الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (133) التواصل المعلوماتي

بشير الوندي

2018 / 10 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (133)

التواصل المعلوماتي

بشير الوندي
----------
مدخل
----------
غالبا ماتكون الاستخبارات المحترفة قليلة العدد في افرادها لكنها ناجحة في جذب تعاون بشري واسع من المواطنين والى تفعيل كافة اذرع تواصلها وصولاً للمعلومة. ولاشك من ان تسهيل عملية التواصل والبناء الجيد لأذرعها سيجعل ذلك ممكناً , فالاستخبارات المتقدمة هي تلك الاستخبارات التي تعتمد بشكل كبير على تعاون المواطنين. وهو أمر يتطلب بناء بيئة استخبارية مبنية على تواصل معلوماتي شعبي وفق اسس صحية وسليمة .
-----------------------
توصيف الارتباط
-----------------------
ان التوصيف الصحيح لمسمّى العلاقة بين اي فرد والجهاز الاستخباري هو توصيف لايحتاج الى التعقيد وهو يعتمد بكل بساطة على جنسية الشخص , وكما يلي :
1- إنّ اي أجنبيٍّ يعمل مع إستخبارات دولة اجنبية يسمّى بالمصدر , فإن كان عمله ضد بلاده ومع استخبارات البلد العدو لبلاده فيسمى بالعميل .
2- ان كل مواطن يتعاون مع استخبارات بلاده ومسجّل في جهاز الاستخبارات وله تسلسل ورقم ومكافآت فهو مخبر , أما إن كان مواطناً يبلغ الجهاز الاستخباري عن معلومة او مشاهدة فهو متعاون .
ان مدار مبحثنا ينحصر في المواطنين اي في المخبر والمتعاون .
--------------
المخبر
-------------
ان هنالك فوارق جوهرية بين المخبر والمتعاون سواء ماكان منها متعلقاً بطبيعة دوافع كل منهما او بطريقة التعامل مع كل منهما او في دور كل منهما وطبيعة المطلوب من كل منهما , وسنستعرض هنا مايخص المخبر فيما يلي :
1- فمن حيث الدوافع للمخبر فهي عديدة أشهرها الدوافع المادية (المكافآت ) سواء كانت مباشرة بالأموال , أو غير مباشرة بالتسهيلات التي توفرها الاستخبارات لمخبريها .
كما ان الدوافع لاتقف عند ذلك , ففي بعض الاحيان يكون عمل المخبر أشبه مايكون بالإجبار , ففي مقابلة مع احد قادة وزارة الداخلية المصرية في عهد مبارك لصحيفة مصرية صرّح ان لأجهزة استخبارات الداخلية مئات ألوف المخبرين المجانيين ممن نزحوا للعمل في القاهرة كبوابين للعمارات وعمال مقاهي وعاملين في أكشاك السكائر وغيرهم , وان هؤلاء لايتمكنون من ممارسة مهنتهم في العاصمة دون تصريح أمني , فتتم مساومتهم عليه مقابل العمل كمخبرين مجانيين مرتبطين بأقسام الشرطة , بالاضافة الى من ارتكبوا جرائم صغيرة كتناول الحشيشة , حيث يتم اعفائهم مقابل التعاون كمخبرين , عدا عن بعض الامتيازات التي تعطى لسجناء مقابل ان يكونوا وشاة لدى الاجهزة المعنية على زملائهم ويلقبون وسط السجناء ب"العصافير".
2- اما من حيث طبيعة ارتباطه , فالمخبر له سجل في الدوائر الاستخبارية وله عناصر استخبارية تتابعه وتكلفه , وتجري له لقاءآت وتقييمات دورية ويتم دعمه او معاقبته او طرده .
3- اما من حيث طبيعة عمله , فغالباً ما يمارس المخبر عمله الشخصي ومهنته سواء كانت شريفة وقانونية كالعمل الوظيفي او العمل الحر والحرفي , او كانت غير ذلك كعضو العصابة والقواد وعضو التنظيم الارهابي والمهرّب وفتاة الليل وغيرهم .
وعادة مايطلب من جميع الوكلاء المعلومات ضمن محيطهم , مع الاهتمام الخاص بأعضاء العصابات والتنظيمات الارهابية حيث يجري تدعيم عملهم ودعمهم لغرض الاستفادة القصوى من تعاونهم .
-------------
المتعاون
-------------
ان ماتم تعداده يختلف جذرياً عن المواطن المتعاون وكما يلي :
1- فبالنسبة للدوافع , فإنها تتنوع مابين الاخلاص للوطن والحرص عليه او ان تكون بدافع الانتقام او المصلحة الشخصية (كالتنافس الوظيفي ) , وهو أمر تدقق فيه الاجهزة الاستخبارية حتماً , الا ان القاعدة الذهبية الحاسمة هنا عي قول الامام علي عليه السلام ( لاتنظر الى من قال وانظر الى ماقال ) فالمهم في الامر هو مدى صدق المعلومة , الا انه في المحصلة , فانه كلما ازداد الوعي وانتشرت العدالة والمساواة فستنشط معها الروح الوطنية المخلصة التي تتعاون مع اجهزتها الاستخبارية من اجل المصلحة العامة .
2- أما من حيث الارتباط , فلاإرتباط للمتعاون على الاطلاق مع الاجهزة الاستخبارية وليس له سجل ولاتقييمات ولا عقوبات , بل الاكثر من ذلك , ان طبيعة تطور وسائل الاتصال تتيح للمتعاون ان يتصل بالاجهزة الاستخبارية ويوصل لها المعلومة دون ان يكشف اسمه او عنوانه لأسبابه الخاصة او لإخفاء غرضه او خوفاً من انتقام الآخرين , لذا فان الاجهزة الاستخبارية , لاسيما في عالمنا الثالث تتلقى الاتصال من مجهول.
3- اما من حيث طبيعة الاعمال التي يكلف بها , فلايوجد تكليف ولايطلب من المواطن المتعاون اكثر من طاقته توخياً لسلامته , فهو يقدم معلومة للاجهزة الاستخبارية , وللأخيرة ان تأخذ بها او لاتفعل , مع ضرورة عدم اهمال اي بلاغ .
--------------------------------
مباني البيئة الاستخبارية
--------------------------------
يتم بناء المجتمع الاستخباري والبيئة الاستخبارية باشكال متعددة :
١ التواصل المبني على الخوف : وهو الحاصل في الحكومات الدكتاتورية العنيفة , ويكون المواطن متعاون على أساس الخوف , فالسلطة مرعبة ويخشى المواطن من ان تتهمه الاجهزة الاستخبارية بالتستر وهو امر ينتج معلومات تحطم احياناً الاواصر الاجتماعية بأكثر مما تنفع الاستقرار , كتبليغ الوالد عن ولده الهارب من الخدمة الالزامية في عهد الطاغية صدام . وفي مثل هذه السلطة فإن الشعب يتركها لمصيرها ويتشفى بها حين تتعرض للضعف والانهيار.
2- تواصل مبني على المنفعة :عندما تكون الاجهزة الاستخبارية فاسدة والاجهزة الامنية منخورة بالفساد , يتم التعاون معها على أساس الفائدة والتستر والرشى والتبعيض وأخذ الاموال والانتقام وازاحة الآخرين. ويكون التعاون هنا سقيم وهزيل في جوهره ولايحقق استقراراً , بل ان المخبر سرعان ما ينقلب الى الطرف الاقوى , ومثاله ما حصل في الموصل , حيث ذهب أغلب المخبرين للعمل مع داعش لاحقا .
٣ تواصل مبني على تسقيط الفرض أو الواجب: ويكون في الدكتاتوريات الناعمة غير الخشنه , وهنا يتعاون المجتمع مع السلطة عند الضرورة ضمن حدود الحاجه الشخصية للامن.
٤ تواصل الانتماء : وهو الاسلوب الامثل المبني على الحس الوطني ومفهوم الامن للجميع وهنا تكون السلطة والاستخبارات حاميتان للشعب وعينهما له وليست عليه. وهو اسلوب مُفتقد إلا في الدول التي تحترم مواطنيها .
-------------------------
المعادلة المعكوسة
-------------------------
من البديهي ان نعلم انه , كلما كان المواطنون أكثر تواصلاً مع الاجهزة الاستخبارية , كلما تراجع عدد المخبرين المعتمدين , وكلما ندر المتعاونون من المواطنين , كلما اندفعت الاجهزة الاستخبارية لتسد نقصها من خلال إختيار مخبرين في الاماكن التي تحتاجها .
ولكن في كل الاحوال , فإن الحاجة الى المخبرين تبقى قائمة ومهمة , كحالات خرق عصابات او تنظيمات الارهاب اوالسعي لكشف فساد مالي واداري وغير ذلك.
ان الحد الادنى للمعلومات التي تستحصلها الاجهزة الاستخبارية من المواطنين ومن شبكات التواصل هو مالايقل عن ١٠ % كحد ادنى , وكلما تطور التعاون زادت النسبة وطغت على باقي الاذرع الاستخبارية.
وهو ماتنبهت له وأفادت منه استخبارات الدول المتقدمة والراسخة في تلبية حقوق مواطنيها وخدماتهم , فأي مواطن هناك يكون متعاوناً بأريحية مع الاجهزة الامنية والاستخبارية , فالعجوز في شرفة المنزل ترصد وتتصل , والمزارع على الحدود يبلغ عن التهريب ويتصل وكل الفئات تتصل وتبلغ عن أي فعل مريب , فالكل يرى ان من مصلحته دوام الاستقرار لينعم هو به , وهو يرى ان تعاونه مع الاستخبارات هي واجب وطني يصب في مصلحه البلد والشعب ومصلحته وأمنه وعائلته.
الا ان الامر ليس بتلك البساطة في البلدان المتخلّفة والهشّة , فَأنْ يتجشم مواطن ما عناء الاتصال بجهاز استخباري ليوصل معلومة – غالباً مايراها هو على الاقل خطيرة – فإن الامر يحتاج الى جهد جبّار .
فإن كانت هنالك شركات تصرف الملايين من اجل جذب المواطن لشراء منتجها بكل سلاسة وان ينتفع منه , ومع ذلك تنافسها شركة اخرى وتجعلها تخسر معركتها التسويقية , فما بالك بجهاز استخباري تزداد سمعته سوءاً كلما زادت الدولة من ضعفها أو جبروتها وعنجهيتها وفسادها وقسوتها وتفشي المحسوبية والفساد القضائي فيها , فكيف تستطيع الاجهزة الاستخبارية ان تحسم الصراع النفسي داخل المواطن بين ان يتعاون معها او أن يتشفى بها ؟
لقد ذكرنا في مبحث سابق طبيعة العلاقة بين الاجهزة الاستخبارية وشكل السلطة وطبيعة الانظمة , وقلنا ان النظام القمعي او النظام الضعيف ينتج اجهزة استخبارية قمعية تتحول الى اداة للسلطة , وفي تلك الحالة يكون الحائل بين اندفاع المواطن صاحب المعلومة وبين الجهاز الاستخباري المتعطش لها كبيراً .
فلو عرف المواطن بإعتقال ابرياء او شاهد صوراً لظهر شاب مزقته السياط والعصي لأنه يطالب بأبسط مقومات الحياة , اوعلم المواطن بإغتيال معارض , أو رأى الحقوق مسلوبة والظلم مستشرياً , ووجد ان العصابات المسلحة تفرض اتاواتها على الدولة , وأنه عاطل عن العمل فيما يشتري ابن الوزير سيارة لومبرغيني بنصف مليون دولار , ووجد ان أباه الموظف المتقاعد بخدمة ربع قرن مهلكة يستلم مرتباً لايكفي مصروف جيب لإبن نائب برلماني تمتع بأربعة سنوات فقط بحياة الامراء ليتقاعد بمرتب يكفي لإعالة عشرين عائلة,حينها لن يتقدم المواطن بتقديم المعلومة ولو كان فيها انهيار النظام والوطن لانه لايشعر بالانتماء لكليهما .
إنَّ إزدياد عدد المخبرين المسجلين هو مؤشر سيء يدل على ان المجتمع لا يتعاون , وان النتائج المترتبة على عدم تعاون المواطنين كثيرة , فكلما قل تعاون الناس زاد التجنيد والعسكرة والجيش , وجرت محاولة سد ذلك الفراغ بالانتشار ومسك الارض وتضخيم الأجهزة الامنية والاستخبارية.
----------------------
دعائم لوجستية
----------------------
هنالك العديد من الامور اللوجستية التي يلزم توافرها لتفعيل التعاون مع الاستخبارات نلخصها بما يلي :
1- الخط الساخن : فغالبية الدول تضع هواتف طواريء فعالة ونشطة للطوارىء والاطفاء والمرور والنجدة والاسعاف الفوري ومكافحة الارهاب وغير ذلك من التصنيفات , ولكن المهم هنا هي قابلية الاستجابة ووجود عناصر ترد على الهاتف ليل نهار .
بل ان بعض الدول تجعل الرقم موحداً لكافة الحالات لكي يكون الاتصال متمركزاً , ومن مركز السيطرة يتم توزيع المهام والاستجابة الفورية وهو أمر له ايجابياته لانه :
أ- تسهيل عمليه الاتصال برقم واحد وحفظه .
ب- اصبح مركز السيطرة والرد واحد فقط وليس مراكز متعددة .
ج- تقليص الكادر.
د- تحديد المسوؤلية .
ه- سهولة تدريب الكادر لمركز استجابة واحد .
و- سيكون بمثابة قيادة وسيطرة .
ز- الافادة من الاحصاء المتمركز وإعلام الموقف الواحد .
2- سرعة الاستجابة : من الامور اللازم توافرها هي سرعة الاستجابة , فتصور لو انك اتصلت مرة بالاسعاف الفوري أو المطافي ولم يلبوا طلبك سريعا فهل ستعوّل عليهم مرة أخرى ؟؟بالطبع لا , ومن هنا يجب ان تكون الاجهزة الأمنية والاستخبارية جاهزة بتنسيق كبير لتحقيق الاستجابة السريعة من خلال شرطة النجدة او الأمن , فالاستجابة تجعل المواطن يتحفز ويشعر بالامان والثقة .
ان عدم الاستجابة احدى ابرز عوامل فقدان الثقة بالرقم , ففي العراق تُعلن الارقام الساخنة وبشكل متنوع وصعب الحفظ وبلا إستجابة , وفقبل بضعة سنوات استضافت إحدى القنوات وزيراً , وكان يتحدث عن الخط الساخن واهميته , فقام مقدم البرامج بالاتصال على الخط الساخن لمرتين دون استجابة في حادثة كانت ستطيح بالوزير في اي بلد يحترم مواطنيه.
3- ضابط التواصل : من المهم حسن اختيار ضابط التواصل الذي لابد ان يكون ماهراً وودوداً في التعامل مع الناس يجيد الحوار ويعرف شيئاً عن علم النفس الاجتماعي والجنائي ويتمتع بالهدوء والصبر وقابلية الاستيعاب والقدرة على إستنطاق الاخرين عن بعد من خلال الهاتف او وسائل التواصل.
4- الدعاية والاعلام : تنتهج الاستخبارات بالتعاون مع باقي الوزارات برامج ارشادية وتضع برامج تعليمية في المدارس والاعلام عن اهمية تعزيز الامن من خلال تعاون المواطنين وأن الامن مشاركة من الجميع.
5- السرية والحماية : من المهم التأكيد على سرية بيانات المتعاونين وهو آمر هام يشملهم كما يشمل المخبرين والمصادر في حماية وسرية وضمان سلامتهم هم وعوائلهم , وهو مانصت عليه اتفاقية الامم المتحدة لمكافحه الفساد - المادة ٣٢ – على ان تقوم الدول بما يتناسب مع امكانياتها في حماية المخبرين وضمان سلامتهم وسلامة عوائلهم , ومن تطبيقاته في الدول المتقدمة برامج حماية الشهود والمخبرين.
6- تعتبر الحوافز هامة في تنشيط التواصل المعلوماتي كالمكافآت للتبليغ عن الهاربين والمطلوبين الخطرين , وهو أمر سهّل على القوات الامريكية المحتلة القبض في فترات قياسية على معظم المطلوبين لها في العراق .
----------
خلاصة
----------
كلنا شاهدنا الحشود الضخمة التي تحشدها الانظمة الاستبدادية حين تُخرج المظاهرات القسرية لتتغنى بالحاكم , وكلنا رأينا شعوباً تخرج من ذاتها بمظاهرات سلمية غير مدفوعة الاجر وتسقط تلك الانظمة .ان كلتا النوعين هما ضمن تعريف المظاهرة , الا ان النوع الثاني هو الذي ينتج التغيير فيما لاينتج النوع الاول سوى النفاق والسخرية .ان الفرق بين النوعين هو ذاته الفرق بين المعلومات مدفوعة الاجر او المعلومات القهرية , وبين التعاون الواسع للمواطنين بشكل طوعي وحس وطني في التبليغ عن المعلومات الى الاجهزة الاستخبارية , فالاول ينتج امناً قلقاً مبني على النفاق , فيما يبني الثاني الاستقرار والرفاه والقوة .ان تحقيق التعاون الشعبي مع الاجهزة الاستخبارية مرهون بدور تلك الاجهزة , فإن كانت اجهزة وطنية سيخدمها ليمكنها من ان تخدمه , وان كانت اجهزة قمعية سلطوية فلايمتنع عن التواصل معها فقط , لكنه سيعتبر المتعاون معها خائناً لشعبه وعميلاً للسلطة , والله الموفق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة