الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أم القيمر وجعبة الاسئلة
داود السلمان
2018 / 9 / 25الادب والفن
عودت نفسها النهوض من نومها منذ الصباح الباكر، أو بالأحرى والدتها هي التي كانت تقطع عليها سلسلة أحلامها الوردية فتصحيها مبكراً، وظل هذا الوقت المقدس عالقاً في ذهنها.
تتوجه الى الحمام على عجالة لأخذ دوش دافئ، ثم ترتدي ملابسها البسيطة، وهي عبارة عن (نفنوف) خفيف وحجاب ملون تضعه على رأسها كعادة النساء القرويات، وملائة سوداء ونعل اسفنجي رخيص، بدون أن تضع على وجهها أي نوع من مساحيق الزينة، وتحمل "صينية" القيمر التي اعدتها ليلة البارحة في ساعة متأخرة قبل أن تذهب لتنام في فراشها الوثير بانتظار احلامها المتواضعة، وتخرج من الدار تحث الخطى باتجاه السوق القريب من دارها، حيث يكون الزبائن بانتظارها للشراء من بضاعتها التي تعودوا عليها منذ عهد ليس بقريب.
عفاف ورثت هذه المهنة عن والدتها التي غادرت الحياة الدنيا منذ سبع سنوات، ومع ذلك فهي راضية وقانعة بهذه المهنة وما تدر عليها وعلى اسرتها الصغيرة من دنانير تحمد الله عليها صباحاً ومساءً.
الربح الذي يدر عليها كاف لتغطية مصروف الدار ومصروف صغيريها افراح ومثنى، وكذلك مصروف زوجها، الذي هو عاطل عن العمل، وعمله العناية بالأبقار حيث يجلب لها العلف والماء، واخراج فضلاتها ورميها الى خارج الدار.
الزوج لا يمتهن غير هذه المهنة الداخلية، وحينما تخرج زوجته الى عملها كان يوصيها بجلب علبة أو علبتين من السكائر، فالتدخين سلوته الوحيدة في هذا الزمن التعس، ولولا هذه السلوة لقذف نفسه تحت اطار أي سيارة تصادفه كما كان يقول.
كان البيت الذي تسكنه هذه الاسرة البسيطة متواضع جداً.. غرفتان وصالة وحولي، زائداً مطبخ صغير وحمام، والبيت بمساحة مائة متر مربع يقع في مطقة شبه ريفية، ساكنيها جميعهم من الناس البسطاء الطيبين، لكن اغلبهم اميون ليس فيهم من يقرأ ويكتب الا ما ندر، حتى عفاف لم تتعلم القراء والكتابة ابداً، لأن اسرتها منعوها من دخول المدرسة، لأن الناس كانوا يقولون أن دخول المدارس بالنسبة للفتاة يعتبر عيباً، فالتعليم هو من حق الرجال فحسب، واما المرأة فحقها بيت الزوج وتربية الاولاد والاعتناء بالزوج، وغير هذا فلا يسمح لها، الا اذا كان بيع الحليب ومشتقاته، فقط هو المسموح به للمرأة.
وكنت كلما أخرج من منزلي - صباح كل يوم- وأنا في طريقي الى دائرتي في وسط بغداد، كنت اشاهد بائعة القيمر هذه، والزبائن متجمهرة من حولها. واحياناً اختلس نظرات فأرى يدها الصغيرة البيضاء وهي تقطع القيمر بالسكين وتحشو بها الصمون لعمل سندويشات وتقدمها للزبون.
ورغم أني لا أحب أكل القيمر، لكن فضولي دائما يدفع بي أن اقف مع زبائنها واشتري لفة تضع لي فيها المقسوم من القيمر واروح اقضمها بتأني كما يقضم الانسان الجائع رغيف الخبر الساخن، واواصل سيري.
تعلقت ببائعة القيمر، وبمنظر الزبائن المتجمعين نصف دائرة من حولها، اما لماذا هذا التعلق؟، فلا أدري.. فكم مرة سألت نفسي السؤال ذاته، لكنني لم أجد الجواب الشافي في جعبة الاسئلة.
وفي ذات يوم، وكالمعتاد، وصلت الى مكانها، وجدت المكان خالياً، اصبت بالدهشة، سألت نفسي:
- يا ترى لماذا اليوم لم تأت هذه المرأة؟
سئلت جارها في المكان نفسه وهو صاحب فرن بيع الصمون.. هو الآخر لا يعلم.. راحت الظنون تقطع بسيوفها البتارة آمالي التي بنيتها على رمال السراب.
وواصلت طريقي.. لكن عيناي ظلت شاخصة على مكانها الموحش.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م
.. الموسيقى التصويرية لتتر نهاية مسلسل #جودر بطولة النجم #ياسر_
.. علمونا يا أهل غزة... الشاعر التونسي -أنيس شوشان-