الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر اللطم الكربلائي

هيثم بن محمد شطورو

2018 / 9 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا شك ان احياء ذكرى مقتل "الحسين ابن علي" عند الشيعة هو اعتراف سنوي عبر قرون باقتراف ذنب كبير لا يُراد له ان يُنسى.
" نحن نعترف بأننا قد أذنبنا لأننا نتألم" ـ ( مسرحية "انتيغون" لـ"سوفوكل").
يقول "هيغل":
" هذا الاعتراف انما يعبر عن الشقاق بين الغاية الايتيقية و الواقع، انه يعبر عن الرجوع الى الطوية الايتيقية التي تعلم ان لا شيء يصلح إلا الحق. و لكن بهذا يتلفت المتمرس عن طبعه و عن الواقع الذي لهواه، فيكون أُستغرق في الهاوية."
و الطوية بتـفسير الاستاذ "ناجي العونلي" مترجم كتاب "فينومونولوجيا الروح" لـهيغل، هي مجرد الشعور الباطن و الدفين الذي ليس هو بعد العزم و النية.
فطقس الاعتراف الشيعي بالذنب هو مجرد رجوع الى الطوية، الى الشعور الأخلاقي و الذي لم ينتـقـل الى فعل حقيقي في الواقع لصناعة واقع اخلاقي. انها لحظة فورية وقـتية للتعبـير عن الجوهر الاخلاقي الباطني المتـناقض مع الواقع الصارم و الذي يظهر بأهواء جارحة و هوجاء و صاخبة. و بالتالي فهو بهذه الطريقة لا يغير الواقع و انما ينفلت منه وقـتيا فقط .
الواقع الذي هو "الهو" لكل من تلك "الأنوات" المتألمة و كأنها تبدو ليست هي في لحظات الاعتراف لتعود الى هواها في الواقع الذي لا تغير منه شيئا لأنها لا تغير من نفسها شيئا، و انما تحافظ على انـقـسامها ما بينها و ما بين نفسها، فتكرس على الدوام واقع الرياء الاخلاقي و ليس واقع الحياة الاخلاقية الحـقة.. تبقى الاخلاق الحقة معزولة و منحصرة في طقوس الاعتراف الجماعي شبه المقدسة و كأنها قطعة من الزمن مفصولة عن مجرى الايام العادية التي تعيشها.
انه جرح مفتوح لازال يسيل منه الدم منذ قرون. هل هو الامر فعليا كذلك ام هو مجرد انهم يريدون قول ذلك؟
يبدو الامر مبعثا للاستغراب المعيد نفسه كل سنة في مشهديات اللطم الشيعية. مشهديات تبدو لامعقولة. مشهدية العنف الدموي الذي يُمارس على النـفـس ينعته كثيرون بالتخلف و الهمجية، لكنها من الداخل تعيد نفس اللحظة عبر قرون في ايقاع الالم بالبدن عن اختيار و ارادة.
طقس بقدر عربدته الصاخبة بقدر احاطته بالسرية البينذاتية يفـصح عن نـفـسه و كأنه القيام يتمثيل مسرحية جحيمية ملؤها قرقعة السيوف و غيرها من الآلات الحادة لتـقطيع ألياف جلدة البدن لتـنـفر الدماء.
طقس جماعي وسط التهليل و المناداة بـ"الحسين" لاستحضاره من جديد لمحو الواقع الفعلي انه ذهب الى الابد و ان الاحداث الفعلية قـد انتهت الى الأبد، و هي المتمثلة في عدم نصرة الحسين حين المواجهة و الغدر به و تركه مع ثلاثمئة فارس فقط في مواجهة الجيش الاموي الجرار بقيادة "زياد ابن أبيه".
كلما رأيت الصخب في القول او الفعل رأيت ارادة عمياء في التغطية على فضيحة او فضيعة او عار او شيء لامعقول او جريمة.
و وفق التحليل التاريخي للدكتور "هشام جعيط" في كتابه "الفتـنة"، فان اللحظة الكربلائية، مثلت لحظة الشرخ عند الانـتـقال التاريخي من البداوة العربية و قيمها التي تـفرض نجدة المستجير و الايفاء بالوعـد و التضامن و التضحية بالنفس لأجل تلك القيم، و بين واقع المدنية الجديدة في الكوفة بما مثـلته من استـقرار و مصالح مادية و أنانية و بنية حضرية حضارية بصدد التكون. انها اللحظة الفارقة بين عالمين متواصلين و منـقطعين في الوقت نفسه، و انها امتداد في النهاية للصراع بين "علي ابن ابي طالب" و "معاوية ابن ابي سفيان". بين سفر المطلق الصحراوي و واقع التمدن الجديد الذي أدركه بنو أمية بسرعة نظرا لجدهم "أمية" نفسه الذي اغترب عن مكة ليعود اليها محملا بما عرفه من واقع المدن في الشمال.
لذلك تـنكر اهل النجف للحسين حين هم لمقارعة بني امية على السلطة، برغم انهم كانوا قـد بعثوا اليه من قبل واعدين اياه بالنصرة. الوعد و نكرانه هو واقع التمزق الفعلي الداخلي بين العالمين مضاعـف بفضل الوعي الديني الجديد. البدوي المتمدن... تـقريـبا مازال الحال على ما هو عليه الى اليوم.. ليس الشيعة فقط و انما كل المسلمين. كلهم بدوي متمدن بوعي شقي ممزق لذات ممزقة بين عالمين متـنافرين في داخله..
يقول "هيغل" ان الألم يجعل الانسان يشعر بذاته و يتعمق هذا الشعور بالذات كلما كان الألم شديدا.
فالسر الكامن وراء احتـفاليات اللطم الشيعية الإسلامية هو ربما ارادة الوقوف او ايقاف الارجوحة بين العالمين، عالم القيمة المطلقة التي غدت خارج جريان الزمن و خارج التاريخ، و بين صرامة الواقع المناقض لها. ايقاف التأرجح بضرب البدن بالسيف و اسالة الدماء الحقيقية منه.. آه..انه الدم..انه أنا الفعلي الجسدي الطبيعة خارج منطق تلك الارجوحة برمتها...انه أنا..أنا أنـزف دما إذن أنا موجود..يا للروعة.. يا الاهي..يا حسين.. يا علي..انه أنا دم ينزف..
انه طقس الاحساس العميق بالذات الفردية إذن..
السر هو ممارسة طقس الشعور العميق بالذات كفسحة وقـتية تـقابل بتـناقض ثـقافة و تاريخ محو الذات في الأب و العشيرة و القبيلة و المذهب نفسه..
انها رغبة جامحة مكبوتة في اثبات الذات تـنـفر دما في مواجهة كل لوعيه الشخصي ذاته الذي يـردم ذاتيته تحت طبقات حجرية من الانمحاء في النحن.. انها الذات المعذبة بنفي ذاتها فتـنهال على طبيعتها كبدن لتـنفره لينطق بنفسه واحدا في الالم اللذيذ بما هو المي الذي احس به يحرقني لوحدي فيكون كل الوجود أنا فقط..
لكنه تعبير شاحب عن الذات بدمويته.. الذات لا تعبر عن نفسها بوضوح إلا بالوعي و لا تبني عالمها الواقعي الذي تحقق فيه الانسجام بين الذات و الواقع الا بالوعي كتمثل و ارادة واعية..الوعي التاريخي المعرفي الفلسفي المتجاوز للقصور الفعلي..
و بالتالي فبقدر تعبير اللطم الكربلائي عن التمزق الداخلي فهو يزيح عملية المواجهة الواعية الفعلية للذات و الآخر.. انها لحظة تعبير وقتي جسدي باهت لا تؤبد الحسين و انما تؤبد واقع العجز عن خلق الذات بإرادة حرة في الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هناك سر في اللطم الكربلآئي يريد التحليل؟
معن محمد ( 2018 / 9 / 23 - 07:02 )
اخي الكريم بعد التحية ان ما سردته من تحليل لا يرقى الى المصداقية لانك لم تقرآ الكتب الشيعية حول البكاء واللطم واقامة الشعآئر الاخرى.انت تقول ان هذا اعتراف من الشيعة بالذنب ولا اعرف اي ذنب ارتكبوه الذي يوجب التكفير عنه بهذه الممارسات ولو فرضنا جدلا ان حفنة من شيعة العراق عاهدوه بالنصر ونكثوا عهدهم فهل يبقى هذا ساري المفعول على جميع الشيعة حتى من يبعدون عن الجيل الاول بقرون؟؟. اليس هذا تجن واستهتار؟؟. انت اتيت من بيئة مسلمة وانت الآن ملحد وابوك كان مسلم فهل يجانى ابوك بفعلك؟؟. كلا يا اخي. لا علاقة للشيعة بما قام به الخونة من الشيعة في ذالك الزمان. هل المسلمون المسالمون لهم علاقة بما تقوم به داعش من ارهاب في العالم؟؟. كلا يا اخي. اقرا كتب الشيعة حول واقعة كربلاء بتجرد وستعرف سر اللطم الكربلائي. اذا اردت ان تعرف السر وراء هذه الطقوس. في تعليق لـ الاخ فهد لعنزي على مقال الاخ فيصل خالد المعنوب بـ ( التفسير العلمي لطقوس الحزن في عاشوراء في العراق) تحت الرأبط الآتي:
http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=439969
تجد الدوافع لاقامة تلك الشعارات وليس كم اتفضلت . لا يجوز تزييف الحقآئق .

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير