هذا النحو أو ذاك تربط بين المبدع وبين بعض الأشخاص، وعليه، فالإهداء تقليد ثقافي وفني، يدخل المبدع أو المؤلف بواسطته مع المتلقي أو القارئ في علاقة وجدانية حميمة، قوامها التواصل العلائقي البناء والهادف إنسانيا، سواء أكان سياسيا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم فنيا أم أدبيا، ويعد الاهداء من العتبات النصية التي من خلالها يدخل المتلقي النص، ويبني أفق انتظاراته.. ولعل القاص محمد علوان جبر، جاءت اهداءاته تحمل محطات للألفة وتقريب رؤاه التي عتمت عليها ويلات الحروب في مجموعته (تراتيل العكاز الأخير) وأحالتها الى ركامات من التشظي في ثنايا التيه النصوصي، ومن ثم فإن اهداءات جبر، قربته من المعنى في تعامله مع المشتركات الانسانية، لاسيما الاهداء لها.. (سيدة القلب وأيقونة المسرات، الى.. من شاطرتني.. الحلم.. الألم.. والأمل والإشراق)

العمق الانساني

إذن هذا المزج اللوني بين الحلم والألم، جاءت عجينته تحمل الأمل والإشراق .. هذه الأفكار والانفعالات الانسانية انبثت في قصص المجموعة، زادتها تلك الاهداءات الفرعية بعضا من تجليات العمق الانساني، مثلما فعل في قصة (حفارو الخنادق) واهداها الى عبد الزهرة زكي، فكانت ذات استحقاق في بثها الروحي بعلة الحرب، اي الحرب هي الوجع الانساني الذي يمس الضمير الحي ويوقظ فيه رغبة الرفض، رفض كل أشكال الحروب وأوزارها.

حالة الفقدان

وكان القاص، قد وضع عبدالزهرة زكي بمقابل بحثه وحالة الفقدان، حيث جاءت القصة بسرد ذاتي معبر اقتربت من السرد المنساب وسياق مرارة الفقدان (ومن يومها تسلمنا المعاول والمجارف والبنادق.. لكن حينما حلت الحرب التي غطتنا كغيمة سوداء، تساقطنا واحدا تلو الاخر، ولم تنفع كل الحفر التي حفرناها بالمعاول والمجارف.. اذ اخترقتنا شظاياها بلا رحمة..) ، ومن خلال العتمة التي خلفتها الحرب.. والوثيقة (الدفتر) المكتوبة بلغة فارسية مع بعض الرسوم والرموز التي عثر عليها في ملجأ ايراني بعد احتلاله، وكانت الصفحة الثانية بعد تعذر قراءة الاولى، كانت تخبر عن رسائل مقاتل ايراني لحبيبته، وكأن ما جاء في الدفتر يكاد يقترب من اهداء القاص نفسه كمشترك انساني في قصة (ضوء أزرق أسفل الوادي) .. يخاطب المقاتل الايراني حبيبته : (حبيبتي .... لاشيء أقسى من الحرب ............ أكاد أسمع نبضات قلبك.. أحسك أقرب إلي من وحشة الجبل، المرارات كلها تجتمع هنا، هم يقصفون، ونحن نقصف.. هكذا الى مالانهاية...... الانتظار في الحرب يسبب رعبا اكثر من الحرب ذاتها، تنتظر من سيأتي ليقتلك او ربما تقتله.. والامران يشكلان بحد ذاتهما رعبا..)، هذا الصراع يعكس الوجع الانساني وحالة احتجاج ورفض لكل اشكال محو أوجه الحياة.. ويعكس تناغما بين اختلاجات المقاتل الايراني في مقابل المقاتل العراقي المتمثل بالقاص جبر، فـ (النص الحكائي بأساليبه المتعددة والمتنوعة نص متموج لا حدود نهائية له قابلة للتصنيف والتعيين، ويستمد قواه من طبيعة مكوناته والمصادر التي تغذيه وتثري ستراتيجيته النصية وتضاعف طاقاته الدلالية، بحيث ان الحكاية فيه تتمظهر تمظهرا جديدا وكثيفا واستشرافيا تعلن فيه “عن استنطاق لمخبوء الماضي، واستبصار بالآتي، وعن استدناء لما يعجز عنه الانسان، وتفجير لطاقاته، بما ينتظم سردها من ترابط، وبما تقيمه لغتها من حوار، وصهر للعلاقات بين الاشياء” ينعكس على اتجاهات المنهج ويدعوها الى اعادة النظر في تجهيزاتها واجراءاتها العملية وعدة شغلها، وتحديث ادواتها على النحو الذي يناسب حداثة المواجهة)، وتموج نصوص جبر واستثماراتها المتعددة، تجعلنا ازاء النظرية الأدبية التي تعالج: طبيعة الأدب وعلاقاته من خلال سبل واجراءات لتحليل الأعمال الأدبية وللبرهنة على توافق القوانين الداخلية والخارجية لها، وهذا يتطلب المنهج الذي يعدل من الـمناهج الـسابقة لتتوافـق مع مبادئها وأدواتها ومسلماتها. لذلك فالمفهوم المعرفي المؤسس للأدب هو النظرية، والـمنهج النقـدي هو الذي يختبر توافق هذه النظرية مع مبادئها، ويمارس فاعليته، ويتم تداوله عبر جهاز اصطلاحي يحمل قنوات تصوراته ويضمن كيفية انطباقها – قربا أو بعدا – مع الواقع
الإبداعي.

تعدد الدلالة

وارى في كتابات القاص اللغة التي تحيل الى احتمالية المعنى وتعدد الدلالة المشبعة بالذكريات والتداعي الحر والتضمين وكذلك الإحالة حيث تحيل إلى اتجاه الكاتب ومستواه الثقافي وكذا تهدف إلى التأثير في المتلقي وخلق رأى لديه جمالي أو فكري.. (وقد وصف القاص محمد خضير القصة القصيرة، بأنها فن البساطة، وهو يقصد بساطة النوع، الذي يؤكد المنطلقات الواقعية “لان القصص جواهر بسيطة، غير قابلة للتجزؤ والانحلال شأنها شأن مثلها، اي قواعدها الحافظة لنوعها، فامتثال القصص بقواعد نوعها ـ حدود نوعها ـ يعين لها بنية بسيطة جوهرية، تستمر في الزمان والمكان من دون فناء، او افناء في أجناس أخرى”)، وقصص الكاتب جبر نقلت ببساطة تلك المشتركات الانسانية ومن خلال سرد قصصي حافظ على جنس القصة وعاش أجواء اللغة الباثة التي تنأى عن المباشرة الفجة، وتقدم أنموذجها الخاص بها عبر ثلاث عشرة قصة قصيرة ...


مصادر البحث :

1 ـ كتاب (تأويل متاهة الحكي في تمظهرات الشكل السردي) الاستاذ الدكتور محمد صابر عبيد ، عالم الكتب الحديث ، الاردن ـ عمان الطبعة الاولى 2011م ص143


2 ـ كتاب (انماط الشخصية المؤسطرة ـ في القصة العراقية الحديثة) للدكتور فرج ياسين / دار الشؤون الثقافية العامة /الطبعة الاولى ـ بغداد 2010 ص17ـ18

3 ـ (تراتيل العكاز الاخير) قصص محمد علوان جبر/دار مكتبة عدنان/الطبعة الاولى 2015م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202