الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتستمر الدولة البوليسية الفاشلة في سياسة الهروب الى الامام ( 14 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



الدولة البوليسية في المغرب ليست هي الدولة البوليسية في أوربة . الدولة البوليسية في المغرب تقتات فقط من القمع الذي هو رحيق حياتها ، في حين نجد الدولة البوليسية في اوربة ، رغم انها تسيطر على المجتمع بكل تفاصيله ، وتجاذباته ، وتتحكم في توجيه اللعبة الديمقراطية بما يكفل لجميع الطبقات المشاركة في التسيير ، فإنها بذلك تعتبر دولة الشعب ، لان الشعب هومن يشارك في رسم وتأثيث الديمقراطية الغربية ولا ادل على ذلك ، فان كل شيء مُختلف حوله ، يتم احالته الى الاستفتاء الشعبي ، وهذا يجسد المقولة الشهيرة التي يتغنى بها الدستور الممنوح في المغرب ، وهي غير موجودة أصلا ، بان الشعب هو مصدر السلطات ، أي مصدر الحكم يباشره من خلال ممثليه بالمؤسسات التمثيلية ، ومن خلال الصحافة ، والرأي العام الذي له وزنه المُعتبر . في حين تبقى الدولة البوليسية في المغرب ، بسبب ممارساتها القمعية التي تجيدها بإتقان ، في واد والشعب في آخر .
فعندما يرفع المواطنون شعارات من قبيل " الشعب يريد اسقاط الجنسية " ، " الشعب يريد الهجرة " ، " حرق علم الدولة " ، " رفع علم دولة اجنبية " .... لخ ، فهذا دليل على ان الدولة البوليسية لا علاقة لها بالشعب ، الذي تستضعفه ، وتهينه ، وتقمعه ، وهو ما يستنتج منه ، ان البلاد معرضة لجميع التحولات ، بما فيها الطوفان ، او الدخول الى المجهول . وتبقى هذه الحالي قائمة ، طالما ان ميكانيزمات الدولة البوليسية في القمع لم تتغير ، كما يبقى مستوى ودرجة كره المجتمع للدولة البوليسية في تصاعد إيجابي .
لذا رغم فشل الدولة البوليسية في بناء التنمية ، لأنها ليست مؤهلة لذلك ، بسبب افتقارها لروحها ، فهي تواصل الالتفاف على الوضع ، معتمدة في ذلك على عامل الوقت الذي قد يأتي بمفاجئات لم تكن منتظرة ، كما تراهن على العياء ، والملل ، والإحباط ، لتواصل سياستها القمعية ، ولتستمر في السيطرة على المجتمع ، ومنه على الدولة بقرتُها الحلوب .
ان مثل هذا التكتيك الظرفي ، لأنه ليس بأزلي ولا بأبدي ، لان الصراع تموجات ، وكر وفر ، بتأثيرات داخلية وخارجية ، استعملته الدولة البوليسية ، مع حركة 20 فبراير ، مع المطالب بالإصلاح الدستوري ، كما استعملته في حرب الصحراء منذ التوقيع على وقف اطلاق النار في سنة 1991 ، وتستعمله في الاقتطاع من أجور الموظفين بدعوى اصلاح أنظمة التقاعد ، وفي الحوار مع ( النقابات ) بخصوص الملف الاجتماعي ، وهي ( النقابات ) التي تواطأت مع الدولة البوليسية في الاجهاز على صناديق التقاعد ، والمقاصة ، وتدعيم الدولة البوليسية باسم الحفاظ على السلم الاجتماعي ، الذي يحفظ مزايا ومصالح الدولة البوليسية ، ويجهز على القوت اليومي للعمال ، والاجراء ، والموظفين ، والمستخدمين ، والشعب ...لخ .
وبالرجوع الى التاريخ القريب ، للاستشهاد وتأكيد تعويض الدولة البوليسية فشلها بسياسة الهروب الى الامام ، انّ حركة 20 فبراير التي بزغت بشكل غير منظم ولا مؤطر ، ورغم رفعها لشعارات فضفاضة ، فرغم خسارتها ، وطابعها الظرفي العفوي ، فهي كانت تدشينا لتطور جديد لنضال الجماهير الشعبية ، وقواها الديمقراطية ، والجماهيرية ، لأنها عرّت في آن واحد ، هشاشة شعار ( العهد الجديد ) ، و ( المفهوم الجديد للسلطة ) ، أي هشاشة ما اعتبر انفتاحا وطابعه النخبوي من جهة ، وإدانة الجماهير لهذه الشعارات التي كانت تنطق بمعكوس ما تم الترويج له كذبا وبهتانا ، أي ادانة جماهيرية لهذا الانفتاح الذي لم يكن انفتاحا أصلا ، ولكنه كان لعبا على الوقت ريثما يتمكن النظام ، فترجع حليمة الى عادتها القديمة .
هكذا سنجد ان حركة 20 فبراير ، رغم طابعها الإصلاحي ، وشعاراتها الفضفاضة ، فقد فجرت ما تم الترويج له منذ سنة 1999 ، بالإجماع المزيف المفروض من فوق ، كما عرت حقيقة الديمقراطية المحمدية ، التي لم تكن في الأصل الاّ استمرارا ، وامتدادا للديمقراطية الحسنية من جهة ثانية . و انه رغم الطابع العفوي للحركة ، وغياب الشعارات الثورية ، واستمرار الهيمنة الإصلاحية التحريفية على موقع التقرير والتعبير ، لم يكونا ليسمحا بتطويرها ، وتصعيدها ، وتجذير نفسها النضالي ، لكنها مع ذلك فقد وضعت النظام مجددا امام ازمته الدائمة .
ولمحاولة اخراج نفسه من هذه الورطة الحقيقية ، لم يكن للدولة البوليسية من سبيل آخر ، غير نهج سياسة الهروب الى الامام ، مجسدة في المحاور التالية :
1 ) انتزاع المبادرة السياسية من جديد ، وفي غياب صوت الجماهير ، لمسألة السيادة الوطنية ، وتوظيفها داخليا على غرار ما عمل في منتصف سنة 2003 ، سواء لتبرير القمع الداخلي ، بالانقلاب على الشعب ، او لطمأنة الجيش الذي صدر قانون يحميه من اية متابعة قانونية ، او جنائية اثناء تنفيذ الأوامر ، والتعليمات الفوقية ضد الشعب . ومن ناحية ثانية ، محاولة النظام الفاشلة لفك عزلته الافريقية ، عندما صداق البرلمان ، واثناء غياب الحكومة ، على القانون الأساسي للاتحاد الافريقي ، الذي يلزم اية دولة تريد الانضمام الى الاتحاد ، ان تعترف بجميع الدول التي تكونه ، وتعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار . هكذا وباعتراف النظام بالقانون الأساسي للاتحاد الافريقي ، يكون قد اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وفي غياب الشعب الذي لم يستشار في هذا الاعتراف المتعارض مع قسم المسيرة ، ومع أرواح الجيش الذي سقط في الصحراء .
2 ) بعد شعور النظام ، بسبب اخطاءه المتراكمة في قضية الصحراء ، وبسبب ملف الديمقراطية وحقوق الانسان ، بالعزلة الشعبية الداخلية ، وبالعزلة الدولية ، خاصة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الامريكية ، وموقف الدول الكبرى المتشبث بحل الاستفتاء وتقرير المصير ، عمق روابطه مع الامبريالية الفرنسية ، التي رغم انها تسير على نفس منوال الدول الكبرى في قضية الصحراء ، فإنها تغمض العين عن انعدام الديمقراطية ، خروقات حقوق الانسان المختلفة ، ومن خلال الظهور بمظهر المساند لسياسة النظام القمعية والتجويعية ، مقابل مصالح اقتصادية مختلفة ، تتمتع بها فرنسا من معيش الشعب المغربي الفقير والمفقر .
3 ) تقليص رقعة النشاط السياسي ، والنقابي ، والجمعوي الجاد. وهنا ، فبعد تحويله الأحزاب والنقابات الى مجرد صدف فارغة ، تقتات من فتاة مائدة النظام ، نجحت الدولة البوليسية في تجميد الساحة الداخلية عبر تصعيد القمع ، والاختطافات ، والمحاكمات ، مقابل الحفاظ على واجهة نشاط سياسي فولكلوري مفضوح ، يحفظ ماء وجه الديمقراطية المحمدية ، الأكثر تحريفا من الديمقراطية الحسنية . لقد بلغ السيل الزبى واكثر ، حين بدأت الدولة البوليسية تطلق النار على المواطنين وتقتلهم ، وحين شرعت في هدم المساكن فوق رؤوس ساكنيها ، دون ان يعوزها ضمير ، او أريحية إنسانية .
هكذا رغم نجاح الدولة البوليسية في قمع المجتمع ، فهي نجحت من حيث لا تدري ، وهي مشكورة على ذلك ، في خلق معارضة شعبية لها ، بحيث الشعب في واد ، والدولة البوليسية في آخر ، وهو ما يسهل اندلاع أي احتجاج شعبي ، قد يتحول الى طوفان يقضي على الأخضر واليابس .
4 ) تحول الدولة البوليسية الى دولة متسولة ، حيث ان التوظيف الفاشل لكل هذه الخدمات ، وبما فيها ملف الهجرة ، جعل منها تتسول المساعدات ، والهبات المالية ، والقروض ، للتنفيس عن ازمتها العامة خاصة الاقتصادية ، ولخلق نواع من الرواج المالي لدر الرماد في الاعين ، بان هناك اقتصاد يفعل ، ودولة تعمل . ان ابتزاز الدولة البوليسية للمجتمع الأوربي ، في ملف الهجرة ، مقابل الحصول على الدولار ، غني عن أي تعريف .
ومن خلال التحليل العميق والدقيق ، فإننا نستخلص ان كل هذه المحاور المتداخلة والمترابطة ، كما هو واضح ، عاجزة عن حل مشاكل النظام ، المستعصية عن الحل بشكل حاسم ونهائي . لكنها تسمح له بربح بعض الوقت لإعادة ترتيب أوضاعه المستفحلة ، لمحاولة استرجاع المبادرة والتحكم فيها ، باستعمال آليات القمع البوليسي المختلفة .
ان هذه التوجهات تجسد كما برز منذ منتصف 2003 ، حقيقة أساسية ، وهي ان النظام – فضلا عن استراتيجيته العامة الواضحة -- ، يعيش على الحلول الظرفية القائمة على ربح الوقت ، واجترار الوضع . فهو واع تمام الوعي لقصر نفس تلك الحلول ، خاصة عندما تتعلق بالوضع الاقتصادي / الاجتماعي الأكثر من متأزم . فما يهم الدولة البوليسية ، هو كبت النقمة الشعبية المتصاعدة عبر ارجاء كل الوطن ، وتعطيل وإبعاد أسباب الانقلاب العسكري ، عند وصول الاحتقان السياسي درجات اكثر من متقدمة ، بحيث تصبح مصالح فرنسا اكثر من مهددة .
أي ان انقاد النظام كنظام هلامي ، وضمان استمراره بالقمع المسلط ، هما الهاجس اليومي للدولة البوليسية ، ولا يهم بعد ذلك ان يتحول المغرب الى محمية فرنسية جديدة ، او بقي خرابا وأنقاضا .
لكن رغم كل الاعيب الدولة البوليسية ، ومكرها المجسد في سياسية الهروب الى الامام ، فهي إن تركت للنظام عنصر المفاجأة ، والمبادرة ، وتسمح له بتغيير مواقفه بالسرعة والدقة المطلوبتين ، فإنها مع ذلك لا تخلو من المغامرة والمخاطرة .
فسياسة من هذا القبيل تستلزم بالضرورة حصر دائرة القرار، وتضييقها ، وتشخيص القرار نفسه ، وبالتالي ، هذا يحرم النظام نفسه من دعم فعال واع ومستمر ، من جانب نخبته السياسية التي تجد نفسها في ظل غياب الرؤية حتى على المدى الطويل ، في حالة تردد وقلق دائمين . وهذا ما يجعل خطة النظام ، بسبب خطط الدولة البوليسية المقيتة ، مهيأة لان تنقلب عليه في أي وقت وحين ، خاصة وانه موضع تساؤل لدا القوى الامبريالية نفسها ، الغير مُستعدة للتخلي عن المغرب البلد ، لا النظام الذي اضحى معزولا دوليا .
ان خطورة مأزق النظام ، خاصة في الملف الاجتماعي / الاقتصادي ، وملف حقوق الانسان ، وملف الديمقراطية ، ثم ملف الصحراء ، لم تترك امامه خيارا آخر ، غير البحث ومن جديد ، عن اكتساب الوقت الذي اصبح همه الدائم ، وهاجسه اليومي .
في هذا الاتجاه ، تم تطبيق تعليمات البنك الدولي بالحرف ، كشرط للحصول على الديون والتسهيلات الجديدة ، مستعملا حزب العدالة والتنمية ، ككمبراس في عملية تفقير الشعب ، والاجهاز على قوته اليومي . لكن امام التصاعد النضالي الجماهيري المختلف ، فإن هذه السياسة ، ستسبب في هزات اجتماعية عنيفة ، ومحكوم عليها بالفشل .
فهل ستنجح سياسة الدولة البوليسية في الهروب الى الأمام ، من تجنيب المغرب ، هزات اجتماعية عنيفة هي على الأبواب ؟
( يتبع ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك