الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا هندباء في أمريكا

سمر المحمود

2018 / 9 / 25
كتابات ساخرة


حكي عن أمريكا أنها بلد الحرية وأنها جسدتها بتمثال لسيدة تحررت من قيود الاستبداد وألقتها عند قدميها، والتي ستظل لأبد ما طالما تحيا أمريكا تمسك مشعلا يرمز إلى الحرية، لكن أم كفاح لم تفهم شيئا من هذا الهزر حين تصايح أبناؤها: يجب أن نهرب من هنا، لقد وصلنا إلى قاع الهاوية والحرب التهمت كل ما فينا ومازلنا نتكلم .. اللعنة على الكلام .. لن ينشلنا من بؤسنا
- سنهرب عبر البحر
- يمكننا الاستعانة بأقربائنا هناك لابد ونجد طريق للسفر
- وقالت الصبية: أشكر الله أنني تعلمت السباحة مبكرا
ولما ساد الهدوء كانت أم كفاح تمسك بالمجرفة وترفش التربة بعصبية بينما تتمتم: لن أترك الجنينة
وفي يوم وصلت قذائف الحرب حتى اقتلعت الأخضر واليابس غادروا المنزل والبلاد ولم يكن لأي حجة أن تقنع أم كفاح بالهرب لكن الشظية التي أصابتها جعلت الدم يتدفق من رأسها وحين يصبح له هذه الرائحة الكريهة فلا شيء يقبل التفاوض
وتعاقبت الأيام في أمريكا وملت أم كفاح من الطعام المهروس والمشوي اشتاقت لنعنع جنينتها والبقدونس الطري الأخضر اليانع للهندباء حين كانت تطبخها مع الزيت والثوم
وإذ ألحت عليها تلك الرغبة تناولت سكينا من المطبخ وخرجت جوار المنزل تتفحص الحشائش الخضراء
لتفاجأ بثلاثة رجال من الشرطة لم تعرف متى وكيف ظهروا بوجوه ارتسمت عليها ملامح الهلع والجدية وشرعوا يكلمونها لكنها لم تتعلم الإنكليزية قط وقد ارتبكت حين رأتهم يحيطون بها ، ويهاجمونها بضربة مباغتة من مسدس غريب نزل على صدرها كصاعقة مزقته .. هكذا شعرت، وجع يشبه ما فعلته تلك الشظية ورائحتها ولكن لم يكن هناك دم وغابت عن وعيها

استيقظت أم كفاح في المستشفى يحيط بها أبنائها .. حيث تبين في مركز الشرطة أنها أصيبت بجروح طفيفة بعدما صعقها رجال الشرطة بمسدس الصعق الكهربائي وعلى أثرها تم نقلها للعلاج في المستشفى
كانت ابنتها الصبية تتلمس يديها باكية :
- لقد ادعوا أنها ببحثها عن الهندباء سببت حالة من الهلع وخطرا على المجتمع
- سأقاضيهم
- يقول قائد الشرطة أنهم طلبوا منها أن تضع السكين أرضا (بدى أنها لم تفهم ما طلبناه او أنها تعاني مشكلة عقلية ).. الجبناء
- لم يحدث أحدا أمي عن مسدسات الصعق الكهربائي ولا عن Taser كيف لها أن تعرفهم أصلا
- سنقاضيهم
- أن جهلها بالقوانين الأميركية وحملها للسكين لقطف الهندباء كما جرت العادة في بلدنا يوحيان أنها قادمة جديدة لبلاد العم سام .. سمعتهم يتحدثون في التلفاز .. كيف لأمنا أن تعرف أن قطف الهندباء ....

هذا الحدث البسيط وصل لبعض وكالات الأنباء ما جعل قائد الشرطة
يوجه خطبة مقتضبة للرأي العام ليختمها بانفعالية مبطنة بالتوسل: أمامكم شخص يمشي باتجاهكم حاملا سكينا وتأمرونه بالتوقف فلا يأبه، ماهي الاحتمالات في مواجهة خطر كالموت لو خيرتم؟ هذا ما قرره عنصر من الشرطة مستخدما Taser بدلا من القوة القاتلة ،
الشفقة التي أخذتنا بتلك المرأة المسنة لم تردعنا عن القيام بواجبنا
وكان الرأي العام الذي أصيب بعدوى الشفقة على المواطنة الجديدة المسنة أم كفاح جعلتهم يغفرون لها حملها السكين وتهديدها للأمن العام، قدموا الشكر لتفاني عناصر الشرطة شاعرين بالامتنان لعدم استخدامهم العنف والتيزر Taserعوضا عنه واتجه بعض المتعاطفين يحملون الأزهار لأم كفاح التي مازالت غارقة في حزنها وتمنت أن تشكرهم للطفهم، بحثت عن صوتها لم تجده بأي لغة كانت حتى لغتها الأم المبحوحة، ثم غرقت بالنوم وفي المنام رفعت رأسها للأعلى لترى التمثال الضخم للسيدة الحرية تمسك باقة كبيرة منوعة من النعنع والهندباء والبقدونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا