الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة في فكر البير كامو ج1

سعد سوسه

2018 / 9 / 27
الادب والفن


فلسفة العبث
يحتل الجانب الفلسفي في فكر ألبير كامو حيزاً مهماً لايمكن إغفاله ، على الرغم من أن كامو ليس فيلسوفاً خالصاً 0 الا ان هذا الامر لايعني ألغاء مؤلفاته الفكرية التي قدمها الى جانب المؤلفات والاعمال الادبية – التي لم تكن تخلو هي الاخرى من الافكار – والتي لاقت نجاحاً كبيراً وحقق كامو بسببها شهرة واسعة حتى نعت بفيلسوف العبث والتمرد ، على الرغم من أن فكره ليس فكراً تجريدياً بحتاً مثلما هو الحال مع الفلاسفة الاخرين أمثال هيدجر ، وهوسرل ، وكيركجارد وسارتر000
ويمكن تلخيص الجانب الفلسفي عند كامو بفكرتين أساسيتين هما العبث والتمرد ، وما تحويه هاتان الفكرتان من ابعاد أخرى وذلك من خلال كتابيه ( أسطورة سيزيف ) و( الانسان المتمرد) إذ يعالج كامو من خلالهما طبيعة العلاقة بين الانسان ووجوده ، ومدى تقبله لذلك الوجود أو رفضه له وتمرده عليه0
ولم يكن كامو في معالجته تلك يسعى الى إقامة فلسفة للعبث أو بناء مذهب جديد بقدر ما كان يسعى الى نقل شعور الانسان واحساسه المؤلم بالعبث منطلقاً في ذلك من إيمانه بمصير الانسانية وحقها في الحياة والسعادة ، وقد إتسمت أفكاره بالتميز والسمو من ناحية ، وبجمالية الاسلوب وجرأته من ناحية اخرى0
معنى العبث ودلالته
لكلمة العبث لغوياً ومنطقياً وفلسفياً ، تعريفات ومعانِ عده منها تعريف الجرجاني للعبث بأنه " ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة ، وقيل ما ليس فيه غرض صحيح لفاعله" 0
وفي كشاف أصطلاحات الفنون للتهانوي يعرف العبث بأنه " فعل لايترتب عليه فائدة أصلاً ، أو فعل لايترتب عليه في أعتقاد الفاعل فائدة ، أو فعل يترتب عليه فائدة لكنها لايعتد بها في نظر الفاعل"0 وإذا فعل المرء فعلاً لاتترتب عليه فائدة ، أو ليس فيه غرض صحيح قيل أنه يفعل ذلك عبثاً 0
أما في المنطق فأن العبث يعني المحال أو المستحيل ، أو هو إلزام بالمحال ، أو هو ما يخالف المفروض 0
ووفقاً لتفسيراتها اللغوية في -اللغة الاجنبية- نجد أن كلمة (Absurde) الفرنسية الاصل تفسر حسب قاموس لاروس بأنها اللامعقول أو السخيف ويرجعها الى الاصل اللاتيني(absurdus) الذي يتكون من المقطعين ab بمعنى كليةً+ surdus بمعنى غبي أو أصم 0 كما تفسر ايضاً بما هو مناف للعقل سخيف ، مضحك 0
وقد استعملت كلمة (absurde) بصورة واسعة في الادب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية ، كما شاع استعمالها عند الكثير من الفلاسفة وإن اختلفت في مدلولاتها بين فيلسوف واخر حينما إتخذت لها موقفاً مهماً في تجاربهم الفلسفية ، فنجد أن كلمة العبث عند سارتر أو كامو أو كيركجارد مثلاً تختلف عنها عند هيدجر او نيتشه او مالرو أو كافكا أو جيد0
وعلى الرغم من أن تجربة العبث قد إتخذت لها بعداً مهماً على يد الوجوديين الفرنسين والالمان، ، فأن هذا لايعني أنها مقتصرة على الفكر الوجودي فقط ، لانها في الواقع قديمة جداً في التجربة الفلسفية والانسانية ، ففي الفكر القديم تكلم الابيقوريون عن الالهة التي تدير ظهرها لما يجري للناس ، لان امامها اعمالاً أهم من الاهتمام بالبشر والعناية بمصيرهم0 وكذلك عبر العديد من الشعراء عن تجربة العبث تجربة اللامعنى الكامل للحياة ومنهم شكسبير ، اذ يقول في مسرحية ماكبث " الحياة قصة يرويها معتوه مليئة بالضجيج والغضب وتخلو من كل معنى" 0
أما الفلاسفة الوجوديون فقد نظروا للعبث بأنه خلو الحياة من أي معنى وعدم خضوع الوجود لقوانين عقلية ولقواعد ثابته ، فبين طموحات الانسان وواقع الحياة ليس هناك أي انسجام 0
وربما يكون أول من عبر عن تجربة العبث في العصر الحديث الفيلسوف الوجودي سورين كيركجارد ، فقد كان يرى أن اليأس من العناصر الانفعالية والضرورية في تكوين الوجود ولا سبيل الى الخلاص من اليأس ولامعنى للخلاص منه لأن الخلاص من اليأس هو والعدم سواء 0
وكذلك عبر عنها مارتن هيدجر خير تعبير في كتابه ( الوجود والزمان) عندما تكلم على الوجود وعلى الموت وعلى القلق واليأس والعدم 000 الخ من المفردات التي تشكل تجربة العبث 0 فهيدجر يرى أن العبث ماهو الا شعور ينشأ من إفتعال الصراع الابدي بين الوجود والعدم عند الانسان ، وهذا الشعور هو الذي يقود الانسان نحو الوحدة والاغتراب والنبذ 0
ويبقى الحال نفسه مع ياسبرز ومارسيل اللذين تناولا تجربة العبث أيضاً حتى تتضح الصورة اكثر حينما نصل الى سارتر الذي يرى أن العبث هو المصادفة الكلية للوجود التي تعد بل التي لاتعد أساساً لوجوده ، وعلى ذلك فان العبث هو حالة الوجود الاولى التي لاتحتمل التبرير 0 وقد صور سارتر نظرته للعبث عبر رواية الغثيان من خلال روكنتان الشخصية العابثة اللامبالية 0
وفيما يخص نيتشه فان العبث عنده هو عبث مسيحيته الذي اصبح ( اخلاق العبيد) وهو الذي تقابله في نفسه حاجة العلو ، الحاجة الى أن يكتشف في الحرية والتجاوز سلماً جديداً للقيم ، قيم الانسان الاعلى " ان الله قد مات وعلى موت الله ينبغي أن ينهض تأليه الانسان" 0
ومع مانجده عند الفلاسفة من حضور للعبث نجده ايضا مع كبار الكتاب والادباء عبر اعمالهم الادبية المختلفة ، فنجد كاتبا مثل مالرو يعبر عن تجربة العبث في عدد من رواياته ومنها ( أغراء الغرب) و ( الطريق الملكي ) و(الفاتحون) حين ينقل الاحساس بالموت والوعي بالعبث عبر صفحات تلك الروايات التي تعبر تعبيراً صورياً عن قوله " في اللب من الانسان الاوربي ثمة عبثية جوهرية تسيطر على اللحظات الكبرى في حياته" 0
أو ماتنقله لنا مقولة دستويفسكي " إنه إذا لم يكن الله موجوداً فسيكون كل شيء مباحاً" من صدى للفوضى والعبثية0
وفضلاً عما ذكر ، يبقى هناك ، كافكا واليوت وجيد ، مثلما يبقى في المسرح بيكيت ويونسكو وجينيه000الخ0
أما كامو الذي هو - محور عملنا – فقد نظر للعبث بأنه ذلك الاحساس أو الشعور الناجم عن العلاقة القائمة بين متطلبات الانسان المعقولة من جهة وعالمه غير المعقول من جهة اخرى0 إذن مثلما ظهر العبث عبر التجربة الفلسفية البحتة ، فأنه قد ظهر ايضاً عبر الاشكال الادبية المختلفة سواء في القصة أو الرواية أو المسرحية معبراً عن تلك المحنة الانسانية التي تؤرق الانسان0
العبث عند كامو
أن القول بأن الحياة عبث لامغزى له ليس من دون ريب بالكشف الجديد إذ إن مثل هذا الامر قد جرى تناوله بكثرة سواء من خلال الفلسفة أو من خلال الادب ، إلا أن تلك الفكرة كانت تتخذ في الغالب النهاية التي ينتهي عندها الفكر وتختتم بها التجربة 0
أما مع كامو فأن الامر مختلف تماماً ، لأنه قد نظر لتجربة العبث نظرة مختلفة وخصها بدراسة مستقلة عبر كتابه ( أسطورة سيزيف ) محاولاً أن يعرض لها
ويصل من خلال ذلك العرض الى نتائج محددة تختلف عما توصل اليه سابقيه ، وبالفعل فأن نتائجه الايجابية تلك قد اكدت تميزه واسهمت في شهرته الواسعة فيما بعد ، عندما أصبح العبث مرتبطاً بأسم كامو0
ويعد كتاب كامو ( اسطورة سيزيف ) دراسة وافية عن تجربة العبث التي تعني عند كامو تلك العلاقة القائمة بين مطالب الانسان المنطقية من جهة وعالمه الذي يخلو من المنطق من جهة اخرى 0 فلا تعدو تلك التجربة إلا أن تكون هذه العلاقة بين الانسان ووجوده 000 غير ان هذه العلاقة غير متكافئة بسبب التصادم المستمر
بين مطالب الانسان المعقولة وعالمه غير المعقول 0
إذن ، نحن أمام نوع من المواجهة بين طرفين أو التقابل بين عنصرين متضادين لايكمن العبث في أحدهما بل في العلاقة التي تربط بينهما ، إنه في حقيقته نوع من الشقاق ، وصراع ديالكتيكي جوهره التمزق والتوتر الحاد 0
ويصرح كامو في مقدمة كتابه هذا بأنه لايريد أن ينشئ فلسفة للعبث ، وانما يريد أن يصف الاحساس به فقط ، ولأن هذا الأحساس مجرد نقطة إنطلاق فأن القارئ سيجد شيئا من المؤقتية في تعليقاته ، ولهذا فأنه لايستطيع التنبؤ بالموقف الذي ستقود اليه 0
وعليه نستطيع القول إن كامو يدخل الى موضوعه من زاوية عملية وإنسانية ، وكذلك يتحاشى التجريد ويتحدث بلسان الفرد الذي يعاني الازمة لا بلسان الفيلسوف الذي ينظر اليها نظرة موضوعية ، فيقدم جدله على أنه تجربة ذاتية وهو الجدل الذي يصدر عن إنسان له حظ من التفكير لا عن فيلسوف ميتافيزيقي محترف 0 إلا أن ما يبدو لنا بأنه تجربة ذاتية يلغية كامو عندما يقرر أن الامر كله لايعدو أن يكون تحليلاً لفكرة العبث السائدة بين معاصريه ، كما إن أسطورة سيزيف تصور رأيا متطرفاً أغراه ولا تمثل عقيدة رسخت في ذهنه ، فالكتاب ليس تعبيراً شخصياً عن عقيدته وأنما محاولة لتفهم الافكار التي رآها منتشرة بين معاصريه 0
وليس من إهتمامنا معرفة ما أذا كانت تلك التجربة في حقيقتها انعكاساً شخصياً لحياة البير كامو ، أو انها لم تكن اكثر من فكرة سائدة في عصره مثلما يدعي 0 بقدر ما يهمنا أن نتبين تلك التجربة وابعادها مثلما تناولها كامو0 0 فقد كان يردد دائماً أن العبث نقطة بداية ولا يمكن ان يكون نقطة نهاية ، وانه من خلال تحليله لعاطفة العبث في ( أسطورة سيزيف ) كان يبحث عن منهج لا عن مذهب ، ولذا فقد كان يمارس الشك المنهجي ويحاول أن يخلق تلك اللوحة البيضاء التي يمكن
للانسان أن يبدأ البناء منها 0
على هذا الاساس فأن اسطورة سيزيف يمكن أن تعد " مقال كامو عن المنهج" فهي تقوم على أساس من الشك الذي يمتد الى ما يقدمه الحس أو العقل او كلاهما من برهان ، كما إنه يستمد الكوجيتو الخاص به من هذا الشك فضلاً عمايقدمه من معايير أخلاقية 0
إن ذلك التدرج والانتقال في أفكار كامو يبدو لنا واضحاً جداً ، فهو يبدأ أولاً بالتساؤل عن معنى الحياة ليقيم على أساس هذا التساؤل نظرته للعبث وكيفية إرتباطه بالفرد ومدى إدراك الفرد له ووعيه به ، ومن ثم يمهد لبناء أخلاقيات العبث ويصور لنا الحرية والسعادة والمعرفة000الخ0
إذن فالشك عند كامو يبدأ من معنى الحياة 0000 هل للحياة معنى أو ليس لها معنى ؟ وبأزاء هذا الامر يقرر كامو نتيجته النهائية وموقفه الختامي من الحياة ، والنقطة المهمة التي يؤكدها في هذه التجربة هي الوعي والأدراك 0 فقد يكون العبث شيئاً موجوداً يصادف الانسان في كل لحظة من لحظات حياته إلا أنه ليس بامكانه أن يقف على ذلك الامر من دون أن يكون واعياً به ومدركاً له وفي هذا الوعي تكمن السعادة مثلما يرى كامو
وسيزيف هو خير من يمثل مقصد كامو هذا ، سيزيف الذي يعاود رفع صخرته الى قمة الجبل مراراً وتكراراً يعي ان ما يفعله شيء لا معقول ، ويدرك أن ما يقوم به عمل عابث لا فائدة من ورائه ، الا أن سيزيف الذي حكمت عليه الالهة بهذا العقاب يتمسك بالحياة ويرفض الموت ومن اجل ذلك فقط يصر على أن يحيا حياته حتى وان كان لاطائل منها ، فيواجه موته بتكرار فعله ذاك 0
وفي وعي سيزيف تكمن سعادته ، كما يعتقد كامو ، طالما أنه استطاع أن يعي ويدرك ، ومن ثم استطاع أن يختار البقاء ضمن هذا العبث ومن اجل كل ذلك يكون سيزيف سيد أبطال العبث عند كامو 0
والوعي بالعبث حسب ما يرى كامو هو التجربة المنظمة المعقولة التي يدخلها الانسان مع الكون محاولاً تنظيمه واستيعابه ، إلا أن الانسان لايجد عبر – أحتكاكه المباشر بالكون – الا الفوضى والاضطراب فيخرج من تجربته تلك بنتيجة مفادها أن الوجود غير معقول وان تجربته قاصرة عن ايجاد التفسير وانه بين التجربة والتعقيل هوة لاتجتاز 0
هنا يعلن كامو قصور العقل وعجزه عن الفهم المجرد للوجود أو بالاحرى عن فهم ( تجربة العبث ) وربما ينحى في ذلك منحى الفلاسفة الذين وقفوا ضد المذهب العقلي مثل باسكال وكيركجارد وبرجسون وغيرهم إلا أن هؤلاء جميعاً قد بحثوا عن بديلِ أخر غير العقل عندما أقروا بطريقة أو بأخرى عجزه وعدم مقدرته على الوصول الى حقيقة موحدة تفسر الوجود بأسره ، ولم يفعل كامو ذلك0
فهو وان كان يعترف بحدود العقل ومداه الا أنه يتخذ من هذه الحدود موقفاً مغايراً ، فهو يقبل حدود العقل ، ولكنه يتمسك بالعقل بوصفه الحلقة الوحيدة على الرغم من أنها حلقة واهية بين الواقع والانسان 0
وقد يبدو لنا كامو متناقضاً في مساره هذا فكيف له أن يرفض العقل ويقره في آن واحد ، فهو إذ يعترف بمحدودية العقل يتمسك في الوقت نفسه بتلك المحدودية وربما كان هذا الموقف ناجماً من اكتفائه الذاتي بكون العقل قادراً على اكتشاف العبث على اقل تقدير0 واذا كان كامو يقر بأن العالم غير مفهوم وأن العبث ماهو الا علاقة قائمة بين الفرد والعالم، فإن ما نفهمه من ذلك هو أن تلك العلاقة علاقة فردية 0 وطالما أن كل ما هو فردي لايمكن تعميمه لذا فأن كامو عندما يصرح بأن العالم غير مفهوم ، فأن عدم الفهم هذا هو عدم فهم لدى كامو فقط ، إذ لايجوز لنا بأي حال من الاحوال أن نجعل من هذا الامر قاعدة مطلقة تعمم على الجميع 0
إذن كان كامو يعيش في تناقض مستمر لم ينكره لحظة واحدة من حياته 0 فهذا العقل الذي يحب الوضوح ، وهذه الروح التي تمجد النور ، قد وجدت انها تصطدم كل يوم بتناقضات العالم وعذاب البشر ، حتى أعتقدت أن الانسان قد حكم عليه ظلماً بأن يعيش وهو الكائن العاقل في عالم غير معقول وأن ينشد الوحدة والانسجام وسط التناقض والفوضى 0
مشكلة الحياة 000 هل للحياة معنى ؟
لو أردنا أن ننطلق من فكرة محددة لبحث فلسفة العبث لدى كامو ، سنجد أنفسنا بلا شك أمام مشكلة الحياة وقيمتها كونها المشكلة الاساسية التي أرقت فكر كامو ، وهذا يتضح من خلال تساؤله المستمر " هل لحياة الانسان معنى وقيمة ؟ وهل هي جديرة بأن تعاش او لا ؟ " 0
فالحياة – كما يراها كامو – مجرد عبث لا طائل من ورائه ، وذلك العبث هو الذي يقود حياتنا برمتها ويطبعها بطابع الرتابة والملل والسأم ، الاوضاع نفسها التي تتكرر يومياً ، الروتين نفسه والآليه نفسها التي نحياها من دون ان يحدث تغيير ما " النهوض ، الباص ، أربع ساعات في الدائرة أو المصنع ، وجبة الطعام ، الباص ، اربع ساعات من العمل ، وجبة الطعام ، النوم ، والاثنين ، الثلاثاء ، الاربعاء ، الخميس ، الجمعة ، السبت طبقاً للنسق نفسه" 0
أزاء هذه الاستمرارية المملة التي يعيشها الفرد ، وبتراكم ضجره من هذه النمطية لابد من أن ينتهي يوماً ما الى تساؤل عن قيمة كل ذلك ، وهذا التساؤل يلخصه كامو بتلك الـ (لماذا ) التي بها يعي الانسان ويدرك عبثية حياته ولا جدواها ، اذ تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الوعي بتجربة العبث والاحساس به وهو ما يؤكده كامو دائماً من أن العبث تجربة معاشة وأحساس خاص لا يمكن نقله للاخرين من دون وعيِ منهم وادراك 0
وليست الالية وحدها هي التي تجعل حياتنا بلا جدوى ، إذ إن
هناك أسباباً أخرى يذكرها كامو منها أحساسنا الحاد بمرور الزمن ، أي حين يغدو الزمن عنصراً تدميرياً نشعر بسببه بانتهاء حياتنا وعبثها إننا نعيش على المستقبل ، غداً ، بعد ذلك ، حين تكون قد بدأت ، ستفهم حين تكبر ، ومثل هذه الامور رائعة لاننا على كل حال ، نجد أن المسألة هي مسألة موت 0
او حين تزحف علينا الغرابة بخطواتها الثقيلة لتولد لدينا أحساساً فضيعاً بكثافة وغربة العالم الذي نحياه وان كنا " في قلب كل جمال" 0 فنشعر عندها بعبث الحياة وبغرابتنا عنها ، وقد تعرض سارتر لهذا الامر في رواية الغثيان عندما يصل روكنتان الى اكتشاف العبث وهو يتطلع ذات يوم الى الطبيعة ويتأملها فيشعر بغرابة ما حوله وبعدها يشعر بغربته هو عن هذا العالم ، فروكنتان الذي انفصل عن العالم والناس وتخطى ذلك كله يدرك ان وجود تلك الاشياء بلا مبرر ، إذ تفقد كلها في لحظة ما " المعنى المضلل الذي كنا نلبسها أياه ، وتصبح أشد بعداً عنا من الفردوس المفقود" 0
كما إن شعورنا الحاد بالعزلة عن العالم الانساني وغربتنا عنه كفيلة كذلك بأن تكون سبباً أخر من اسباب العبث ، اذ يرى كامو أن الانسان قد يظهر أحياناً مظهراً لا أنسانياً عندما تصدر عنه تلك الحركات الالية الفاقدة للاحساس والمعنى وبأمكاننا أن نلمس هذا الامر عند رؤيتنا لشخص يتحدث عبر الهاتف ، إذ يكون عاجزاً عن سماع ما يقوله فتغدو حركاته تلك مثاراً للسخرية لانها لاتحمل دلالة او معنى ، وقد يتأتى شعورنا بالعبث ايضاً عندما نواجه أنفسنا عبر المرأة او عند روية أخ مألوف لدينا أو عند رؤية صورنا الفوتوغرافية ، فكل تلك الانعكاسات تشعرنا بعزلتنا وغربتنا عن العالم الذي نحياه ونعيش في ضمنه فلا يبقى لدينا مفر من الاحساس بالعبث والشعور بالغرابة 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى