الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة: رُقعَة حَمْرَاء

ادريس الواغيش

2018 / 9 / 26
الادب والفن


قـصــة قصـيــرة: رُقــعَـــة حَـــمْـــرَاء
بقلم: إدريس الواغيش
كان قـدري أن أتحمل عِـبْءَ قدَمين ضَخمتين، مُـدَرَّبتين بشكل جَـيّـد على اقتحام الحُـقـول المُحيطة بالأشـواك الإفرنجية التي لم تكن ترحَـم أقدام الأطفال الحُـفاة، لكني لم أعـي بأنهما كبيرتان أكثر من اللازم بـل فاضحتان، إلا بعد انتهاء صَيْحة سراويل "البَـنطيـلـيـفـون-pantalon à pattes d’ éléphant" الواسعة من الأسفل، واقتحام صَيحة بديلة في عالم السراويل“قَـَـجّْ“ ضيِّـقة أكثر من اللازم من الأسفل، صيحة “البَنطيليفُـون“ كان لها فضل سَتْـر حَجْـم حـذائي وضخامة قَـدَميّ، ولم أنتبه إلى ذلك إلا مُصادفة، كانتا تقفان عقبة أمام التحاقي المُبَـكر بهذه المُوضة، لأننا كنا نفقـد كأطفال بُـدَاة رشاقة أجسامنا في باقي الفصول، نأكل كثيرا ونتحـرك قليلا عَـكـس فصل الصيف، حيث تكثـر فيه حرَكتنا، نجـري من دون توقف ونسبـح طول النهار في غُـدْرَان وادي "وَرْغَـة"، الذي لم يكن يبعد عن “ أيلة“ إلا بكيلومترات قليلة، وهكذا تقلصت أحلامي في فترة من الفترات، حتى أصبح حُـلمي الوحيد عندما انتقلت إلى المدينة، أن تكون لي قدمان صغيرتان فقط.
يا لتفاهتي، وتفاهة أحلامي...‼.
لم أتمالك نفسي ذلك اليوم أو أن أبقى واقفا أشاهد أقراني يلعبون الكرة، فانخرطت معهم في اللعب دون رَغبة مني بحذاء مُـقطَّـع أصلا، زاد من قُـبْحِه ثُـقب في الجانب الأيمن، باغتني اتساع هذا الثقب اللعين في الحذاء الوحيد الذي كنت أملكه، فلم يَعُـد أمامي بُـدٌّ من رَتقه بأي ثمن وعند أقرب إسكافي لستر عَـوْرَته، لكن ما زاد من سوء حظي أن هذا الإسكافي، رغم شُـهرته وحرفيته وطيبة أخلاقه في جوانب أخرى من المُـعاملات اليومية، لم يكـن يَـرضى أن يصلح حـذاء واحدًا في حينه لأي زبون ولو كان من أحب سكان الحي إلى قلبه، لأسباب كان يحتفظ بها لنفسه، إذ كان يلزمه بعض الوقت كباقي الناس، وكـان سكان الحي صغارا وكبارا يحترمون فيه هذه الخاصية.
أصبحت أمامي عقبة جديدة في الوصول إلى الـثانوية بهذا الحذاء، وكان علي أن تجاوزها بأي شكل من الأشكال، لتفادي الغياب عن الدراسة أولا وغمزات ونظرات أصدقائي ثانيا، وهو أمـر يضيف لي متاعب أخرى كنت في غنى عنها، لكن الأهم من كل هذا، هي نظرات البنات اللواتي كن يدرسن معي في نفس الفصل، كان يستحيل علي الـدخول إذن إلى الثانوية بحذاء يطل منه أصبع قدمي الكبير بشكل يثير الضحك. فطن أحد أصدقائي إلى الأمر، فتبين أنه يلزم تدخل أحد آخر من أحد أصدقائنا المشتركين ممن تربطه علاقة قرابة بهذا الإسكافي، لكن لم ينفعه استجداؤه، الأمر الذي وضعناه في حالة شجار مع الإسكافي، فتعقدت الأمور أكثر، استنجد صديقنا الطالب بأحد معارفه ممن لهم علاقة بالسلطة كان مارًّا بالصدفة، شرحنا له الوضع، فطمأننا خيرا شريطة أن نترك له المجال ليتكلم مع الإسكافي على طريقته، وهو ما حصل. جاء عندنا الرجل، وطلب منا أن نسلمه الحذاء، وهو أمر كان أكثر إيلاما من ثقب الحذاء نفسه، إذ كانت تصدر عن الحذاء رائحة كريهة ومُـزعجة، خفتُ أن تـُسبِّـب لي إحراجا مع الرجل، لكن همسة من صاحبي جعلت الرجل يتفهم الوضع، سبقنا إلى محل الإسكافي وجاءنا بحذاء بلاستيكي في انتظار إصلاح الحذاء. لم يطل انتظارنا كثيرًا، وإذا بالرجل ينادي على صاحبي بأن الحذاء جاهز، مُوحيا لنا بأن ثمن الإصلاح مدفوعٌ مُـسَبَّـقا، لكن علينا إرجاع الحذاء البلاستيكي إلى الإسكافي.
حين قصدنا الإسكافي وجدنا الحذاء قد تم إصلاحُه فعلا، لكن الثقب تم تغطيته بقطعة جلد أحمر، فيما الحذاء كان أسودا...‼
لم يكن أمامي المزيد من المساومات، وقد رَنَّ الجرس الأخير للدخول إلى حصة الما بعد الزوال، لبست الحذاء في قدمي وقصدت الباب الرئيسي ونظرات الشماتة تلبسني من أقصى إلى أقصى، خصوصا نظرات البنات.
تمنيت لو أنني كنت قد مـت ُّ من قبلُ، وأصبحت نسْيـًا مَنسِيـًا، أو تشـَظـَّيْتُ دون ذلك...‼








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما