الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعوبة نشركل ما يمس الثقافة السائدة (2)

طلعت رضوان

2018 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ظللتُ لعدة سنوات أكنُ الاحترام والتقديرللمفكرالماركسى الكبيرمحمد سيد أحمد (1928-2006) وكان سبب إعجابى بشخصه (وقبل أنْ أقرأ كتبه) بعد أنْ علمتُ أصوله الاجتماعية، فهومن سلالة أسرة أرستقراطية..وعلى مدارثلاثة أجيال كان من بينهم بعض الباشوات، مثل إسماعيل باشا صدقى (ابن عم والده وزوج عمته) وبالرغم من انتمائه لطبقة الباشوات/ الأغنياء، انحازللفقراء من فلاحين وعمال..وربما كان هذا الانحيازأحد أسباب اعتناقه الفكرالماركسى (كما حدث مع المناضل (القديس) أحمد نبيل الهلالى.
وبالرغم من موقفى هذا من هذا المفكرالمحترم، فإننى توجستُ عندما فكرتُ فى الكتابة عنه، وأنّ ما سوف أكتبه لن يـُـنشر..والسبب أننى انتقدتُ ما كتبه عن (هوية الوطن) حيث اعتبرأنّ الإسلام هوية..وما توقعته حدث، فلم يـُـرحـّـب أى رئيس تحريربنشرمقالى، خاصة بعد أنْ أصبح د. محمد سيد أحمد أحد كــُـتاب صحيفة الأهرام. وفيما يلى مقالى الممنوع من النشر:
000
أعتقد أنّ اللغة الدينية إذا تسلــّـلتْ إلى عقل أى مُبدع أومفكر، تكون أشبه بالخلايا السرطانية التى تتسلل إلى جسم الإنسان، وتظل كامنة لعدة شهور، وأحيانــًا أكثر، دون ظهورأية أعراض, وفجأة تظهرتلك الأعراض بعد تفاقم الحالة..والمفكر الماركسى الكبيرالأستاذ محمد سيد أحمد ، هو واحد من الماركسيين المصريين المُحترمين، بل إنّ العودة لجذوره الطبقية تـُوضّح شخصيته. فقد انحازمنذ شبابه للفلاحين والعمال، وبسبب هذا الانحيازانضم لمنظمة (أسكرا) الشيوعية..وفى عام 1947 أصبح مسئولاعن خلية من خلايا تلك المنظمة..وكان وعيه بالظلم الواقع على الجماهيرالشعبية أحد أسباب انخراطه فى صفوف الحركة الشيوعية المصرية، رغم أنه لم يكن يـُـجيد التحدث باللغة العربية. ففى حوارأجراه معه أ. مصطفى عبد الغنى فى مجلة الديمقراطية- عدد إبريل 2006 قال ((كان أبى يشتكى من أننى لا أتحدث بالعربى..وأول لغة تعلمتها كانت الإنجليزية. ثم انتظمتُ فى المدارس الفرنسية..وأنّ الذى لعب دورًا فى انتمائى للماركسية كان الأدب الفرنسى، ثم شعرالمقاومة، مثل أشعار(أراجون) و(بول إيلوار)
ولكن تبدو المفارقة المهمة فى شخصيته وفى انتمائه للحركة الشيوعية ودفاعه عن الجماهير الشعبية، عندما نعلم أصوله الطبقية: فهومولود لأسرة أرستقراطية من الباشوات وكان والده من كبارالملاك، وعمه إسماعيل صدقى باشا الذى شغل منصب رئيس وزراء مصرأثناء فترة الاحتلال الإنجليزى. تلك المفارقة تــُوضّح أنه رفض التعبيرعن طبقته التى وُلد ونشأ فيها، مما يعنى أنّ هذا الرفض قد يُسبّب له المشاكل مع أسرته، ولكنه لم يهتم..وتلك المفارقة (وإنْ كانت نادرة الحدوث) إلاّ أنّ التاريخ سجّل بعض الحالات، مثل الموقف الذى اتخذه فريدريك إنجلز (1820- 1895) وكان من أسرة رأسمالية كبيرة، ورغم ذلك انحازللطبقة العاملة ولم تكن (رأسمالية) أسرته حائلا أمام توجهاته الفكرية والإبداعية النظرية فى التأصيل للاشتراكية العلمية مع صديق عمره كارل ماركس (1818- 1883) وأنّ الصديقيْن صاغا (البيان الشيوعى) فى عام 1848. بل إنّ (إنجلز) اشترك فى تدبيرالحركات الثورية فى أوروبا. كما أنه ساعد ماركس بالدعم المادى كى يتفرّغ للبحث والدراسة..ولم تقف تضحيات (إنجلز) عند حدود المساهمة بالمال وإنما أثرى الفكرالاشتراكى بالعديد من الكتب، منها على سبيل المثال (معالم الاشتراكية العلمية)، (الدولة والملكية الخاصة)، (أصل الأسرة) كما أنه هوالذى أخرج الجزءيْن الثانى والثالث من كتاب (رأس المال) بعد وفاة ماركس..وفى مصرلم يكن محمد سيد أحمد وحده وإنما كان لدينا المناضل الشيوعى الكبيرنبيل الهلالى الذى منحه كثيرون من الماركسيين المصريين صفة (القديس)
وقد تعرفتُ على محمد سيد أحمد عن قرب، ولمستُ أخلاقه النبيلة، خاصة من خلال تجربة واقعية عندما اختارالمرحوم بيومى قنديل ليترجم كتاب (محاكمة ريجان) تأليف مجموعة من كبارالحقوقيين الدوليين..وصدرالكتاب بالفعل عن سلسلة كتاب الأهالى الذى كان حزب التجمع يُصدره..وكان من حـُسن حظى أننى شهدتُ الجلسة التى تمّت بينهما بعد أنْ قرأ الأستاذ محمد سيد أحمد الترجمة، فأثنى عليها ثناءً كبيرًا وظلّ طوال الجلسة يمتدح الصديق بيومى قنديل على عمق ثقافته وعمق معرفته بقواعد اللغة الإنجليزية.
000
دفعنى لهذه المُقدّمه سؤال: كيف لمفكرماركسى من ناحية، وتميّزبالنبل الأخلاقى من ناحية ثانية، ولم يسع لإرضاء أية جماعات سياسية من أجل الثراء المادى من ناحية ثالثة، ورغم كل ذلك تــُسيطرعليه اللغة الدينية فى مرحلة من مراحل عمره؟ وبسبب هذه اللغة الدينية انتقل الأستاذ محمد سيد أحمد من صفوف الماركسيين إلى صفوف الإسلاميين، حيث قال فى ندوة دعته إليها جمعية اكسفورد للشرق الأوسط ((مع زوال النظام العالمى المُستقطب إلى قطبيْن عدائييْن، لم يكن بغريب أنْ تبرزللمقدمة صورمختلفة للتعبيرعن الهوية- منها الإسلام– كانت على نحوأو آخرمكبوتة من قبل..وهى هوية أصبح الاحتماء بها فى مناخ عالمى يتــّـسم بالقلق والحيرة، بالغ الأهمية، لا للحفاظ على الذات فحسب، بل لكونها خليقة بحشد الأنصار، فى ظرف يبحث فيه الغرب عن (عدو) يحل محل الشيوعية..ويكون سنده فى حفظ تماسكه..وسوف يكون أسلوب حسم النزاع العربى/ الإسرائيلى محكــًا رئيسيًا فى تقريرمُـقدرات المواجهة مع الإسلام مستقبلا..وإذا كانت هناك مراهنة على أنْ يكون التصدى لما يتصوّره الغرب (خطرتعاظم الإسلام السياسى) هوالعنصرالراعى لإبرام سلام مع إسرائيل، فلن يكون هناك سلام، بل سوف تكتسب المواجهة مع الإسلام طابعًا أكثرضراوة..وقد آن أوان نزع فتيل هذه المواجهة، بالاعتراف للإسلام بأنه أحد الروافد الرئيسية للحضارة العالمية المعاصرة. بل إنّ هذا وحده سبيل استعادة صفته ك (هوية) لدى قطاع بارزمن الجنس البشرى، قبل اتسامه بصفة الأداة السياسية فى مواجهة فرضها الغرب. وكان ضمن حضورالندوة الزعيم الإسلامى التونسى (راشد الغنوشى) الذى علــّـق على كلمتى بقوله ((أوافقك على طرحك الخاص بأنّ التحديث ممكن بعيدًا عن مفهوم الغرب للعلمانية..ولكن أتحفظ بشأن قولك أنّ الإسلام (هوية) عليها أنْ تظل بمنأى عن السياسة)) قلتُ: بصفتى مصريًا، كيف ترى أنْ يكون تعاملى مع الأقباط (يقصد المسيحيين لأنّ كل المصريين أقباط) قال: كمواطنين. قلتُ: كيف يكون ذلك والإسلام وحده هوالمرجع سياسيًا؟ قال: إنها ليست بالقضية المُتعذرة الحل)) (أهرام 4/6/92)
هذا ما كتبه أ. محمد سيد أحمد (الماركسى) فسيادته يرى أنّ الإسلام (هوية) وكأنه لايستطيع أنْ يُفرّق بين الإسلام كدين و(الهوية) التى تــُـرادف (القومية) وأنّ (القومية) هى ((الهوية الحقيقية لأى شعب)) لأنها تضم كافة المواطنين بغض النظرعن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفلسفية. وأنّ القومية تتمثل فى مجمل ثقافة أى شعب عبرمراحل تاريخه. وأنّ هذه الثقافة القومية هى التى تـُميزّبين شعب وشعب. أما الدين فشىء آخر، بدليل أننا نجد شعبًا واحدًا أنتج ثقافة قومية واحدة، يعتقد فيها ويعتزبها، ومع ذلك فإنّ أبناء هذا الشعب يعتنقون عدة أديان، والعكس يؤكد نفس المعنى: فالدين الواحد تعتنقه شعوب عديدة، لكل منها ثقافة قومية مختلفة عن الأخرى. فالإسلام يعتنقه التركى والباكستانى واليمنى إلخ إلخ. فهل الثقافة القومية واحدة لدى أبناء هذه الشعوب؟ يُجيب الواقع وتـُجيب الدراسات والأبحاث فى علم الأنثروبولوجيا ب (لا) قاطعة، إذْ أنّ لكل شعب ثقافته القومية المختلفة عن غيره..وتلك حقيقة اعترف بها كثيرون مثل العالم ليفى شتراوس الذى قال ((إنّ الإسهام الحقيقى لأية ثقافة لايتكوّن من قائمة الاختراعات التى أنتجتها، بل من اختلافها عن غيرها)) وفى رده على الذين طالبوا ب (حضارة عالمية) قال إنّ هذا الطلب مشروط بأنْ ((تحتفظ كل ثقافة قومية بأصالتها)) وكتب العالم (كونور كروزاوبريان) أنّ الدين غالبًا ما يُـتخذ ذريعة للغزوالمادى. كما يُسهم الدين– إذا اصطبغ بالسياسة- فى زيادة حدة الصراع أكثرمن إسهامه فى بناء السلام، ومن أمثلة ذلك الصراع بين الهندوس والمسلمين فى الهند.. وبين الشيعة والسنة فى العراق وباكستان وبين البروتستانت والكاثوليك بأيرلندا الشمالية. ومع أننا نشترك فى إنسانية واحدة، فإنّ هذا لن يجعل منا أعضاء قبيلة عالمية واحدة، فتنوع الجنس البشرى هوالذى يضرب بجذوره فى هذه الإنسانية المشتركة)) وكتب العالم (كارلوس فوينتيس) أنّ ((من عجائب كوكبنا تعدد تجاربه وخبراته وذاكرته ورغباته..وأية محاولة لفرض سياسة موحدة على هذا التنوع ستكون بداية النهاية)) والأمثلة فى مكتبتى كثيرة، والخلاصة من واقع التاريخ القديم والوسيط والحديث أنّ الدين (شىء ذاتى) أما الانتماء لوطن له حدود جغرافية متعينة فهو(الموضوع) الذى يضم أبناء هذا الوطن بغض النظرعن ولاءاتهم الدينية.
أما السؤال المُعلق الذى طرحه أ. محمد سيد أحمد ((بصفتى مصريًا كيف ترى تعاملى مع الأقباط؟)) فهوسؤال بلا معنى. لأنّ أى تحفظ أوتخوف يُمكن تدبرأمره وأنّ المشكلة ((ليست متعذرة الحل)) كما قال الغنوشى..وأنّ ((الكلام ما علاهوش جمرك)) كما قال شعبنا الأمى فى أهازيجه البديعة، لأنّ الأصوليين عندما يحكمون سوف يُطبقون النصوص الخاصة بالمسيحيين بما فيها فرض الجزية المذكورة صراحة فى القرآن أوقتالهم (التوبة/29) وفى المنيا فرضتْ الجماعات الإسلامية الجزية على المسيحيين وتم اعدام 40مسيحيًا رفضوا دفع الجزية (صحيفة الأهالى 19مارس 97) وإذا كان أ.محمد سيد أحمد يرى أنّ الإسلام (هوية) وأنّ التحديث ممكن بعيدًا عن مفهوم الغرب للعلمانية)) فإنّ السؤال المسكوت عنه هو: أليس هذا كلام الأصوليين فى كل دين؟
000
هوامش قد تبدوخارج السياق ولكنها لصيقة بموضوع المقال:
هامش (1) فحزب التجمع الذى انتمى إليه أ. محمد سيد أحمد أعلن فى برامجه الانتخابية أنه مع تطبيق الشريعة الإسلامية..وجاء فى برنامج الحزب لعام90(كمثال) لانتخابات مجلس الشعب ((استلهام مبادىء الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدرالرئيسى للتشريع مع كفالة حرية العقيدة.. إلخ)) (ص9) طبعًا الجزء الأخيرمن هذه الفقرة مهم ولاخلاف عليه، ولكنه مثل الزائدة الدودية التى سيقطعها الأصوليون طالما اعترف حزب التجمع (اليسارى) بأنّ مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدرالرئيسى للتشريع))
هامش (2) المسئولون عن مجلة اليسارالصادرة عن حزب التجمع لم يجدوا شعارًا للمجلة إلاّ من قاموس اللغة الدينية فكتبوا ((راية المُستضعفين فى الأرض)) وبالطبع يسهل على القارىء أنْ يضع أى شعارآخرمن مفردات اللغة الاجتماعية.
هامش (3) واللغة الدينية دفعتْ أ. خالد محيى الدين (رئيس حزب التجمع لعدة سنوات) لأنّ يُرسل برقية تهنئة إلى أ. محمود كامل ياسين بالقرارالجمهورى بتعيينه نقيبًا (للأشراف) (صحيفة الأهالى 6/3/91) وكأنه لم يسمع الحقيقة البسيطة القائلة أنّ البشرمتساوون..وأنّ تقسيم البشرإلى (أشراف) و(موالى) أى سادة وعبيد ، هوتقسيم أفرزته ثقافة الرعاة الذين غزوا مصربقيادة عمروبن العاص، وهوالتقسيم الذى لفظته كل الشعوب المُتحضرة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص