الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا تصعّد المواجهة ضد الصين

جورج حداد

2018 / 9 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


إعداد: جورج حداد*

اميركا تخشى الصين اكثر من روسيا
ان ما يميز دونالد ترامب عمن سبقه من الرؤساء الاميركيين، انه لا يمثل شريحة النخبة السياسية التي تمثل الرأسمالية الاحتكارية الاميركية، بل هو صاعد من وسط عالم البيزنس ذاته، اي انه احدى شخصيات الرأسمالية الاحتكارية بالذات. ولهذا فهو يعطي السياسة (والستراتيجية العسكرية ذاتها) ترجمتها المالية المباشرة، وليس العكس.
وفي تغريدة اخيرة له على تويتر قال ترامب ان الصين تمثل خطرا على اميركا اكثر من روسيا، في حين ان روسيا هي التي تمثل الخطر النووي ـ الصاروخي الاكبر على اميركا، من البر والبحر والجو والفضاء.
لماذا يقول ترامب ذلك؟
يقول ذلك لان روسيا ليست لها القوة المالية الاقتصادية التي لدى الصين ذات الاقتصاد فائق الضخامة الذي يهدد باللحاق باميركا وتجاوزها (في الحجم الاقتصادي العام) في غضون العقدين القادمين. وبالنظر الى السياسة المالية ـ الاقتصادية التي تنتهجها الصين، فهذا يعني ان الصين خلال الـ10 ـ 15 سنة القادمة ستبدأ تزاحم اميركا في الدور العالمي الذي تضطلع به حتى الان وهو مراقبة والسيطرة على اقتصادات جميع البلدان ومن ثم على الاقتصاد العالمي برمته، من خلال امتلاك الدولار بوصفه العملة الدولية الاساسية، المدعومة بالاقتصاد الاميركي الاكبر.
وقد بدأ ترامب بشن الحرب التجارية الكبرى على الصين بفرض الضرائب الجمركية والرسوم على مروحة واسعة، وتتسع اكثر فأكثر، من السلع الصينية. وترتفع نسب الضرائب بالتدريج من 10 الى 15 و20 و25%. ويبلغ اجمالي السعر الاساسي للسلع الصينية المستوردة الى اميركا 500 مليار دولار. ويطرح ترامب شعار "بتر" استيراد السلع الصينية الى اميركا.
وترد الصين على الاجراءات الاميركية بالمثل، الا انها لن تصل الى اللحاق بتلك الاجراءات لان اجمالي السعر الاساسي للسلع الاميركية المستوردة الى الصين لا يتجاوز 130 مليار دولار.
التوسع المالي استطرادا للتوسع السلعي للصين
ولكن الصين تمتلك سلاحا ماليا ـ اقتصاديا اكثر فعالية وفتكا بكثير من سياسة فرض الرسوم والضرائب الجمركية، وهو سلاح التوسع المالي، الذي سنتناوله فيما يلي.
لقد انتهجت الصين حتى الان سياسة التوسع السلعي، الآيلة الى اختراق جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية بواسطة السلع الرخيصة جدا والتي لا منافس لها، اعتمادا على اليوان الرخيص واليد العالمة الصينية الرخيصة جدا ضمن اقتصاد الدولة الموجه والقائم على الخدمات الاجتماعية المجانية وشبه المجانية. وهذا ما يفسر الحجم الكبير للسعر الاجمالي للكتلة السلعية الصينية المستوردة الى اميركا بالرغم من رخص اسعارها.
ولكن خلال التعامل واسع النطاق مع روسيا، تجاريا وعسكريا وماليا واقتصاديا، طرحت روسيا مسألة استبعاد الدولار كوسيلة دفع وكمقياس للقيمة (الاسعار) والتعامل بالعملة الوطنية لكلا البلدين، اي الروبل الروسي واليوان الصيني، والعودة الى القاعدة الذهبية، اي المعيار الذهبي كمقياس للقيمة (الاسعار). وبالتجربة وجدت الدولتان العظميان ان هذه السياسة التعاملية هي اجدى وافضل لكل منهما، من الارتهان لسقف وتسلط الدولار الاميركي.
وقد تبنت الصين هذه السياسة التعاملية، واخذت ـ باقتصادها هائل الضخامة ـ تطبقه ما امكن وحيث امكن مع مختلف الدول التي تتعامل معها، ذات العملات الوطنية غير القابلة للتداول الدولي. وهذا يعني عمليا ان كل بلد تتعامل معه الصين بهذه الطريقة بدأ يمتلك حسابا باليوان الصيني، وفي المقابل فإن الصين بدأت تمتلك سلة حسابات بالعملات الوطنية لتلك البلدان، مع الاخذ بالاعتبار المعيار الذهبي كمقياس للقيمة والاحتفاظ بهامش معين لذبذبة كثافة العرض والطلب في السوق المالية بين الصين وكل من تلك البلدان بعملته الوطنية غير القابلة للتداول في السوق المالية العالمية.
والى جانب الاستمرار في تطبيق سياسة التوسع السلعي، فإن الواقع الراهن يدفع الصين الى الشروع في تطبيق سياسة التوسع المالي، اي تقديم القروض وتوظيف الاستثمارات في مختلف البلدان، باليوان الصيني او بالعملة الوطنية للبلد المعني. ان تطبيق هذه السياسة سيكون طبعا على حساب الدولار الذي ستتقلص رقعته ويتقلص دوره كعملة دولية الزامية وكمقياس دولي للقيمة، ومن ثم انكفاء الدولار الى مصدره الاميركي وما يحمله ذلك من تهديد بحدوث تضخم قاتل في السوق المالية الاميركية الداخلية وخطر انفجار الاقتصاد الاميركي برمته، وهذا اخشى ما تخشاه الاوساط المالية والاقتصادية الاميركية التي تصاب بالدوار والهلع وحتى الجنون لمجرد وجود هذا الاحتمال. وان سياسة ترامب ما هي سوى تعبير عن هذا الجنون امام نذر العاصفة قبل حدوثها.
الحملة ضد الصين والمصير الاسود لاميركا
على ضوء هذه الوقائع نستطيع ان نفهم بشكل صحيح خلفيات الحملة العدائية التي كانت تشن ضد كوريا الشمالية. فالحشودات والمناورات العسكرية الاميركية، والخطب الاستفزازية النارية كانت توجه على عنوان كوريا الشمالية، ولكن المقصود الفعلي كان هو الصين. فالواقع ان اميركا تهيئ لحرب اقليمية محدودة ضد الصين من اجل دفعها نحو سباق التسلح وتدمير اقتصادها الذي اصبح يشكل اكبر تهديد ضد الاقتصاد الاميركي ومن ثم الدور الزعامي العالمي لاميركا.
ومؤخرا فإن دونالد ترامب "بق البحصة". حيث اصدر البنتاغون تقريرا اتهم فيه الصين بأنها تحضر لعدوان ضد اميركا وتهدد بضربها بالقنابل. وقد اصدرت وزارة الخارجية الصينية مذكرة نفت فيه هذا الاتهام واستنكرت صدوره من الجانب الاميركي.
كما ان دونالد ترامب اصدر لائحة عقوبات ضد الصين ايضا، بتهمة انها اشترت من روسيا 10 طائرات من طراز SU-35 (وهي طائرة مقاتلة فوصوتية ومتعددة المهمات، لا نظير لها حتى الان في السلاح الجوي الغربي والاميركي) كما اشترت منظومة S-400 للدفاع الجوي الصاروخي. واتهم ترامب الصين بأنها تحضر لعدوان ضد جزيرة تايوان (ما يسمى الصين الوطنية، التي يحكمها ورثة حزب الكيومنتانغ العميل لاميركا الذي كان يحكم الصين قبل انتصار الثورة الصينية النهائي في 1949، وتتمترس تايوان خلف حماية الاساطيل والقواعد الاميركية).
ويمكن الاستنتاج من هذه المقدمات الاستفزازية غير المبررة ان اميركا تمهد لاشعال حرب اقليمية في بحر الصين الشرقي والجنوبي، حرب تتمحور حول "الدفاع" عن تايوان، ويكون التدخل "الشرعي الدولي" الاميركي تحت هذا الغطاء من اجل الهاء واستنزاف الصين ومنعها من التقدم لاحتلال مركزها الاقتصادي الاول في العالم وهو اخشى ما تخشاه اميركا. وطبعا ان اميركا ستجر معها في مثل هذه الحرب دول الناتو واليابان وكوريا الجنوبية تحت غطاء "الشرعية الدولية". ولكن الحرب هي الحرب. واميركا ستكون مضطرة للانتقال من ستراتيجية "الدفاع" عن تايوان، الى ستراتيجية "الهجوم" على اراضي البر الصيني. وحينذاك ستتحرك للعمل آلية التحالف الستراتيجي الصيني ـ الروسي. ومتى تدخلت روسيا في الحرب بين اميركا والصين لن يبقى سوى الصلاة عن روح اميركا التي ستتحول الى مقبرة كبرى في غضون ساعات قليلة او يوم او يومين لا اكثر، وحتى لو نجحت اميركا في توجيه بعض الضربات الى القارة الروسية فإنه لن يبقى من اميركا سوى سحابة نارية نووية تحل محل ناطحات السحاب الاميركية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص