الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو ج 1

سعد سوسه

2018 / 10 / 2
الادب والفن


المحاولات الاولى
1-وجها الحياة ( الوجه والقفا) .
يعد كتاب كامو ( الوجه والقفا ) أولى محاولات كامو في التأليف ، وقد كتبت المقالات التي ضمها هذا الكتاب بين سنتي 1935 –1936 ثم نشرت بعد عام تقريباً أي في عام 1937 0 وقد جاءت بعض مفهومات الكتاب بصورة عشوائية ، فكامو في محاولته الاولى هذه لم يحدد له خط سير معين ، لذا فأن ما جاء فيه كان أشبه بمجرد نقل وسرد لاحداث خاصة مر بها كاتبنا ، أو هو أقرب الى كتب المذكرات والسير الذاتية مع ما تضمنته من تأملات عامة في الحياة والوجود الانساني 0 إلا أن تلك المقالات تبقى على الرغم من هناتها وبساطتها " تحمل من الحب الحقيقي اكثر من كل ما تلاها" فهي على الاقل قد أتاحت لكامو أن يتعرف على معنى الحياة ومعنى السعادة ومعنى الحب ، أو مثلما يؤكد " أنني لا أعلم عن الحياة نفسها اكثر مما قيل ببساطة في الوجه والقفا" 0 وعلى الرغم من التقدم الذي حققه كامو بعد تلك المقالات فهو يقر على الرغم مما فيها من أخطاء ، بأنها جذوره الاولى التي ليس له غنى عنها فهو يقول " أخطائي وجهلي وأمانتي أعادتني دائماً الى الطريق القديم الذي بدأت بفتحه في الوجه والقفا وظهرت أثاره في كل ما كتبت بعدئذِ وأني لأسير عليه دائماً في بعض صباحِ جزائري بنفس السكر الخفيف" 0 ويتكون كتاب كامو هذا من خمس مقالات تشكل مسألة الحياة والموت فكرتها الاساسية مع ما تتضمنه من مسائل أخرى كالحب والسعادة والكهولة والشباب ووصفاً لبعض رحلات كامو ، وتقوم تلك المقالات على مبدأ عقد المقارنة بين الشيء ونقيضه فكامو مثلاً يتكلم عن الحياة بأزاء الموت وعن الكهولة بأزاء الشباب وعن الاستقرار أزاء الترحال000الخ ، وحتى عنوان الكتاب نفسه يوحي بالاشارة الى الجانب السليم والجانب غير السليم في أي أمر من الامور ، وهذه الصورة تؤكد الصلة الوثيقة بين ناحيتي التجربة التي عاشها كامو سواء من خلال عرضه للثنائية القائمة بين الفيض الغزير من الشمس والبحر مقابل عقم الانسان وفقره ، أو للثنائية القائمة بين الاستغراق الممتع في ملذات الحس مقابل الموت الذي يبدو اكثر أيحاءً بالرعب والمأساة 0 ونستطيع القول إن مثل هذه الثنائية التي يذكرها كامو في كتابه البكر هذا تولد الاحساس بعبث الحياة ولا معقوليتها ، وربما يكون هذا الاحساس قد تطور فيما بعد الى فلسفة العبث التي ترأست تفكير كامو بمجمله00 وكانت لها الاولوية وبوقوفنا على هذا الامر نستطيع أن نؤكد ماذكرناه سابقاً من أن هناك ومضات فكرية تضمنها الكتاب وأضحت فيما بعد أفكاراً متكاملة أسست الجانب الفكري عند كامو0 وكما عهدنا كامو دائماً في سعيه الى الحفاظ على التوتر القائم بين ضدين فأنه في ( الوجه والقفا ) يبتدئ خط السير هذا حين يقول " أنني أتمسك بالعالم بكل تعبير لدي ، وبالبشر بكل رحمتي وعرفاني بالجميل 0 وأنا لا أريد أن أنتقي بين وجه العالم وقفاه ، بل ولا أحب أن أنتقي" ومن وجهة نظر كامو فأن أحسن موقف تجاه الناحيتين هو استمرار الوعي بالتناقض بين جمال العالم وعذابات الانسان ، فلا يسمح الانسان لنفسه بأن يغرق في هذا أو ذاك ، بل ينمي التوتر الذي يحدثه فيه الصراع بينهما 0
وأولى مقالات الكتاب مقال بعنوان ( السخرية ) وهو عبارة عن عرض للتناقض بين الشباب والكهولة ، كما إنه يجسد هذا التناقض في بعض الملاحظات المتعاقبة عن الدين والعزلة الانسانية ، وحقيقة الموت 0 من خلال مايشبه السرد القصصي لاحداث تمر بها امرأة عجوز تعاني المرض والوحدة "فهي دائماً صامتة ليس لها من أمل في هذا العالم سوى انتظار موتها ، لهذا فهي تتجه صوب أمل في عالم أخر فتوجه أمرها الى الله لانه العالم الذي وضعت فيه كل أملها ، ويرى كامو أن تمسكها بالدين لم يكن أبداً بدافع الحب وانما بدافع من الخوف، فبعد أن تركها الجميع وأسلموها بكليتها الى فكرة الموت ، لم يعد أمامها سوى التشبث بالصلاة لأنها اصبحت ملاذها الوحيد في شيخوختها وانتظار موتها ، فلو أنها كانت قادرة على التمتع بالحياة مثلما كانت في السابق ،لما لجأت الى الدين ولكنها فعلت ذلك عندما دنت نهايتها" 0 تظهر لنا في هذا المقال من دون أدنى شك – نزعة كامو الالحادية ، وعدم ايمانه المطلق بالله ، كما تظهر لنا ايضاً ذاتيته وخطأه في إصدار الاحكام وتعميمها ، فليس الامر هكذا دائما وإلا خلا العالم من مسحة الايمان وبدأ عالماً ملحداً بأكمله ، فكامو يلغي أي فكرة للدين ، كما أنه يلغي الانسان المتدين من خارطة تفكيره حين يجعل الدين مرتبطاً بشيخوخة الانسان ويجعله رهبةً لا رغبة ، وهذا أحد المأخذ على كامو وأحد متناقضات فكره الذي ينشد الاتزان والا عتدال0 أما الجزء الثاني من المقال نفسه فيتحدث عن الموضوع عينه ولكن عبر شخصية اخرى هي شخصية رجل مسن يحاول أن يجلب إنتباه السامعين بسرده لمغامرات حياته الماضية ، فيلجأ الى المبالغة والتهويل وكأن كل شي قد كان حسناً في زمانه ، لكنه يصبح وحيداً ايضاً على الرغم من جهوده واكاذيبه في أن يجعل روايته جذابة ، حينما ينفض الجالسون من حوله ولا يعود يصغي اليه أحد ، وبهذا فهو يعاني الصمت والوحدة نفسهما عندما يراوده الاحساس بكونه شيخاً لانفع له حينما يكون قريباً من الموت ، لقد كان بحاجة لان يصغوا اليه كي يؤمن بأنه حي ، ولكنه بقي وحيداً أمام الحياة ، محطماً عارياً ، بل ميتاً 0 ويدور الجزء الاخير من المقال على الموضوع نفسه أيضاً من خلال حالة أخرى وشكل مختلف تمثله جدة وابنها وابنتها وحفيداها الذين كانوا يعيشون معاً 0 وقد كانت الجدة تسيطر على عالمهم وتتحكم به على الرغم من بلوغها الخامسة والسبعين فليس هناك دور لأحد سواها ، كما إنها تتسم بالقسوة والتسلط والشكوى الدائمة والتذمر من كل شيء ، وهي لهذا لم تترك أي انطباع طيب في قلب حفيديها ذهبنا الى أن (الوجه والقفا ) قائم على التجربة الذاتية لكامو وربما يكون في هذا الجزء أشارة الى جدته التي كان ألبير واخوه لوسيان يكرهانها لصرامتها وزجرها لأمهم وقسوتها عليهم لقد كانت تربيهم – مثلما يقول كامو – بالسوط ، وواضح أن أثر ذلك لم ينمح من مخيلة كامو ومن نفسه 0 حتى أن أحدهما يتساءل عند وفاتها إن كان يشعر بألم ما ، فما يحس بشيء أطلاقاً ، ولكنه في يوم الدفن فقط وبسبب بكاء الجميع يبكي وهو يخشى ألا يكون مخلصاً وأن يكذب أمام الموت 0 وتعبر هذه السطور عن الاستسلام الذي ينضح بالمرارة للثنائية المؤسية التي اتخذها كامو موقفاً انذاك ، فالوحدة والكهولة والموت عند مكابدتها في الواقع الانساني المباشر تعد حافزاً للشباب في بحثه عن السعادة ، وفي الوقت نفسه تهديداً بانقضاء هذه السعادة 0 وهذه الحقائق تؤكد أن طلب السعادة أمر ملح ، في الوقت الذي تؤكد فيه أن هذه السعادة عرض زائل 0 " فالمرأة التي تركها الجميع وحيدة ، والشيخ الذي لايصغي اليه أحد ، والموت الذي لايفيد في شيء ، من ناحية ، وكل أنوار العالم من ناحية أخرى0أنها ثلاثة أقدار متشابهة ، ولكنها متباينة ، الموت لكل منها ، ولكن لكلِ ميتته ، ومع كل هذا فالشمس تدفئ عظامنا" 0 اما المقال الثاني ( بين نعم ولا ) ففيه استعراض لذكريات كامو عن طفولته من خلال علاقته بوالدته ، أو من خلال حيه الفقير وبيته الاكثر فقراً0 لقد كان تعلقه بوالدته تعلقاً صميمياً وهو في هذا المقال يصور ذلك التعلق بصورة دقيقة تعكس آلامه من قسوة جدته وتسلطها وعجز الام عن فعل أي شيء حيالها حينما تبقى صامتة غير قادرة على تغيير وضعها أو وضع أبنائها الذين كانت تحبهم وتعمل من أجلهم ، ولكنها تظل صامتة خرساء لاتعلن حبها هذا ، وعندما يبدأ الطفل أحساسه بالاشياء يتالم لوضعها ويشفق عليها ، أنه الحب الذي يحس به تجاهها 0 وربما يبلغ ذلك الحب أوجه عندما تمرض الام فيتملك الابن احساساً بالوحدة والغربة أزاء العالم الذي ينهار أمام عينه ، إذ تبدو الحياة بلا قيمة أزاء العذاب والشقاء الذي يكابده فيكون الخلاص هو النهاية الحتمية لكل هذا ، لكن كامو يؤجل الاختيار بين قبول الحياة على علاتها أو رفضها نهائياً فما دامت هذه اللحظة كأنها مسافة بين " نعم ولا " فأنه يترك للساعات الاخرى الأمل أو القرف من الحياة 0 وفي هذه الفقرة بالذات نلتمس فكرة الحياة ومعناها التي تناولها كامو فيما بعد في ( أسطورة سيزيف ) حتى وأن بدت في هذا المقال كومضة فكرية غير واضحة المعالم بعد ، وعلى الرغم من أن أسلوب كامو كان مغرقاً في التشاؤم واليأس ، إلا أنه لايحسم قراره بتسرع بل يؤجل حكمه على قيمة الحياة أو عبثها الى وقت لاحق0 أما المقالان اللاحقان ( موت الروح ) و( حب الحياة ) ففيهما وصف للرحلات التي قام بها كامو لتشيكوسلوفاكيا وإيطاليا وجزر البليار الاسبانية ، ولشعور الانسان المريب بالغربة والوحدة والعزلة في عالم جديد لم يالفه من قبل ، قد يفقد فيه حتى أبسط وسيلة للاتصال ( اللغة ) فيبقى في مواجهة ذاته فقط ، في حياة يومية تضفي قلقها على كل شيء" عندما نكون بعيدين عن ذوينا ولغتنا ، وقد أقتلعنا من دعائمنا وجردنا من أقتنعتنا نصبح عندئذِ على سطح ذاتنا بكليتنا" 0 وقد تولد هذا الشعور عند زيارة كامو لـ ( براغ ) تحديداً ، أما في إيطاليا فقد كان الامر على العكس تماماً ففيها وجد كامو الدفء الذي كان يحتاجه ، لقد كان فيها الشمس والشجر والتلال والعشب وكان كل ذلك يذكره بموطنه فيخفف عليه وطأة الغربة 0 والحال نفسه مع ( بالما ) (سان فرانسيسكو ) و ( أيبيزا ) ، إلا أن ذلك الاحساس لايفتأ أن ينتهي أذ لايمكن له الدوام طالما يواجهنا يأس الحياة وطالما يحاصرنا الزمن بثقله 0 فبين رغبتنا في طلب السعادة وعيشها ، وبين عبث الحياة ويأسها تناقض مستمر يحاول كامو أن يوفق فيه حين يضع أيمانه بفكرة مفادها أنه لايمكن أن يوجد حب للحياة من دون يأس من الحياة 0 وذلك هو سعي كامو للمصالحة بين عبث الحياة وضرورة ان نحياها0 وتتشابه المقالة الاخيرة ( وجها الحياة ) التي جعل منها كامو عنواناً للكتاب مع موضوع المقالين الاول والثاني ، فهي تدور أيضاً عن الشيخوخة ودنو الموت تلك النهاية المريعة التي تدفع بأمراة مسنة لتحضير قبرها بيدها ، وكأنها على استعداد تام لتلقي الحقيقة التي لامفر منها0 وتدور فكرة المقال بشأن امرأة تدنو من الموت فتشتري لها حجرة في أحدى المقابر تعدها وترتبها وتعتني بها حتى تنتهي بحفر أسمها عليها بحروف مذهبة ، ويبقى هذا المكان هاجسها الوحيد وحبها الحقيقي وملاذها ألامن الذي تزوره كل يوم وتخلو فيه مع نفسها بانتظار أجلها ، حتى تكتشف ذات يوم أنها ماتت بعين الناس حينما تصل في عيد القديسين فتجد عتبة غرفتها مفروشة بالزهور ، ويبدو أن مجهولين تنبهوا لهذا القبر الذي ترك بلا زهور فقاسموه زهورهم وفاءً لذكرى الميت الذي لم يعن به أحد 0 ولكن أزاء هذا الموت ، أزاء وجه الحياة اليائس هذا ، يبقى في كل مكان جزء صغير من الشمس يلبس كل شيء حلة أبتسام خالد 0 وذلك هو وجه الحياة الاخر، فالفرق بين إنسان يتامل واخر يحفر قبره ، هو الفرق نفسه بين وجها الحياة0 لقد أنصبت محاولة كامو في هذا الكتاب في التوفيق بين ثنائيات مختلفة إنعكست بين الموت والحياة تارة ، والشباب والكهولة ، أو التفاؤل واليأس تارة أخرى عبر مقالات إتخذت من الروح والجسد أو اللا والنعم أو من وجه الحياة وقفاها عناوين ومعاني لها0 وإذا كانت هذه المقالات قد عكست لنا الاسلوب النثري الرائع ، والومضات الاولى للافكار والتأملات الفلسفية التي تطورت فيما بعد ، فأنها قد عكست لنا أيضاً تنويهاً بمقدرة كامو القصصية والروائية عبر بعض المقالات التي أعتمدت الاسلوب السردي في نقل الاحداث والافكار0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية