الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركات و مجوهرات لاتصنع كينونتك

هاله ابوليل

2018 / 9 / 24
الادب والفن


في المول نادتني طفلة " مس قصة " وكنت قد اشتهرت بهذا الأسم لدى طلاب المدرسة الذين كانوا يزورون المكتبة, حيث كنت اقضي وقتا جميلا معهم في قراءة قصص الأخوان غريم .
لم ارى والدتها , فسألتها كيف ظهرت هكذا لوحدها
لأفاجأ بسيدة منقبة تقترب مني وتمد يدها لمصافحتي صارت سمية منقبة , يا للهول , فبررت ذلك بأن الوضع في الباهية . كان مختلفا مما جعلها تخلع النقاب في دبي .
مصدر تعجبي أن الناس أو البشر بدبي هم أنفسهم الناس في الأردن , فما الذي يجبر سيدة على أن ترفع النقاب في دبي وتلبسه في الأردن , وحامت صورة المديرة العراقية الجميلة والتي كانت تدعو ربها ليلا ونهارا أن لا يكتب لها بركة لبس الحجاب بل وتطالبه أن يتغاضى عن ذلك ويغفر لها والله غفور رحيم كما نعلم أما نحن البشر الذين لا نغفر ولا ننسى , في الحقيقة كنت احب تلك السيدة بكل عيوبها والأمر ليس له علاقة بكونها كانت رئيستنا في العمل ولكن له علاقة بسمية التي خلعته لكي تحظى بالقبول لدى المديرة كما أتضح من تبريرها وإن كان مجال تطرقي لنقاب سمية لا علاقة له بما سيأتي , ولكنه كان الخيط الذي ارسلني الى المديرة التي كانت تنفق ما يزيد عن ثلاثين الف درهم على أشياء تافهه , من ملابس ماركات متنوعة إلى شراء مجوهرات ألماسية , تفقد قيمتها المادية بعد خروجك من المحل مباشرة إلى تبديل السيارات . كما تبدل حذاءها .
كانت تتشدق بذلك الهوس الذي يجعلها تركض وراء الماركات والموضة من باب "خالف تعرف"
أو " أعرف و خالف" كما كانت تستعرض أفكارها بالوعي الذي تملكه ثم تتشدق بمبررات واهية وراء ركضها الحثيث وراء الموضة والماركات .
تقول بثقة تتمتع بها تلك العراقية الجميلة , بأنها تعرف إن ذلك السلوك خاطىء وإن ذلك غير مبرر لإنفاقها رواتبها على اشياء غير ذات قيمة , وإن ذلك شيء غبي جدا بل محض الغباء بعينه , فما هي الخامة التي تستحق أن أدفع ثمنها ألف درهم لقاء بلوزة بلا أكمام مثلا . لمجرد أن "الليبل " المعلق خلف القطعة , يحمل اسم ماركة مشهورة وتتابع :" لكن مع ذلك لا يمكنني الا أنساق وراء تلك المظاهر وأشتريها, لا يمكنني التوقف عن ذلك , وأعلم إنهم يسرقوننا , ولكن لا يد لي بذلك .ثم تتوقف عن الكلام وتتابع مجددا لإنهاء النقاش :" أنا أعشق الشراء من متاجر فاخرة".
وكانت تنهي ذلك والمعلمات يهزون رؤوسهم عجبا و
احتراما مقدسا لذلك الوعي المشوّه - الذي لا يجعل صاحبته تدخل باب التنوير والتغيير من أبسط أبوابه وهو الإقلاع عن ذلك تدريجيا .
. كنت استمع لحكمتها وابتسم ابتسامة العارف فقد كنت مثلها وكنت قد وقعت في ذلك الفخ أثناء إقامتي الطويلة في دبي و التي امتدت لخمسة عشر سنة .
وعرفت ذلك الشعور الواهي بالنفس المغرورة و كيف إني أنسقت بجنون وراء تلك المظاهر الفارغة .
وكيف أن ذلك الشعور الوهمي يتملكك , بحيث تصبح متماهيا معه , كأن ذلك الشعور يخلق بك نوعا من الإمتلاء بالثقة والإنفراد وبأنك أصبحت جاهزا لدخول نادي الأثرياء ولا أنسى احساسي - يوم أقتنيت خاتما ألماسيا لامعا لمعانا باهرا , ومع ذلك لم يلفت نظر أحد , فشعرت بالخيبة وعللت ذلك لغيرة النساء الأبدية والتي لا يمكن أن لا تظهر علنا بل قد تظهر متخفية بنوع من التجاهل المقصود , وهو نوع من الغيرة المبطنة التي تختفي في ثوب اللامبالاة .
ثم شاءت الأقدار أن اقرا لجبران خليل جبران قولا مأثورا يتحدث عن ذلك الشعور المنفوخ بالثقة والقوة الذي يقدمه لك الرخاء المادي على شكل مقتنيات لافتة للنظر .
كان تلك العبارة المأثورة هي شرارة التفتح للوعي المغلف بالوهم الجميل كان يقول فيها :" لا تجعل ثيابك اغلى شيء فيك ,حتى لا تجد نفسك يوما أرخص مما ترتدي "

كان ذلك نور الوعي الذي تفتح في أعماقي, وكان تبصر الكينونة المفاجىء بعد عملية تغليفه لسنوات بهشاشة تفكيرنا الذي أنساق وراء تلك الخط المرسوم الذي تبتدعه شركات ضخمة لإستلاب البشر و سرقة أموالهم وراء الجري وراء اعلانات تعزز التفوق الذاتي .
ثم حدث أمرا في غاية الغرابة في ذلك الوقت , مما جعلني أقلع بتاتا عن تلك الأكاذيب والجري وراء الوهم . وعرفت فعليا ما تفعله الأسواق بك لسرقتك.
كنت قد اشتريت , قميص و جاكيت و تنورة من نفس الخامة من متجر من مكس دبي ( Mexx ) بقيمة الفين درهم , وقد فرحت بتميّزي وأنا ارتدي ذلك الطقم الغالي وأتجول في ممرات المدرسة بثقة مبالغة , وأفرح جدا في كل مرة تستوقفني فيها معلمة لتقول لي:" شو ها الحلو , منين اشتريته , و كم ثمنه والأخيرة بالذات كان ذلك السؤال الذي يشفى غليلي حتما .
كنت أرد بثقة ولا علم لي بذلك الذي يحدث بدواخلهن فقد كنت مسرورة بثوب استنزف نصف راتبي .
ماذا سيفعل بمعلمات بائسات - بعضهن يتقاضين هذا المبلغ كمساعدات والمخضرمات منهن - ممن لهن عشر سنوات في العمل ,لم يتجاوز راتبهن ثلاث الآف درهم في مدرسة خاصة تسرق جهدك ليصبح صاحبها غني على أكتافك و يصبح بعد خمس سنوات من اصحاب الملايين .
وإن كان ذلك المبلغ الذي دفعته ليس بالأغلى في اسواق الإمارات , وقد لا أبدو مبالغا في انفاقي للبعض ممن يعيشون في أبراج عالية إذا قلت لكم إن هناك من يشترون كرافتة بمثل هذا المبلغ وقد يضحكون علينا إننا نعتقد إن مبلغ الفين درهم , يعتبر مبلغ ضخم .
المهم في القصة إن ذلك اليوم التنويري جاء وقد نفض غبار ما يسمونه بالتفوق عن طريق خلقة بالية من الملابس بإمكانها إطعام اسرة يتيمة لشهرين .
جاء ذلك من لفتة شامتة لمعلمة الفنون في المدرسة , أما كيف حدث ذلك !
فقد كانت عبارتها تحمل أطنانا من السخرية والشماتة , وهي تشير إلى ثوبي الأغلى قائلة : إن متجر ماكس الهندي (max) يبيع نفس هذه القطعة "بمائة درهم "
وكنا قد سمعنا مؤخرا على متجر رخيص يبيع ملابس مقلدة لماركات عالمية بسعر لا يكاد يسمى .
لم اصدقها ولكنها اكدت لي ذلك وهي تضحك بسخرية
بل و دعتني لكي تأخذني للمتجر الذي يبيع القطعة المقلدة لأنه احيانا قد لا تجد نفس القطعة بكل متاجر ذلك المتجر المشهور بتقليده للماركات في مسعاه النبيل لكي لا يجعل اي سيدة فقيرة تشعر بالنقص ,
فكل شيء مقلد و متوفر و بأسعار بخسة فما أجمل من ذلك !
في نهاية الدوام , انتظرتها في سيارتي , فركبت معي ودلتني على ذلك المتجر , وفعلا كانت نسخة طبق الأصل عما أرتديه , مما جعلني أكاد أنفجر غضبا في داخلي ولكني لم اغضب في لحظة تسامح شفافة اعترتني , أو ربما لم أكن أريد أن تشمت تلك السيدة بي أكثر .
يقولون في علم النفس أن ترتدي شيئا خاصا بك هو تعزيز لتضخم الآنا وشعورها بالتفوق المنفرد
حتما أنت كائن فريد من نوعك لذلك تستحق إن لا تكون مشابها للبقية , كما يريد منك التجار أن تقتنع , ولكن مع خطوط التقليد التي تجري على قدم وساق , زر السوق الصيني في كوالمبور و سوف تعرف ما أقصده وهناك فقط ستنسف شعورك الواهي بتفردك .
عدت للبيت , وأنا أضحك , فالتنين الصيني سيبتلع السوق العالمي يوما ما بكل محتوياته ,
وبت أردد مع ذلك الصوت في راسي و باحتقار ذاتي لركضي وراء تلك التفاهات
يا للهول , يا للخداع
نفس الخامة , نفس الأزرار, نفس التفصيل , نفس الثنيات , يا للهول , يا للخداع
ما الذي يفعلونه بأمثالنا - مرضى الماركات !
وفي ذلك اليوم , وضمن ابتسامة السخرية التي ارسلتها تلك المعلمة , عرفت إن ذلك مبعثه , نقصا في الهوية المتعالية وما تضخيم الآنا إلآ لشعور واهي بالتفاهة -التي تمتلكك - والتي هي أوهى من خيوط العنكبوت
وإن كل ذلك لا يستحق ابتسامة التشفي التي لم تكن لتملأ قلبا بالغل بقدر ما فتحت عيني على حقيقة إن كل الثياب الفاخرة و المجوهرات لا نستحق أن نقف إزاءها موقف المتأمل بل علينا إن نستمد جمالنا من دواخلنا
من دفء القلب وإحساسنا بالآخرين ,
وحسبي , إن فهمت ذلك ولو متأخرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي