الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي - إصلاحات - اقتصادية ؟ (1 / 2)

محمد بن زكري

2018 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


سرقة بالإكراه :
في كل نُظم دكتاتوريات التخلف التابعة ، و حكومات الفساد المالي و الإداري الكومبرادورية ؛ عندما تُستنزف خزانة الدولة و مواردها المالية ، جرّاء سياسات الهدر ، و سفه الإنفاق ، و تحرير السوق ، و سوء الإدارة ، و السطو على المال العام . و تعجز السلطة الفاسدة نهائيا عن تمويل الميزانية العامة ، لعجزها عن تأمين أية فوائض مالية لضخها في الجهاز المصرفي ، بل و تعجز حتى عن توفير السيولة النقدية ، اللازمة لدفع الرواتب و المعاشات ؛ فإنها تلجأ إلى حل مشكلتها الخاصة ، بتصديرها إلى الحياة العامة للناس ، و تحميلهم عبء سداد فاتورة الفساد الحكومي ، عن طريق تحرير سعر تداول العملة المحلية (تعويم العملة) أو تخفيض سعر الصرف ، ما يؤدي إلى مزيد من إفقار المُفقَرين و تفاقم ظواهر التضخم و البطالة و انفلات الأسعار و مزيد من تردي الأوضاع المعيشية - المتدهورة أصلا - للشعب المقهور .
و هاهم المستبدون بالسلطة ، فرضاً للأمر الواقع ، في نظام دكتاتورية الكومبرادور (راسمالية التوكيلات التجارية) ، المدعومة سياسيا مِن قِبل تيار ما يسمى الإسلام السياسي ، و المتحصنة اجتماعيا وراء العصبيات القبلية و الجهوية ، و المستقوية سلطويا بدعم حكومات دول الاستعمار الجديد ؛ بعد سبع سنوات من (النهب) ، قد أوصلوا الدولة الليبية إلى حافة الإفلاس ، و أوصلوا المواطن الليبي إلى الجوع .. الجوع الحقيقي (جوع الأمعاء الخاوية) ، يرتكبون مغامرة الذهاب إلى ذلك الحل الكارثي ، كي يخرجوا من ورطتهم ، بتوريط البلاد في الوصفة الجاهزة لصندوق النقد الدولي ؛ فالحل لديهم هو : تخفيض (جديد) لسعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار ، بواسطة فرض رسم ضريبي على مبيعات النقد الأجنبي (الدولار) ، ما يعني - في المحصلة - إجبار المواطن الفقير (المستهلِك) كي يقتطع الجزء الأكبر من دخله المحدود ، ليدفعه كضريبة غير مباشرة .. ناجزة السداد ، حتى تتمكن الحكومة من تغطية عجز الموازنة ، أو بتعبير آخر .. حتى تتمكن حكومة الوكلاء التجاريين و الصيرفة الإسلامية ، من تغطية نفقاتها . أي إن المحصلة هي إجبار الفقراء و المفقَرين ، كي يدعموا من جيوبهم و على حساب قُوت عوائلهم ، أثرياء و مليونيرات السطو على المال العام .

تمخض الحوار فولد عملية نصب و احتيال :
فبعد مؤتمر الحوار الاقتصادي الليبي ، الذي استدعتهم أميركا إلى عقده في لندن (31 أكتوبر - 1 نوفمبر 2016) ، بحضور وزراء خارجية أميركا و بريطانيا و إيطاليا و صندوق النقد الدولي ، كي يستفيدوا - حسب قولهم - من الخبرات الدولية ، للوقوف على المقترحات التي من شأنها المساهمة - حسب قولهم أيضا - في حلحلة الأزمة الاقتصادية (كم هي مبتذلة كلمة " حلحلة " و ركيكة !) ، و بعد أن أهدروا عشرات الملايين ، في رحلاتهم السياحية التي لا تتوقف ، لعقد ثماني اجتماعات من الحوار الاقتصادي الليبي ، في فنادق الخمسة نجوم بتونس ، تحت إشراف القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا - ستيفاني ويليامز - برعاية وزارة المالية الأميركية ، و بحضور ممثلين عن بعثات بريطانيا و ألمانيا و فرنسا و إيطاليا و صندوق النقد الدولي و بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ؛ تمخض اجتماعهم الأخير هناك (5 يونيو 2018) ، عن تفريخ اتفاقية بين المجلس الرئاسي (المشمول بالرعاية الأميركية) و مصرف ليبيا المركزي و المجلس الأعلى للدولة (المؤتمر الوطني العام سابقا) و ديوان المحاسبة ، لإقرار ما أسموه بالإصلاحات الاقتصادية ، حيث كان من بين توصياتهم : إزالة (التشوهات) في أسعار المحروقات ، و معالجة (التشوه) في سعر صرف العملات الأجنبية . في حين أن (التشوه) الوحيد الذي يجب إزالته ، إنما هو وجودهم بالذات ؛ ذلك أن وجودهم هو المتسبب في كل (التشوهات) التي يعاني منها الواقع الليبي اقتصاديا و ماليا و سياسيا و اجتماعيا ، لسبع سنوات من سياسات الإفقار و التجويع و نهب المال العام ، و خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة التالية لـ (صفقة) اتفاق الصخيرات ، التي جرّت البلاد إلى حافة الإفلاس ، و هوت بمستوى معيشة الناس إلى ما تحت مستوى خط الفقر المطلق ؛ حيث انتهت تلك التشوهات - حتى الآن - إلى عملية النصب و الاحتيال ، فيما أسموه بالإصلاحات الاقتصادية ، إمعانا في الاستهتار بالشعب الليبي و الضحك عليه بترقيعات (مستوردة) لن تغير شيئا من واقعه المعيشي المزري .

وقعت الواقعة :
تنفيذا لما اتفقوا عليه من (إصلاحات) اقتصادية في تونس ؛ أصدر المجلس الرئاسي ، القرار رقم 1300 لسنة 2018 ، بشأن فرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي ، حيث نص في مادته رقم (1) ، على أن " يُفرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي للأغراض التجارية و الشخصية " . و نص في مادته رقم (2) ، على أن " يتولى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ، و محافظ مصرف ليبيا المركزي ، تحديد مقدار الرسم المفروض بموجب أحكام هذا القرار و تعديله ، و يصدر بذلك قرار من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني " . و من ثم فقد وقعت الواقعة ، و أصدر المجلس الرئاسي قرارا (19/9/2018) تنفيذيا ، نصّت مادته رقم (1) ، على أن " تُحدد قيمة الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي ، بما نسبته (183%) من قيمة مبيعات النقد الأجنبي ، وفقا للنشرة اليومية لأسعار صرف الدينار الليبي - مقابل العملات الأجنبية - التي تصدر عن مصرف ليبيا المركزي " .
فماذا يعني فرض رسم على مبيعات الدولار الأميركي ، بنسبة 183% ؟ إنه ببساطة يعني تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار الأميركي بنفس تلك النسبة المئوية ، لجميع أغراض استيراد السلع (عدا السلع الضرورية و الاستراتيجية التي لم يحدد القرار طبيعتها أو وجه استخدامها) ، و كذلك لجميع الأغراض الشخصية (عدا ما يُسمى - مراوغةً - مخصصات أرباب الأُسر) كالسياحة و العلاج بالخارج ، للقادرين طبعا . أي أنه فرض ضريبة - إتاوة - باهظة غير مباشرة ، يدفعها المواطن و المستهلك للحكومة ، مقابل لا شيء . و بذلك ارتفع سعر صرف الدولار رسميا ، لنفس يوم صدور القرار (19 سبتمبر) ، من 1.3786 دينار ، كما حدده البنك المركزي ، إلى 3.9014 ، وفقا لقرار المجلس الرئاسي (أي بزيادة قدرها 2.5228 دينار ، هي قيمة الرسم الضريبي) ، و ذلك لكل الاعتمادات المستندية و التحويلات الشخصية .
و هو ما لن يتأثر به تجار الاستيراد سلبا على الإطلاق ، بل إنهم سيستفيدون منه لجهة حصولهم بكل السهولة و اليسر على حاجتهم من الدولار ، بصورة رسمية . فالمواطن العادي وحده ، و ليس الممول ، هو مَن سيتحمل في نهاية المطاف أعباء خفض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار : تضخما ، و غلاء أسعار ، و خفضا - غير مباشر - للرواتب و المعاشات ؛ حيث سينخفض الراتب (الحقيقي) لموظف كان يتقاضى راتبا شهريا قدره 1000 دينار ، إلى 546,4 دينارا فقط . و سينخفض المعاش التقاعدي (الحقيقي ، و الفضائحي) لوكيل وزارة سابق ، من 450 دينارا في الشهر ، إلى 245,9 دينارا فقط لا غير . في حين إنه لن (أكرر : لن) تنخفض الأسعار كثيرا عما وصلت إليه من أرقام مرعبة ، نتيجة للأزمة المالية الخانقة ، التي افتعلها بارونات التجارة الخارجية ، و الضالعون في جرائم فساد الاعتمادات المستندية ، و المضاربون في السوق السوداء .. التي (يدلعونها) فيمنحونها تلطفا اسم : السوق الموازية !!
و لقد أفلحت طبقة الكومبرادور الحاكمة ، في تدجين الشعب الليبي ، و تهيئته نفسيا لاستيعاب أكذوبة الإصلاحات الاقتصادية ، أملا بانخفاض أسعار السلع الاستهلاكية (الغذائية) ، التي سيخفضونها فعلا - و لكن بنسبة قليلة - عما كانوا قد أوصلوها إليه مِن ارتفاع فاحش . غير أنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل أن يأتوا بحكومة السراج / معيتيق ، فالأسعار لن تعود أبدا إلى ما كانت عليه حتى آخر 2014 ؛ فسعر علبة زيت الذرة من الصنف الرديء ، لن ينزل من 10 دنانير ، لتباع بسعر 2,75 في جمعيات الصندوق الذي أنشئوه لموازنة الأسعار ، أو بسعر 3,75 دينار في الدكاكين ، و غني عن القول إنّ سعرها لن يعود أبدا إلى نحو 30 قرشا كما كان في (العهد البائد) . و كيلو السكر لن ينزل - مطلقا - من سعر 5 دنانير الآن ، إلى سعره السابق 12 قرشا في الجمعيات الاستهلاكية إبان (العهد المباد) . و بطبيعة آلية عمل السوق الحرة ، يستحيل استحالة مطلقة ، أن ينزل سعر كيلو الشاي عن 24 – 32 دينارا ، ليعود إلى دينار واحد فقط ، كما كان قبل (ثورة فبراير المباركة المجيدة !) ، أو حتى إلى 7,75 دنانير في جمعيات صندوق موازنة أسعار السلع التموينية . و تمتد نفس الكارثة المعيشية ، لتنسحب على سعر رغيف الخبر ، الذي تضاعف بأكثر من نسبة 2000% ألفين بالمائة ! .. و تحيا دولة الحقراء .
هذا علما بأن الدولار الأميركي ، لم يعد يساوي في حقيقة الأمر ، سوى قيمة طباعته ، التي لا تتجاوز سنتا واحدا . بعد أن فك الرئيس نِكسون - سنة 1971 - ارتباط الدولار بقاعدة الذهب ، خروجا عما يُعرف بنظام " بريتون وودز " ، حيث تراجعت القيمة الشرائية للدولار ، من 35 دولارا مقابل أونصة الذهب سنة 1971 ، إلى أكثر من 1200 دولار للأونصة سنة 2018 ، فليس لورقة الدولار من رصيد سوى (البلطجة) الأميركية ، التي يمثلها الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترُمب أفضل و أصدق تمثيل . مع العلم بأن الدين العام الأميركي ، تجاوز حاجز (21) تريليون دولار ! وفقا لبيانات الخزانة الأميركية .

افتئات على الداخل و تبعية للخارج :
عندما تطورت أحداث فبراير 2011 ، من حركة احتجاجية سلمية ، إلى انتفاضة شعبوية مسلحة ؛ كان المتفائلون من جموع الشعب الليبي ، يتوقعون أن يعود سعر العملة الليبية إلى ما كان عليه طيلة العهد الملكي و حتى منتصف سبعينات القرن الفائت ، حيث كان الجنيه الليبي - ثم الدينار - يعادل أكثر من ثلاثة دولارات (1 دينار = 3.29 دولار) ، قبل أن يتخذ النظام السابق قرارا (سياسيا) بتخفيض سعر صرف الدينار - على نحو عبثي متذبذب - حتى هوى به ذات يوم إلى سعر 3.25 دينار للدولار الواحد ؛ أخذا بمشورة الاقتصاديين الليبيين المتأمركين ، المشبّعين بأفكار مذهب النيوليبرالية ، بما ترجَمَته سياسيا : " إذا أردت إخضاع شعب و استعباده .. فجوِّعه " . و ها هم حكام نكبة فبراير ، يمضون في انتهاج نفس سياسات الإفقار و التجويع ، فبدلا من أن يستعيدوا للدينار الليبي قوّته السوقية و قدرته الشرائية ، ينتهي بهم الفساد و سوء الإدارة و التبعية ، إلى تخفيض سعره ، فيهبطون به من 1.4 دينار للدولار ، إلى الحضيض عند سعر 3.9 دنانير للدولار الواحد ، عملا بروشتة صندوق النقد الدولي ، لإعادة هيكلة إقتصادات الدول الفقيرة و ذات المديونيات العالية ، بالرغم من أن ليبيا ليست دولة فقيرة و لا تعاني من مديونية خارجية ! و لكن المقصود هو استنزاف الاحتياطيات و المداخيل القومية ، و الحيلولة دون تحقيق أية تنمية اقتصادية ، و ربط الاقتصاد الوطني ربط تبعية مطلقة بالاحتكارات الراسمالية - الغربية - العابرة للقوميات ، في ظاهرة الاستعمار الجديد ، أي أن المقصود هو اغتيال الاقتصاد الوطني ، و منع أي تنمية اقتصادية وطنية مستقلة .
و صحيح أن تخفيض سعر صرف الدينار ، سيمكن الحكومة من تقليص حجم الدين العام (الداخلي) الذي رتبته على الدولة ، في ما عبروا عنه بمصطلح (إطفاء الدين العام) . و سيوفر للخزانة العامة عائدا ماليا - من جيوب الفقراء ضحايا الأزمة المالية المفتعلة - يساعدها في حل أزمة السيولة النقدية (مؤقتا) ، لفترة ما قد لا تتجاوز بضعة أشهر . لكن الصحيح و الأكيد ، هو أن العائدات المالية للرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي ، سيعاد ضخها إلى جيوب كبار تجار الاستيراد و المضاربين ، عبر آليات السوق الحرة ، و سرعان ما ستتبخر تلك السيولة النقدية ، بفعل التضخم و انفلات الأسعار . و النتيجة هي أن الفقراء و المفقَرين سيزدادون فقرا ، على الأقل بنفس نسبة تخفيض سعر صرف الدينار ، و ستؤدي آليات عمل السوق الحرة إلى توسيع دائرة الفقر ، و تركيز الثروة في أيدي قلة طبقية من الراسمالية الطفيلية الاحتكارية ، المرتبطة ارتباط تبعية مطلقة بمصالح الاحتكارات الغربية ، ليصبح أي حديث عن الإصلاحات الاقتصادية ، فضلا عن دعاوى العدالة الاجتماعية ، مجرد لغو أجوف و هراء .
(يُتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم