الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل الخامس 2

دلور ميقري

2018 / 9 / 25
الادب والفن


مرأى أشجار النخيل، المتناثرة على طول الشارع الرئيس الموصل بين المطار ومركز المدينة، أشعره بكثير من الراحة والطمأنينة. مع أنّ روما لم تكن تخلو من نخيل، وخصوصاً أنواعه القصيرة القامة، المنتفخة غروراً في الحدائق والساحات العامة ومداخل الفنادق والمطاعم والمقاهي. وكان " سيامند " مستغرقاً في مناظر الطريق، تتمتع بها عينان متناعستان، لما انتبه لسؤال سائقه: " ألديك موعد ما في المكتب، أم نمضي إلى المنزل؟ "
" بل إلى المنزل، رأساً "، أجابَ مستعملاً لنهاية الجملة مفردةً فرنسية مألوفة. وابتسمَ في سرّه، حينَ تذكّر إشادة الزعيم باللغة الكردية لمَن دعاه، " رفيقنا الشاميّ "، باعتبار ذلك كمثال ايجابيّ من الضروري الاقتداء به. وكان الرجل يدع أحياناً لهجةَ الواعظ، ليُطلق النوادر والطرائف. بل إنه لعبَ مع ضيوفه بالتنس، هنالك في ملعب صغير ضمن أسوار الفيللا: لعله كان يأمل بالظهور على صورة مغايرة أمام الرأي العام الغربيّ، المتغذي عموماً بالدعاية الإعلامية المناهضة للشيوعية على أثر انهيار المعسكر الشرقيّ.
في صباح اليوم التالي، كان رجلُ الأعمال العائد من روما قد استعاد رونقه ونشاطه بعد ساعات عشر من نوم الليل المتواصل. عدا عن معنوياته العالية، المتأثرة بما سبقت الإشارة إليه من أمور السياسة. وهوَ ذا في منزله من جديد، تعتريه العزيمة على بذل ما في وسعه من وقت وجهد لنصرة المهمة الملقاة على عاتقه. وبينما يتأمل سقفَ حجرة النوم، المزخرف بنقوش الجص الأبيض والذهبيّ، عادَ بذاكرته إلى مهمته الأولى في مراكش وما تخللها من وقائع وعقبات وغرائب. ثم انتهى إلى تمثل صورة معينة، نافخاً في شيء من القنوط: " تلك المرأة اللعينة، ذات الثوب الأحمر والبرّاق! ". بلى، لقد كادَ لغزها آنذاك أن يُطيحَ بكل آماله هنا. ذلك جرى، على أثر تداخل قضية ابنة هذه الأخيرة مع قضية ابن " خولة ". الجنرال، جاره مذ نحو سنة، ربما كان بالغَ في حينه من شأن خطورة إثارة قضية الابن المعتقل باعتبارها تمسّ أمن البلد.

***
انتقال " سيامند " إلى الضاحية، كان قد جدّ على أثر انجلاء غبار تلك الدوامة. لحُسن الحظ، أنه منزل أخيه الأول مَن عُرضَ للبيع مجدداً وبسعر معقول. وكان " حمو " مرتاحاً للعودة إلى السكنى في الفيللا، مؤملاً وضع امرأته ثانيةً تحت سلطة الأم. قبل ذلك، كانت علاقة المشتري مع " غزلان " قد توثقت لدرجة تصريحها له عن سببٍ ضافٍ عوّل عليه قرينها: " إنه يُدرك ألا سلطة لأحد عليّ، لا حماتي ولا غيرها. ولكنها حجّة لكي يعيش على راتب والده التقاعديّ، فيما هوَ يراكم راتب وظيفته وما يتلقاه من رشاوى المراجعين! ".
رائحةَ علاقته مع امرأة الموظف المرتشي، ستصل أنفَ سعادة الجنرال. وما أسرعَ أن لمّحَ إليها يوماً، بطريقته الفظة الدنيئة: " امرأة فتية فاتنة، لعوب وماكرة فوق ذلك، أليست بعشيقة مناسبة لأيّ شاب أعزب يهوى العشق والمغامرة؟ "
" لا، يا أخ، أنت مخطئ ومتجنّ أيضاً على أعراض بنات المسلمين! "، ردّ عليه بشدة وحزم. لقد ولّى زمنُ الخشية من سلطة هذا المسئول السابق، الفاسد، بعدما فتحَ نجاحُ أعمال " سيامند " طريقاً إلى معارف من الوسط الراقي ما ينفكّون في وظائفهم العالية. فضلاً عن وسيلة ضغط أضحت بيده، طالما أنّ أسرار الجنرال كانت تتساقط على مائدة الخمر والمجون ليلة إثر ليلة.
بصرف الطرف عن أيّ من تلك الاعتبارات، كان يؤلم " سيامند " تكراره تجربة شقيقه الراحل مع امرأة متزوجة. حصل الأمرُ أولَ مرة اتفاقاً، وبدون تخطيط منه على أيّ حال. إذ جاء يوماً منزلها في الضاحية، قبل حلول الظهيرة وعلى موعد متفق بينهما كي يشتري لوحات جديدة. كانت " غزلان " في الأثناء منهمكة في اضفاء لمسات لونية أخيرة على لوحة بورتريت، رسمتها بطلب من إحدى المقيمات الأمريكيات. راحَ في خلال الوقت يتفقد رسومها الجديدة، بغية انتقاء بعضها. حادت عيناها العسليتان عن اللوحة، لتحدق فيه ملياً، ثم ما لبثت أن أعربت عن رغبتها بانجاز بورتريت له. هكذا استهلت اللقاءات اليومية بين الرسامة وزبونها، وكان يتخللها أحاديث تزداد حميمية يوماً بعد الآخر.

***
بعد الفطور، تمشى لبعض الوقت في حديقة المنزل، التي استقبلته بهبوب ظريف من عبق أزهارها. وكان عندئذٍ برفقة " سي عمر "، المتعهّد تدبير كلّ شيء في المنزل ـ كطباخ وجنائنيّ وحارس، علاوة على عمله الأساس سائقاً. لقد أمكن إنشاء الحديقة، وذلك على أثر شراء قطعة أرض تقع وراء المنزل وكانت مزروعة بصف من أشجار التفاح فيما تناثرت فرادى ومثنى أخواتٌ لها من التين والرمان والليمون والزيتون. بما أنّ الأرضَ فسيحة، يخترقها ساقية جارية المياه، صارَ في الوسع لاحقاً التخطيط لحديقة أزهار ملاصقة لجدار المنزل. ثم فُتحَ بابٌ في الجدار، يفضي للحديقة عبرَ ممشى مفروش بالحصى الأبيض الصغير الحجم.
كان يتطلع بشغف إلى شجيرة صنوبر، زرعت في منتصف الحديقة لإنارتها في أسبوع أعياد الميلاد ورأس السنة، حينَ اهتز في جيبه جهازُ الهاتف المحمول. وكانت " زين " على الخط، لتهنئته بسلامة العودة وسؤاله عما لو كان سيحضر إلى المكتب في هذا اليوم. شعرَ بالغبطة لسماع صوتها الدافئ، مع أنه دأبَ على مخابرتها يومياً من روما. كون علاقتهما مؤخراً انتابتها الشكوك وسوء الفهم، فقد شاء " سيامند " الآنَ ترميمها بمناسبة عودته: " بل سأرسل سي عمر بالسيارة ليأتي بك إلى المنزل، حيث نقضي وقتنا في الحديقة ونتناول غداءنا تحت ظلال أشجارها. كما أنّ لديّ مفاجأة صغيرة لك، محفوظة في حقيبة السفر! ".










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81