الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى الفلسفة الماركسية 6-12 قوانين الديالكتيك..

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2018 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



25/9/2018
مدخل إلى الفلسفة الماركسية (6-12( قوانين الديالكتيك..
إن قوانين الديالكتيك الأساسية هي:
- قانون تحول التبدلات الكمية إلى تبدلات كيفية.
- قانون وحدة المتناقضات وصراعها ( صراع الاضداد).
- قانون نفي النفي.
وكل قانون من هذه القوانين يعكس ناحية جوهرية ما من نواحي التطور الموضوعي، وحدّه، وشكله، وعامله. والى جانب هذه القوانين يوجد عدد وافر من المقولات أمثال العلاقة العامة للظواهر، والسبب والنتيجة، والمحتوى والشكل، والعرضية والضرورة، والجوهر والظاهر ... الخ.
إن قوانين الديالكتيك ومقولاته هذه لم تخترع اختراعاً، بل استخلصت من الطبيعة والحياة الاجتماعية، إنها تعكس القوانين الموضوعية القائمة بشكل مستقل عن وعي الإنسان. الديالكتيك ليس مجرد أداة لإثبات الحقائق الجاهزة، بل هو مرشد للبحث في الظواهر والعمليات الحقيقية، هو طريقة معرفة الحقيقة الموضوعية.
قوانين الديالكتيك تعمل في جميع الميادين: في الطبيعة العضوية وغير العضوية، ففي الطبيعة العضوية تعمل في عالمي النبات والحيوان، كما تعمل في المجتمع في مختلف المراحل التاريخية، وهي عبارة عن قوانين التفكير في جميع مجالات المعرفة، كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، والاقتصاد السياسي، وعلم الاجتماع ... الخ. التطبيق الحسي للديالكتيك كطريقة على الظواهر الحسية، هو وحده الذي يُؤَمّن النجاح في المعرفة والنشاط العملي، لهذا كان مطلب التحليل الحسي للواقع إحدى أهم خصائص الديالكتيك الماركسي وأكثرها تأثيراً ولهذا بالذات نجد أن أهم مبدأ للديالكتيك يقول: لا وجود للحقيقة المجردة والمطلقة، والحقيقة هي دائماً حسية ونسبية. ..
- قانون الانتقال من التبدلات الكمية إلى التبدلات النوعية[1]:
يصاغ هذا القانون وفق الأسس التالية:
1. إن كل ظاهرة أو عملية هي عبارة عن وحدة كمية وكيفية، بعبارة أخرى، إنها تتسم بتعين كيفي وكمي يميزها هي وحدها.
2. إن التغيرات الكمية تجري بصورة تدريجية، رتيبة متواصلة إلى حد معين، وفي نطاق هذا الحد لا تسبب تغيرات في الكيفية المعنية، كما أن التغيرات الكمية تتسم بالحجم والدرجة والكثافة ويمكن قياسها والتعبير عنها برقم معين بواسطة وحدات قياس مناسبة.
3. عند وصول التغيرات الكمية الى حدها الأقصى ( ويسمى حد القطع ) ، فانها تؤدي الى تغيرات وتحولات كيفية/ نوعية جذرية تفضي إلى تشكل كيفية جديدة.
4. تجري التغيرات الكيفية بشكل قفزه، أي انقطاع في التدرج، وليس لزاماً أن تجري القفزات بشكل انقطاع خاطف، بل يمكن أن تستغرق فترة زمنية طويلة أو قصيرة (حسب الحالة في المجتمع أو الطبيعة أو الإنسان).
5. تتسم الكيفية الجديدة الناشئة نتيجة القفزة بخواص أو ثوابت كمية جديدة، وكذلك بحد جديد من وحدة الكمية والكيفية.
6. إن مصدر تحول التغيرات الكمية إلى كيفية والكيفية إلى كمية هو وحدة وصراع المتناقضات اوالأضداد وتنامي التناقضات وحلها.
ويسري مفعول قانون الجدلية (حول التغيرات الكمية إلى الكيفية والكيفية إلى كمية) على الطبيعة والمجتمع والفكر، وهو يتجلى تجلياً خاصاً في كل حالة بعينها، ولهذا يتطلب استخدامه فيما يتعلق بتنفيذ المهمات التطبيقية المتسمة بتفرد كبير القدرة على استخدام الموضوعات العامة للجدلية مع مراعاة المواصفات الفردية لكل حالة بعينها وكل مهمة بعينها.
إن الجدلية تؤكد بالاستناد إلى تجربة التطور التاريخي ، وبالتطابق التام مع معطيات العلم الحديث، أن التغيرات الكمية التدريجية لأية ظاهرة أو عملية تؤدي بالضرورة وبحكم قوانين التطور، إلى المرور عبر حد معين إلى تغيرات كيفية جذرية تنشأ في نتيجتها كيفية جديدة وظاهرة أو عملية جديدة. ولذلك ، لابد لفهم قانون انتقال التغيرات أو التبدلات الكمية إلى تبدلات نوعية ، من معالجة مفهومي الكم والنوعية، فعندما ندرس شيئاً ما يتبدى لنا، قبل كل شيء كيانه المحدد الذي يميزه عن الأشياء الأخرى، وهذا بالذات ما يكوّن نوعيته.
إن التحديد النوعي أمر ملازم لجميع الظواهر الاجتماعية، فالرأسمالية، مثلاً، عبارة عن نوعية معينة، عن مجموع عدد من السمات والصفات والنواحي الجوهرية بالنسبة لهذا النظام: كوجود طبقة ملاكي وسائل الإنتاج، وطبقة العمال المأجورين، واستثمار العمال من قبل الرأسماليين ... الخ، أما الاشتراكية، باعتبارها تشكيلة اجتماعية جديدة نوعياً، فتتمتع بصفات أخرى، من ملكية جماعية لوسائل الإنتاج، وانعدام العمل المأجور، والقضاء على استثمار الإنسان للإنسان. هذان المثلان يتيحان لنا فهم أن النوعية هي، قبل كل شيء، ما يحدد الأشياء والظواهر، وبينها هي وحدة سماتها ونواحيها الأساسية التي تجعل منها هذه الأشياء والظواهر بالذات، لا غيرها.
وليست هنالك أية ظواهر أو أشياء مجردة من التحديد النوعي، فالكائن المجرد من كيانه النوعي غير ممكن الوجود. والنوعية تظهر من خلال الخواص، ورغم أن مفهومي النوعية والخاصية غالباً ما يستعملان بمعنى واحد، إلا أن بينهما اختلافاً. ولا يمكننا أن نعرف شيئاً عن كيفية موجود ما (أي عن الكيان المحدد الداخلي لهذا الشيء) إلا من الصفات الملازمة لهذا الشيء التي تتجلى فيها تركيبته. فخواص الشيء يمكن أن تتغير تبعاً لتغير علاقاته مع العالم المحيط، كما يمكن أن تختفي أو تظهر بعض خصائص الشيء بدون أن يتغير هو نفسه أو نوعيته الأساسية، مثال ذلك: أن بعض خصائص الرأسمالية تتبدل في مرحلة الرأسمالية العليا، الإمبريالية (الاحتكار)، فتتحول المزاحمة الحرة إلى نقيضها، وبدون أخذ هذا التحول الهام بعين الاعتبار لا يمكن فهم الامبريالية المعاصرة وتحولها الى مرحلة العولمة.
إن مفهوم الكمية هو أيضاً مقولة عامة تعكس ناحية من النواحي الهامة لأي شيء أو ظاهرة أو عملية، وتبرز الكمية أيضاً كتحديد للأشياء، إلا أنها، خلافاً للنوعية، تميز الشيء من ناحية درجة تطور خصائصه: كمقداره، وحجمه وعدده، وسرعة حركته، وبهر لونه ... الخ، فالطاولة، مثلاً، يمكن أن تكون كبيرة أو صغيرة، والصوت يمكن أن يكون طويلاً أو قصيراً، شديداً أو خافتاً ... الخ. والتحديد الكمي للظواهر الاجتماعية لا يعبر عنه دائماً، بمثل المقادير الدقيقة التي يعبر بها عن ظواهر الطبيعة اللاعضوية، ولكن لكل ظاهرة، وكل عملية تتمتع هنا أيضاً لا بناحية نوعية فقط، بل وبناحية كمية أيضاً، مثال ذلك مستوى تطور إنتاجية العمل، والقوى المنتجة، ووتيرات تطور الإنتاج في البلدان الرأسمالية ومقارنتها مع البلدان التابعة ، وغير ذلك من نواحي الحياة الاجتماعية، وعدد الناس العاملين عملاً منتجاً ودرجة استثمار العمال من قبل الرأسماليين ... الخ.
فالكمية يمكن أن تنقص أو تزيد، دون أن يفقد الشيء حالته النوعية، فالكمية هي صفة تحدد الشيء من الخارج أكثر مما تحدده من الداخل، وتبدو للوهلة الأولى وكأنها منفصلة عن النوعية، فإذا تبدل الشيء كمياً فإنه لا يتحول إلى شيء آخر ما دام التبدل لم يتجاوز حداً معيناً، إلا أن تأثير التبدلات الكمية على الشيء يتبدى، بوضوح، عند زيادة هذه التبدلات، فخلال سير التبدلات الكمية تبرز بروزاً واضحاً، اللحظة التي يؤدي فيها أصغر تبدل في الكمية إلى تبدل نوعي جذري، يؤدي إلى نشوء نوعية جديدة ( لحظة الغليان ...او الثورة ).
- وحدة شكلي التطور: الشكل الارتقائي والشكل الثوري - القفزات[2]:
إن تحليل التبدلات الكمية والتبدلات الكيفية للأشياء يدل على أن هذين الشكلين من التبدلات عبارة عن شكلين مختلفين للحركة رغم أنهما مرتبطان ببعضهما، ولكل منهما خصائصه. فالتبدلات الكمية عبارة عن شكل ارتقائي للتطور[3]، أما التبدلات النوعية فهي على العكس، شكل ثوري له، وبما أن التبدلات الكمية والكيفية مرتبط بعضها ببعض، لذا نستنتج أن التطور هو وحدة التبدلات الثورية والارتقائية، وهو أمر له أهميته المبدئية الكبيرة، ويشكل إحدى النواحي الهامة في نظرية التطور الديالكتيكية.
التطور الارتقائي هو التبدل الذي يطرأ، بسببه على الكائن تبدل كمي تدريجي، أما التطور الثوري فهو تبدل الكائن تبدلاً نوعياً جذرياً ، بمعنى وصوله الى حد القطع . التبدل الثوري عبارة عن قفزة، عن توقف التبدلات الكمية التدريجية عن انتقال من نوعية إلى أخرى، وكل تبدل نوعي يتم بشكل قفزة.
ورغم جميع الفوارق القائمة بين الحركة الارتقائية والحركة الثورية، بين الحركة المتواصلة والحركة القافزة، فإن كلتيهما تشترط الأخرى، وتشكل طرفاً في عملية تطور واحدة: فالتبدلات الكمية تحضر القفزات، تحضر انقطاع تدرج التبدلات الكمية، والقفزة تخلق شروط التبدلات الكمية التالية، لهذا كان تطور الطبيعة، والمجتمع، والفكر الإنساني يحدث لا وفق خط متواصل لا انقطاع فيه، بل وفق خط تنقطع فيه التبدلات الكمية التدريجية بقفزات، وبالانتقال من القديم إلى الجديد، وبنشوء تشكيلات جديدة نوعياً.
إن أهمية هذا القانون الطرائقية تكمن في أنه أولاً، يشير إلى طريق التطور العام الشامل لجميع ظواهر العالم الموضوعي، كما تكمن ثانياً، في أن هذا العام يتطلب للقيام بالعمل بنجاح أعظم، أن نجد، ونلتقط، ونفهم، بشكل محسوس، أشكال الانتقال النوعية الخاصة التي تعود لكل حادثة على انفراد (وهنا يتجلى دور العامل الذاتي/الحزب في زيادة التراكمات الكمية (التوسع التنظيمي) بصورة واعية وثورية من أجل توفير ظروف التحول النوعي). فقانون انتقال التبدلات الكمية إلى كيفية، يعكس ناحية من نواحي التطور الهامة، ويكشف عن سير التحولات النوعية للأشياء، إلا أن نظرية انتقال التبدلات الكمية لا تجيب على سؤال ما هو مصدر كل تطور، بما فيه انتقال التبدلات الكمية إلى كيفية.
يجيب على هذا السؤال قانون ديالكتيكي آخر، هو قانون وحدة وصراع المتناقضات، قانون التناقضات كمصدر للتطور.
- قانون وحدة وصراع المتناقضات[4]:
قانون وحدة وصراع المتناقضات، هو قانون التناقضات كمصدر للتطور. فالتناقضات هي نواة الديالكتيك الماركسي التي هي مفتاح فهم جميع نواحي وعوامل التطور.
وفي هذا السياق، يمكن أن نضع صيغة لهذا القانون على النحو الآتي:
1. أن كل ظاهرة أساسية (جوهرية) في الطبيعة والمجتمع والفكر تنطوي على جوانب وصفات ومميزات ومنظومات ثانوية (عناصر) متضادة تتفاعل أو تترابط فيما بينها ترابطاً ضرورياً، أي أنها تندرج في وحدة.
2. هناك علاقة تناقض جدلي بين الاضداد المندرجة في وحدة.
3. إن مصدر الحركة، أياً كانت، ولاسيما مصدر التطور هو نشوء التناقضات الداخلية الأساسية واستفحالها وحلها، ويعتبر حل التناقضات العامل الحاسم والسبب الرئيسي للتطور.
4. يجري في سياق التطور انتقال بعض الأضداد إلى بعضها الآخر انتقالاً جدلياً. ويجري تصادم الأضداد وتفاعلها وتداخلها.
5. في نتيجة صراع الأضداد وتحولها المتبادل وتناقلاتها المتبادلة، وفي حصيلة حل التناقضات تنشأ ظواهر أو عمليات أو مميزات جديدة لا ارتدادية، لم يكن لها وجود من قبل.
ويرتدي قانون وحدة وصراع الأضداد طابعاً عاماً متعدد الأغراض، ولفهم هذا القانونأهمية فائقة ، منهجية وأيديولوجية كبيرة. فالتناقضات هي "نواة" الديالكتيك الماركسي و هي مفتاح فهم جميع نواحي وعوامل التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية، لهذا فقانون وحدة وصراع المتناقضات[5] يحتل مثل هذا المكان الرئيسي في الديالكتيك الماركسي، وليتحدد دوره وأهميته في أنه يكشف عن الدوافع والمصادر الداخلية للتطور لهذا يعتبر هذا القانون المحك الذي يكشف مدى علمية وحيوية هذه النظرية أو تلك من نظريات التطور.

- الخطوط الرئيسية للديالكتيك الماركسي عن قانون وحدة وصراع المتناقضات:
1. الأشياء والظواهر لوحدة المتناقضات ....صراع المتناقضات هو مصدر التطور[6]:
إن كثيراً من الفلاسفة البرجوازيين، في زماننا هذا، يضطرون إلى الاعتراف بحقيقة التناقضات، ولكنهم يحاولون القول بأن التناقض والتناحر القائمين مثلاً في الحياة الاجتماعية للمجتمع الرأسمالي، هما خالدان، ولا حل لهما، وبأن جوهر العلاقات المتبادلة بين الطبقات كأنه مستقر في عدم إمكانية التغلب على التناقضات الاجتماعية، وهناك آخرون، يرون المتناقضات، بل ويشيرون إلى أهميتها أيضاً، ولكنهم يعتبرون أن حلها ممكن فقط في ميدان الدين، (كما هو الحال عندنا بالنسبة لحركات الاسلام السياسي) .
الديالكتيك الماركسي ينطلق من المعطيات العلمية الموضوعية، والتجربة التاريخية للإنسانية، ويؤكد على أن جميع الأشياء والظواهر ذات تناقضات داخلية، وأن كل شيء هو وحدة متناقضات،وإن كل أشياء العالم المحيط بنا، وظواهره تتمتع بناحية إيجابية، وأخرى سلبية، لها ماضيها ولها مستقبلها، وصراع هذه الاتجاهات المتناقضة التي تحتويها الأشياء وظواهر العالم الموضوعي، هو مصدر التطور، وهو القوة المحركة له، لو أنه لم يكن هناك تناقضات داخلية في الأشياء والظواهر، لو أنه لم يكن صراع بين الاتجاهات المتناقضة، لبقيت الأشياء والظواهر غير متبدلة، ولما أمكن حدوث التطور، والتبدل النوعي، ولبقي كل شيء في حالة الجمود. لو لم تقم، مثلاً، الطبقاتالبورجوازية في المجتمعات الاوروبية بنضال ضد الطبقات الاقطاعية الارستقراطية التي انقضى زمانها، لما انحلت التناقضات القائمة بين الطرفين، ولما ظهر عصر النهضة،لهذا فالماركسية تبقى غريبة عن الأفكار الانتهازية القائلة بانسجام الطبقات المتعادية.
إن صراع المتناقضات هو عملية معقدة لنشوء وتطور وحل التناقضات، ولهذه العملية درجاتها ومراحلها، وطابعها الخاص في كل درجة من هذه الدرجات، وبتعبير آخر، إن التناقضات الحسية ذات امتداد يطول أو يقصر، فيه بداية واستمرار ونهاية. لكن التناقض لا يكون مصحوباً دائماً بحدة مباشرة، فهو عادة، يتمتع في المراحل الأولى، بطابع فارق فقط، وهو الشكل الأولي للتناقض، ثم يتحول الفارق في سير التطور، إلى تضاد، أي تناقض أكثر تطوراً، وذلك عندما تعمد كل ناحية من نواحي التناقض إلى نفي الناحية الأخرى بحدة.
إن نمو التناقض على أساس صراع المتضادات يؤدي، بالنتيجة، إلى الازدواجية المتعاظمة للوحدة (الشيء) وهو، في النهاية يبلغ درجة في تطور التناقض، لا تستطيع معها المتضادات البقاء في الوحدة، عندئذ يحين زمن حل التناقض. ليس من حل للتناقضات إلا في الصراع، وعن طريق الصراع. إن التناقضات لا تتهادن اوتعيش حالة من السلم والهدوء، لكنها تتصارع، وعملية التطور، هي عبارة عن عملية تعاظم المتناقضات والصراعات الطبقية والسياسية والفكرية التي تستمر في تراكماتها الكمية حتى تصل الى لحظة التحول النوعي لحل هذه التناقضات وبداية مرحلة جديدة من التطور.
حل التناقضات الأساسية، الجذرية إنما يعني القضاء على القديم، ونشوء الجديد، ثم أن مرحلة حل التناقضات هامة جداً في التطور، فعندما يستنفذ القديم ذاته، ويصبح لجاماً، عائقاً في طريق الجديد، فإن التناقض بين القديم والجديد ينبغي أن يحل عن طريق انعدام القديم وظفر الجديد.
إن نسبية وحدة المتضادات هي التعبير عن أن تواصل الشيء أمر مؤقت، وأن الشيء له بداية ونهاية، وبهذا تفسر الصيغة الديالكتيكية الشهيرة القائلة بأن التناقض يدفع إلى الأمام.
نستخلص من كل ما تقدم ، صياغة جوهر قانون وحدة وصراع المتضادات كما يلي : إن وحدة وصراع المتضادات هي القانون الذي بموجبه تصبح الاتجاهات والنواحي المتناقضة داخلياً، والكائنة في حالة الصراع، ملازمة لجميع العمليات، والظواهر، والأشياء. وصراع المتضادات يعطي الدافع الداخلي للتطور، ويؤدي إلى نمو التناقضات، التي تجد حلها في فترة معينة، عن طريق القضاء على القديم، ونشوء الجديد.
2. التناقضات الداخلية والخارجية[7]:
إن ما قيل عن التطور عن طريق نشوء التناقضات الداخلية في الأشياء، والتغلب عليها يعطينا صورة عن طابع الحركة، أو التطور. فالحركة أو التطور، هو حركة ذاتية للمادة، أو تطورها الذاتي، والكلام لا يجري هنا عن أن التطور في الحياة الاجتماعية، يتم بنفسه، وبدون تدخل الناس، وبدون نشاطهم الفعال، أو أن الطبيعة تستطيع أن تتحول لصالح الناس بدون تأثيرهم عليها. الطبيعة نفسها تتطور حسب قوانينها الخاصة من الأشكال الدنيا إلى العليا، إن الطبيعة غير الحية خلقت، عن طريق الحركة الذاتية، الشيء المغاير لها، نقيضها، أي الطبيعة الحية، والأمر كذلك في المجتمع أيضاً ليست القوى الخارجية، بل القوانين الخاصة بتطور التشكيلات الاجتماعية هي التي تؤدي إلى نشوء قوى داخل المجتمع المعين، تدفعه إلى حتفه وتحوله إلى نقيضه. أما أسباب أو مصادر هذه الحركة الذاتية والتحول، فهي التناقضات الداخلية، وتطورها، وحلها، والقضاء عليها، على أساس صراع المتناقضات، إلا أن الديالكتيك لا ينفي الدور الهام، للتناقضات الخارجية، في سير عملية التطور. فعلى الناس، لتأمين حياتهم أن يعملوا، والعمل هو تأثير الناس على الطبيعة بهدف إنتاج وسائل المعيشة الضرورية، إن عملية حل التناقضات بين المجتمع والطبيعة، هي، من حيث الجوهر، عملية لا نهائية، وتشكل أحد المصادر الهامة لتطور المجتمع، ولكن بين التناقضات الداخلية والخارجية يوجد اختلاف موضوعي، لا يمكن عدم أخذه بعين الاعتبار. إن التناقض الداخلي هو تناقض في جوهر الشيء بالذات، بحيث أن الشيء لا يمكن أن يوجد بدون هذين الضدين.
التناقض الخارجي هو تناقض بين الأشياء المختلفة، أو الجواهر المختلفة، فالنبات والشمس التي تعطيه الدفء، هما جوهران مختلفان، لكل منهما تناقضاته الداخلية، كما أن المجتمع والطبيعة هما عبارة عن تناقض جواهر مختلفة. إن الأضداد الخارجية، كالداخلية، مرتبطة فيما بينها، ولكن لا يوجد بينها مشروطية متبادلة وثيقة كما في التناقضات الداخلية، إن الطبيعة، أحد طرفي التناقض، يمكن أن توجد من دون المجتمع، كذلك الشمس يمكن أن توجد من دون النبات ... الخ.
إن التمييز بين التناقضات الداخلية والخارجية أمر هام، لأن دور كل منهما في التطور ليس واحداً، ومن الطبيعي أن هذا التمييز غير مطلق بل نسبي، إن التناقض الخارجي هو، على الغالب، تعبير عن وجود التناقضات الداخلية وشكل هذا الوجود وهكذا فالتناقض بين السلعة والنقد يسميه ماركس "تناقضاً خارجياً، وتعبر السلعة فيه عن التناقض الكامن فيها (أي الداخلي) بين القيمة الاستعمالية والقيمة". بين التناقض الداخلي والخارجي توجد علاقة، التناقضات الداخلية لا توجد، ولا تعمل، خارج علاقتها مع التناقضات الخارجية، أما تأثير التناقضات الخارجية على تطور الشيء فلا يمكن فهمه بدون اعتبار تناقضاته الداخلية.
فالمادية الجدلية عندما لا تتجاهل قط أهمية التناقضات الخارجية تؤكد أن التناقضات الداخلية تلعب دوراً رئيسياً أولياً في التطور. أما التناقضات الخارجية فتلعب دوراً ثانوياً غير رئيسي. إن التناقضات الداخلية والخارجية توجد في عملية التطور في وحدة، في علاقة، ولكن من الخطأ الفادح تبديل الأولى، القائدة، بالثانية، لذلك يناضل الديالكتيك ضد النظرية المنتشرة في الفلسفة البرجوازية والإصلاحية أو ما يعرف بالمواقف التوفيقية الليبرالية . إن جوهر هذه النظرية يكمن في نفي التناقضات الداخلية للتطور وفي الاعتراف بالأهمية الحاسمة للتناقضات الخارجية ، وإن أنصار نظرية التوازن، عندما يطبقونها على المجتمع يعتبرون أن المصدر الرئيسي للتطور الاجتماعي لا تناقضات المجتمع الداخلية بل التناقضات بين المجتمع وعوامل خارجية ،وهذا الفهم للقضية غير صحيح نظرياً، ويؤدي سياسياً إلى استنتاجات رجعية أو هابطة .
3. خصائص التناقضات المختلفة:
تناقضات أسلوب الإنتاج في المجتمع الطبقي تنعكس في صراع الطبقات، ولصراع المتناقضات في هذا المجتمع شكل صراع اقتصادي وسياسي وأيديولوجي، كما أن الصراع الأيديولوجي ينعكس في شكل صراع النظريات الفلسفية والاقتصادية والسياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية ... الخ كما هو الحال في الصراعات بين قوى اليسار من جهة والقوى الليبرالية والإسلام السياسي من جهة ثانية.
وفي هذا الجانب يجب تمييز نوعين من التناقضات: التناحرية واللاتناحرية.
قضية التناقضات التناحرية واللاتناحرية قضية لها ابعاد سياسيةواجتماعية واقتصادية خاصة، فالصراع مع العدو الصهيوني الامبريالي يندرج تحت مفهوم التناقضات التناحرية التي لا يمكن حلها الا بالغاء وانهاء الوجود الصهيوني والامبريالي. فالتناقضات التناحرية هي عبارة عن تناقضات القوى السياسية والاجتماعية المتعادية، والمصالح والأهداف والميول المتضاربة، التي تنتج عن تناقض مصالحها الجذرية. وإن التغلب عليها يتم، كقاعدة، في النضال الثوري السياسي والكفاحي والطبقي الضاري. ومثالنا الصارخ على التناقضات التناحرية يتجلى في الصراع بين شعبنا الفلسطيني/ العربي وبين دولة العدو الصهيوني والتحالف الإمبريالي، كما يتجلى ايضا، بين البرجوازية الكومبرادورية والطفيلية في البلدان العربية وبين الشرائح الفقيرة من العمال والفلاحين والمضطهدين ، بين شعوب المستعمرات والدول الاستعمارية. وكذلك فإن التناقضات بين النظام الامبريالي وبلدان المحيط من أجل مزيد من السيطرة ، ومناطق النفوذ والمواد الخام (النفط) ، وأسواق البيع، هي تناقضات تناحرية، من هنا نرى أن التناقضات التناحرية متعددة الأشكال ونتيجة ذلك، فدرجة حدتها مختلفة، ونظراً لوجود طبقات تدافع بجميع الوسائل عن القديم المهترئ، وتقاوم إقامة نظم اجتماعية جديدة تسودها العدالة الاجتماعية والديمقراطية ، فإن النضال الطبقي الحاد والثورات الاجتماعية، هي وسيلة حل هذه التناقضات المتناحرة.
أما التناقضات اللا متناحرة فهي خلافاً للمتناحرة، تعبر عن تناقضات أضداد سياسية غير تناحرية، تعبر عن تناقضات تلك القوى الاجتماعية والسياسية والميول التي يجمع بينها جذرياً، كما يجب أن تكون عليه العلاقة في بلادنا بين الجبهة الشعبية وحركتي فتح وحماس وبقية القوى السياسية اليمينية.
على أي حال، لا بد أن نشير إلى أنه مهما اختلفت التناقضات التناحرية واللا تناحرية فإنها تُحَل في النضال، وعن طريق نضال الجديد ضد القديم، عن طريق النضال التقدمي ضد الرجعي، المحافظ، الجامد، البيروقراطي، البالي، لأنه من الخطأ اتخاذ خصائص حل التناقضات اللا تناحرية على أنها خصائص مسالمة، وانسجام. فلحل هذه التناقضات لابد من شن نضال مستمر للتغلب عليها، للتغلب على كل ما هو مهترئ، بالٍ، وجامد، وكل ما يعيق تطور الجديد والتقدمي.
إن الفارق بين أشكال ونماذج التناقضات لا يكمن فقط في كون التناقضات المختلفة لها طبيعة مختلفة، وبالتالي أساليب وطرق مختلفة لحلها، بل المهم هو أن نميز بين التناقضات الرئيسية وغير الرئيسية، بين الأساسية وغير الأساسية في الشبكة المعقدة للتناقضات[8]. لذلك فمن المهم جداً - وخاصة في الحياة الاجتماعية، واستراتيجية وتكتيك نضال الطبقات والأحزاب الاجتماعية - عدم الخلط بين التناقضات الرئيسية وغير الرئيسية، الأساسية وغير الأساسية، بل رؤية الفارق بينها، وفرز تلك التناقضات التي تلعب، في المرحلة التاريخية المعينة، دوراً حاسماً، ثم تخطيط النشاط العملي حسب ذلك.
التناقضات الأساسية، هي التناقضات التي تحدد التناقضات النوعية وتنشأ عنها، مثال التناقض الرئيسي لأسلوب الإنتاج الرأسمالي هو التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وبين طابع الحيازة الرأسمالية الخاصة، أنه يحدد جميع التناقضات الأخرى التي هي مشتقة من التناقض الأساسي. وهكذا فالتناقض بين تعاظم الإنتاج في المجتمع البرجوازي وبين قدرة الجماهير الشرائية المختلفة هو تناقض مشتق من التناقض الرئيسي، ويبرز كمظهر وتعبير عن التناقض الرئيسي للرأسمالية، والتناقض الأساسي للتطور الاجتماعي العالمي الحديث هو التناقض بين الامبريالية المعولمة والشعوب التابعة والمضطهدة.
إن تمييز التناقضات الرئيسية وغير الرئيسية، والمقدرة على رؤية سير تعاظم تناقضات جديدة، وتحول التناقضات الرئيسية إلى غير رئيسية والعكس بالعكس، كل ذلك يُمكِّن من السيطرة على الحلقة الحاسمة في الشروط الحسية المعينة.
أخيرا نود الاشارة الى التناقض بين المحتوى الجديد والشكل القديم الذي يستدعي صراعاً بينهما، هذا الصراع هو من أهم مظاهر مفعول قانون صراع المتضادات في الطبيعة والمجتمع والتفكير. وهذا الصراع لا يتوقف ما لم يستبدل الشكل القديم بآخر جديد، يتلاءم والمحتوى المتبدل، مثلاً في المجتمع التناحري (كما هو حال الانظمة العربية في مرحلة الانتفاضات الثورية) تدافع الطبقات والأحزاب الحاكمة عن الأشكال الهرمة التي يهمها المحافظة عليها والدفاع عنها. ومهما استمرت مقاومة الشكل القديم الليبرالي او الديني/ الاسلام السياسي، لابد له، مع تطور المحتوى الثوري ، من التخلي عن مكانه للشكل الجديد، لذلك كان الصراع بين الشكل القديم والمحتوى الجديد، مصدراً للتطور.
________________________________________
[1] المصدر : المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي/ عدنان جاموس/ بدر الدين السباعي ...دار الجماهير –دمشق – 1973 – ط3 –– ص230.
[2] المصدر : المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي/ عدنان جاموس/ بدر الدين السباعي ...دار الجماهير –دمشق – 1973 – ط3 –– ص241.
[3] غالباً ما تستعمل كلمة ارتقاء في معنيين. يراد بالمعنى الأول مفهوم الارتقاء الذي يرادف مفهوم "التطور". إن نظرية "دارون" عن نشوء الاجناس تسمى، مثلاً، نظرية الارتقاء، وذلك لانها تنطلق من أن الأجناس العضوية ليست ثابتة بل هي في تطور. والإرتقاء بهذا المعنى يشمل التبدلات الكمية والتبدلات النوعية معاً. ويراد بالمعنى الثاني، الارتقاء الذي هو أحد أشكال التطور، وهو على وجه التحديد، التبدلات الكمية التدرجية للأشياء، تميزاً لها عن التبدل النوعي الثوري الذي يحدث على شكل قفزة. وكلمة "الارتقاء" هنا تستعمل دائماً بمعناها الثاني (المادية الديالكتيكية –ص241).
[4] المصدر : المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي/ عدنان جاموس/ بدر الدين السباعي ...دار الجماهير –دمشق – 1973 – ط3 –– ص257.
[5] للمزيد من الإطلاع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض - ماوتسي تونغ- اصدار الدائرة الثقافية المركزية – أيار 2006
[6] للمزيد من الإطلاع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض - ماوتسي تونغ- اصدار الدائرة الثقافية المركزية – أيار 2006– ص260.
[7] المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – 1975- ص272.
[8] لمزيد من الاطلاع ، انظر كراس "في التناقض" ماوتسي تونغ-اعداد الدائرة الثقافية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المادية الديالكتيكية
فؤاد النمري ( 2018 / 9 / 26 - 08:49 )
ليعذرني السيد غازي الصوراني فأنا أعتبر يوم تبني القوميين العرب للماركسية يوما أسود للفعل الماركسي
المقال المنشور أعلاه يبرر اعتباري مرة أخرى
ففي الوقت الذي أقدر عالياً شرح الديالكتيك المادي من قبل غازي الصوراني يعود القومي العربي ليفسد الموضوع
أنا في حياتي الطويلة والعميقة لم أقرأ شرحا وافيا وكاملاً مثل هذا الشرح وزهو ما يجعلني أتمنى على غازي الصوراني أن يطبع شروحاته للديالكتيك المادي (وليس الماركسي حيث هو حقيقة قبل أن يكتشفها ماركس) في كتيب ليكون مرجعا لقراء العربية بعد أن يخلصه من الجنوح القومي وحتى البورجوازي

القول بأن العولمة هي التطور النوعي للإمبريالية هو تخريف بورجوازي فالعولم هي الظاهرة التي تعبر عن انهيار الامبريالية
اعتمادا على التحليل الماركسي للإقتصاد تعتبر العولمة انهيارا للإمبريالية وليس اعتمادا فقط على قرار المؤتمر التاسع عشر للحزب برئاسة ستالين
الإمبريالية لا تقبل كل العاوي الدينية والقومية ولك أن تعلم أن بريطانيا وأميركا لم توافقا علة قرار التقسيم 47
ما كانت الامبريالية لتتبنى الصعيونية إلا لأن البورجوازية الشامية أعلنت مشروعها القومي في المملكة العربية المتحدة
تحية

اخر الافلام

.. أوروبا تسجل أعلى ارتفاع في درجات الحرارة | #نيوز_بلس


.. 10 قتلى في اصطدام مروحيتين عسكريتين بماليزيا




.. تشييع مُسعف استشهد إثر اعتداء مستوطنين على قرية بنابلس في ال


.. خلال 200 يوم من الحرب ظهرت أسلحة المقاومة الفلسطينية في العد




.. الخارجية الأمريكية: لا توجد طريقة للقيام بعملية في رفح لا تؤ