الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحل في سورية سهل ,لكنه ممتنع

فتحي علي رشيد

2018 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


قد يبدو الربط بين الحل المطروح لما يجري في إدلب وبين الحل المطروح لسوريا كلها وبين الحل المطروح لمايجري في الوطن العربي كله, نوع من الفذلكة .لكننا إذا عرفنا وسلمنا بأن ماجرى في سورية عام 2011لم يكن معزولا عما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن والعراق ,إن لم يكن كل ماجرى في هذه البلدان هو استمرارا لما جرى في العراق عام 2005 واستكمالا لما جرى في إيران منذ عام 1980 . أي منذ أن حول الصراع في المنطقة من خلال الثورة الإسلامية في إيران من صراع ضد الأمبريالية والصهيونية إلى صراع سني شيعي . وبالتالي فإن الهروب من حل مسألة إدلب عسكريا أو سياسيا هو هروب من الحل المطروح لسوريا كلها وللوطن العربي كله أيضا . وهوبالتالي لابد أن يكون صالحا وممكنا للتطبيق في بقية البلدان العربية إذا ما نجح في سوريا لذلك لم يكن ذلك مسموحا به .وهذا مايدخلنا في دوامة الصراعات والتوازنات الدولية والإقليمية ,وفي دوامة ماهو مسموح به وماهو ممكن وما هو ممنوع وماهو ممتنع .
بين الممنوع والممتنع فرق كبير . الممنوع لغة ,غيرمسموح سلوكه أي مغلق . بينما الممتنع طريق مفتوح لكنه غير سالك . الممنوع نظرياً ـ أمر ممكن التنفيذ وبالتحول من مجال النظر والتنظير إلى مجال الواقع ,لكن تحول دون تحوله إلى فعل عجز ذاتي بنيوي عميق ,لاإرادي .وقد تكون سلطة داخلية قانونية سابقة على وجودنا (إلهيةأوأخلاقية ,تعاليم دينية أو قوانين وضعية ) أوأبوية أوسلطة أو قوة قاهرة خارجة عن إرادتنا وسابقة على وجودنا اقتصادية أو اجتماعيةأو سياسية .وقد تكون بوليسية .بينما الممتنع هو ماتراه من خلال النظر والتنظير والتفكير الواعي حلا أو مخرجا صحيحا وممكنا , لكن إمكاناتك الداخلية أو الذاتية في الظروف الخارجية المحيطة بك ـ في اللحظة المحددة ـ تحول دون إمكانية السير به وتحويله من النظرية إلى التطبيق , أوإلى تحويله إلى ممارسة في الواقع القائم .أوفي نقله من مجال القوة إلى مجال الفعل . في حين تصبح إمكانية السير في الطريق غير السالكة , ممكنة إذا ماتغيرت الظروف والمعطيات .
من هنا نستطيع القول أن الحل في سوريا كما هو في بقية بلدان الوطن العربي ,هوأقرب إلى الممتنع . لأن الحل كان وما زال واضحا نظريا ,وممكنا عمليا , ومازال موضوعا على الطاولة لدى كبار المفكرين والمنظرين الاستراتيجيين لكنه ليس سالكا لمعوقات داخلية وخارجية يفترض بزوالها أن يصبح الطريق سالكا بسهولة .
وأنا أزعم أن الحل في سوريا كان موضوعا على الطاولة منذ أن جرى اللقاء التشاوري في فندق صحارى بريف دمشق في بداية عام 2011. وهو الحل القاضي بأن يتنحى الرئيس بشار الأسد عن السلطة ويسلمها لنائبه السيد "فاروق الشرع" حسب الدستور (1). على أن يقوم الأخير بالتعاون مع القوى القائمة والمتنفذه والقوى المغيبة قسرا لتجمتع وتلتقي وتتشاور بهدف التوصل إلى اتفاق أوتوافق على شكل للحكم جديد , يخرج سوريا مما وصلت إليه بسبب أزماتها الداخلية في الظروف التاريخية والسياسية والمحلية والظروف الخارجية السابقة والتي أو صلت الأمور فيها إلى حافة الانفجار في بداية العام 2011 .
مادفعنا لتذكر ذاك الحل ليس الولع بالماضي , بل البحث عما يجنب إدلب مجزرة قد تكون أكبر مجزرة في القرن الحالي .وأنا اعتقد أن الاتفاق الروسي التركي الأخير هو أطالة لأمد الأزمة وليس حلا ,أو حلا مؤقتا ,لايزال ضمن إطار عملية الهروب من الحل الصحيح .ويشير إلى أن المعركة إن لم تحسم عسكريا الآن فلكي تحسم في المرحلة القادمة سياسيا وعسكريا وأمنيا على الناعم وبهدوء وروية دون إراقة كثير من الدماء ,لمصلحة النظام وروسيا وإيران شكلا , وفي العمق بما يتلائم مع مصالح إسرائيل وأمريكا,وسمعة أوربا .
لكنني اميل إلى الاعتقاد بأن هناك فرجة وإن كانت ضيقة ماتزال مفتوحة من خلال العودة للبحث عن حل سياسي , ينطلق من فهم جذورما باتت تسمى المعضلة السورية (وما هي أساسا بمعضلة والتي إن تم حلها سياسيا كما توافق المجتمعون في صحارى منذ سبع سنوات انحلت مسألة سوريا كلها وإدلب تلقائيا كجزء ,وجنبنا الجميع مسؤولية حدوث كارثة جديدة ) .فالهروب من مواجهة الاستحقاقات الوطنية والمجتمعية عام 2011هو الذي أوصل الأمور لحد التأزم .والهروب ـ منذ البداية ـ من الحل السياسي العقلاني للمعضلة السورية هو ما جر على سوريا وشعبها وحكومتها المصائب ونقل سورية من معركة لأخرى حتى وصلنا لمعضلة إدلب .وأنا اعتقد أن الاعتماد على الحل العسكري استنادا لفائض القوة العسكرية للنظام وحلفائه في العراق وإيران ولبنان هو الذي دفع الأمورللسير في ذلك المنحى .وهذا لم يكن هروبا من الحل السياسي بل هروبا وتهربا من الحل أي حل مما يبقي الأزمة دائمة ومستمرة (لمصلحة من ؟؟؟) .
فلو افترضنا أن روسيا وتركيا وحلفائهما حلوا المسألة عسكريا على الناعم وسياسيا بفظاظة , في إدلب . فهل ستُحل عسكريا مع أمريكا في محافظة الحسكة ؟ أم ستحل سياسيا بالتفاهم ؟ وهنا سيطرح سؤال :إذا حلت ( وهي محلولة سلفا ) مع أمريكا سياسيا. فلماذا لا تحل مع المعارضة بالتعاون مع تركيا سياسيا أيضا وفقا لرؤية تخرج سوريا كلها من الأزمة ؟ وعلى فرض أن النظام استعاد كل الأراضي السورية من المعارضة ومن تركيا وأمريكا ,عندها ستبرزمسألة الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل منذ سبعين عاما ؟ هل ستترك ؟. هل ستنسى ؟ أم ستحل عسكريا أم سياسيا ؟ وإن حلت سياسيا فإن هذا سيضع النظام وحلفائه في معضلة تقديم إجابة عن سبب عدم حلها مع المعارضةالسورية سياسيا وبالتفاهم ؟ وما هو مصير محور المقاومة والممانعة ؟ هل سيتبخر ؟ أم سينكشف على أنه كان منذ البداية "هراء " ؟ وإذا انكشف فأي مبررسيبقى بعد ذلك لبقاء النظام وحلفائه في سوريا ولأمثالهم في بقية بلدان العالم العربي ؟؟ الجواب في
ما خفي من جبل الجليد :
يخطئ من يعتقد أن موقف النظام من أطفال أومتظاهري درعا أودمشق أو البيضة ,هوالذي فجر الاوضاع في سوريا وعقدها .فالأوضاع الداخلية بدأت بالتردي على مراحل ,1:منذ أن غيبت قوى سورية كثيرة قسرا عن المشاركة في الحكم منذ انقلاب الجيش على الحكم عام 1963 (أي منذ هيمنة عملاء أمريكا بدلا من حلفاء أوروبا الليبراليين ) .2: منذ تسلم الجيش وحزب البعث السلطة عام1964 .3:منذ أن أقرت المادة الثامنةالتي تجعل من حزب البعث وحده القائد للجيش والشعب والأمة عام 1971 .4: منذ أن طال أمد قانون الأحكام العرفية دون مبرر . 5: منذ أن رفض النظام سحب قانون الطوارئ والأحكام العرفية .6: منذ أن هيمنت على البلد مافيا المال والدعارة المرتبطة بالمافيا العالمية المرتبطة بمافيا السلاح والمخدرات والجريمة والتهريب والتهرب وتبييض الأموال فأوجدت على هامشها في سوريا ( كما في أغلب بلدان العالم العربي ) فئات عديدة فاسدة ومنتفعة وانتهازية ومجموعات كبيرة من السماسرة والوسطاء واللصوص والقوادين . وتركت الباب مشرعا لكبار التجار وباعة الجملةوالمفرق للنهب والسرقة وسلمت فئات هزيلة مريضة مناصب لاتستحقها من أعلى مستوى إلى أدنى وظيفة أو مهنة 7: ومنذ أن أُبعدالشرفاء والمبدعين عن أي دور في المجتمع وهمش الوطنيين والمخلصين وذوي الكفاءات . 8:منذ أن طغى الانتهازيين والسفلة والمخبرين وتجبروا .
9: منذ أن تحولوا إلى طفيليات ,امتصت خيرات البلد ودم الشعب .10 : منذ أن حول الشعب إلى رعاع مما جعل الناس تضيق ذرعا بالحكم ,وتهب بحثا عن الخلاص ,وللتخلص من كل الوضع القائم , فرفعت طلائعها شعار "الشعب بدو حرية " ظنا منها بأنها مكفولة ,بل مقدسة في الدستور السوري .وماذا كان الرد ؟ مجرد النطق بها كان يعني الموت أو الاعتقال والاختفاء .لأن الحرية ستكنس النظام , وهي بالنسبة لتلك الطفيليات تعني أنهم سيكنسون لاحقا .فإسقاط النظام ( وليس الرئيس ) الذي انتجها وأوصلها إلى ماهي فيه دون وجه حق سيسقطها هي أيضا . ولما لم يجد القتل والاعتقال نفعا , واستمر الناس بالتظاهر,بل ازداودا تصلبا ورفعوا شعار "يسقط الرئيس " " ارحل ارحل يابشار " عندها رفع المنتفعين شعار "الأسد أونهدم البلد " ثم شعار "الأسد أونحرق البلد ". وهكذا فعلا احترق ودمر البلد ليس بسبب أن الرئيس لايريد التنحي فقط عن منصب لايستحقه مثلهم , ولابسبب أن القوى المتنفذة في البلد ممثلة بالمخابرات وكبار الضباط ورجال الأمن والشرطة ورجال المافيا والتجار الملتفين حولهم والانتهازيين والأفاقين واللصوص الذين بات كل واحد منهم يعتبر نفسه مستهدفا مثل الرئيس والسلطة ,فبات يعتبر نفسه ممثلا عن السلطة الحاكمة والنظام والرئيس . (لأن تغيير الرئيس واسقاط النظام يعني افتقادهم لكل ماحصلواعليه ) لذلك راحوا يجيشون طوائفهم ( التجار ورجال الدين المسلمين والمسيحيين وطوائف المنتفعين الصغار , وزعماء الطوائف المذهبية ,ومافيا الحارات والأزقة والمخبرين ,وكل انواع المرتزقة والأفاقين ) . ولما شاركت كل فئات الشعب في المظاهرات السلمية التي رفعت شعارات تستجيب لمطامح كل السوريين " الشعب السوري واحدواحد ", أدرك هؤلاء أنه ليس بمقدورهم مواجهة الشعب ممثلا بجميع الفئات المقهورة والمظلومة والمغيبة والمهمشة والمفقرة والمذلة على مستوى الساحة السورية كلها .عندها لجأوا إلى تفييع كل أنواع دبابير الإرهاب في العالم واستقدام المليشيات المسعورة من العراق ولبنان وأفغانستان فظهرت النصرة وداعش والقاعدة ومن خلفهما السعودية وقطر وتركيا وبما أن أمريكا وإسرائيل أحجمتا عن التدخل المباشر في الأزمة ,فكان لابدلها لتواجه هؤلاء المتشددين من خلال ترك المجال للمافيا العالمية ممثلة بزعيمها بوتين لدخول سوريا ,وبما يبرر لها هي الدخول .وهكذا دولت القضية وأخرجت من يد الشعب السوري ,ومن يد النظام ومؤيديه ومعارضيه ,وتم وضعها بيد قوى خارجية عقدت المسألة فجعلتها ممتنعة , وهكذا أدخلت البلد في نفق مظلم مانزال نعيش أحداثة حتى اليوم .
وبما أننا نكاد اليوم نصل إلى قمة الكارثة التي تلوح لنا بسبب الهروب من الحل السياسي وعما يمكن أن ينتج عن الحسم العسكري في إدلب والسياسي مع قسد وأمريكا . ولكي نخرج كلنا كشعب وحكومة ونخرج بها سوريا كلها معنا , ومن كل ما وصلت إليه ,ومما يمكن أن تصل اليه وسيكون أسوأ .نذكرونؤكد على أن العودة للحل السهل الذي كان أو أصبح ممتنعا يومها ,قد يكون اليوم سالكا , ليس لأنه هو المخرج الصحيح للمعضلة بل لآنه بات أيضا الحل الممكن بعد كل مامرت به سوريا وشعبها .بل بات مطلوبا أكثر ليس لمنع حدوث كارثة متملة غدا في إدلب فقط.بل لإخراج البلد والشعب مما وصلا إليه ومما قد يوصلانه إليه مستقبلا ,وقد يكون أصعب. وسيكون مخرجا مشرفا لإعادة الهاربين من الموت المجاني ,ولإعمار وبناء سوريا جديدة ونظيفة .
وهوحل سهل وسلس جدا ومفيد للجميع ."توافق الطرفين الحكومة والمعارضة على تشكيل "حكومة انتقالية (من عقلاء وما أكثرهم ) من كافة الفئات بصلاحيات كاملة تخرج البلد مما هي فيه وتعيدها للطريق القويم مقدمة لبناء" سوريا جديدة ." ؟؟سوريا الحلم .
الحل المنطقي هو أن تعود سورية دولة موحدة مستقلة كاملة السيادة لشعبها كله وليس لطائفة أو لفئة معينة . وبإخراجها من الاصطفافات المحلية والإقليمية والدولية , بتشكيل مجلس نيابي يختار حكومة تمثل كل فئات الشعب السوري من خلال انتخابات حرة ونزيهة فعلا.كما هو في أغلب دول العالم الديمقراطية ؛ حكومة وحدة وطنية تخرج كل القوى والمليشيات الخارجية ,من كل شبر من أراضي سوريا , تتولى بعدها بناء علاقات سوية مع كل الأطراف الإقليمية والدولية بناء على مصالح الشعب السوري وتطلعاته المستقبلية دون تمييز.بعدها ستكون وتصبح سوريا مثالا يحتذى به من قبل جميع شعوب البلدان العربية .
فتحي علي رشيد
20/9/ 2018
(1) حسب الدستور "في حال ثبت أن الرئيس غيرصالح للحكم ,أوفي حال ثبتت الخيانةالعظمى عليه ". وأي خيانة عظمى أعظم وعدم صلاحية للحكم أوضح من تعريض البلد كله لخطر التدمير والشعب إلى التهجير والتعتيروالإبادة والإنقسام والعداوة ؟ فالخيانة,وعدم الصلاحية قد تعرض البلد لهزيمة عسكرية أوفشل عابر , لكنها لاتعرض البلد كله للدماروالخراب والشعب كله إلى الانقسام على نفسه ومعاداة الكل للكل ربما ,لعشرات السنين . وليس هناك ماهوأدل على عدم صلاحيته للحكم ,بعد كل ماجرى, ومما لايترك أي مجال للشك بضرورة إزاحته حتى لمصلحة العلويين والمنتفعين مستقبلا (ماذا سيستفيدون من سوريا مدمرة وفارغة ) ,أدل مما أوصلهم إليه وما سيوصلهم إليه وممانجم عن تمسكه ومن يحيطون به بالسلطة والمنافع الخاصة والأنانية .ومما انتهت إليه سوريا ,حتى لو يكن ذلك ضروريا فلقد بات ضروريا من أجل تلافي مخلفات المرحلة السابقة لبناء سوريا جديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي