الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : الخاتم والبطات الثلاث

محمد عبد المنعم الراوى

2018 / 9 / 22
الادب والفن


فى بيت ريفى صغير عاش (سعيد) الموظف بمصلحة البريد مع زوجته (رحمة) وأبنائه (سعاد) و(أحمد) و(محمود) حياة بسيطة هادئة..لا يعكر صفوها شئ..الجميع يشعر بالرضا رغم بعض مظاهر الفقر التى تبدو عليهم..مرتب سعيد يكفى بالكاد..لكن رحمة تعلمت من أمها كيف تدبر شئون بيتها واحتياجات أبنائها..فلم تشتك يوماً..أو تتمرد على شئ..بل على العكس كانت تشعر كل من القرية أنهم دائماً سعداء ويعيشون فى ستر وصحة:
ـ وربنا يديمها نعمة.
هكذا كان لسان حالها دائماً يردد..
هى بالفعل كانت على قدر من الذكاء والقدرة على التدبير دون أن تلجأ لمساعدة أحد أو إشعار زوجها بأى نقص أو احتياج..فلا مانع من أن تبيع شيئاً من حليها لتلبى احتياجات الأبناء الملحة قبل موسم المدارس أو الأعياد..أو تشترى بعض الدواجن وتقوم على تربيتها فوق سطح المنزل..ثم تبيع منه جزءً..أو تذبح منه شيئاً ليطعم الجميع وهم فى نشوة يوم أن تقوم لهم بذبح أوزة أو بطة أو دجاجتين.
هكذا أيضاً علمت ابنتها الكبرى سعاد..كيف تقوم على تربية الدواجن أو رعاية إخوتها..أو تنظيف البيت..أو إعداد الطعام..لم تكن علاقة سعاد بأمها مجرد علاقة ابنة بأمها..بل كانت أكثر من ذلك..الأخت.. الصديقة.. كاتمة الأسرار..كلاهما ارتبطت بالأخرى ارتباطاً وثيقاً..حتى أنهما لا يفترقان إلا حين تكون سعاد فى مدرستها أو ساعة النوم.
لكن شاءت الأقدار أن تمرض رحمة..وتلزم الفراش..شعر الجميع عليها بحزن شديد..خاصة سعاد..لكن سعاد لم تجعل حزنها على أمها مانعاً من أن تضاعف جهدها لتتولى شئون البيت عن آخره..فضلاً عن رعايتها الدائمة لأمها وملازمتها لها طوال الليل..وحرصها على إعطائها الدواء فى موعده.
زاد حال رحمة سوءً..فاضطر سعيد لبيع أشياء كثيرة من المنزل..ليواصل علاجها..الكل يتشبث بالأمل فى شفائها وعودتها لتشيع فى البيت البهجة من جديد..لكن رحمة كلما مرّ عليها يوم كانت تشعر بعكس ذلك ..تشعر بأن أيامها صارت معدودة..فأسلمت أمرها لله..وقبل أن تسلم روحها سحبت خاتمها الذهبى من إصبعها ـ آخر ما تبقى معها بعد كل ما باعته وضحت به ـ ووضعته فى يد ابنتها بعدما أوصتها بألا تفرط فيه..ربما ينفعها عند زواجها..أو تحتاجه فى يوم من الأيام..غير أن سعاد قررت ألا تفرط فى الخاتم..سواء عند زواجها أو بعد زواجها ..إنه سيظل ذكرى من تلك الأم الحانية والصديقة الوحيدة المقربة إلى قلبها.
ماتت رحمة ..لم تترك لابنتها سوى خاتم وثلاث بطات آخر ما تبقى من دواجنها..رفضت بيعها لأنها أطلقت أسماء أبنائها على كل واحدة منها..سعاد وأحمد ومحمود.
أخذت الفتاة على نفسها عهداً أن ترعى البيت وأباها وأخويها..حتى لا تشعر أحداً منهم بأى نقص..أو فقد..وحينئذ لن يصبح للأب أى مبرر ليفكر فى أن يأتى بامرأة أخرى لتحتل مكان أمها فى البيت.
وماذا ستفعل أية امرأة أكثر مما تفعل؟!..وهل ستكون طيبةً مثل أمها؟!..هل سترعى الله فى أبناء زوجها؟!..لكن حتى وإن كانت طيبة وهادئة فلن تستطيع أن تحتل بأى حال مكان أمها فى القلب.
بالفعل لم تألُ سعاد جهداً فى رعايتهم جميعاً..تستيقظ مبكراً..تقوم بكل أعمال المنزل..تغسل ..تطهو..تنظف..تجهز فى التو كل ما يحتاجه أخواها وأبوها...حتى الثلاث بطات كانت ترعاهم و تزغطهم كما كانت تفعل أمها.
ظنت الفتاة أنها بذلك قد ملأت على أبيها حياته..وفراغاً ربما شعر به بعد وفاة أمها..لكن خاب ظنها!..لأن أباها بالفعل كان يفكر فى الزواج..بل إنه قرر بالفعل أن يتزوج (نبوية)..تلك الأرملة التى كانت قبل أن يتزوج فتاة أحلامه..لكن ضيق ذات اليد دفعها حينئذ لرفضه..والزواج من رجلٍ آخر يكبرها بعشرين عاماً..لكنها خرجت من تلك الزيجة التعسة التى استمرت خمسة عشر عاماً خالية الوفاض..بعد أن وضع أبناؤه من زوجته الأولى يدهم على كل شئ..الأرض والبيت..حتى الذهب استطاعوا بحيلهم أن يجردوها منه بحجة علاج أبيهم على أن يعوضوها بنصيب أكبر من الأرض..فعادت لبيت أبيها بعد وفاة زوجها لتعيش هناك متحسرةً على شبابها وكل ما ضاع من بين يديها..أراد سعيد أن يتأكد من عدم رفض نبوية له حتى لا يتعرض للحرج أمام أبنائه حين يفاتحهم فى الأمر..توجه لبيت أبيها..عرض رغبته عليها..فما كان من أمها إلا أن رحبت به ترحيباً شديداً؟..أما أبوها فاعتدل فى جلسته وعبر عن ابتهاجه:
ـ يا سلام يا أبو أحمد..غالى والطلب رخيص..دا احنا نوصلهالك لحد البيت!
أما نبوية فانتفضت غاضبة وهى تضرب كفاً بكف:
ـ إلا ما رضيت بيه زمان حرضى بيه دلوقتى..وهو ما حلتهوش حاجة..وكمان عنده تلت عيال!
فأراد سعيد أن يخفف من حدة غضبها مداعباً:
ـ وعندى كمان تلات بطات..على اسم الأولاد سعاد وأحمد ومحمود.
فانفجرت نبوية فى الضحك وهى تقول بسخرية:
ـ طب مش خايف ادبح العيال وآكل البط؟!
بدأ الجميع يستبشر خيراً حين ضحكت.. واضطر سعيد أن يجاريها رغم مزحتها السخيفة ليكسب المزيد من رضاها:
ـ عموماً انتى حتبقى ست البيت..وكلنا حنكون تحت أمرك.
بدأت تفكر فى الأمر بشئ من الجدية..حيث إنها لم تعد تملك شيئاً..فلا بأس أن تبدأ حياةً جديدة..فى كل أحوالها لن تكون أسوأ مما هى عليه الآن..ومن ثم لن تخسر أكثر مما خسرته.. فقالت وهى تتصنع الحياء:
ـ طب .. والدهب؟!
ولأن أمها تعلم حال الرجل جيداً أسرعت بالرد عليها:
ـ يا بنتى الدهب مش كل حاجة؟!
كما عبر أبوها عن مدى حكمته ورغبته فى رفع الحرج الذى سببته ابنته للرجل:
ـ والله أنا عندى أبو أحمد لوحده يساوى تقله دهب.
رغم ذلك لم يسلم سعيد من الشعور بالحرج..فتذكر الخاتم الذى أعطته رحمة لسعاد قبل وفاتها..فأسرع دون أن يفكر فى الأمر:
ـ عموماً أنا كل اللى أقدر أقدمولك دلوقتى خاتم دهب..وإن شاء الله لمّا ربنا يفرجها حجيبلك كل اللى نفسك فيه.
خرج سعيد من منزل والد نبوية تتناوبه مشاعر مضطربة..ما بين سعادته الغامرة بأنه أخيراً سيتزوج نبوية التى طالما حلم بها منذ زمن..وبين تخوفه من طريقة تفكيرها التى انصبت على الماديات دون أدنى تفكير فيما أبداه لها من مشاعر ورغبة محمومة فى الارتباط بها من جديد..لكن أشد ما أشعره بالضيق هو تسرعه فى عرض الخاتم عليها رغم أنه الآن ملك لابنته..ويعلم مدى اعتزازها به..فهو بالنسبة لها ليس مجرد خاتم..بل ذكرى تتشبث بها من أمها التى تعشقها وما زالت!
ثم عاد يفكر فى كيفية مفاتحة أبنائه فى أمر زواجه ..لذا قرر أن يجلس معهم مجتمعين..حتى إذا ما رفض أحدهم يستطيع الآخر أن يقنعه بالعدول عن موقفه..لكنه بمجرد أن جلس معهم لم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة..لم يستطع العثور على مدخل لمفاتحتهم..حتى إذا فاتحهم فى الأمر كيف سيقنعهم به..وهم ما زالوا متعلقين بأمهم ولم يستطع أحد منهم نسيانها بعد!
رغم ذلك لمحت سعاد اضطراب أبيها..بل أدركت بوعى الفتاة الناضجة ما لم يستطع أبوها البوح به..فانتابتها رعشة حاولت إخفاءها..ظلت تدعو فى قرارة نفسها أن تكون مخطئة فى اعتقادها..أو أن يصرفه الله عن تفكيره فيما يرغب فى الإقدام عليه..فجأة نهض أبوها آخذاً بيدها طالباً الحديث معها على انفراد..حينئذ تيقنت من صدق ظنها..لكنها تماسكت..قررت مواجهة الأمر بشجاعة..وألا تقف حائلاً أمام رغبة أبيها..لأنها فى كل الأحوال لن تنسى أمها ولن يستطيع أحد مهما كان أن ينتزع حب أمها من قلبها..جلس بجانبها يتلجلج ويلف ويدور..فقررت أن تختصر الطريق معه..فأخبرته مباشرة بما لم يقدر على النطق به:
ـ بابا إنت بتفكر تتجوز؟!
ـ أنا..لا..لا أبداً.. مين قال كده؟!
ـ أمال كنت عاوزنى ليه؟!
ـ أصل..أصل..نسيت!..عموماً لما افتكر حبقى أقولك!
لكنها قررت حسم الأمر..لأنها لا ترغب أن ترى أباها على هذا النحو من الحرج والاضطراب..فإذا لم يتحدث مع ابنته سعاد فلمن يتحدث إذاً..ومن سيشعر به ويتعاطف معه أكثر من ابنته التى ورثت عن أمها كل معانى الحب والعطاء والمشاعر الأسرية الدافئة..
فإن كانت تلك الكلمة من الصعب أن تجرى على لسان أبيها فمن المستحيل أن تمر على قلبها..دون أن ينفطر لها..وقلب سعاد قد ذاق الانفطار حين مرضت أمها..وذُبح عند وفاتها كما كانت تذبح لهم شيئاً من دواجنها وتطعم كل واحدٍ منهم فى فمه بيدها.
انزوت سعاد فى ركن من غرفتها..ظلت تنتحب وتبكى بكاءً متواصلاً..لم تشعر باليتم وفقدها لأمها أكثر من تلك اللحظة..تمنت أن تكون أمها الصديقة الآن معها تأخذ برأيها..أو تمسح شيئاً من دموعها التى لا تنقطع..أو تستسمحها..وتقبّل قدميها فيما هى مقبلة عليه.
دخلت سعاد على أبيها وهو مضجع على سريره..قعدت بجانبه..أخذت يده ووضعتها بين يديها..مسحت على رأسه قائلةً:
ـ اتجوز يا بابا لو دى رغبتك..وصدقنى احنا مش حنزعل..المهم انت تكون مبسوط.
هنا دمعت عين سعيد..بل شعر بالندم أنه فكر فى الزواج..لم يكن يتصور أن ابنته سعاد نضجت لهذا الحد الذى جعلها تحتوى الأمر بحكمة الكبار..إنها بالفعل صورة من أمها..أو كأن أمها لم تمت بعد.
لكن الذى دفع سعاد لتنطوى على نفسها هماً وكمداً هو ذلك الخاتم الذى طلبه أبوها ليضعه فى إصبع امرأة غريبة..الخاتم الذى كان يوماً فى إصبع أمها..إنه الذكرى الوحيدة التى لم تكن تتصور أنها ستفرط فيها يوماً..حتى لو لم تكن تلك وصية أمها..لكن ماذا تفعل أمام شعور أبيها بالحرج واعتذاره لها..فحاولت إقتاع نفسها بالمقولة السائدة..الحى أبقى من الميت.
أخيراً تحققت رغبة سعيد فى الزواج من نبوية حلمه القديم وكابوس أبنائه الجديد..يستيقظ سعيد من نومه مخلفاً وراءه جثة نبوية ممدة على السرير..يجد سعاد فى انتظاره خارجاً قد أعدت له طعام الفطور وملابسه النظيفة..يتناول فطوره ناظراً لابنته بخجل وهى تقوم بتلميع حذاءه كما كانت تفعل زوجته رحمة..يخرج بعد أن يقبل رأس سعاد ويربد على كتفها..ثم تقوم بدورها فى إيقاظ أخويها وتفعل معهم ما فعلته مع أبيها حتى خروجهما ليسلكا الطريق نحو مدرستهما..ثم تقوم بتنظيف البيت..وتجهيز ما يلزم لطعام الغداء.
أخيراً تبدأ نبوية فى الاستيقاظ..تمط ذراعيها وقدميها كأن أربعة من البشر كانت ترقد عليهم وتحرروا بمجرد استيقاظها..تفتح فمها لتتثاءب كأنه فوهة فرن محروق..تحك فروة رأسها فتغوص يدها البضة فى شعرها الغجرى المنفوش..تغرس يديها جانباً كعكازين لترفع شيئاً من جسدها وتلقى به إلى الخلف..ثم تنادى على سعاد بصوت كسول..ثم تعود للتثاؤب وتنادى من جديد:
ـ انتى يا زفتة الطين!
تنطلق سعاد نحوها ـ غير عابئة بما يطلقه لسانها ـ حاملة فى يدها صينية مليئة بالطعام وفى يدها الأخرى قُلة من الفخار مليئة بالماء البارد..فتجذب نبوية الصينية من يدها..تضعها على حجرها العريض..تظل تلتهم من طبق الفول المحبش..تقذف قرص الطعمية فى مغارة فمها..وتلحقه بقطعتين من المخلل وسعاد واقفة بجانبها لم تتناول الفطور بعد..حتى إذا ما فرغت نبوية ناولتها سعاد القلة..فترفعها لتسندها على شفتها السفلى الغليظة..ويظل الماء يقرقر فى فمها..يسيل بعضه فى بلعومها الذى يشبه ماسورة صرف صحى..ويسقط منه ما يسقط على صدرها وصرتها!
بعد أن تنقض نبوية على الصينية وتفرغ القُلة عن آخرها..تسند رأسها على ظهر السرير المعدنى لتلتقط بعض أنفاسها الهاربة..وقبل أن تغادر سعاد الغرفة تأمرها نبوية بصوت يخرج بالكاد من معدتها:
ـ عاوزاكى تسخنيلى مية عشان استحمى..وما تنسيش تخشى معايا عشان تليفيلى طهرى..عبال ما اطلع فوق السطح وازغط البط.
وضعت نبوية قدمها على الدرجة الأولى من السلم الخشبى لتصعد على السطح..كاد يسقط بها..فصرخت على سعاد:
ـ انتى يا حيوانة..تعالى اسندى السلم..مش شايفانى طالعة فوق.
أسرعت سعاد تقبض على السلم بيد..وتسند فخذ نبوية بيدها الأخرى التى غاصت فيه..حتى إذا استطاعت أن تصعد بعد لأى ترتمى سعاد على الأرض لتلتقط أنفاسها.
افترشت نبوية سطح المنزل..أمسكت بالبطة..وضعتها تحت ساقها..ظلت تقوم بتزغيطها وهى تضحك وتغنى بصوت غليظ:
ـ تعليلى يا بطة..وأنا مالى هه...
..كادت البطة من سخونة جسدها تلد بعدما كانت تبيض..حتى حررتها من تحتها..فانطلقت البطة وهى تضرب بأجنحتها كأنها تشكر ربها على ما كتبه لها من عمر جديد..وهكذ كان حال البطة الثانية والثالثة..وهى ما زالت تردد بصوتها القبيح:
وشيليلى الشنطة..وانا مالى هه.
أرادت سعاد أن تنتهز فرصة مزاجها الرائق فصعدت إليها لتستسمحها فى أن تذبح إحدى البطات الثلاث حتى تطعم إخوتها كما كانت تفعل أمها..فما كان من نبوية إلا أن قذفتها بوعاء الفخار..وظلت تسبها وتلعنها هى وأمها وأخوتها.
فهبطت سعاد مكسورة الخاطر..تبكى أمها وحال أخويها..فألهت نفسها بإعداد ما طلبته زوجة أبيها كى تتحاشى اندفاعها و لسانها اللاذع...لكن يظل الخاتم الذى تراه كل يوم فى إصبع تلك المرأة الدخيلة أكثر ما يشعرها بالحسرة والنقمة على أبيها الذى سلمه لها دون أن يدرى ماذا يمثل لها ذلك الخاتم؟!
أعدت سعاد كل ما يلزم نبوية فى الحمام..ملابس نظيفة .. منشفة .. لوفة..ماء ساخن..كرسى خشبى صغير..جلست عليه نبوية فاختفى تحت مقعدها..كأنها لم تجلس على شئ..وقفت سعاد خلفها تصب قدراً من الماء الدافئ على شعر رأسها المُجعد..ترغّى الصابون عليه تارةً وتصب الماء عليه تارة أخرى..حتى انتهى نصف الماء فقط على رأسها..ثم تناولت اللوف بعد أن دعكته بالصابون وأخذت تروح هنا وهناك لتدلك ظهرها وكتفها العريض..ولولا أن كانت نبوية تساعدها فى رفع ذراعها لما تمكنت سعاد من دعكه وتنظيفه.
على كل حال لم ترد سعاد أن تخبر أباها بشئ..رغم أنه بدأ يلاحظ بالفعل ما أصاب أبناءه من ضعف وحزن وانطواء..حتى أنه بدأ يشعر بالندم على زواجه من تلك المرأة التى استولت على البيت بكل ما فيه حتى البطات الثلاث التى تركتها رحمة لأبنائها..حاول إقناعها بأن تتركها لهم..لكنها انفجرت فيه:
ـ بقولك ايه ..دا انا كل اللى طلعت بيه من الجوازة المهببة دى ..الخاتم ..والتلات بطات..يعنى أنا مش نقصاك!
ـ بس!
ـ أيوه..بس..هوّ فى حاجة تانى؟!..ماهو على رأى المثل عشمتنى بالحلق خرمت أنا ودانى!
تمنى سعيد أن يأتى اليوم الذى تخرج فيه تلك المرأة من البيت بلا رجعة لتعود لأبنائه ابتسامة لم يعد يلمحها فى وجوههم الشاحبة..لقد بات يشعر أنه ارتكب جرماً فى حقهم جميعاً..خاصة سعاد التى لم يقدرها حق قدرها..حين تفانت فى إسعاده وتعويضه عن فقد أمها.
قضى سعيد ليلته وهو يشعر بالأسى..ظل يحملق فى وجه نبوية التى تغض فى نوم عميق..تشخر من كثرة ما قامت به من جهد فى تناول الطعام..حينئذ قرر ألا يذهب لعمله غداً..ربما يصحو فيه على يوم جديد..يقضيه مع أبنائه ليستعيد معهم شيئاً من ذكريات الماضى المفقود.
قبل الظهيرة هب سعيد فزعاً على صراخ نبوية..فوجدها تنطلق نحوه وهى تتمايل بجسدها وتقبض على إحدى البطات الثلاث:
ـ اصحى يا راجل..البطة بلعت الخاتم وأنا بزغطها.
ـ طب أنا أعمل ايه؟!
ـ اعمل أى حاجة!
ـ ما فيش غير إننا ندبحها..ونطلّع الخاتم.
ـ انت بتقول ايه؟!
ـ عندك حل تانى؟!
قام سعيد بذبح البطة ونبوية تنظر إليها بحسرة..أخرج أحشاءها..ظل يفتش..فلم يجد شيئاً..صرخت نبوية قائلةً:
ـ يعنى ايه دبحنا البطة على الفاضى!
سألها سعيد:
ـانتى زغطى البطة دى بس..ولاّ التلات بطات.
ـ لا..التلاتة
ـ يبقى البطة اللى قاعدة فى الركن ما بتتحركش هى اللى بلغت الخاتم!
لطمت نبوية على خدها صارخة:
ـ يعنى ايه؟!
ذبح سعيد البطة الثانية..قلب أحشاءها..ظل يفتش..فلم يعثر على شئ..
ارتمت نبوية على الأرض قائلةً:
ـ أوعى تقولى حتدبح البطة التالتة؟!
ـ ده لو انتى عاوزة الخاتم..لو مش عاوزاه خلاص..انتى حرة!
ذبح سعيد البطة الثالثة..فعل بها ما فعله مع الأولى والثانية..ولم يعثر بالطبع على شئ.
ظلت نبوية تصرخ وتلطم خديها..شعرت أنها فقدت كل شئ..الخاتم والبطات الثلاث..فانطلقت نحو بيت أبيها وهى تسب وتلعن حظها العثر.
جلس سعيد وأبناؤه حول المائدة يتناولون البط بنهم شديد وهم يضحكون ضحكاً متواصلاً..ثم أخرج سعيد الخاتم من جيبه ووضعه فى إصبع ابنته سعاد التى ظلت تقبله وعينها تدمع من كثرة الضحك.

تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى