الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشرف مروان.. جاسوس برتبة زعيم وطنى

رياض حسن محرم

2018 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لا أدرى لم كل هذه الحساسية المفرطة من الجانب المصرى لمجرد االإقرار أن "أشرف مروان" صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والمستشار الخاص وموضع ثقة خلفه أنور السادات إشتغل عميلا لإسرائيل؟، رغم أنه فى أكثر الروايات المصرية نزاهة كان عميلا مزدوجا وإستخدمه السادات لتمرير رسالة مغلوطة عن موعد حرب إكتوبر لإسرائيل، العميل المذدوج فى عالم الجاسوسية يا ساده هو الشخص الذى جنده العدو لإمداده بمعلومات عن بلاده، ثم بشكل أو بآخر (فى الأغلب بسبب إنكشافه من جهاز أمن فى وطنه)، فيتم الإحتفاظ بدوره كجاسوس للعدو مع تزويده بمعلومات مضللة للتعمية عليهم، هذا هو ما يذكره الجانب المصرى عن مروان، فأى بطولة فى هذا تستدعى أن تقام له جنازة عسكرية ويحمل جسده محمولا على سيارة مدفع ملفوفا بعلم مصر.
عودة الى الفيلم الذى يختلف كثيرا مع االرواية، الشريط السنيمائى مأخوذ عن كتاب صدر عام 2016 وكان من أكثر الكتب مبيعا للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف تحت عنوان "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"، وهو الكتاب الذى زعم فيه مؤلفه أن مروان تجسس لحساب إسرائيل لعقود، بل وأنه حذر إسرائيل قبل الهجوم المباغت في حرب إكتوبر، ويتفق الفيلم مع الرواية فى أن مروان أبلغ تسيفى زاميرمدير الموساد الإسرائيلى فى موعد عاجل بلندن "طلبه أشرف مروان" مساء يوم 5 إكتوبر 1973 أن الحرب ستنطلق غدا الساعة السادسة مساءا " وحسب تبرير أشرف فى الفيلم عن هذا الموعد فحسب القيادة المصرية " أن الشمس ساعتها ستكون فى مواجهة عيون الجنود الإسرائيلين"، وحسب رأى المؤلف أنه برغم إختلاف هذا الموعد ب 4 ساعات عن الموعد الأصلى فقد أعطى ذلك القيادة الإسرائيلية الفرصة لإستدعاء إحتياطيها والدفع بالقوات الى خطوط القتال "من هنا جاءت عبارة: الذى أنقذ إسرائيل فى العنوان"، و"تقول الرواية المصرية أنه تم الطلب من أشرف تسريب هذا الخبر اليهم لإعطاء القوات المصرية والسورية مهلة 4 ساعات لإستكمال العبور!!!.
فى رأيي أن الغضب الرسمى والشعبى من إعلان إسرائيل أن أشرف مروان كان عميلا لهم، مردّه هو حالة الصراع مع إسرائيل "المتجذر فى النفسية العربية" والمنافسة بين الموساد الإسرائيلى والمخابرات المصرية الذى إنعكس على الشاشات كثيرا، وأن إسرائيل بذلك تسجل نقطة كبيرة على مصرفى تاريخ الصرع بينهما، وذلك بالرغم من ذكر "حسنين هيكل" (وهو الخبير ببواطن الأمور) أن المخابرات المصرية لم تنجح يوما عبر تاريخها فى زرع أى جاسوس داخل إسرائيل، المهم فى الموضوع أن جهازى الأمن فى مصر وإسرائيل قد إتفقا على أن أشرف مروان كان عميلا مذدوجا.
أشرف مروان هو سياسي ورجل أعمال مصري من مواليد 1944 لأب يعمل ضابطا بالقوات المسلحة هو اللواء أبو الوفا مروان الذي تولى إدارة سلاح الحرب الكيماوية قبل أن يخرج للتقاعد ويتولى شركة مصر للأسواق الحرة ، حصل مروان على بكالوريوس العلوم في عام 1965 ثم الدكتوراة في نفس التخصص من جامعة لندن عام 1974وعمل بالمعامل المركزية للقوات المسلحة، وكان قد التحق بالقوات المسلحة منذ عام 1965 "كضابط متطوع"، لكن مروان رأى أن المكانة التي يحظى بها في المجتمع عادية آنذاك، بالنظر إلى سلم طموحاته اللامحدود التي يرنو إليها، فأقدم على الخطوة التي ستختصر كل المسافات.. وتفتح له الأبواب المغلقة، فبعد أن تعرف على منى " إبنة الرئيس جمال عبد الناصر" فى أحد الأفراح ونجح فى إستمالتها عاطفيا، بعدها تقدم للزواج منها وقبله عبد الناصر تحت ضغط إبنته المدللة، ومن هنا كانت بداية ظهوره في الحياة العامة في مصر، حيث انتقل وهو خريج العلوم للعمل في رئاسة الجمهورية كمساعد محدود الاختصاصات لسامي شرف مدير مكتب عبد الناصر، وبعد أن مات جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970 سارع مروان للدفاع بقوة عن الخطوات التي حصل عليها بالزواج من ابنته على محدوديتها، وببراعة الطموحين قرأ المشهد جيدا.. أيقن أن عهد ناصر ولى فسارع بتقديم الدعم للسادات، ولعب دورا كبيرا فى إنقلاب 15 مايو حيث قدم للسادات وثائق وتسجيلات عن رجال عبد الناصر "كان قد سرقها من مكتب عبد الناصر بعد موته"، وهكذا وثق فيه أنور السادات وعينه سكرتيرا خاصا له لشئون المعلومات، ومن الصدف العجيبة أن الرجل الآخر الذى لعب دورا بارزا آنذاك فى دعم السادات، وهو الفريق الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري لقي حتفه من شرفة الطابق العاشر بعمارة شهيرة في لندن، وبعد أكثر من 34 عاما لحق مروان برفيقه في الولاء للسادات وبذات الطريقة وفي نفس المدينة، فبعد ظهر الأربعاء 27 يونيو 2007، سقط أشرف مروان من شرفة منزله، الكائن بمنطقة سانت جيمس بارك بوسط العاصمة البريطانية لندن.
لقد كان ارتماء مروان في حضن السادات سببا فى جعل علاقته تسوء مع عائلة عبد الناصر، لدرجة أن قاطعته السيدة تحية كاظم (حماته) وهدى (أخت زوجته) وزوجها حاتم صادق، وساعد هذا فى مزيد من إحتضان السادات له.
ويمكن ببساطة وصف أشرف مروان بأنه رجل حالم ذو ملامح شديدة الطيبة، يمكن أن يبكي بسهولة شديدة، ويتأثّر بمواقف إنسانيّة بسيطة، شديد الحب لزوجته وابنه، إضافة إلى أنّه ذكيّ جدًّا، وقدرته على الكذب فائقة التصديق؛ يكذب كأنه يتنفس... هذا هو أشرف مروان
علا نجم مروان في الحياة السياسية المصرية، نتيجة تزايد ثقة السادات الكبيرة فيه؛ فجعله عضوا في لجنة الإشراف على التطوير وصناعة الأسلحة في مصر، وعضوا في المجلس الأعلى للمشروعات الطبية في مجال الطاقة النووية عام 1973، ثم سكرتيرا للرئيس للاتصالات الخارجية في عام 1974، وفي 29 من يونيو 1974 عين مقررا للجنة العليا للتسليح والتصنيع الحربي، وفي 1975 عين رئيسا للهيئة العربية للتصنيع، وفي 1987 عين سفيرا لمصر في لندن ثم اتجه للإقامة في لندن، والعمل في الأعمال الحرة وتجارة الأسلحة.
توفى مروان في 27 يونيو عام 2007، في لندن في ظروف غامضة ، بعد أن سقط من شرفة شقته، وتقول صحيفة “الجارديان” البريطانية، في سبتمبر 2015، إن تفاصيل الدقائق الأخيرة لحياة أعظم جاسوسا في القرن العشرين أكثر غموضًا، ليس بسبب عدم وجود أي شهود، بل لأن التحقيقات فشلت في إيجاد كثير من الإجابات .
أما عن تجنيده فى سلك الموساد فأنا شخصيا أميل للرواية التى جاءت فى الشريط، ومؤداها أنه أثناء دراسته فى بريطانيا عام 1968 ومعه زوجته "منى" وطفله جمال، حيث كان الراتب الذى تصرفه له ادارة البعثات محدودا، ومن المعروف أن زوجته مسرفة، بالإضافة لبعض مغامراته النسائية ما أوقعه فى ضائقة شديدة، وصوّر له خياله المريض وكراهيته لعبد الناصر والإشتراكية أن يجرى إتصالا من هاتف عمومى بالسفارة الإسرائيلية للعمل معهم والحصول على بعض المال، لكن هذا الإتصال لم يكتمل لسوء فهم حدث بين موظف الإستقبال بالسفارة وبينه، وبعد عامين أعاد الموساد الإتصال به معيدا عليه تسجيلا للمكالمة ومذكرا إياه بما إنقطع، وعندما لم يستجب مروان لهم تم تهديده بنشر مكالمته علنا أمام معارفه وأسرته والمسؤولين فى مصر والرأى العام مما يؤدى برأسه الى المشنقة مذموما مدحورا عدا الفضيحة الكبرى له ولإسرته ، وهكذا تمكن الموساد من الإيقاع به وإصطياده، وأصيب القادة الإسرائيليون بصدمة عندما عرفوا شخصيته، لكنهم رحبوا به وكانوا يدفعون له 100 ألف جنيه إسترليني عن المقابلة الواحدة، وظل يستلم تلك الأموال حتى بعد أن أصبح لا حاجة له بها، وحمل أشرف مروان أسماء حركية في سجلات الموساد مثل: "الصهر" و "العريس" و "رسول بابل" ولكن أكثر تلك الأسماء شهرة كان "الملاك"، ولم تكن تقاريره يقرؤها إلا كبار رجال الحكم في إسرائيل من عينة جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع بالإضافة إلى كبار رجال الموساد، ولكن يبدو أن عملية التجنيد تلك مرّت بمراحل أكثر تعقيدا، يقول مؤلف الكتاب "كان مروان تحت عيون الموساد فترة من الزمن، وكان فرع لندن، الّذي كان في بحث دائم عن مصادر جديدة من الجانب العربيّ، يحتفظ بسجلّات عن صهر عبد الناصر منذ وصوله، كانوا على علم بتوقه إلى المال، كانوا يعرفون أنّ المال يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا؛ لتحفيز مروان على بيع أسرار بلده، كما إنّ قربه من عبد الناصر، واطّلاعه على الموادّ الّتي كانت تمرّ عبر مكتبه، يمكنه أن يجعل من مروان مصدرًا بالغ القيمة" (من كتاب "الملاك"، النسخة العربيّة، (ص 42).
ظل دور أشرف مروان غير معروف حتى بداية الألفية الجديدة، ففي عام2002 نشر المؤرخ اليهودي المقيم في لندن "أهارون بيرجمان" كتابا بعنوان "تاريخ إسرائيل" أشار فيه إلى أن أشرف مروان -دون ذكر الاسم- عمل جاسوسا للموساد الإسرائيلي، وأنه ذهب بنفسه للسفارة الإسرائيلية في لندن عام 1968 عارضا خدماته على الموساد ليكون رجلهم في بيت عبد الناصر ورئاسة الجمهورية التي يعمل بها، وذكر المؤرخ اليهودي أن العميل سلم الموساد نسخة مكتوبة من حوار جمال عبد الناصر مع القادة السوفيت في 22 من يناير 1970 يطالبهم فيها بقاذفات بعيدة المدى، كما سلمهم نسخة من رسالة سرية بعث بها السادات إلى الرئيس السوفيتي ليونيد بريجينيف في 30 من أغسطس 1972 طالبه فيها بصواريخ بعيدة المدى من طراز "سكود" ويقول فيها إنه من دون هذه الصواريخ لا يستطيع شن حرب لتحرير سيناء.
يبدو أن مخرج الفيلم ، وكاتب السيناريو لم يعتمدا فقط على كتاب يوري بار جوزيف " الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"ـ ولكنهم صنعا فيلما آخر ضمناه وجهة نظرهم الشخصية، ولكن المؤكد والمكرر بين الكتاب والفيلم هو أن أشرف مروان قد تواصل مع الموساد في البداية نتيجة رغبة شخصية منه في الانتقام من ناصر الذي لم يكن يحبه، ولرغبته فى الحصول على المال، ثم تحول فعليًا لعميل للموساد أثناء فترة السادات، كما أنه سلم للمخابرات الإسرائيلية أوراقًا هامة جدًا عن خطة الهجوم المصري في حرب أكتوبر، اضطلع عليها مباشرة بصفته حاضرًا في غرفة اجتماعات الحرب وكمدير لمكتب رئيس الجمهورية، كما أنه قد أخبر الإسرائيليين في يوم 5 أكتوبر بأن مصر ستشن حربها عليهم غدًا في يوم عيدهم "يوم كيبور"، ولكن الإضافة التى أدخلها الفيلم هو محاولة تبرير خيانة مروان بأنها ناتجة عن إيمان عميق بالسلام وأنه فعل ذلك عامدا للوصول الى سلام بين مصر أو كل العرب مع إسرائيل إن أمكن، ( تلك المحاولة الصبيانية التى يحاول فيها أى جاسوس تبرير خيانته) ، ولكن لا يمكننا أن نصف مروان هنا بعميل مزدوج، فهو على جانب كان يسرب معلومات للموساد ويتلقى منهم أموالًا مقابل ذلك.
الغريب فى هذا الشريط "الذى لعب جميع شخصياته ممثلين غير مصريين" أن البطل الرئيسى وهو " مروان كنزاري" الهولندي من أصل تونسي في دور أشرف مروان، لم يتغير شكله من بداية الأحداث فى 1967 وحتى نهاية الشريط بعد إكتمال عملية السلام وحتى لقائه الأخير بضابط الموساد فى نهاية الفيلم، وكأن السنون لا تجرى عليه، يضاف الى ذلك اللهجة غير المصرية التى لم يحاول الممثلين تغييرها مما أضاف عبئا ثقيلا على المتلقى، بالإضافة للملابس والديكوروستايل العمارة المغربية أيضا، مع عدم التشابه افى الشكل بين الممثلين والأدوار التى يتقمصوها، ولكن يحسب لهذا الفيلم أن القصة مشوقة وتمس وترا حساسا لدى المشاهد فهى تدور بين السلطة والجاسوسية والحرب وهى من الموضوعات المغرية بالمشاهدة (ربما لم يرد أى ممثل مصرى معروف أن يجازف ويشارك في عمل كهذا؛ قد يعرّضه لقبضة الأمن المصريّة، أو سخط قطاعات من الجمهور المصريّ، فكان اللّجوء إلى ممثّلين من الوطن العربيّ).
الشريط لا يعرف إلا الحكاية الصهيونية النمطية التي يمكن تلخيصها بأن العرب محبون للعنف والحرب، أما أي أذى أو قتل يحدث من جانب إسرائيل فهو خطأ غير مقصود، وأن السلام يستلزم نوايا طيبة أكثرمن إسرائيل وتغيير فى المنهج العنفى والإستعلائى لدى العرب، أما اما ذكرته الميديا من الحديث المرسل عن إخراج فيلم مصرى يرد على هذا الفيلم ويقدم وجهة نظر بديلة، فى تقديرى هو كلام للإستهلاك المحلى سرعان ما سيتم نسيانه مثل كثير من المشاريع السينيمائية الكبرى التى ينوون القيام بها، خاصة أنه لا يوجد لديهم ما يقولونه عن أشرف مروان سوى شهادة حسنى مبارك أنه قام بأعمال عظيمة لصالح مصر (دون ذكر لهذه الأعمال)، أو أنه قد أجريت له جنازة عسكرية تقدمها كبار الساسة والمسؤولين، وأن من أمّ صلاة الجنازة هو الإمام الأكبر شخصيا.
” لعل أشرف مروان وأنور السادات هما الوحيدين الذين يُعتبران بطلين قوميين في إسرائيل وللكثيرين فى مصرعلى حد سواء ”
... السلام عليكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السبب
على سالم ( 2018 / 9 / 26 - 07:02 )
دمل مصر هو العسكر , العسكر سرطان خبيث اصاب مصر فى مقتل , العسكر مرض مزمن ومن الصعب القضاء عليه نظرا لانهم بلطجيه ولصوص وساديين وقتله , معضله صعبه

اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية