الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة واقعية، وأخرى خيالية

دلور ميقري

2018 / 9 / 23
الادب والفن


مجنون:
ذات يوم، بدأ الرجل المتوسط العمر في دندنة إحدى أغانيه الأثيرة.
ولأنه أعجب بصوته، راحَ من بعد يردد غيرها من الأغاني. كان وحيداً، فقرر ألا يحرم العابرين في الشارع من صوته الجميل. ثم أنتبه في مناسبة ما إلى أفكاره القيمة، وأنها جديرة بالإعجاب ليسَ أمام المرآة حَسْب. هكذا خرجَ إلى الشارع، يتكلم مع نفسه بصوتٍ عال، علّ المارة يستفيدون من أفكاره.
إلى أن جاء يومٌ، تعيّن فيه على الرجل أن يستمعَ بنفسه للآخرين. في البداية، أنصتَ لشخص يرتدي سترة بيضاء وكان يجلس وراء طاولة مكتب. فيما بعد، صار عليه أن يعطي أذنه لعدد من الأشخاص يتكلمون معاً، أو يهمهمون ويأتون حركات غريبة، بينما يتحركون في صالة مصبوغة بالجير الأبيض، أُحْكِمَ غلقُ بابها ونوافذها.

جارية:
رأيتني عند أعتاب قصر غامض، مع ما في مظهره من فخامة وبذخ.
كان ثمة أولاد في الباحة الخارجية، أينَ مكثت واقفاً، وقد أخذوا باللهو والصياح. إذا بعينيّ تلتقطان مشهدَ صبيّ صغير، بهيّ الطلعة، يدفع عن نفسه عبثَ أولئك الأولاد ممن يكبرونه سناً. اندفعت لحمايته، بما أنه لاحَ وحيداً لا قريب بجانبه. وهذا صوتٌ يأتي من خلفي في اللحظة التالية، رخيماً رقيقاً: " حبيبي، هل تأخرت عليك؟ ". كانت فتاة بغاية الفتنة، عليها ملابس مزركشة تنتمي للعصور الخوالي. كذلك الأمر مع زينتها، المتألقة بمجوهرات ثمينة، والموزعة في أماكن متفرقة من وجهها وجسدها.
" شكراً لأنك أردت مساعدته "، خاطبتني بصوت يرن عذوبة. سألتها، ما إذا كان الصبيّ شقيقها. وكنتُ أعوّل على محادثتها، حَسْب. هزت رأسها بحركة إيجاب، مثلما تهيأ لي، ثم التفتت للولد تستفهم منه بدَورها عن شخصٍ ما. ما أن أنهت الكلامَ، إلا وشاب حسن الصورة يقتحم مجلسنا وكان أيضاً بهيئة لا صلة لها بزمننا. صارَ يحدج هيئتي بنظراتٍ غير طيبة، بينما يتكلم مع الفتاة بشيء من الغلظة: " بالكاد خلصتك من براثن السلطان، وها أنتِ تلهين هنا كالأطفال! ". وكانت هيَ تنصت إليه محرجة، وذلك بسبب نظراته الموجهة إليّ أكثر من كلامه المُعَرّض بها. لم أشك لأول وهلة بأنه شقيقها الكبير، إلا أن ما تبع ذلك جعلنيّ على ريبة. إذ ما لبثَ أن نهضَ، ليخاطبها بنبرة ماكرة: " سأدعكِ مع الولد، ولا أريد إزعاجي لأي سبب ". لما ابتعد، قال الصبيّ لأخته يومئ نحوي برأسه: " إنه لطيف، فلِمَ لا تقبلينه؟ "
" سأفعل ذلك كرمى لعينيك وعينيه! "، قالتها ثم فاجأتني بالانحناء عليّ ورشف شفتيّ. كنتُ أشعر بلسانها يبحث عن لساني، فيما أسنانها المنضدة والبيضاء بنصاعة اللؤلؤ تحتك بأسناني. فجأة، وعلى حين غرة، سمعت ارتطام حجرٍ بقربي تبعه صراخُ الصبيّ. ولم أدرِ كيف رميت نفسي على البنت كي لا تصاب بأذى. صاح أحدهم عن بعد: " أنظري ما جناه سلوكك، يا جارية النحس! الولد أصيب بعينه وربما فقدها أيضاً ". كان ذلك الشاب نفسه، وما أنفكّ يلوّحُ حجراً في يده. على الأثر، تعالى صراخ الفتاة تحتي: " إليك عني، إليك عني "، قالتها وهيَ تدفعني بعنف لتندفع نحو الطفل. لبثت ذاهلاً، أنصت لكلماتها تصبّ في سمعي: " إنه ابني، ابني! وذاك أبوه! لم يكن من حقك أن تأتي وتتسبب لنا بمصيبة، لم يكن... ". وغابت بقية كلماتها في العتمة الثقيلة، المخيمة رويداً على المشهد الدامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا