الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو .

سعد سوسه

2018 / 9 / 30
الادب والفن


تعد مقالات كامو الاولى البداية الاساسية والمدخل الرئيسي لمشروع الكتابة الادبية عنده ، وقد تأثر كامو في هذا المجال بأستاذه ( جان جرينيه) الذي كانت المقالة وسيلته المفضلة في الكتابة والذي كان له أثر واضح ومباشر في تفكير كامو منذ أن قرأ له كتاب ( الجزر) وهو مجموعة من المقالا ت تصف قيم الحياة والسعادة وتتحدث عن البحر المتوسط ومغزاه واهميته ويقول كامو في هذا الصدد " في الوقت الذي اكتشفت فيه كتاب " الجزر" أعتقدت أنني أريد أن اكتب ، ولكنني لم أقرر الكتابة فعلا إلا بعد نهاية قراءة هذه المقالات" . فكامو يقر بأن هنالك شيئاً دفيناً وملكةً كانت كامنةً في داخله استطاع جرينيه عبر كتابه هذا أن يحركها وان يمهد لتفجيرها ، فله يعود الفضل في أندفاع كامو للتعبير عن دواخله ونقله لتأملاته وأفكاره وتجاربه جميعاً حتى أنه يقول " أنشأ جرينيه في ملكة للتأمل الفلسفي" وبالفعل فان كامو عبر تلك التاملات استطاع أن يتبين تناقضات الوجود وأن يقف فيه على جانب الخير والشر ، الظلمة والنور ،جانب الحياة والموت من خلال مجموعة مقالاته الاولى المعنونة ( الوجه والقفا) وعلى الرغم من أن هذه المقالات قد تشابهت في بعض نواحيها مع كتاب (الجزر) لجرينيه إلا أن هذا الامر لايعد تقليداً من قبل كامو لأسلوب أستاذه ، فقد كتب جرينيه عن تجربة الموت وعرضية السعادة والمتعة في الحياة وهو يقف منها موقفاً فكرياً ، أي أنها لم تكن لديه تجربة واقعية بقدر ما كانت تجربة ذهنية ، أما كامو فأنه عاش التجربة وحيا رعشتها وأنياتها ، لهذا كان أسلوبه خاصاً ومختلفاً عن اسلوب استاذه . وفضلاً عن جرينيه نجد أثر جيد ومونترلان وبروست وشاتو بريان ومارلو وسان اكزوبري واضحاً ايضاً في كتابات كامو الاولى كتب كامو كتابه الثاني (اعراس) متأثراً باسلوب ( أندريه جيد) في ( الاغذية الارضية ) إلا أنه كان مختلفاً عنه جذرياً ، فـ ( جيد ) ملاحق خلال كتابه بروح إلهية أو دينية تجعله يحاول أبداً نسيان الخطيئة الاولى ، بينما كامو وهو الذي لايبدو عليه أي مظهر للتاثر بالمسيحية يبتعد عن صوفية جيد العميقة0 لقد نقل كامو محاولاته الاولى تلك عبر مقالات كتبها في مراحل متعاقبة وان أشتملت جميعها على الموضوعات نفسها تقريباً وأتخذت الطابع والاسلوب نفسه ،فما نجده في الوجه والقفا نجده ايضاً في أعراس وفي الصيف كذلك ، فجميع هذه المقالات قد اتخذت من الانسانية ومن الطبيعة ومن افكار كالموت والسعادة والجمال وحب الحياة الخ أساساً بنائياً لها ، فأعمال كامو جميعها تنبع من أنسانية بسيطة صادقة ، فهي دفاع جريء عن الطبيعة الانسانية وعن حق البشر في السعادة 0 وقد سئل كامو في لقاء صحفي له عن " الكلمات العشر المحببة لديه " التي تعبر عن مجمل إنتاجه الادبي فقال إنها " العالم ، المعاناة ، الارض ، الأم ، البشر ، الصحراء ، الشرف ، البؤس ، الصيف ، البحر " وبالفعل فأن هذه الكلمات هي المفاتيح في مقالاته الاولى ، وقد كانت تلك الكلمات مشحونة كلها بعاطفة مبهمة ، ولئن يصعب تحديد قيمتها في عالم كامو ، فأن عالمه كان يتألف منها، وعنها دون غيرها كان يريد أن يتحدث 0 لقد تداخلت تلك الكلمات في مجمل أعمال كامو الادبية ولاسيما في مقالاته التي لم تخل واحدةِ منها قط من ذكر جميع تلك الكلمات أو بعضها حتى وإن أختلفت في أسلوبها وصياغتها وتعبيراتها ، حتى كانت لدى كامو بمثابة الادوات التي لايمكنه الاستغناء عنها0 كذلك نستطيع أن نلمس من خلال تلك المقالات أمراً بغاية الاهمية ، وهو تأثر كامو المباشر ببيئته وبالحضارة الاغريقية القديمة، فكامو ابن بيئته كما أنه الوريث الحريص على الثقافة اليونانية والتراث اليوناني ، والدليل على ذلك هو أننا نقف في الكثير من أفكاره على طابع واضح مميز هو طابع الاصل الذي يرجع الى أقليم البحر المتوسط ، فهو يعبر في الكثير من مؤلفاته عن موقف من الحياة يرتبط في الذهن ببلاد مثل شمال أفريقيا ( الجزائر) واليونان وايطاليا بما تمتعت به من حضارة مشرقة قبل العصر المسيحي وأهتمام باللذات الحسية والشهوات المادية ، فهو كما يقول " أقرب الى قيم العالم القديم منه ألى القيم المسيحية" 0 وما نفهمه من موقف كامو هذا هو تمسكه الدائم بالطبيعة والحياة ، ومحاولته الدؤوبة لايجاد حلِ لمتناقضاتها ، فهو يعلن بأستمرار عن أن حبه للحياة لايدانيه حب على الرغم من أن الموت يتربص له في نهاية الطريق ، يقول كامو " أفهم أن كل رعبي من الموت يكمن في غيرتي على الحياة ، أنني غيور ممن سيعيشون ، وممن سيكون للازهار والشهوات معنى من لحم ودم بالنسبة لهم ، أنني حسود لأنني احب الحياة حباً جماً لا استطيع معه الا أن اكون أنانياً" ولهذا فهو يؤاخذ من لايفرح بالحياة فيرفضها أو يتنازل عنها كما أنه يؤاخذ من لاينتشي بالطبيعة ويمتلئ من ملذاتها ، لان فيها تكمن السعادة في نظره ، فطالما أنه " ليس عار على الانسان أن يكون سعيداً " فان كامو يعد " أحمق كل من يتخلف عن المتعة" 0 أذن ، ليس خافياً – بعدما تقدم – ذلك الحضور الواضح والتأثير المباشر للحضارة والتراث اليونانيين في عقل كامو وروحه لأن اليونان في نظره " هي العقل والشعور معاً" وقد يتضح تأثر كامو هذا من تمجيده للطبيعة والجسد والنور أو من خلال موقفه من علاقة التضاد بين " الجزع من الموت " و " الغيرة على الحياة" تلك الثنائية الصارخة التي كان اليونان على وعي تامِ بها محاولين – مثلما حاول كامو ايضاً – إيجاد طرائق من التفكير تعمل على التقليل من التقابل العنيف بين الضدين 0 ولشدة اعجاب كامو وتأثره بالفكر اليوناني ،فأنه كتب واصفاً ذلك الفكر ومبيناً عظمته عن كل ما عداه بقوله " ما كان الفكر اليوناني ليتحدد ضمن حدود نهائية ولهذا فهو لم يتطرف في أي شيء تطرفاً قوياً لا بالنسبة لما كان يقدس ، ولا بالنسبة لما هو عقلي ، وذلك لأنه لم ينكر هذا ولا ذاك لقد عني عناية تامة بكل شيء ، وأقام توازناً ما بين الظلمة وبين النور" 0 وقد كان هذا التوازن بين الجانبين محط أعجاب كامو الحقيقي ، الذي اليه يرجع الفضل في ادخال عنصر التلوين المستمر على المقالات الاولى التي كتبها وذلك في بحثه عن موقف وسط بين الرغبة في الحياة والفزع من الموت ، بين الانتشاء الحسي وصرامة العقل ، بين النزعة الغنائية ونزعة التشكك 0 لقد كانت افكار كامو في محاولاته الاولى هذه أفكاراً غير واضحة بصورة كافية أي أنها لم تختط لنفسها خط سير مباشر ، فأمتزجت بالأسلوب الغنائي الشعري الذي بدا طاغياً عليها فأبعدها عن الآسلوب الفلسفي والفكري المجرد على الرغم من أنها لم تخل منه تماماً ، إذ إن العديد من هذه المقالات قد تضمنت او احتوت افكاراً كالعبث والتمرد ظهرت بصورة أو بأخرى عبر سطورها فكانت بمثابة الآسس أو المقدمات الاولى التي بنيت عليها دراسات كامو الفلسفية والفكرية فيما بعد 0 وما دمنا بصدد الحديث عن التدرج الحاصل في أفكار كامو ، فأننا نذهب مع رأيه القائل بأنه " قد تبدو مؤلفات بعض الكتاب وكأنها تشكل كلاً متماسكاً بحيث يستضيء كل مؤلف بالمؤلفات الاخرى ، وحيث كل واحد يرى من خلال غيره من المؤلفات " لأن رايه هذا ينطبق عليه 0 فحتى ولو كانت مؤلفاته اللاحقة اكثر نضجاً ورصانة من مؤلفاته الاولى ، إلا أن هذا لايمنع من وجود أواصر قربى أو خيوط رئيسة تشد تلك المؤلفات الى بعضها 0 فأذا كانت مؤلفاته الفكرية اللا حقة ( أسطورة سيزيف والانسان المتمرد ) قد أستلهمت بعضاً من خطوطها الرئيسة من مؤلفاته الاولى فاننا نجد بالمقابل أنعكاساً لتلك المؤلفات الفكرية عبر الاعمال الادبية ، مثلما سنجد لاحقاً في مجال الرواية والقصة والمسرحية0 وهكذا فأننا نقف على وشائج واضحة تربط بين غالبية أعمال البير كامو التي تجمع في معظمها بين الفلسفة والادب ، حتى يكون الفصل بينها أمراً صعباً0 وطالما أننا في مجال الحديث عن فن المقالة ، فلا بد لنا من توضيح نقطة مهمة وهي سبب لجوء كامو لهذا الضرب من التعبير وأعتماده اسلوباً في الكتابة مع بداية حياته الادبية 0 وربما يكون السبب في ذلك هو أن المقال كان خير واسطة للتعبير عن أراء كامو وتأملاته لأنه قد هيأ له أن يتحدث بلسان المتكلم ، وان يتحدث بصورة مباشرة عما يريده عن طريق اسلوب اختاره كامو لنفسه وهو اسلوب الحوار بينه وبين النفس والارض والعصر الذي عاشه ولو أستطعنا أن نضيف الى ذلك شيئاً فأنه سيكون عمل كامو الصحفي الذي أتاح له فرصة المران وإجادة مثل هذا النوع من الكتابة من ناحية ، أو لكون المقال اكثر سهولة من الانواع الادبية الاخرى التي قد تحتاج الى حبكة درامية وانتقالات مدروسة في الافكار والاحداث يصعب فيها الاسهاب والاسترسال في الوصف أو اطلاق الكلام بصورة مباشرة كيفما أتفق0 لذلك فأن كامو قد أعتمد المقالة اسلوباً كتابياً في بداياته ولم يتخل عنه حتى بعد كتاباته القصصية والروائية ، إلا أنه طور مقالاته فيما بعد حتى أصبحت وفقاً لذلك اكثر نضجاً ورصانة عن سابقه وقد جمع كامو مقالاته تلك التي تغنت بالحياة والطبيعة ووصفت الموت والظلام وشباب الانسان وكهولته في ثلاثة كتب أساسية هي( الوجه والقفا ) و(أعراس ) و ( الصيف ) ، وقد كتب كامو كتبه هذه مستقياً مادتها من تجاربه الشخصية والكتب برمتها هي مقتطفات من حياته في الصبا والشباب 0 ولهذا فأن ماجاء فيها من أفكار تكاد تخلو من أي معالجة حقيقية ، إذ إنها مجرد نقل أو سرد لأحداث وتجارب فردية ليس ألا 0 عدا ما تتميز به من أسلوب بلاغي وغنائي وجمالية في نقل تلك الاحداث وصياغتها0 حتى أن كامو نفسه يعترف في مقدمة كتاب ( الوجه والقفا) بين كامو في مقدمة كتابه هذا الاسباب التي كانت وراء رفضه لأعادة طبعه على الرغم من أنه طولب مرات عدة بذلك وعلى الرغم من محدودية نسخ الكتاب وقلتها ، وذلك لأنه لم يكن ينظر بعين الرضا لمحاولته الاولى تلك كونها قد حملت الكثير من الاخطاء سواء من ناحية الشكل أو الفكرة0 بأنه غير راضِ عن عمله الاول هذا تمام الرضا لأن " بناءه كان ضعيفاً شكلاً " كما إن " أبن اثنتين وعشرين عاماً لايحسن الكتابة ، بأستثناء العبقري " وقد يكون كامو محقاً في هذه الناحية لكون مؤلفه الاول هذا لم يكن بمستوى مؤلفاته اللاحقة التي كانت اكثر وعياً وعمقاً من حيث الشكل والمعنى0 وعلى أي حال فأن تلك المقالات قد اكدت لنا أموراً كثيرة ربما يكون على رأسها تناقضات الحياة والموت ، والدعوة الملحة للسعادة ، وحب الحياة والطبيعة ، تلك الطبيعة التي كانت لدى كامو الملاذ الذي يجد فيه القلب أنسجامه ويتعرف المرء فيه على الجانب الحقيقي للنفس ، فالشمس والبحر وحسية الرفقاء الشباب الصافية كانت في نظره دعوة ملحة الى السعادة ، فكل ما يحوطه كان يمجد الحياة المادية على أنها الحقيقة الوحيدة ، كما يعلن قصر أمدها في الوقت نفسه 0 لقد أحب كامو الحياة وتشبث بها وطالب بالسعادة التي كانت هاجسه الدائم على الرغم من وعيه بالنهاية التي لامفر منها ، لذا فأنه كان يردد على الدوام " لنكن سعداء مع رفاقنا ، متفاهمين مع العالم ، ونتكسب سعادتنا بأتباعنا طريقاً يفضي على الرغم من ذلك – الى الموت" 0 وحتى بعد أن أصبح لكامو حظوة في مجال الفكر والادب ، فأنه ظل وفياً ولم ينس الاغريق والطبيعة وجرينيه الذي بقي كامو مديناً له بحبه للحياة فهو الذي علمه "أن الحياة ياس ولكننا مع ذلك يجب أن نتمسك بها وأن لانهرب منها" 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن