الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد اللومانتيه، واحة للمحبة وللتضامن الأممي ومدرسة لقيم العمل التطوعي

رابحة مجيد الناشئ

2018 / 9 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


عيد اللومانتيه، واحة للمحبة وللتضامن الأممي
ومدرسة لقيم العمل التطوعي
رابحة مجيد الناشئ

أكثر من نصف مليون انسان تعمدَ هذا العام 2018، برحاب هذه الواحة الأُممية " اللومانتيه " المُحتفِلَة بعيدِها الثالث والثمانين، المُتَوَهِج حُباً وأملاً.

يُعتبرُ عيد اللومانتيه، اكبر حدثٍ سياسي وثقافي وترفيهي في فرنسا، وهوَ التجمُع الأكبَر للتضامن الأُممي مع الشعوب التي تناضل في سبيل حريتها، والمتطلِعة للديمقراطية والى الحياة الكريمة. تُنَظِم احتفالات هذا العيد، جريدة اللومانتيه، الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي منذ سنة 1930، في منتصف شهر سبتمبر من كل عام، ولثلاثةِ أيامٍ مُتَتالية، وتحتَ شعارات تُحَدِد مسارات الحزب لسنةٍ قادِمة. في هذا العام كانَ الشعار المركزي للاحتفال :

الانسانُ أولاً

وانهضي ايتُها الشعوب لأجلِ عالم جديد مُتَضامِن

عالَم العدالة والمساواة وتقاسم الثروة والمعرفة والسلطة.

تجري الاحتفالات في احدى ضواحي باريس الجميلة ″ لو بورجيه ″، التي تشد الزائر بجمالية شوارعها الزاهية والمطرزة برايات واعلام الشعوب وشعاراتها التضامنية. هذه الشوارع تُذكِّر الزائرين بالشخصيات التي تَرَكَت بصماتها على مسيرة الانسانية، والتي أثرَت على حركة التاريخ ومجراه سياسيا واجتماعياً وثقافيا، كشارع سلفادور الليندي، وشارع هوشي منه، وشارع تشي جيفارا، وشارع بابلو نيرودا، وشارع أنجيلا دافيز وشارع لويس آراكون، الذي يُذَكِّر الزائر بعيون ألزا التي الهمَت الشاعِر آراكون اجمَل الأشعار، وشوارع اخرى كثيرة.

شوارع، كموسوعةٍ تاريخيةٍ سياسيةٍ أدبيةٍ وفنية، يُقلبُ الزائِرُ صَفحاتها الواحدة بعدَ الأُخرى، مُنتشياً دون حاجةٍ لِقواميسَ لِحلِ الرموز.

عيد اللومانتيه، ليسَ سياسياً فقط، بل أنه ايضاً المكان الثقافي ، والمناسبة الرائعة للتَمتُع والانشراح : خِيَمٌ تدورُ في داخلها المناقشات والحوارات المختلفة، المرتبطة في الغالِب بالرهانات السياسية والتحديات التي تواجهها الشعوب في مُختلَف الميادين، قرية للكُتُب المتنوعة، قاعات للمعارِض التشكيلية، مسارِح وعروض مسرحية وفضاءات واسعة للحفلات الموسيقيه الغنائية، لِمُطرِبات وَمُطربين من فرنسا ومن العالَم.

العمل التطوعي ركيزة أساسية لصنع حياة العيد ولنجاحه

العمل التطوعي، هوَ الجهد الجسدي او الفكري الذي يبذله إنسان لإنسان آخَر أو لِمجموعة، طواعية ودون ضغوطٍ أو اكراه من أحد، ودون مُقابِل. والعمل التطوعي ، هوَ عمَل انساني، وسلوك حضاري، يعكِس الصورة الإيجابية عن المجتمَع، وَيُعَزِز قيَم الإيثار والمحبة والتعاوِن.

يرتَكِزُ عيد اللومانتيه بالدرجة الأُولى على العمل التطوعي، وفي كلِ عام تتطوَع المئات للسهر على نجاح الاحتفال في كافة المجالات، كصيانة الخيم والنقل والتنظيف واستقبال الزائرين وارشادِهِم، وبيع بطاقات الدخول ومرافقة الضيوف واستقبال الصحفيين والعناية بكبار السن والمُعاقين والأطفال، الى غير ذلك من الأعمال. واضافة الى هؤلاء المتطوعين، هناك متطوعو الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بأنواعها، والذين يتوزعون في 450 خيمة ، منها 100 خيمة مُخصَصة للقرية العالمية التي أُنشئَت عام 1948لإستقبال شعوب العالَم، تجسيداً لمبدأ التضامن الأُممي مع الشعوب، وتحقيقاً لمباديء الثورة الفرنسية " الحُرية والإخاء والمساواة ".

إحدى هذه الخيم، تَنتَصِبُ بشموخٍ في مُنتصَف شارِع تشي جيفارا، خيمة العراقيين، خيمة طريق الشعب، الجريدة المركزي للحزب الشيوعي العراقي، وتحتَ شعار مركزي :

″ خُبز، حُرية، دولة مدنية، عدالة اجتماعية ″

تميَزَت نشاطات الخيمة لهذا العام بالاحتفال بعامها الخمسين للمساهمة في احتفالات عيد اللومانتيه، وبعقد الندوات السياسية والثقافية والفنية، وَ بعمل مداليا، وتكريم مجموعة من الذينَ تواصلوا معها لسنواتٍ عديدة، بحضورهم المستَمِر وبعملهم التطوعي داخل الخيمة :

في داخلِ هذه الخيمة، تتطوَر وتَتَجذَّر ثقافة التطوع عاماً بعد عام، صورة رائعة للمحبة، للإيثار والتضامن، ومدرسة للعطاء. تَعجُ هذه الخيمة بالمساهمين بالفعاليات وبالمتطوعات والمتطوعين، لكنَ ظاهرَة تَطوِع الصغيرات، هي محل الفخر والاعتزاز.

الشابتان الصغيرتان، ″ آيلا ″ وَ" لَيا "، في السنة الأولى لمرحلة الثانوية، وبعمر 15 سنة، منذ خمسِ سنوات وهما منغمستان في العمل التطوعي داخل هذه الخيمة، اي ان البداية كانت في عمر 10 اعوام.

تقولُ آيلا: ‹‹ منذُ صغري وانا حاضرة معَ أُمي وأبي اللذان يعملان في هذه الخيمة، وعندما اصبحتُ في العاشرة من عمري، اردت ان اعمل انا كذلك هُنا، أنا عِراقية واحب العراق وقد زرتهُ ثلاث مرات مع أهلي ››. الحلم الذي يراودُ آيلا، هو ان تصبح ممرِضة تُعالِج الناس وَ تُشفيهِم.

أما لَيا ، صديقة آيلا، فهي فرنسية وتأتي كل عام كمتطوعة في هذه الخيمة، تقولُ لَيا : ‹‹ صديقتي عراقية، وانا احب العراق والعراقيين، ووجودي وعملي تحتَ سقف هذه الخيمة منذ خمسة اعوام، هوَ تعبير عن حُبي وَتضامني معَ الشعب العِراقي ››. وَتَرسِمُ ليا لمستقبلها حلماً مهنياً فَتَقول : ‹‹ أبي يعملُ خَبازاً، وأنا أساعده كثيرا منذُ صغري، اريد أن أطور المخبزة الى حلويات وشوكولا ››.

تؤكد المتطوعتان الصغيرتان الجميلتان، على اكتساب مهن جديدة وخبر عديدة من عملهما التطوعي في هذه الخيمة، سيتوجهان بها قريباً للعمل كمتطوعات في منظمات المجتمع المدني لمساعدة الآخرين المحتاجين.

" صَدى ″، أصغر متطوعة في الخيمة

صدى، لم تُكمِل بعد السنة الخامسة، تأتي مع والديها من هولندا، تعرفنا عليها كمتطوعة في هذه الخيمة منذ السنة الماضية. صدى الحلوة لها نكهة خاصة، مَن يَمر بِجانبها، يلتَفتُ بلا شعور لمعرفة هذه الرائحة العطرة، رائحة الهيل الذي تدقه صدى بالهاوَن الخشبي لكي يوضع في الشاي الذي يُباعُ في الخيمة. في هذا العام كان لنا حديثاً شيقاً مع هذه الطفلة الرائعة:

- لماذا تدقين الهيل ؟
صدى- كلهم يشتغلون، آني هَم أشتغل.

- ولماذا تشتغلين بدق الهيل ؟
صدى- ريحته طيبة...احبه.

- هل تحبينَ شرب الشاي بالهيل ؟
صدى- آني ما أشرَب الشاي أبد.

- اذا ما تشربين الشاي لماذا تدقينَ الهيل ؟
صدى- حتى الناس يشربون شاي حلو بيه ريحة طيبة.

- والسنة القادمة هم راح تأتين وتدقين الهيل ؟
صدى- إي ويه ماما وبابا والهيل.

- ماما تقول انتِ تحبين الأغاني العراقية القديمة، أي اغنية تحبين ؟
صدى، لَم تَجِب بل بدأت بالغناء " حلو حلو اهوايه حلو اﺷﮕد حلو والله...اﺷﮕد حلو والله... اﺷﮕد حلو والله ...ثمَ قالت بصوتها العذب اللذيذ، اعرف بعد أُغنية، كُلنا العراق.... كُلنا العراق.... كُلنا العراق...كُلنا العراق....

حين تنتهي صدى من دق الهيل، تأخذ اوراقها واقلامها الملونه وترسم، ثمَ توقع باسمها على الرسوم. رسمَت صدى في يوم اللقاء معها، حِصان ووقعت عليه باسمها، ثمَ رسَمَت شَمس على ورقة اخرى وكتبت عليها سَلام. هذه هي صدى، بنت الخيمة العراقية، صدى الُحبِ والأمل والغد المُشرِق.

وهكذا هو عيد اللومانتيه الأُممي، مدرسة للحُبِ والتضامن والعطاء. وفي كل عامٍ وفي كلِ عيدٍ للومتنتيه تَتَجدَد الأحلام، وَتَتَجذَّر القناعات بغدٍ أفضل، بعالَمٍ جديدٍ للسلام والعدالة والمحبة والتضامن الأُممي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال




.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟


.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال




.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا